"شلل القرار" وآثاره في حياة الفرد.. كيف يمكن التغلّب عليه؟
جو 24 :
تختلف قدرات البشر على اتخاذ القرارات. بعضهم يحسم قراره بسرعة كبيرة، بينما يحتاج آخرون إلى مزيد من الوقت، وهناك من يواجه صعوبة في اتخاذ القرار أمام خيارات متاحة أمامه، وهو ما يمكن وصفه بـ"شلل القرار".
ثمة عواقب عدة لـ"شلل القرار" في حياة الفرد الأسرية والعملية، إلى جانب تأثيره على الناحية الصحية، فما أسبابه، وكيف يمكن التغلب عليه؟
ما "شلل القرار"؟
تعرّف المستشارة في العلاقات الزوجية مها بنورة "شلل القرار" بأنه عدم قدرة الفرد على اتخاذ القرار، خشية وقوعه في الخيار الخاطئ، وأوضحت للجزيرة نت أن لذلك "الشلل" عدة أسباب:
أولا: وجود خيارات عدة في حياة الفرد يصعب المقارنة بينها لاختيار ما هو مناسب لوضعه وبيئته ومعتقداته.
ثانيا: عدم تدريب الفرد على عدد من المهارات، مثل: التفكير الإبداعي والناقد، اتخاذ القرارات وحل المشكلات. ويعود ذلك إلى نمط تربية الفرد في بيئة الأسرة والمدرسة والجامعة، وخبرات العمل وعلاقاته الاجتماعية على المستوى العائلي والمهني والدراسي.
وترى بنورة أن من أهم أسباب "شلل القرار" عدم تربية الأبناء على الاستقلالية في التفكير وتطويره منذ مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد، والتدخّل الدائم في حياة الأبناء والحماية الزائدة لهم، ما يؤثر سلبا في حياة أبنائهم عند اتخاذ قرار الزواج، مثلا.
مها بنورة: من أهم أسباب "شلل القرار" عدم تربية الأبناء على الاستقلالية في التفكير وتطويره منذ مرحلة الطفولة (الجزيرة)
"شلل القرار" في الحياة الأسرية
تعدّد بنورة مجموعة من الصور السلبية لعدم استقلالية الأبناء، مثل لجوء الأهل إلى فرض قيود على طريقة عيش أبنائهم، وتحديد شكل الحياة التي يجب أن يعيش بها الابن أو الابنة، وعدم السماح للزوجين الجدد باتخاذ قرارات خاصة في حياتهم الزوجية، فيخوضان خبرات سلبية ويعيشان في صراع دائم بين إرادتهما وإرادة الأهل.
وتضيف "من المؤسف حقا وضع الزوج بين أهله وبرّهم وبين حياته وسعادته واستقلاله مع زوجته. وهنا يصبح الضغط الأكبر على الزوج، فيضطر أحيانا إلى الرضوخ للضغوط ليكون مقبولا في منظومة العائلة. وهنا، يصل الزواج إلى طريق مسدود، ويصبح حل المشكلة: الطلاق، أو الخروج عن المألوف والعيش خارج منظومة العائلة والأعراف والمعتقدات".
وتشير إلى أن المشكلات والخبرات السلبية التي يمر بها الزوجان، من لحظة التعارف والخطوبة والزواج والقيود المفروضة عليهما بسبب تربية الأهل والمعتقدات والأعراف، تولّد ضغوطا نفسية كبيرة يكون لها الأثر السلبي على مناعتهما النفسية والجسدية، والتي تؤثر سلبا على حياة الأطفال، في حال العيش في منظومة متكرّرة من المشكلات والضغوط.
وهذا من شأنه أن يؤدي إلى عدم إحساس الزوجين بالأمان والقبول من العائلة، بالإضافة إلى القلق والتوتر وقلة التركيز وتدني المستوى الأكاديمي والاكتئاب. عندها، يحتاج الأمر إلى مستشار نفسي أو سلوكي أو أسري لتقديم الرعاية المناسبة للزوجين ولأفراد العائلة.
دورات تدريبية
وعليه، تنصح بنورة فئة الشباب من الذكور والإناث، من عمر الـ18، بالالتحاق بدورات تدريبية تساعدهم على اكتساب خبرات جديدة في طرق التفكير والقيادة وحل المشكلات، والتي سيكون لها الأثر الإيجابي في حياتهم على مستوى علاقاتهم الاجتماعية والأسرية والمهنية.
وتضيف "هنا، لا نبحث عن المثالية في العلاقات، ولكن عند تسليح الشبّان بمهارات جديدة سيكونون قادرين على إدارة أمورهم داخل منظومة العائلة، مع عدم السماح للتدخلات من أي طرف، ووضع حواجز تحمي العائلة من صدمات أو تدخلات خارجية".
التغلب على "شلل القرار"
ترى مدربة التنمية البشرية سوسن كيلاني أن التغلب على عدم القدرة على اتخاذ القرارات يتطلّب أولا الاعتراف بالمشكلة، ثم البحث عن أسبابها، والسبل الناجعة للخروج منها نهائيا وعدم تكرار الأخطاء ذاتها مستقبلا.
وتقول كيلاني للجزيرة نت "في بعض الحالات، يكون سبب إخفاق الشخص في اتخاذ القرار هو الخوف من النتائج. وبما أن بعض القرارات لها نتائج سلبية، فإنه يفضل عدم اتخاذ أي قرار، معتقدا أن هذا أحسن له، في حين أن عدم الشجاعة في اتخاذ القرار قد تكون له السيئات ذاتها لاتخاذ القرار وتحمل نتائجه، لأننا نتعلم من التجربة وليس من مجرّد التفكير. كما أن الندم على عدم اتخاذ القرار قد يكون مؤلما، وقد يدوم طويلا".
وتضيف "المهم أن نعرف أنفسنا وماذا نريد، وما الذي يُسعدنا فنقدم عليه، أو يحزننا فنبتعد عنه. ثم نرتّب أولوياتنا، ونصدُق في تعاملاتنا، ونضع تقوى الله أمام أعيننا، ثم نتوكل عليه لأنه على كل شيء قدير. وهنا، أنصح بالاستخارة، وجمع المعلومات الصحيحة وتحليلها، واستخدام الذكاء والإلهام الروحي والذاتي، فنتقبل بعدها كل النتائج ونتقدم إلى الأمام مهما حدث، فالحياة تحتاج إلى مبادرة وشجاعة، وإلا لن نتذوق متعة أي مغامرة في حياتنا".
آثار "شلل القرار"
نشر موقع "فوريكاست" (forecast) تقريرا عن الآثار السلبية لـ"شلل القرار"، معتبرا أن الإخفاق في اتخاذ القرارات المناسبة له عواقب عدة على أرض الواقع. وفي ما يلي بعض الأمثلة على تأثيره على عملك:
انخفاض الإنتاجية والتأخير: يمكن أن يؤدي تأخير اتخاذ القرار، أو الإخفاق في اتخاذ القرارات تماما، إلى تأخير في العمل. إذا كنت تماطل بشكل متكرر وتؤخر العمل، فأنت لست منتجا. وقد يترتب على ذلك نتائج خطيرة، لا سيما عندما يعتمد عمل الآخرين على قرارك.
الصحة النفسية: قد يكون لـ"شلل القرار" تداعيات على صحتك العقلية، إذ ليس لدينا قوة إرادة عظيمة. كما أن إنفاق وقت طويل على اتخاذ القرارات قد يكون مرهقا عقليا ونفسيا.
الإفراط في التفكير يقلل من التفكير الإبداعي: في كثير من الوظائف، تُعد القدرة على التفكير الإبداعي أمرا ضروريا لنجاحك، والإفراط في التفكير يقلل من قدراتك الإبداعية.
المصدر : الجزيرة