التحيز للجمال.. هل تعثر الفتاة الجميلة على وظيفة أفضل من غيرها؟
جو 24 :
ما الذي تتوقعه من فتاة جذابة تتقدم للحصول على عمل؟ يزعم البعض أن طريقها سيكون أكثر سهولة نحو الوظيفة، ومهما كانت درجة كفاءتها فإن ميزة الجمال ستزيد من حظها، فهل هذا مجرد ادعاء أم أن ذلك هو ما يحدث بالفعل؟
الإجابة هي أن الأمر ينطوي على قدر لا بأس به من الحقيقة، حيث تكشف التجارب المتواترة والدراسات أن طريق الجذابين يكون ممهدا أكثر من غيرهم في حياتهم المهنية، فيحصلون على أجر أعلى ويصعدون درجات السلم الوظيفي أسرع من غيرهم.
يُطلَق على هذه الظاهرة اسم "التحيز للجمال"، وهي تشير إلى المعاملة التي يتلقاها الأشخاص الأكثر جاذبية لمجرد مظهرهم، ويجري هذا على الرجال كما يجري على النساء، وهو يحدث بوعي أحيانا ودون وعي أحيانا أكثر. وفي هذا السياق، يمكن رصد التمييز الذي يعانيه بعض الأفراد الذين لا تتناسب سِماتهم مع معايير الجمال السائدة في المجتمع، وبعض أصحاب الوزن الزائد أو مَن يرتدون ملابس غريبة، فكيف يؤثر ذلك في ميدان العمل؟ (1)
العمل والثروة
التحيز للجمال.. هل تعثر الفتاة الجميلة على وظيفة أفضل من غيرها؟
كشف الباحثون وجود تحيزات مالية واجتماعية يحظى بها أصحاب الوجوه الجذابة في سوق العمل وفي المعاملات الاجتماعية في الحياة اليومية. (شترستوك)
نحن جميعا نخضع -بشكل ما- لتأثير ما يُعرف بـ"هالة الجاذبية" (Attractiveness Halo)، التي تجعل حياة الجميلات والوسيمين أكثر حظا، لقد قطع هؤلاء بالفعل جزءا من طريقهم نحو التميز قبل قدومهم إلى العمل، وقبل ذلك في صباهم كانوا أطفالا مميزين رائعي الجمال يلفتون أنظار كل مَن حولهم من الكبار (2).
في مقاعد الدراسة كانت لهم حظوة لا تتوقف عند الانطباعات ولكن رصدها الباحثون أيضا، ففي دراسة نشرتها مجلة "بلوس ون" (PLOS ONE) عام 2016، تتبع الباحثون تأثير هالة الجاذبية في الحكم على الأداء الأكاديمي للطلاب في إحدى المدارس، ليتبين وجود تأثير مضلل للجاذبية على دقة الانطباعات الأولى حول كفاءة الطلاب يُحدِث عواقب وخيمة أحيانا في مجال التعليم ويمتد أثره إلى مجال العمل (3).
هذا الأثر تتبعته دراسة نشرتها مجلة "إيكونوميكس ليترز" (Economics Letters) عام 2012، حيث أرسل الباحثون آلاف السير الذاتية إلى مواقع التوظيف، مع صور وهمية قسَّمها الباحثون إلى وجوه جذابة وأخرى بدت أقل جاذبية، أرسل الباحثون أحيانا السيرة الذاتية نفسها مصحوبة بصورة لشخص ذي وجه جذاب مرة ومصحوبة بصورة لشخص أقل جاذبية مرة أخرى، لتكشف النتائج أن الرجال والنساء الجذابين كانوا أكثر احتمالا لتلقي مكالمة لحضور المقابلة مقارنة بنظرائهم الأقل جذابية، وعموما، رصدت الدراسة أن الأشخاص الجذابين يتلقون ردودا أكثر بنسبة 36% من الأشخاص غير الجذابين (4).
لا يقف التحيز عند هذا الحد، ففي دراسة نشرتها مجلة "بيهاف براين سي" (Behav Brain Sci) عام 2017، كشف الباحثون وجود تحيزات مالية واجتماعية يحظى بها أصحاب الوجوه الجذابة في سوق العمل وفي المعاملات الاجتماعية في الحياة اليومية، وأن التحيزات لصالح النساء الجميلات أكثر من تلك التي يحظى بها الرجال الجذابون (5).
يمتد هذا التأثير إلى مجموع الأموال التي يكسبها كل شخص في النهاية، وهو ما رصده الخبير الاقتصادي "دانيال هامرمش"، أستاذ الاقتصاد بجامعة تكساس، الذي يؤكد وجود علاقة طردية بين الاقتصاد والجمال، إذ إن الجذابين يحصلون في الغالب على وظائف أفضل ويكسبون مالا أكثر، وتزيد فرصهم الأكاديمية والمهنية، وعلى الأرجح فإن بعض المهن لا تتاح من الأصل إلا للوجوه الجذابة، مثل مقدمي النشرات الإخبارية على سبيل المثال.
المفاجأة ربما أن هذا التحيز الصارخ ليس جديدا، حيث تشير بيانات تعود إلى سبعينيات القرن الماضي إلى أن الأفراد الجذابين يمكن أن يتقاضوا أجرا أعلى من أقرانهم بنحو 3% إلى 4%، هذا يعني ما قدره نحو 230 ألف دولار إضافية على مدى الحياة يجنيها أصحاب الملامح الجميلة، لكن ماذا عن قدراتهم الحقيقية؟ (6)
دفعة الثقة التي يبدأ بها الجذابون حياتهم تنعكس في مهارات اجتماعية تُضفي مزيدا من الدفء والاستقرار على حياتهم، فتزيد الثقة. (شترستوك)
لكن لماذا نفترض أن الجمال هو ما يمنح هؤلاء فرصا أكبر؟ ماذا إذا كان الأشخاص الجذابون يمتلكون بالفعل قدرات أعلى على معايير الذكاء أو الموهبة؟ يرى علماء التطور مثلا أن سمات الجاذبية ترتبط بالفعل بسمات مرغوبة اجتماعيا مثل الاستقرار العاطفي والانبساط والطموح، إذا كان أحد مندوبي البيع يمكنه بفضل سِماته الشكلية أن يحقق مبيعات أفضل، فهذا يعني أن يُبقي عليه أصحاب العمل.
ينعكس استقراره في العمل في أغلب الأحيان على حياته الاجتماعية ويلعب دورا في استقراره العاطفي، وهو ما يزيد بالتبعية من كفاءته. السهولة التي يجدها الجذابون في تكوين الصداقات والعلاقة العاطفية هي امتيازات ظاهرة لديهم دون شك لا تتأتى بمثل تلك السهولة لمتوسطي الجمال أو ذوي المظهر غير الجذاب، ولطالما كانت هذه الجاذبية سببا في فتح الأبواب المغلقة في الحياة الاجتماعية، وهكذا تزيد الثقة ويكتسب أصحابها ميزة أخرى لدى أصحاب الأعمال.
وهكذا تدور الدائرة، دفعة الثقة تلك التي يبدأ بها الجذابون حياتهم تنعكس في مهارات اجتماعية تُضفي مزيدا من الدفء والاستقرار على حياتهم، فتزيد الثقة، ويصبحون أكثر إقداما على الخروج من منطقة الراحة، وخوض تجارب مختلفة، وتحقيق مزيد من التقدم، لكن الأمر لا يمضي على هذا النحو دائما (7).
بيد أن الجمال لا يكون ميزة دائما، فبعد الحصول على الوظيفة بفضل الملامح الجميلة أو ببعض المساعدة منها يحدث أحيانا أن يكون لدى المديرين توقعات عالية بشأن كفاءة الموظف الجديد، ويشعرون بالإحباط حين لا يكون العمل أكثر كفاءة من المعتاد، وبينما يبدو لهم منطقيا أن يكون الموظف ذو المظهر العادي أو الأقل جاذبية متوسط الكفاءة أيضا، يتعين على الجذابين والجميلات أحيانا إظهار كفاءة أعلى تُضاهي مقدار الوسامة والوجه الجميل (8).
ليس هذا فقط، في بعض المهن الأكثر تواضعا يكون لدى القائمين تخوف من أن تشغلها امرأة جميلة، تشير دراسة نشرتها مجلة "جورنال أوف برسوناليتي آند سوشيال سايكولوجي" (Journal of Personality and Social Psychology) عام 2018 إلى أن انطباع أصحاب الأعمال في الغالب أن الأفراد الجذابين لديهم إحساس أكبر بالاستحقاق، ولهذا فإنهم يرجحون أنهم سيكونون غير راضين عن العمل في وظيفة أدنى في السلم الإداري، عامل مستودع مثلا أو مدبرة منزل، وهكذا يجدون الباب موصدا في الغالب، ويتحول الجمال إلى عائق أمام الأشخاص الجذابين في هذه الشريحة الأدنى، ويتعرضون لتحيز من نوع آخر (9).
في سياق مشابه، تكشف دراسة مثيرة نشرتها مجلة "Humanities and Social Sciences Communications" عام 2020 أن الانطباعات التي يكوِّنها الجمهور عند الاستماع إلى محاضرة يشارك فيها علماء من تخصصات مختلفة تتأثر بجاذبية الوجه أيضا، وأن هذا التأثر يختلف باختلاف التخصص، فيستفيد المتخصصون في العلوم الاجتماعية من كونهم أكثر جاذبية، بينما يحدث العكس لدى علماء الطبيعة، فتكون الملامح غير الجذابة مفيدة أكثر في انطباع الجمهور عنهم ومدى ثقتهم في معارفهم (10).
مع انتشار وباء كورونا، كان العاملون في وظائف مثل خدمة العملاء والاستقبال في الفنادق ووظائف أخرى تتطلب التعامل مع الجمهور يغطون نصف وجوههم بالكمامات، وقد سعت دراسة نشرتها مجلة "International Journal of Hospitality Management" عام 2021 لاستغلال هذا الوضع من أجل بحث انطباعات الناس عن جاذبية موظفي الاستقبال في الفنادق وتأثير ذلك في تقييمهم للخدمة التي يحصلون عليها.
ما كشفته الدراسة كان مفاجئا حقا. ففي السابق، كانت الموظفات الجميلات تحديدا يحصلن على تقييم أعلى عادة من نظرائهن، لكن حجب نصف الوجه بسبب الكمامة خفض من تأثير جاذبية وجوههن، وقد حصلن تبعا لذلك على معدل أقل في مدى رضا العملاء عن الخدمة المقدمة لهم، بينما كان تقييم الذكور مساويا تقريبا لوضعهم قبل ارتداء الكمامة (12).
هل يمكن التغلب عليه؟
في حين أن لكل منا آراء مختلفة فيما يتعلق بجاذبية الآخرين، فإن وجود فريق لاختيار الموظفين الجدد قد يحد من تأثير التحيز للجمال
في حين أن لكل منا آراء مختلفة فيما يتعلق بجاذبية الآخرين، فإن وجود فريق لاختيار الموظفين الجدد قد يحد من تأثير التحيز للجمال. (شترستوك)
لكن هل هذا النوع من التحيز حتمي ولا يمكن التغلب عليه؟ الخبر الجيد أنه بالإمكان مواجهة التحيز للجمال أو الحد منه ببعض الخطوات في مكان العمل، يبدأ الأمر بإدراك وجوده والأوقات أو المواقف التي يحدث فيها، يمكن التعرف إلى الميل للتحيز من خلال اللغة المستخدمة في وصف الموظفين، وصف أحدهم بأنه قصير على سبيل المثال ربما يكون إشارة إلى إمكانية وجود تحيز سلبي ضده بسبب سِماته الشكلية.
ينصح الخبراء أيضا أن يتضمن التوظيف إجراءات تسبق المقابلة، للتعرف إلى خبرة المرشحين ومهاراتهم ومؤهلاتهم لتحديد مَن سيتقدم منهم بخطوات أكبر نحو شَغل الوظيفة دون التأثر بالشكل. يمكن أن تساعد الجماعية في اتخاذ القرار أيضا في التغلب على الأمر، ففي حين أن لكل منا آراء مختلفة فيما يتعلق بجاذبية الآخرين، فإن وجود فريق لاختيار الموظفين الجدد قد يحد من تأثير التحيز للجمال، خاصة إذا كانوا متنوعي الخبرات ووجهات النظر.
على الجانب الآخر، إذا كنت واحدا من قليلي الحظ على مؤشرات الوسامة أو الجمال التقليدية، فدعنا نُشِر إلى ما يخبرك به المتخصصون حول ما يمكن أن يُيسّر طريقك أكثر مما يفعله الجمال، هناك دور خفي للثقة في الانطباع الذي يكوِّنه عنك في البداية أصحاب الأعمال (13)، تشير دراسة نشرتها مجلة "ليبور" (Labour) عام 2011 إلى أن الشخصية والاعتناء بالمظهر يلعبان دورا في زيادة الأجر أكبر مما تفعله جاذبية الوجه، تلعب العوامل الثلاثة دورا مهما، لكن دور الجمال يتراجع مقارنة بدور كلٍّ من الشخصية والمظهر، وهو ما يجعل تأثير الجمال قابلا للتعويض في نهاية المطاف (14).
المصدر : الجزيرة