المصالحة المؤجلة
عريب الرنتاوي
جو 24 : لا أحد يبدو على عجلة من أمره في شأن المصالحة الوطنية الفلسطينية ... السلطة الفلسطينية، وحتى تنتهي من جولة مفاوضاتها الراهنة مع إسرائيل (ربيع العام المقبل)، لا ترى فائدة في اصطحاب حماس في حافلتها ... وحماس نفسها، وإن كان بعضها يرى في المصالحة «طوق نجاة» من أزمات العزلة والحصار والمواجهة مع النظام المصري الجديد، إلا أنها تخشى أن تكون المصالحة في ظل موازين القوى الحالية، بوابة فتح لتحجيم الحركة وإضعاف تمثيلها ... أما الوسيط المصري، فهو بدوره منشغل بأولويات أخرى، ولا مواعيد محددة على رزنامته للقيام بجهد أو استضافة الوفود الفلسطينية المتحاورة.
سبر غور المفاوضات، على عبثيتها، أولوية مقدمة على سواه من زاوية رام الله ... حفظ حكم حماس وحكومتها في غزة، أولوية مقدمة على غيرها بالنسبة لحماس ... تلقين حماس درساً لا تنساه، وإضعاف حكمها في غزة (إن لم نقل إسقاطه) وإعادة كرة القطاع إلى مرمى الاحتلال (والسلطة) هي أولويات النظام المصري الجديد، بعد أن بدا أن ثمة من بين الفلسطينيين والمصريين والإسرائيليين، من يريد قذف كرة القطاع الملتهبة إلى الحضن المصري.
لهذا يبدو الحديث عن المصالحة الوطنية الفلسطينية في هذه الأيام، ضرباً من «تقطيع الوقت»، ومن باب «لزوم ما لا يلزم»، على أن المسألة قد تعود مجدداً لاحتلال موقع الأولوية بالنسبة لمختلف الأطراف مع تبدل الأحوال وتعاقب المستجدات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: (1) وصول المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية إلى طريق مسدود، وهذا احتمال مرجح وإن لم يكن السيناريو الوحيد ... (2) اقتناع حماس بأن وجودها ومستقبلها بات مرتبطاً باندراجها في السياق الوطني الفلسطيني أولاً، وتحت سقف المصالحة والوحدة الوطنيتين، وليس بالاستقواء بالخارج ورهاناً عليه ... (3) اقتناع النظام المصري بأن استئصال حماس، مثل استئصال الإخوان، خيار غير واقعي وغير قابل للتحقيق، فضلاً عن كونه خياراً مكلفاً، بل وباهظ الكلفة.
من الآن وحتى الربيع القادم، لن تنجلي صورة مواقف هذه الأطراف ... لكن خلال هذه الفترة سنتخبّر ما قد يحصل في الإقليم الذي يتعرض لهزات وارتدادات زلزالية عميقة، تسهم بتغيير صورته وخرائط تحالفاته، بل وربما خرائطه الجيو سياسية ... خلال هذه الفترة ستكون سوريا قد اختبرت تطبيقات اتفاق الكيماوي، وستكون مؤشرات «جنيف 2» قد لاحت في الأفق وتبلورت معالمها.
وخلال هذه الفترة، ستكون المفاوضات الأمريكية – الإيرانية متعددة المسارات والأطراف والموضوعات، قد تكشفت عن معالم الصورة المستقبلية للعلاقات بين طهران وعواصم العالم والإقليم ذات الصلة، وربما سيكون لدينا الفرصة للتعرف على صورة «يالطا 2» التي بدأت ترتسم منذ «المكالمة الهاتفية الأشهر»، والتي لا يستبعد بعض المراقبين والمحللين أن تتخطى حدود تقاسم النفوذ إلى رسم الخرائط، وبمشاركة أطراف فاعلة إقليميا ودولياً وصولاً لـ «سايكس بيكو 2»، أعطت صحيفة النيويورك تايمز بعضاً من ملامحه ومؤشراته قبل يومين.
هذه التطورات الإقليمية المتسارعة، ومن بينها هبوط ظاهرة الإسلام السياسي بعد صعودها المدوي في السنوات الأخيرة، سيكون لها انعكاساتها على سقوف حل القضية الفلسطينية، وستؤثر بشكل مباشر في شكل ومآلات الخيارات الكبرى للشعب الفلسطيني: خيار المقاومة وخيار المفاوضات ومشروعا بناء الدولة والتحرير، فضلاً عن انعكاساتها المباشرة على عملية «إعادة توزين القوى» على الساحة الفلسطينية، ذلك أن قوة أي من الفريقين المصطرعين، لم تعد تحسب، وهي لم تحسب من قبل، بحجم نفوذها الداخلي في أوساط الشعب الفلسطيني بل بقدر ما تتلقاه من دعم، وتستند إليه من تحالفات إقليمية ودولية، والمؤشرات في كلتا الحالتين لا تسير في صالح حماس، بل ولا تسير في صالح الشعب الفلسطيني بصفة عامة.
وحدها صحوة شعبية وطنية فلسطينية، يمكن أن تحدث فرقاً، وأن تعكس اتجاه سير الأحداث وتعاقبها، بأن تملي على جميع القوى والمكونات والفصائل، إعمال المصلحة الوطنية العليا بديلاً عن المصالح الفئوية والانتهازية، وتجلي سحب الأوهام والرهانات الخاطئة والخطيرة التي حكمت سلوك الأطراف في رام الله وغزة، وتضع الفلسطينيين بعمومهم على سكة النهضة والاستنهاض، بعد سنوات عجاف من الانقسام والركود و»الموات السريري».
(الدستور)
سبر غور المفاوضات، على عبثيتها، أولوية مقدمة على سواه من زاوية رام الله ... حفظ حكم حماس وحكومتها في غزة، أولوية مقدمة على غيرها بالنسبة لحماس ... تلقين حماس درساً لا تنساه، وإضعاف حكمها في غزة (إن لم نقل إسقاطه) وإعادة كرة القطاع إلى مرمى الاحتلال (والسلطة) هي أولويات النظام المصري الجديد، بعد أن بدا أن ثمة من بين الفلسطينيين والمصريين والإسرائيليين، من يريد قذف كرة القطاع الملتهبة إلى الحضن المصري.
لهذا يبدو الحديث عن المصالحة الوطنية الفلسطينية في هذه الأيام، ضرباً من «تقطيع الوقت»، ومن باب «لزوم ما لا يلزم»، على أن المسألة قد تعود مجدداً لاحتلال موقع الأولوية بالنسبة لمختلف الأطراف مع تبدل الأحوال وتعاقب المستجدات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: (1) وصول المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية إلى طريق مسدود، وهذا احتمال مرجح وإن لم يكن السيناريو الوحيد ... (2) اقتناع حماس بأن وجودها ومستقبلها بات مرتبطاً باندراجها في السياق الوطني الفلسطيني أولاً، وتحت سقف المصالحة والوحدة الوطنيتين، وليس بالاستقواء بالخارج ورهاناً عليه ... (3) اقتناع النظام المصري بأن استئصال حماس، مثل استئصال الإخوان، خيار غير واقعي وغير قابل للتحقيق، فضلاً عن كونه خياراً مكلفاً، بل وباهظ الكلفة.
من الآن وحتى الربيع القادم، لن تنجلي صورة مواقف هذه الأطراف ... لكن خلال هذه الفترة سنتخبّر ما قد يحصل في الإقليم الذي يتعرض لهزات وارتدادات زلزالية عميقة، تسهم بتغيير صورته وخرائط تحالفاته، بل وربما خرائطه الجيو سياسية ... خلال هذه الفترة ستكون سوريا قد اختبرت تطبيقات اتفاق الكيماوي، وستكون مؤشرات «جنيف 2» قد لاحت في الأفق وتبلورت معالمها.
وخلال هذه الفترة، ستكون المفاوضات الأمريكية – الإيرانية متعددة المسارات والأطراف والموضوعات، قد تكشفت عن معالم الصورة المستقبلية للعلاقات بين طهران وعواصم العالم والإقليم ذات الصلة، وربما سيكون لدينا الفرصة للتعرف على صورة «يالطا 2» التي بدأت ترتسم منذ «المكالمة الهاتفية الأشهر»، والتي لا يستبعد بعض المراقبين والمحللين أن تتخطى حدود تقاسم النفوذ إلى رسم الخرائط، وبمشاركة أطراف فاعلة إقليميا ودولياً وصولاً لـ «سايكس بيكو 2»، أعطت صحيفة النيويورك تايمز بعضاً من ملامحه ومؤشراته قبل يومين.
هذه التطورات الإقليمية المتسارعة، ومن بينها هبوط ظاهرة الإسلام السياسي بعد صعودها المدوي في السنوات الأخيرة، سيكون لها انعكاساتها على سقوف حل القضية الفلسطينية، وستؤثر بشكل مباشر في شكل ومآلات الخيارات الكبرى للشعب الفلسطيني: خيار المقاومة وخيار المفاوضات ومشروعا بناء الدولة والتحرير، فضلاً عن انعكاساتها المباشرة على عملية «إعادة توزين القوى» على الساحة الفلسطينية، ذلك أن قوة أي من الفريقين المصطرعين، لم تعد تحسب، وهي لم تحسب من قبل، بحجم نفوذها الداخلي في أوساط الشعب الفلسطيني بل بقدر ما تتلقاه من دعم، وتستند إليه من تحالفات إقليمية ودولية، والمؤشرات في كلتا الحالتين لا تسير في صالح حماس، بل ولا تسير في صالح الشعب الفلسطيني بصفة عامة.
وحدها صحوة شعبية وطنية فلسطينية، يمكن أن تحدث فرقاً، وأن تعكس اتجاه سير الأحداث وتعاقبها، بأن تملي على جميع القوى والمكونات والفصائل، إعمال المصلحة الوطنية العليا بديلاً عن المصالح الفئوية والانتهازية، وتجلي سحب الأوهام والرهانات الخاطئة والخطيرة التي حكمت سلوك الأطراف في رام الله وغزة، وتضع الفلسطينيين بعمومهم على سكة النهضة والاستنهاض، بعد سنوات عجاف من الانقسام والركود و»الموات السريري».
(الدستور)