مناقشات الموازنة.. 104 اجتماعات و 6 جلسات صاخبة تحت القبة لم تسفر عن شيء !
جو 24 :
كتب أحمد الحراسيس - عمليا، تعتبر الموازنات التي تقدّمها الحكومات لمجالس النواب بمثابة استفتاء جديد على ثقة النواب بالحكومة، فالموازنة هي السبيل لترجمة وتنفيذ الخطط والبرامج الحكومية، وإذا ما رفض النواب الموازنة فهذا يعني أن الحكومة لن تكون قادرة على تنفيذ أيّ من برامجها أو خططها.
المشكلة، أن مجلس النواب لا يتعامل مع الموازنات على هذا الأساس، بل يعتبرها أقدارا مكتوبة، لا بدّ من تمريرها وإنفاذها، مهما كان مضمونها ومهما كانت عواقبها، غير آبهين بكلّ نتائجها السلبية التي ستنعكس على المواطن؛ زيادة في الفقر والبطالة وتراجع في القوة الشرائية!
خلال جلسات مناقشات الموازنة، قدّم (90) نائبا مقترحاتهم وآرائهم بخصوص الموازنة ا، وكان هنالك انتقادات واشارات كثيرة للوضع الاقتصادي الذي يعانيه المواطن الأردني، لكنّ النواب وبأغلبية (86) نائبا صوّتوا في النهاية بالموافقة على مشروع قانون الموازنة من أصل (107) نواب حضروا الجلسة!
اللافت أن قرار النواب بالموافقة على موازنة 2023 جاء بأغلبية هي الأعلى في عهد آخر (4) حكومات بحسب تقرير "راصد"، وذلك رغم أن رئيس الوزراء الخصاونة لم يُلزم نفسه ولا الحكومة بالأخذ بأيّ من مقترحات النواب الذين انتقدوا الموازنة واشبعوها شتما.
الأنكى من ذلك، انقلاب بعض النواب على مواقفهم المعلنة مسبقا ؛ حيث وقع (35) نائبا قبل شهرين فقط على مذكرة تطلب طرح الثقة بحكومة الخصاونة، إلا أن ذلك لم يمنع كثيرا منهم من الموافقة على قانون الموازنة وما يعنيه ذلك من تجديد الثقة بالحكومة، والحديث هنا عن النواب "رمزي العجارمة، ضرار الحراسيس، محمد العلاقمة، ناجح العدوان، توفيق المراعية، عبدالسلام الخضير، امال الشقران، عيد النعيمات، عبدالرحيم المعايعة، اسلام الطبشات، محمد السعودي، روعة الغرابلي" الذين أكد تقرير راصد أنهم وافقوا على الموازنة أو لم يتغيبوا عن التصويت كما هو حال اخرين من الموقعين على مذكرة طرح الثقة بالحكومة!
اللافت ان نوابا اخرين كالوا الانتقادات للحكومة ونهجها قبل مناقشة مشروع الموازنة واثنائها الا ان ذلك لم ينعكس على عملية التصويت وكأننا بلسان حالهم يقول : الكلام "والهوبرة " شيء والفعل " التصويت" شيء اخر !
مجلس النواب ومنذ تسلّمه مشروع قانون الموازنة، وبدء المناقشات في اللجنة المالية عبر (104) اجتماعات، ثمّ في ستّ جلسات تحت قبة البرلمان انعقدت على مدار ثلاثة أيام، لم ينجح بإحداث أي تعديل حقيقي أو إزاحة في الموازنة التي جاءت بها الحكومة؛ الايرادات بقيت (9.569) مليار، والنفقات ظلّت (11.431) مليار دينار، والعجز (1.862) مليار دينار.. وقد قبل النواب بكلّ هذا مستسلمين لقضاء الحكومة وقرارها، متذرعين بأن الدستور يمنعهم من "زيادة النفقات" ومتجاهلين امكانية "تنقيص النفقات" أو حتى ردّ الموازنة والطلب من الحكومة تقديم موازنة جديدة تلبّي تطلعات الشعب الأردني.
المتابع لجلسات ومناقشات قانون الموازنة، لاحظ بوضوح حجم الاسترخاء الذي عاين به رئيس الوزراء كلمات ومداخلات النواب، حتى أنه كان يغادر القبة عند المناداة على أسماء نواب بعينهم ، في سلوك يعكس ارتياحه وطمأنينته ويقينه بالحصول على دعم غير مسبوق من النواب ، خاصة في ظلّ لعب رئيس المجلس دور ضابط الايقاع ووكيل الدفاع عن الحكومة.. بالاضافة إلى تفعيل كافة أدوات الضغط على النواب من أجل الحصول على تلك الثقة المريحة.
مشهد تمرير الموازنة بهذا الشكل وهذه الأريحية جعل البرلمان يظهر وكأنه مسلوب الارادة، وفي هذا ضرب لصورة مجلس النواب كمحطة تشريعية دستورية، وهذا لا يستقيم مع مزاعم التحوّل نحو الحكومات البرلمانية، فالحكومات البرلمانية الحقيقية لا يمكن أن تولد من رحم مجلس نواب مسلوب الارادة.