سجون جديدة بالأردن لمواجهة الاكتظاظ.. فهل تشكل أولوية للأردنيين؟
جو 24 :
لم يكن يتوقع الأستاذ الجامعي يوسف الصبح أن تدخّله في مشاجرة قام بها أشقاؤه سيؤدي به إلى التوقيف بأحد مراكز الإصلاح والتأهيل على ذمة قضية ما زال التحقيق فيها جاريا، وهو ما ألحق به أضرارا نفسية ومجتمعية واقتصادية لا يزال يعاني منها، على حد قوله.
يصف الصبح تجربته بمركز الإصلاح -في حديثه للجزيرة نت- "بالمريرة والمؤلمة"، خاصة أن توقيفه جرى مع متهمين بقضايا إجرامية خطيرة، ومكررين للجرائم، إضافة لحالة الاكتظاظ "بالمهاجع التي يقيم بها النزلاء، والضغط على المرافق العامة داخل المركز، ووجود مرضى ينقلون العدوى لغيرهم من النزلاء".
حالة يوسف الصبح ليست الوحيدة التي عانت من اكتظاظ مراكز الإصلاح والتأهيل، مما دعا وزارة الداخلية الأردنية لبناء مركز إصلاح جديد في منطقة الأزرق (شرقي المملكة) بتكلفة قدرها 100 مليون دولار، يتسع لأكثر من 3 آلاف نزيل جديد، وتطوير سجن آخر للعقوبات الخفيفة في منطقة سواقة (جنوب العاصمة عمان)، إضافة لتوسيع سجون قائمة، وذلك بهدف تخفيف اكتظاظ السجون بالمملكة.
وقال وزير الداخلية الأردني مازن الفراية -قبل أيام بمجلس النواب- إن نسب الإشغال في السجون مرتفعة، حيث تستقبل حاليا نحو 21 ألف نزيل، في حين تبلغ طاقة هذه المراكز نحو 13 ألفا و500 نزيل، ولمعالجة هذا الأمر يجري التوسع في العقوبات البديلة غير السالبة للحرية، وتوسعة مراكز التأهيل، وبناء مركز جديد للإصلاح والتأهيل.
تخصيص 100 مليون دولار لإنشاء سجن جديد شرقي الأردن (الجزيرة)
كم تبلغ التكلفة المالية للسجين؟
تبلغ التكلفة الاقتصادية للنزيل في مراكز الإصلاح نحو 700 دينار شهريا (986 دولارا) وفقا لبيانات مديرية الأمن العام، وتصل تكلفة 21 ألف نزيل نحو 14.7 مليون دينار (20.7 مليون دولار) شهريا، وبواقع 176 مليون (248 مليون دولار) سنويا، ويوجد في الأردن 17 مركزا للإصلاح والتأهيل، منها مركز واحد مخصص للنساء.
ما أسباب الاكتظاظ؟
يرجع خبراء أمنيون وقضاة سابقون أسباب اكتظاظ السجون الأردنية إلى "ارتفاع نسب الجريمة"، فضلا عن جملة من الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية، إضافة إلى التوسع في مواجهة الجرائم "بعقوبات الحبس والتوقيف وإرسال المتهمين للسجون".
وتتعلق نسب الاكتظاظ أيضا بزيادة أعداد السكان، وبالتالي ارتفاع نسب الجريمة بأنواعها، خاصة الأسرية والاقتصادية وانتشار المخدرات وغيرها، مما يشكل وضعا طبيعيا -حسب مختصين بعلم الجريمة- وفي المقابل، فإن الزيادة بنسب الجريمة مقارنة بالزيادة السكانية يبقى المستوى ضمن الحد والنسب الطبيعية، وفق مختصين.
كيف يمكن الحد من الاكتظاظ؟
ولتخفيف الاكتظاظ بمراكز الإصلاح، يرى القاضي السابق لؤي عبيدات ضرورة "الحد من الجرائم بأنواعها ومحاصرتها"، وذلك عبر محاربة أسباب الجرائم عن طريق بناء مجتمعات يعمها الرفاه ومزودة بالمعرفة والعلم، وتوفير الخدمات الاجتماعية والمعيشية المناسبة من صحة وتعليم، وتهيئة ظروف اقتصادية ومعيشية لائقة، إضافة لتمتع المجتمع بكامل حرياته العامة وحرية التعبير التي كفلها له الدستور.
ويجمل عبيدات أسباب الاكتظاظ في ما يلي:
توسّع السلطة التنفيذية من خلال الحكام الإداريين باستخدامهم قانون منع الجرائم، بعدما أسدلت عليه المحكمة الدستورية "شرعية دستورية"، في حين أنه يخالف الدستور والاتفاقيات الدولية التي أناطت حق التوقيف بالقضاء وحده، بينما ينتهك هذا القانون الحقوق والحريات العامة.
يقوم القضاء بإطلاق سراح نزلاء، بينما يعود الحاكم الإداري لتوقيفهم.
توسّع السلطة القضائية عن طريق التوقيف القضائي من باب "درء الشرور".
التشدد في استبدال الجنح البسيطة التي تكون العقوبات فيها لا تزيد على 3 أشهر باستبدال الحبس بالغرامة.
التشدد والممانعة في استخدام بدائل وقف التنفيذ للعقوبات التي لا تزيد على سنة.
التشدد في استخدام أسباب التخفيف التقديرية المنصوص عليها في المادتين 99 و100 بقانون العقوبات، ويعود السبب في ذلك لمحكمة التمييز التي خلصت في اجتهاداتها إلى أن السبب المقبول في التخفيف هو إسقاط الحق الشخصي.
زيادة عقوبات معظم الجرائم بتعديلات التشريعات المتعلقة بالقضاء ضمن مخرجات لجنة تطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون للعام 2017.
وشهد العام الماضي ارتفاعا في أعداد القضايا المسجلة أمام قضاة المحاكم النظامية الأردنية بنسبة 4%، إذ لجأ نحو 465 ألف طرف لطلب العدالة، في حين بلغ عددهم 447 ألف طلب عام 2021، وفق الأرقام الرسمية الصادرة عن الأمانة العامة للمجلس القضائي.
في حين انتقد تقرير أصدره المركز الوطني لحقوق الإنسان العام الماضي توسع الحكام الإداريين في التوقيف الإداري، ووصل عدد الموقوفين إداريا إلى 37 ألف نزيل خلال 2021.
هل الاكتظاظ يعني انتهاك حقوق النزلاء؟
حقوقيا، تربط مراكز ومؤسسات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الإنسان بين الاكتظاظ وسوء المعاملة وانتهاك حقوق النزلاء بمراكز الإصلاح، مما يؤثر على ظروف السجن الملائمة لإقامة النزلاء من الهواء النقي وخدمات النظافة والطعام والشراب وانتقال الأمراض الجلدية والتنفسية وغيرها، وتؤيد تلك المؤسسات إنشاء سجون جديدة لما قد تشكله من حل جيد ليحصل النزلاء على حقوقهم المكفولة بالتشريعات والاتفاقيات الدولية.
لكن قبل إنشاء السجون، تقدم المديرة التنفيذية لمجموعة "ميزان" من أجل حقوق الإنسان إيفا أبو حلاوة جملة من الحلول التي من شأنها تخفيف نسب الاكتظاظ، مع ضرورة أن تكون تلك الحلول في إطار العدالة الجنائية، وبما لا يمس بالضحية ويكفل حقوق الطرف الآخر، وتكون العقوبات رادعة للمتسبب بالجرم.
ما أبرز هذه الحلول؟
في ما يتعلق بالمحكومين، يتمثل أحد الحلول في الأخذ بالعقوبات البديلة غير السالبة للحرية، وبدائل التوقيف، وهذا توجه عالمي وتوجه مجلس القضاء الأردني التوسع في تلك العقوبات البديلة، أما في ما يتعلق بالموقوفين على ذمة قضايا، فالحل في التخفيف من التوقيف القضائي خلال المحاكمات، بحيث يكون التوقيف في أثناء المحاكمة أمرا استثنائيا جدا، واستخدام بدائل التوقيف، ما دام أن الشخص المتهم لا يشكل خطرا على المجتمع، ويحضر جلسات المحاكمة.
ومن الحلول وقف العمل بقانون منع الجرائم، واقتصار التوقيف على السلطة القضائية فقط، وضرورة مراجعة وتعديل قانون مراكز الإصلاح والتأهيل لعام 2001 في ما يتعلق بحقوق نزلاء تلك المراكز مثل اللجنة المشرفة والعزل والعقوبات والشكاوى داخل المراكز.
والعام الماضي شهد توسعا من المحاكم في تطبيق بدائل العقوبات السالبة للحرية، وبلغت نسبة الزيادة 500% مقارنة مع عام 2021، وبلغ عدد المستفيدين من تلك البدائل 5956 محكوما، منهم نحو 2542 محكوما لأول مرة، حسب مصدر قضائي للجزيرة نت.
ما المشكلات التي يسببها السجن للمحتجزين؟
اجتماعيا، يرى خبراء اجتماع أن اللجوء للسجن أو التوقيف أو الاحتجاز يشكل جملة من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية للمحتجزين، ويؤدي للاكتظاظ، مما ينتهك حقوق وكرامة نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل.
ويرى الخبير في علم الجريمة حسين الخزاعي أن الموقوف أو المحكوم تلاحقه وصمة مجتمعية من دخول السجن، وصعوبة الاندماج في المجتمع بعد الخروج من التوقيف، إضافة لتأثير التوقيف السلبي على الأسرة سواء كان التوقيف للأب أو الأم وتوقف مصدر دخل العائلة، فتصبح العقوبة السجنية عقوبة للعائلة ككل.
هل مخالطة المجرمين تؤدي إلى عدوى الجريمة؟
والأخطر من ذلك -يضيف الخزاعي للجزيرة نت- أن هناك مخاوف من العدوى الجرمية بسبب مخالطة المجرمين المكررين للجرائم، خاصة أن 39% من نزلاء السجون من مكرري الجرائم، ورغم اتباع إدارات مراكز الإصلاح سياسة التصنيف بين الموقوفين، فإن الاكتظاظ يعوق ذلك التصنيف والعزل بين النزلاء.
ومع صدور تصريحات وزير الداخلية الأردني تداول نشطاء منصات وسائل التواصل الاجتماعي القرار بـ"النقد"، وطالبوا بمشاريع اقتصادية عوضا عن مشروع السجن، بحيث "تحقق للأردنيين حياة كريمة" وتخفض من نسب البطالة وتحسّن الواقع المعيشي.
المصدر : الجزيرة - أيمن فضيلات