النووي "الاسرائيلي".. اسرار تنشر ﻷول مرة عن حرب اكتوبر
جو 24 : رونين بيرغمان
ظهر يوم الأحد، 7 تشرين الأول، 1973 تقريبا بعد 24 ساعة على نشوب حرب يوم الغفران كان الوضع في مقر وزارة الدفاع «هكرياه» في تل أبيب بائسا. وكانت رئيسة الحكومة غولدا مئير تتلقى في مكتبها تقارير من الجبهات يقدمها رئيس الأركان الجنرال دافيد العازار. وتواجد معها وزير الدفاع ديان، نائب رئيس الحكومة يجئال الون والمستشار الأقرب لغولدا وأمين أسرارها إسرائيل جليلي.
أنهى رئيس الأركان استعراضه للأوضاع على الجبهات. لا شيء يطمئن الحضور: الوضع صعب، ولا ريب في أنه الأخطر منذ حرب 48. أنهى العازار كلامه واتجه مغادرا الغرفة. انتظر ديان أن يغلق ألعازار الباب وتقدم نحوه كأنه سيترك الغرفة، لكنه توقف فجأة. «ديان وصل الباب، أمسك بالقبضة وكأنه سينزلها وقال: نعم، نسيت أساسا، وحسبت أنه بسبب الوضع – نحن سمعنا الآن ألعازار نصف ساعة - والوضع بالغ السوء، أنه يجدر بنا، ولأنه لن يتوفر لنا الكثير من الوقت والكثير من الخيارات، أن نعد للتظاهر أيضا بخيار نووي».
بهذه الكلمات وصف أرنون عزرياهو، المساعد الأقرب لإسرائيل جليلي، ما يبدو أنه إحدى اللحظات الأشد إثارة في حرب يوم الغفران. وقد نشر الباحث أفنير كوهين هذا الأسبوع في الولايات المتحدة تقديره أن وزير الدفاع موشي ديان «أمر بإعداد تفجير نووي يجسد قدرات دولة إسرائيل، من أجل ردع سوريا ومصر عن مواصلة الحرب».
ولم يسبق أبدا أن تطلب الأمر من قادة إسرائيل اتخاذ قرار باستخدام سلاح نووي لاستعراض محتمل. ولم يسبق أبدا أن آمن وزير دفاع بأن إسرائيل تقترب بسرعة من لحظة النهاية. ولم يسبق أن لعب الوضع النفسي للزعيم دورا بهذه الأهمية في التقدير المنطقي للاقتراح نفسه. سبع كلمات فقط – «يجدر بنا الاستعداد لإظهار الخيار النووي أيضا» - لكن العواقب التي تنطوي عليها كانت ستغير تماما تاريخ دولة إسرائيل، والشرق الأوسط وربما الجنس البشري عموما.
[[[
كثيرة هي النشرات حتى اليوم عن «الزاوية النووية» لحرب يوم الغفران، وكلها وفق تقارير منشورة في الخارج، بعيدا عن الرقابة العسكرية. وهذه هي أول مرة تعرض فيها شهادة من داخل الدائرة الداخلية لصنع القرار باسم صاحبها وصوته.
ونشر شهادة عزرياهو صار ممكنا لأن معهد وودرو ويلسون المشهور لأبحاث العلاقات الدولية في واشنطن نشر هذا الأسبوع القسم الأول من مجموعة المقابلات حول التاريخ النووي لدولة إسرائيل. وقد أجريت المقابلات على مدى الـ 30 عاما الأخيرة على يد الباحث الأبرز في هذا المجال، البروفيسور الاسرائيلي المقيم في أميركا، أفنير كوهين. وتتضمن مجموعة مقابلاته اكتشافات كثيرة عن السر الكبير، الذي لا يزال يعتبر بالغ الحساسية حتى اليوم، حول القدرات النووية الإسرائيلية. وبقدر كبير، فإن نشر مقابلات البروفيسور كوهين سيناقض سياسة الغموض النووي الإسرائيلية.
وبحسب منشورات أجنبية، طوال أيام أزمة بداية الحرب (بعد ظهر السابع من تشرين حتى صباح التاسع منه) كان في إسرائيل من فكر بجدية باستخدام السلاح النووي ضد الدول العربية، أو لغرض استعراض القوة بهدف خلق الردع. ويكتب سيمور هيرش في كتابه «خيار شمشون»: «أمرت القيادة الإسرائيلية، التي جابهت الأزمة الأخطر في تاريخ الدولة، بتسليح الأدوات الحربية النووية الإسرائيلية وتوجيهها نحو أهدافها، تحسبا لانهيار تام، يثير الحاجة لتجسيد خيار شمشون».
وبحسب تقرير هيرش، فإن الموضوع النووي سيطر على لقاء غولدا مئير من مجلسها الحربي صبيحة 9 تشرين الأول. في ذلك اللقاء، بعد عرض من المدير العام للجنة الإسرائيلية للطاقة النووية، شلهيبت فراير، قرر المجلس «تسليح الترسانة النووية وتوجيهها نحو أهدافها تحسبا لانهيار شامل»... «وإبلاغ واشنطن عن هذه الخطوة غير المسبوقة».
ويعرض هيرش في كتابه تفصيلا للخطوات العملانية التي اتخذت، خصوصا تسليح الصواريخ النووية وثماني طائرات فانتوم في قاعدة تل نوف. وفي مسرحية «شرفة غولدا»، التي حققت نجاحا في برودوي قبل عشر سنوات، تعرض رئيسة الحكومة كشخص غارق في شعور بالذنب مؤمن بوجود خطر وجودي على إسرائيل. في 8 تشرين الأول – بحسب المسرحية - أمرت بوضع الترسانة النووية في حالة التأهب القصوى طائرة واحدة لسلاح الجو/ محملة بقنبلتين نوويتين، وقفت طوال أيام في طرف مدرج الإقلاع. طيار يجلس في قمرة القيادة والمحرك يعمل، ينتظر أمر الإقلاع نحو دمشق. هذه الأسطورة، بأن الشرق الأوسط كان على مسافة إقلاع طائرة من حرب نووية، رغم أنها لم تؤكد أبدا بشهادة مباشرة، ترسخت في نظر الكثيرين كحقيقة. غير أن شهادة عزرياهو تلقي لأول مرة الضوء على ما جرى حقا، وما لم يجر. وقصة الطيار، وفق الشهادة، لم تحدث أبدا.
حان وقت كشف ما جرى
أرنون عزرياهو، 1917-2008 (كان ضابطا في قيادة البلماخ ومستشارا ليجئال ألون وأمين السر لإسرائيل جليلي قائد الهاغاناه. وكان مستشارا مقربا لرؤساء الحكومة، ليفي أشكول وغولدا مئير واسحق رابين في ولايته الأولى). كان عزرياهو بين أوائل الإسرائيليين الذين تحدثوا عن مشروع ذري مدني.
ويقول أفنير كوهين «رغم أن عزرياهو لم يكن بين المجموعة المقربة لرئيس الحكومة دافيد بن غوريون التي بادرت للمشروع النووي إلا ان علاقاته القريبة مع كثيرين في القيادة الأمنية لإسرائيل، خصوصا ألون وجليلي، أتاحت له نظرة من الداخل على كثير من المفترقات المركزية في التاريخ النووي الإسرائيلي». ويكشف كوهين أن عزرياهو هو الذي وجه جليلي قبيل اللقاء الأول بشأن الردع النووي، الذي عقده بن غوريون سرا، العام 1962. وأثار عزرياهو الموضوع النووي مرارا في لقاءات مع مسؤولين أميركيين وكذلك حواراته بعد حرب 67 مع مئير ميردور، المدير العام الأسطوري لسلطة «رفائيل»، ومع جليلي قبل حرب يوم الغفران.
وأجرى كوهين المقابلة التي طالت ست ساعات تقريبا مع عزرياهو في العام 2008 قبيل وفاته. وتطرق عزرياهو لعدد من الحوادث التاريخية واللقاءات التي شهدها. ورغم أنه لم يكن من صناع القرار لكنه مرارا وجد نفسه شاهدا على صنع القرارات ومطلعا على مواد استخبارية بالغة السرية. واللقاء المثير في مركز شهادة عزرياهو تم يوم الأحد 7 تشرين الأول 73. الحضور وصلوا مشحونين بتقارير قاتمة من الجبهات. رئيس الأركان، مثلا، دخل بعد وقت قصير من مكالمة مع قائد الجبهة الجنوبية، شموئيل غونين الذي تحدث بنبرة يائسة: «أطلب إسنادا قويا من سلاح الجو، إذا لم ينجح شارون فلن تبقى لدينا قوات. وإذا عبروا من عند قوة ألبرت فإن المصريين يطورون جهدا كبيرا في الوسط والجنوب. يجب إدخال شارون للمعركة ليلا مقابل 200 دبابة مع الكثير من المدفعية. لنفترض أن الأمر سار جيدا ولدينا خسائر. الصباح سيطل علينا مختلطا، وحينها سيفقد شارون قوته خلال يومين».
في الساعة نفسها عادت مروحية ديان إلى تل أبيب من الجنوب. دخل وزير الدفاع غرفة القيادة لمقابلة قادة الجيش في حالة وصفها أحد الحاضرين بأنها «إما وإلا». وقد استهل ديان كلامه: «أنا قلق مما سيأتي. إنها الحرب على أرض إسرائيل... ينبغي الاستعداد لاحتمال أن لا نتمكن من مواجهة الضغط، وتحصين الخط المفترض أن يكون دائما (لا أرى أن علينا الفرار ولكن)... يجب الأخذ بالحسبان أن يتطلب الأمر إخلاء المنطقة بين شرم والمتلا... ينبغي تحصين خط، ب، وهو الخط الأخير».
واستعاد ديان هذه اللحظة في كتابه «حجارة الطريق»، بقوله ان «القهوة النقية الكثيرة التي شربتها في غرفة حرب قيادة الجبهة الجنوبية فاقمت أكثر الانزعاج الذي عشته. ولا أتذكر أبدا أنني كنت في قلق وخوف كهذين: الخطر يحيق بإسرائيل». ويتوجه ديان بنفس أخروي إلى رئيس الأركان: «هل تعلم ما أخافه أكثر من أي شيء؟ أن تبقى دولة إسرائيل في نهاية المطاف مع ما لا يكفي من السلاح لتدافع عن نفسها... حينها عموما أريد قول ذلك لغولدا وكيف أرى الوضع. فإذا كنت، كرئيس للأركان، تخالفني، قل لي ذلك الآن».
رد ألعازار: «أنا لا أختلف معك حول الاستعداد، لكن عندي أملا واحدا وهو أن نستقر على هذا الخط (ما وصفه ديان بالخط ب) ومع ذلك، هذا جيش مصري...قبل أن أقرر التراجع الى هذا الخط... وقبل أن أترك رفيديم وأم خشيبة أود القيام بمحاولة أخرى. ربما تنجح أو لا.. ودوما لدينا وقت لبدء الانسحاب».
خرج ديان من الغرفة وتوجه للاجتماع في مكتب غولدا. وتوثق تسجيلات غرفة الأركان العامة المشاعر التي تركها خلفه. يروي الجــنرال رحبـعام زئيفي الذي رافق ديان في جولته أن «موشـي كان هنا أشــد تفاؤلا ممــا كان في مطار دوف. هناك تحدث معي عن خراب الهيكل الثالث وكلمات غير لطيفة».
وقال عدد من الحضور في غرفة القيادة أن أقوال ديان كانت متشائمة جدا. ورد عليهم زئيفي: «لا أعتقد أن رأي وزير الدفاع متشائم، بل أعتقد أنكم متفائلون أكثر من اللازم».
وفي هذه الأجواء أوشك اللقاء مع غولدا أن يبدأ.
وصل ديان مكتب غولدا ودعت هي مستشارها المخلص جليلي للحضور. ويروي عزرياهو أنه وجليلي خططا لتناول الطعام في هكرياه. «كنا نعد للنزول، فتلقى مكالمة هاتفية من غولدا طلبت منه الحضور لمكتبها لخمس دقائق». والأمر يتعلق بمشاورات جرت عدة مرات يوميا خلال الحرب بمشاركة مطبخ غولدا الذي ضم وزير الدفاع ديان، نائب رئيس الحكومة ألون ووزير الدولة جليلي. كما انضم رئيس الأركان للاجتماع. ووصف عزرياهو الاجتماع بنبرة هادئة وبالوقائع رغم أن الاجتماع كان بالغ الإثارة. ونبع قسم من التوتر في الاجتماع من الطابع الاستثنائي غير المسبوق للوضع، ولكن أيضا من حضور رواسب شخصية قوية. فقد ساد العداء والتنافس وقلة الثقة، بل الاحتقار، علاقات قسم من الحضور. فاثنان من الحضور كانا حليفين – مئير وجليلي - كان الآخران – ألون وديان - خصمين من عشرات السنين. وزاد الموضوع النووي التنافس بينهم. ولأن جليلي شارك ألون عدم الود تجاه ديان، وغولدا لم تكن أبدا قريبة لديان أصلا، فإن الهيئة كانت سلفا ضد ديان. ويمكن الافتراض أنه فهم ذلك جيدا.
دخل جليلي لـ«خمس دقائق» وانتظره عزرياهو خارج الغرفة. لكن وقتا طويلا مر قبل أن يخرج جليلي. وحدث أمر غريب آخر: المدير العام للجنة الطاقة النووية شلهيبت فراير وصل بشكل مستعجل للممر المؤدي إلى مكتب غولدا. وفراير وعزرياهو صديقان حميمان، لكن فراير تجاهله هذه المرة، كأنها لا يعرفان بعضهما. واستذكر عزرياهو: «رآني جالسا. اقترب من اتجاهي – وليس مني - وتوقف وبدلا من التوجه نحوي والسؤال عن حالي، ذهب وجلس على مقعد بعيد». وانتظر عزرياهو وفراير دقائق طويلة صامتين بشكل غريب قبل أن يفتح الباب ويخرج جليلي من الغرفة. مر قاصدا عزرياهو للذهاب لتناول الغداء لكنه رأى فراير. حينها قال لي: «عزرياهو انتظر لحظة. نسيت شيئا». وعاد جليلي إلى داخل الغرفة مخرجا منها السكرتير العسكري لغولدا، إسرائيل ليئور، ليدخل فراير بدلا منه. وبعد بضع دقائق خرج جليلي ثانية، وبدا منهكا وغاضبا وقال لي: الآن أنا ميت من الجوع. لا تقل لي شيئا. أولا سنأكل».
ويستذكر عزرياهو: «جلسنا بهدوء، صحيح أني كنت عديم الصبر، لكني سكتت. وما ان أكل شرائح اللحم حتى قال لي: مثل هذا لم يحدث معي أبدا». وشرع جليلي يروي لعزرياهو ما حدث في الغرفة. وبحسب شهادة عزرياهو، بدأ اللقاء بعرض رئيس الأركان الوضع الصعب للقوات الإسرائيلية في الجولان والتي لم تفلح في وقف الهجوم السوري المتقدم. ولم يحقق الجيش الإسرائيلي هدفه المركزي في المرحلة الأولى من الحرب – صد قوات العدو ونقل القتال للجانب الثاني – وبدا أن سهل حولة والجليل باتا في خطر شديد. أما في سيناء فمئات الكيلومترات من التلال تفصل بين إسرائيل والدبابات المصرية، بينما العمق الاستراتيجي في الشمال أضيق بكثير. والقرار الأول المتخذ في الاجتماع تعلق بالإسناد القيادي الذي شعر الحضور بوجوب تقديمه لقائد الجبهة الشمالية اسحق حوفي».
وشهد عزرياهو: «في ضوء الوضع الصعب قرروا بالتحديد أن يرسلوا بارليف (رئيس الأركان السابق والوزير حينها) ليس الى مكان، وإنما ليشجع من كان قائد الجبهة الشمالية، وهو من البلماخ أيضا... حوفي. لأن يبقى مع حوفي، فقد كانا صديقان، حينها لم يخافا مما كان. لكن كان الشعور صعبا، وهو قال... جلسنا وتشاورنا بهذا الشأن وخلافه، وبرزت مشكلات مع بارليف لأنه وزير ويجب أن يستقيل. أمور من هذا القبيل، واستطال الاجتماع، مع كل الأنباء عن الوضع الصعب، واتصالات لألعازار من غرفة القيادة، الراغبين منه العودة، وأنباء سيئة من الجولان. وحينها عاد إليهم وبقي الآخرون. وبعدها قيل انتهينا».
ترك رئيس الأركان الغرفة وهم الآخرون بالخروج. وحسب عزرياهو كانت هذه لحظة حاول وزير الدفاع موشي ديان استغلالها. وقال: «وحينها وصل ديان إلى الباب، وأدار القبضة لإنزالها وقال: حسنا، الأساس نسيت، فقد ظننت أنه بسبب الوضع – وقد استمعنا الآن نصف ساعة لإلعازار - وأنه بالغ السوء، وبسبب أنه لن يتوفر لنا وقت كثير ولا إمكانات كثيرة، يجدر بنا أن نعد للتظاهر الخيار العسكري أيضا». وعمليا وفق تفسير البروفيسور كوهين للأحداث، ديان كان قد أصدر كوزير للدفاع أوامر ببدء الاستعدادات لاستخدام السلاح النووي وأنه فقط يطلب إذن الهيئة للاستمرار فيها. ويقول عزرياهو في مقابلته المسجلة: «لذلك قال ديان: من أجل ألا نخسر الوقت، قررت قبل حضوري استدعاء شلهيبت فراير. وهو ينتظر خارجا. وهو يعرف أنه ينتظر. وإذا صادقت على أن يقوم بالاستعدادات المطلوبة حتى إذا قررنا الاستخدام يمكننا خلال دقائق استخدامها، وليس أن نبحث عن نصف نهار نجرب فيه كل الاستعدادات قبيل التنفيذ.
ويقول عزرياهو في المقابلة لكوهين: «أنت تفهم، لقد انتظر حتى يخرج ألعازار. كان بوسعه أن يبدأ من أول اللقاء. انتظر حتى النهاية وخروج ألعازار. أراد أن يضفي على الأمر صفة عدم الأهمية، لأنه في النهاية، وهأنذا ذاهب، والأمر مجرد تحضير. نحن لا نفعل... ظن ربما أن ألعازار يعارض ذلك، وأن من الأفضل عرض المسألة كشأن هامشي وليس خلق إثارة وحينها تنشأ مشكلة.
«وحينها اشتعل ألون وجليلي ... انتفضا وصرخا ضد ذلك، وقالا إن بوسعنا الصمود وصدهم، وإن قواتنا الاحتياطية فقط في الطريق إلى الجولان، وموازين القوى سوف تتغير بسرعة أكبر ولا حاجة للذعر، وإن فعلنا هذا فهذه نهاية الأمر عموما. وبعد أن سمعت غولدا هذا الكلام، بلورت رأيها وقالت لديان: «انس الأمر. بهذه الكلمات، «انس الأمر» وجليلي أيضا طلب نسيانه. نحن سنحارب تقليديا من دون إشراك عوامل أخرى، مباشرة أو بشكل غير مباشر. وقال لي جليلي ان ديان الذي كان طوال الوقت يمسك بمقبض الباب أمسك به وكأن الحديث عابر.
و«قال ديان، حسنا إن كان هذا ما ترين، فإني أقبله. الأمر مقبول لكن من دون اقتناع. قال بوضوح انه غير مقتنع، لكن غولدا تتحمل المسؤولية»... وخرج جليلي من الغرفة ليذهب لتناول الطعام مع عزرياهو، لكنه رأى في الممر شلهيبت فراير. وبحسب تحليل البروفيسور كوهين، قرر جليلي أنه ينبغي البقاء شاهدا بنفسه على أمر يصدره ديان وغولدا له بإلغاء التحضيرات لاستخدام السلاح النووي. ويوضح عزرياهو أن جليلي لم يكن يثق بديان. «وقال، خفت ألا يبلغ ديان فراير. حينها عدت وقلت لإسرائيل ليئور: اسمع، يمكن أن ينسى موشي ديان إبلاغه ألا يفعل. استدعه، ويجب على غولدا أن تبلغه ببساطه أن يدعه من الأمر. ولذلك لم يذهب لتناول الطعام قبل أن يستدعيه. هو عرف أن غولدا ستبلغه، ولذلك صار مطمئنا. لأن موشي ديان يمكنه أن ينسى إبلاغه بأنهم لا يريدون ذلك».
سلام من هيروشيما
÷ ما هي بالضبط تفاصيل عرض ديان؟
بحسب تقدير البروفيسور كوهين، اقترح ديان أنه إذا تبين أن هناك حاجة فعلية، ينبغي لغولدا أن تأمر المدير العام للجنة الطاقة النووية فراير، بالمبادرة «لتحضير» «استعراض قوة نووي» – استعراض فقط، من دون استخدام ضد أهداف محددة – لتوفير وقت ثمين (نصف يوم)». ويقول كوهين: كان بوسع إسرائيل، بلا شك، إجراء تفجير تحت الأرض لسلاح يحقق نتائج بحجم هيروشيما أو نغازاكي. لكن حتى بسلاح تجريبي اختبر في الماضي، يزيد زمن التحضير عن نصف يوم.
«واستعراض قوة أشد فعالية، كان ضمن حدود القدرة التقنية لإسرائيل وضمن الجدول الزمني المقترح، يمكن أن يكون سلسلة تفجيرات بارتفاعات عالية فوق منطقة غير مأهولة في سوريا، مصر أو الدولتين معا. انفجارات كهذه يمكن أن تنفذ في ساعات يمكن رؤيتها في القاهرة ودمشق (بعد وقت قصير من الغروب)، وبذلك تتجنب السجالات التي قد تنشب جراء تفجير تحت الأرض، وهذا قد يخلق طلبا من الدول العظمى لمصر وسوريا بإيقاف القتال.
«وفضلا عن ذلك، ثمة احتمال كبير بأنه كان لسلاح الجو الإسرائيلي عدد قليل من الطيارين المدربين على مهمات نووية بطائرات ميراج (الفرنسية لتجنب المواجهة بسبب التعهد الإسرائيلي لأميركا بعدم استخدام طائرات أميركية في مهمات فيها سلاح نووي)، وكذلك أيضا تجهيزات مناسبة تسمح بالتسليح السريع للسلاح الكيماوي.
«وكان بوسع سلاح الجو الإسرائيلي نقل السلاح بسرعة، وتسليح طائرات ميراج لمهمات نووية، وإرسال طيارين مدربين على مهمات من هذا النوع، وتنظيم مهمات مرافقة، وتوجيه وإرسال الطائرات، وكل ذلك خلال 6-12 ساعة.
ويضيف كوهين أنه «بأخذ الوضع بالحسبان كان يمكن التفكير في أن فكرة ديان على ما يبدو كانت التحضير اللوجستي والتنظيمي لمهمة على ارتفاع عال فوق منطقة غير مأهولة. وهذا تطلب عملا أركانيا مشتركا بين سلاح الجو ولجنة الطاقة النووية الإسرائيلية لتركيب عدة أسلحة في مهمة استعراضية».
وتعرض شهادة عزرياهو بشكل إشكالي صورة موشي ديان وتمدح أداء غولدا مئير، على الأقل في الظروف التي شهدها. ووفق شهادته، فإن رئيسة الحكومة لم تصب بالذعر ولم تبد رغبة واستعدادا لدراسة الاقتراح، أو اتخاذ خطوات لتحضير سلاح يوم القيامة لاحتمال استخدامه استعراضيا. ويقول البروفيسور كوهين: «في التحليل النهائي، فكرة ديان النووية كانت نوعا من إعلان اليأس. وبينما لا نعرف ما الذي بالضبط أثار اقتراح ديان النووي، أو كم من الوقت كرس للتفكير به، نعرف أن ديان كان في حالة صدمة خطيرة في ظهر ذلك اليوم الثاني للحرب، وكان هناك من وصفوا وضعه بما «يشبه الانهيار». ومن الواضح أن اقتراحه النووي يعبر عن حالة قاتمة وإحساس بالضياع.
«وقد تعامل ألون وجليلي مع اقتراحات ديان الغريبة في نهاية اللقاء على أنها ردود مذعورة، وهم رأوا ذلك برهانا على فقدان ديان قدرة اتخاذ قرارات موزونة كقائد عسكري مستقر وواع، ورأى مجلس الحرب أن اقتراحاته محصلة غير منطقية لذعر هائل. وفضلا عن ذلك، فإن طريقة عرض ديان فكرته – وهو يمسك بمقبض باب الخروج وأن التحضير لتفجير نووي أمر احترازي بسيط - اعتبرت عند جليلي وألون وغولدا كما يبدو أيضا، شهادة على أن وزير الدفاع فقد الاتصال وبات عاملا خطيرا».
الوضع بالغ السوء
لقد تم كبح مبادرة ديان ليوم ونصف يوم. وبعد فشل الهجوم المضاد في 8 تشرين أثيرت من جديد أفكار لاستخدام وسائل متطرفة. وليلة 8-9 تشرين الأول في الرابعة صباحا عاد ألعازار وديان إلى مقر القيادة العليا. وأمر ألعازار باستدعاء مجموعة كبار مستشاريه. وكانت تلك أقسى الساعات التي عرفتها هيئة الأركان في تاريخ إسرائيل. قال ألعازار: «استدعوا بني بيلد، استدعوا إيلي زعيرا، وضعنا في الجنوب بالغ السوء».
قال رئيس شعبة الاستخبارات، إيلي زعيرا: «هل الصورة التي كانت لدينا طوال اليوم غير صحيحة؟
ألعازار: «مطلقا».
الجنرال أهرون ياريف، مساعد رئيس الأركان: «لكن لدينا 600 دبابة»
العازار: عموما، الوضع في مصر بالغ السوء. في سيناء تبين لي أن هجوم بيرن كان خطيرا وتكبدنا خسائر كثيرة. لقد ترك خلفه في الميدان أكثر من 50 دبابة. يقولون لدينا 200 ضحية. نخاف أن نقول أكثر. أكثر من 500 جريح. الوضع حرج. لم نحسم في الهجوم المضاد. أمس ظننت أنه ينبغي شن هجوم مضاد، ربما أنه سيخرجنا... في الجولان نجحنا جزئيا، في الجنوب ليس هذا ما تحقق. تم تنفيذ شيء مغاير. كان لنا يوم استنزاف... كان سيئا جدا لنا. صعب جدا علينا».
الأجواء الأخروية أثرت في الجميع – وبروحية أقوال ألعازار «لتحقيق أثر دراماتيكي» اعتقدوا في مقر القيادة بوجوب توصية الحكومة باتخاذ تدابير أشد تطرفا. وكان الأشد تطرفا الجنرال رحبعام زئيفي.
بعد الحرب بقليل وفي ندوة سرية جدا استذكر نائب رئيس الأركان الجنرال إسرائيل طال، أن أحد العمداء الموجودين في الغرفة المجاورة سمع الكلام على القرار باتخاذ تدابير متطرفة، اقتحم الغرفة وانفجر باكيا على كتفه قائلا: «يجب عليك أن تنقذ شعب إسرائيل من هؤلاء المجانين».
وحاول طال توضيح ما جرى حينها في هيئة الأركان: «في 9 تشرين الأول صباحا ساد الشعور بأن وجودنا القومي في خطر. لذلك صار الهدف وقف الحرب بسرعة. كان 9 تشرين أسوأ أيام الحرب، لأنه ظهر لنا فيه فشل يوم 8، ولم تبق لدينا قوات. لم سيق لدينا المزيد، وبدت الحرب في تلك اللحظة ليس فقط وضعا حرجا وشبه ما بعد اليأس، وإنما حرب على وجودنا القومي المادي وليس على أي شيء آخر».
مرت خمس ساعات بالغة الخطورة على هيئة الأركان العامة، إلى أن بدأت في الوصول تقارير متفائلة نسبيا من الجبهة الشمالية. بعد ليلة قتال كان نجاح السوريين أقل مما ظن ألعازار. وتم صد مبادرتهم الهجومية الأخيرة. بعد ذلك أمسك الجيش الإسرائيلي بزمام المبادرة ولم يتخل عنها، حتى غدت مشارف دمشق في مدى المدفعية الإسرائيلية.
رونين بيرغمان
ظهر يوم الأحد، 7 تشرين الأول، 1973 تقريبا بعد 24 ساعة على نشوب حرب يوم الغفران كان الوضع في مقر وزارة الدفاع «هكرياه» في تل أبيب بائسا. وكانت رئيسة الحكومة غولدا مئير تتلقى في مكتبها تقارير من الجبهات يقدمها رئيس الأركان الجنرال دافيد العازار. وتواجد معها وزير الدفاع ديان، نائب رئيس الحكومة يجئال الون والمستشار الأقرب لغولدا وأمين أسرارها إسرائيل جليلي.
أنهى رئيس الأركان استعراضه للأوضاع على الجبهات. لا شيء يطمئن الحضور: الوضع صعب، ولا ريب في أنه الأخطر منذ حرب 48. أنهى العازار كلامه واتجه مغادرا الغرفة. انتظر ديان أن يغلق ألعازار الباب وتقدم نحوه كأنه سيترك الغرفة، لكنه توقف فجأة. «ديان وصل الباب، أمسك بالقبضة وكأنه سينزلها وقال: نعم، نسيت أساسا، وحسبت أنه بسبب الوضع – نحن سمعنا الآن ألعازار نصف ساعة - والوضع بالغ السوء، أنه يجدر بنا، ولأنه لن يتوفر لنا الكثير من الوقت والكثير من الخيارات، أن نعد للتظاهر أيضا بخيار نووي».
بهذه الكلمات وصف أرنون عزرياهو، المساعد الأقرب لإسرائيل جليلي، ما يبدو أنه إحدى اللحظات الأشد إثارة في حرب يوم الغفران. وقد نشر الباحث أفنير كوهين هذا الأسبوع في الولايات المتحدة تقديره أن وزير الدفاع موشي ديان «أمر بإعداد تفجير نووي يجسد قدرات دولة إسرائيل، من أجل ردع سوريا ومصر عن مواصلة الحرب».
ولم يسبق أبدا أن تطلب الأمر من قادة إسرائيل اتخاذ قرار باستخدام سلاح نووي لاستعراض محتمل. ولم يسبق أبدا أن آمن وزير دفاع بأن إسرائيل تقترب بسرعة من لحظة النهاية. ولم يسبق أن لعب الوضع النفسي للزعيم دورا بهذه الأهمية في التقدير المنطقي للاقتراح نفسه. سبع كلمات فقط – «يجدر بنا الاستعداد لإظهار الخيار النووي أيضا» - لكن العواقب التي تنطوي عليها كانت ستغير تماما تاريخ دولة إسرائيل، والشرق الأوسط وربما الجنس البشري عموما.
[[[
كثيرة هي النشرات حتى اليوم عن «الزاوية النووية» لحرب يوم الغفران، وكلها وفق تقارير منشورة في الخارج، بعيدا عن الرقابة العسكرية. وهذه هي أول مرة تعرض فيها شهادة من داخل الدائرة الداخلية لصنع القرار باسم صاحبها وصوته.
ونشر شهادة عزرياهو صار ممكنا لأن معهد وودرو ويلسون المشهور لأبحاث العلاقات الدولية في واشنطن نشر هذا الأسبوع القسم الأول من مجموعة المقابلات حول التاريخ النووي لدولة إسرائيل. وقد أجريت المقابلات على مدى الـ 30 عاما الأخيرة على يد الباحث الأبرز في هذا المجال، البروفيسور الاسرائيلي المقيم في أميركا، أفنير كوهين. وتتضمن مجموعة مقابلاته اكتشافات كثيرة عن السر الكبير، الذي لا يزال يعتبر بالغ الحساسية حتى اليوم، حول القدرات النووية الإسرائيلية. وبقدر كبير، فإن نشر مقابلات البروفيسور كوهين سيناقض سياسة الغموض النووي الإسرائيلية.
وبحسب منشورات أجنبية، طوال أيام أزمة بداية الحرب (بعد ظهر السابع من تشرين حتى صباح التاسع منه) كان في إسرائيل من فكر بجدية باستخدام السلاح النووي ضد الدول العربية، أو لغرض استعراض القوة بهدف خلق الردع. ويكتب سيمور هيرش في كتابه «خيار شمشون»: «أمرت القيادة الإسرائيلية، التي جابهت الأزمة الأخطر في تاريخ الدولة، بتسليح الأدوات الحربية النووية الإسرائيلية وتوجيهها نحو أهدافها، تحسبا لانهيار تام، يثير الحاجة لتجسيد خيار شمشون».
وبحسب تقرير هيرش، فإن الموضوع النووي سيطر على لقاء غولدا مئير من مجلسها الحربي صبيحة 9 تشرين الأول. في ذلك اللقاء، بعد عرض من المدير العام للجنة الإسرائيلية للطاقة النووية، شلهيبت فراير، قرر المجلس «تسليح الترسانة النووية وتوجيهها نحو أهدافها تحسبا لانهيار شامل»... «وإبلاغ واشنطن عن هذه الخطوة غير المسبوقة».
ويعرض هيرش في كتابه تفصيلا للخطوات العملانية التي اتخذت، خصوصا تسليح الصواريخ النووية وثماني طائرات فانتوم في قاعدة تل نوف. وفي مسرحية «شرفة غولدا»، التي حققت نجاحا في برودوي قبل عشر سنوات، تعرض رئيسة الحكومة كشخص غارق في شعور بالذنب مؤمن بوجود خطر وجودي على إسرائيل. في 8 تشرين الأول – بحسب المسرحية - أمرت بوضع الترسانة النووية في حالة التأهب القصوى طائرة واحدة لسلاح الجو/ محملة بقنبلتين نوويتين، وقفت طوال أيام في طرف مدرج الإقلاع. طيار يجلس في قمرة القيادة والمحرك يعمل، ينتظر أمر الإقلاع نحو دمشق. هذه الأسطورة، بأن الشرق الأوسط كان على مسافة إقلاع طائرة من حرب نووية، رغم أنها لم تؤكد أبدا بشهادة مباشرة، ترسخت في نظر الكثيرين كحقيقة. غير أن شهادة عزرياهو تلقي لأول مرة الضوء على ما جرى حقا، وما لم يجر. وقصة الطيار، وفق الشهادة، لم تحدث أبدا.
حان وقت كشف ما جرى
أرنون عزرياهو، 1917-2008 (كان ضابطا في قيادة البلماخ ومستشارا ليجئال ألون وأمين السر لإسرائيل جليلي قائد الهاغاناه. وكان مستشارا مقربا لرؤساء الحكومة، ليفي أشكول وغولدا مئير واسحق رابين في ولايته الأولى). كان عزرياهو بين أوائل الإسرائيليين الذين تحدثوا عن مشروع ذري مدني.
ويقول أفنير كوهين «رغم أن عزرياهو لم يكن بين المجموعة المقربة لرئيس الحكومة دافيد بن غوريون التي بادرت للمشروع النووي إلا ان علاقاته القريبة مع كثيرين في القيادة الأمنية لإسرائيل، خصوصا ألون وجليلي، أتاحت له نظرة من الداخل على كثير من المفترقات المركزية في التاريخ النووي الإسرائيلي». ويكشف كوهين أن عزرياهو هو الذي وجه جليلي قبيل اللقاء الأول بشأن الردع النووي، الذي عقده بن غوريون سرا، العام 1962. وأثار عزرياهو الموضوع النووي مرارا في لقاءات مع مسؤولين أميركيين وكذلك حواراته بعد حرب 67 مع مئير ميردور، المدير العام الأسطوري لسلطة «رفائيل»، ومع جليلي قبل حرب يوم الغفران.
وأجرى كوهين المقابلة التي طالت ست ساعات تقريبا مع عزرياهو في العام 2008 قبيل وفاته. وتطرق عزرياهو لعدد من الحوادث التاريخية واللقاءات التي شهدها. ورغم أنه لم يكن من صناع القرار لكنه مرارا وجد نفسه شاهدا على صنع القرارات ومطلعا على مواد استخبارية بالغة السرية. واللقاء المثير في مركز شهادة عزرياهو تم يوم الأحد 7 تشرين الأول 73. الحضور وصلوا مشحونين بتقارير قاتمة من الجبهات. رئيس الأركان، مثلا، دخل بعد وقت قصير من مكالمة مع قائد الجبهة الجنوبية، شموئيل غونين الذي تحدث بنبرة يائسة: «أطلب إسنادا قويا من سلاح الجو، إذا لم ينجح شارون فلن تبقى لدينا قوات. وإذا عبروا من عند قوة ألبرت فإن المصريين يطورون جهدا كبيرا في الوسط والجنوب. يجب إدخال شارون للمعركة ليلا مقابل 200 دبابة مع الكثير من المدفعية. لنفترض أن الأمر سار جيدا ولدينا خسائر. الصباح سيطل علينا مختلطا، وحينها سيفقد شارون قوته خلال يومين».
في الساعة نفسها عادت مروحية ديان إلى تل أبيب من الجنوب. دخل وزير الدفاع غرفة القيادة لمقابلة قادة الجيش في حالة وصفها أحد الحاضرين بأنها «إما وإلا». وقد استهل ديان كلامه: «أنا قلق مما سيأتي. إنها الحرب على أرض إسرائيل... ينبغي الاستعداد لاحتمال أن لا نتمكن من مواجهة الضغط، وتحصين الخط المفترض أن يكون دائما (لا أرى أن علينا الفرار ولكن)... يجب الأخذ بالحسبان أن يتطلب الأمر إخلاء المنطقة بين شرم والمتلا... ينبغي تحصين خط، ب، وهو الخط الأخير».
واستعاد ديان هذه اللحظة في كتابه «حجارة الطريق»، بقوله ان «القهوة النقية الكثيرة التي شربتها في غرفة حرب قيادة الجبهة الجنوبية فاقمت أكثر الانزعاج الذي عشته. ولا أتذكر أبدا أنني كنت في قلق وخوف كهذين: الخطر يحيق بإسرائيل». ويتوجه ديان بنفس أخروي إلى رئيس الأركان: «هل تعلم ما أخافه أكثر من أي شيء؟ أن تبقى دولة إسرائيل في نهاية المطاف مع ما لا يكفي من السلاح لتدافع عن نفسها... حينها عموما أريد قول ذلك لغولدا وكيف أرى الوضع. فإذا كنت، كرئيس للأركان، تخالفني، قل لي ذلك الآن».
رد ألعازار: «أنا لا أختلف معك حول الاستعداد، لكن عندي أملا واحدا وهو أن نستقر على هذا الخط (ما وصفه ديان بالخط ب) ومع ذلك، هذا جيش مصري...قبل أن أقرر التراجع الى هذا الخط... وقبل أن أترك رفيديم وأم خشيبة أود القيام بمحاولة أخرى. ربما تنجح أو لا.. ودوما لدينا وقت لبدء الانسحاب».
خرج ديان من الغرفة وتوجه للاجتماع في مكتب غولدا. وتوثق تسجيلات غرفة الأركان العامة المشاعر التي تركها خلفه. يروي الجــنرال رحبـعام زئيفي الذي رافق ديان في جولته أن «موشـي كان هنا أشــد تفاؤلا ممــا كان في مطار دوف. هناك تحدث معي عن خراب الهيكل الثالث وكلمات غير لطيفة».
وقال عدد من الحضور في غرفة القيادة أن أقوال ديان كانت متشائمة جدا. ورد عليهم زئيفي: «لا أعتقد أن رأي وزير الدفاع متشائم، بل أعتقد أنكم متفائلون أكثر من اللازم».
وفي هذه الأجواء أوشك اللقاء مع غولدا أن يبدأ.
وصل ديان مكتب غولدا ودعت هي مستشارها المخلص جليلي للحضور. ويروي عزرياهو أنه وجليلي خططا لتناول الطعام في هكرياه. «كنا نعد للنزول، فتلقى مكالمة هاتفية من غولدا طلبت منه الحضور لمكتبها لخمس دقائق». والأمر يتعلق بمشاورات جرت عدة مرات يوميا خلال الحرب بمشاركة مطبخ غولدا الذي ضم وزير الدفاع ديان، نائب رئيس الحكومة ألون ووزير الدولة جليلي. كما انضم رئيس الأركان للاجتماع. ووصف عزرياهو الاجتماع بنبرة هادئة وبالوقائع رغم أن الاجتماع كان بالغ الإثارة. ونبع قسم من التوتر في الاجتماع من الطابع الاستثنائي غير المسبوق للوضع، ولكن أيضا من حضور رواسب شخصية قوية. فقد ساد العداء والتنافس وقلة الثقة، بل الاحتقار، علاقات قسم من الحضور. فاثنان من الحضور كانا حليفين – مئير وجليلي - كان الآخران – ألون وديان - خصمين من عشرات السنين. وزاد الموضوع النووي التنافس بينهم. ولأن جليلي شارك ألون عدم الود تجاه ديان، وغولدا لم تكن أبدا قريبة لديان أصلا، فإن الهيئة كانت سلفا ضد ديان. ويمكن الافتراض أنه فهم ذلك جيدا.
دخل جليلي لـ«خمس دقائق» وانتظره عزرياهو خارج الغرفة. لكن وقتا طويلا مر قبل أن يخرج جليلي. وحدث أمر غريب آخر: المدير العام للجنة الطاقة النووية شلهيبت فراير وصل بشكل مستعجل للممر المؤدي إلى مكتب غولدا. وفراير وعزرياهو صديقان حميمان، لكن فراير تجاهله هذه المرة، كأنها لا يعرفان بعضهما. واستذكر عزرياهو: «رآني جالسا. اقترب من اتجاهي – وليس مني - وتوقف وبدلا من التوجه نحوي والسؤال عن حالي، ذهب وجلس على مقعد بعيد». وانتظر عزرياهو وفراير دقائق طويلة صامتين بشكل غريب قبل أن يفتح الباب ويخرج جليلي من الغرفة. مر قاصدا عزرياهو للذهاب لتناول الغداء لكنه رأى فراير. حينها قال لي: «عزرياهو انتظر لحظة. نسيت شيئا». وعاد جليلي إلى داخل الغرفة مخرجا منها السكرتير العسكري لغولدا، إسرائيل ليئور، ليدخل فراير بدلا منه. وبعد بضع دقائق خرج جليلي ثانية، وبدا منهكا وغاضبا وقال لي: الآن أنا ميت من الجوع. لا تقل لي شيئا. أولا سنأكل».
ويستذكر عزرياهو: «جلسنا بهدوء، صحيح أني كنت عديم الصبر، لكني سكتت. وما ان أكل شرائح اللحم حتى قال لي: مثل هذا لم يحدث معي أبدا». وشرع جليلي يروي لعزرياهو ما حدث في الغرفة. وبحسب شهادة عزرياهو، بدأ اللقاء بعرض رئيس الأركان الوضع الصعب للقوات الإسرائيلية في الجولان والتي لم تفلح في وقف الهجوم السوري المتقدم. ولم يحقق الجيش الإسرائيلي هدفه المركزي في المرحلة الأولى من الحرب – صد قوات العدو ونقل القتال للجانب الثاني – وبدا أن سهل حولة والجليل باتا في خطر شديد. أما في سيناء فمئات الكيلومترات من التلال تفصل بين إسرائيل والدبابات المصرية، بينما العمق الاستراتيجي في الشمال أضيق بكثير. والقرار الأول المتخذ في الاجتماع تعلق بالإسناد القيادي الذي شعر الحضور بوجوب تقديمه لقائد الجبهة الشمالية اسحق حوفي».
وشهد عزرياهو: «في ضوء الوضع الصعب قرروا بالتحديد أن يرسلوا بارليف (رئيس الأركان السابق والوزير حينها) ليس الى مكان، وإنما ليشجع من كان قائد الجبهة الشمالية، وهو من البلماخ أيضا... حوفي. لأن يبقى مع حوفي، فقد كانا صديقان، حينها لم يخافا مما كان. لكن كان الشعور صعبا، وهو قال... جلسنا وتشاورنا بهذا الشأن وخلافه، وبرزت مشكلات مع بارليف لأنه وزير ويجب أن يستقيل. أمور من هذا القبيل، واستطال الاجتماع، مع كل الأنباء عن الوضع الصعب، واتصالات لألعازار من غرفة القيادة، الراغبين منه العودة، وأنباء سيئة من الجولان. وحينها عاد إليهم وبقي الآخرون. وبعدها قيل انتهينا».
ترك رئيس الأركان الغرفة وهم الآخرون بالخروج. وحسب عزرياهو كانت هذه لحظة حاول وزير الدفاع موشي ديان استغلالها. وقال: «وحينها وصل ديان إلى الباب، وأدار القبضة لإنزالها وقال: حسنا، الأساس نسيت، فقد ظننت أنه بسبب الوضع – وقد استمعنا الآن نصف ساعة لإلعازار - وأنه بالغ السوء، وبسبب أنه لن يتوفر لنا وقت كثير ولا إمكانات كثيرة، يجدر بنا أن نعد للتظاهر الخيار العسكري أيضا». وعمليا وفق تفسير البروفيسور كوهين للأحداث، ديان كان قد أصدر كوزير للدفاع أوامر ببدء الاستعدادات لاستخدام السلاح النووي وأنه فقط يطلب إذن الهيئة للاستمرار فيها. ويقول عزرياهو في مقابلته المسجلة: «لذلك قال ديان: من أجل ألا نخسر الوقت، قررت قبل حضوري استدعاء شلهيبت فراير. وهو ينتظر خارجا. وهو يعرف أنه ينتظر. وإذا صادقت على أن يقوم بالاستعدادات المطلوبة حتى إذا قررنا الاستخدام يمكننا خلال دقائق استخدامها، وليس أن نبحث عن نصف نهار نجرب فيه كل الاستعدادات قبيل التنفيذ.
ويقول عزرياهو في المقابلة لكوهين: «أنت تفهم، لقد انتظر حتى يخرج ألعازار. كان بوسعه أن يبدأ من أول اللقاء. انتظر حتى النهاية وخروج ألعازار. أراد أن يضفي على الأمر صفة عدم الأهمية، لأنه في النهاية، وهأنذا ذاهب، والأمر مجرد تحضير. نحن لا نفعل... ظن ربما أن ألعازار يعارض ذلك، وأن من الأفضل عرض المسألة كشأن هامشي وليس خلق إثارة وحينها تنشأ مشكلة.
«وحينها اشتعل ألون وجليلي ... انتفضا وصرخا ضد ذلك، وقالا إن بوسعنا الصمود وصدهم، وإن قواتنا الاحتياطية فقط في الطريق إلى الجولان، وموازين القوى سوف تتغير بسرعة أكبر ولا حاجة للذعر، وإن فعلنا هذا فهذه نهاية الأمر عموما. وبعد أن سمعت غولدا هذا الكلام، بلورت رأيها وقالت لديان: «انس الأمر. بهذه الكلمات، «انس الأمر» وجليلي أيضا طلب نسيانه. نحن سنحارب تقليديا من دون إشراك عوامل أخرى، مباشرة أو بشكل غير مباشر. وقال لي جليلي ان ديان الذي كان طوال الوقت يمسك بمقبض الباب أمسك به وكأن الحديث عابر.
و«قال ديان، حسنا إن كان هذا ما ترين، فإني أقبله. الأمر مقبول لكن من دون اقتناع. قال بوضوح انه غير مقتنع، لكن غولدا تتحمل المسؤولية»... وخرج جليلي من الغرفة ليذهب لتناول الطعام مع عزرياهو، لكنه رأى في الممر شلهيبت فراير. وبحسب تحليل البروفيسور كوهين، قرر جليلي أنه ينبغي البقاء شاهدا بنفسه على أمر يصدره ديان وغولدا له بإلغاء التحضيرات لاستخدام السلاح النووي. ويوضح عزرياهو أن جليلي لم يكن يثق بديان. «وقال، خفت ألا يبلغ ديان فراير. حينها عدت وقلت لإسرائيل ليئور: اسمع، يمكن أن ينسى موشي ديان إبلاغه ألا يفعل. استدعه، ويجب على غولدا أن تبلغه ببساطه أن يدعه من الأمر. ولذلك لم يذهب لتناول الطعام قبل أن يستدعيه. هو عرف أن غولدا ستبلغه، ولذلك صار مطمئنا. لأن موشي ديان يمكنه أن ينسى إبلاغه بأنهم لا يريدون ذلك».
سلام من هيروشيما
÷ ما هي بالضبط تفاصيل عرض ديان؟
بحسب تقدير البروفيسور كوهين، اقترح ديان أنه إذا تبين أن هناك حاجة فعلية، ينبغي لغولدا أن تأمر المدير العام للجنة الطاقة النووية فراير، بالمبادرة «لتحضير» «استعراض قوة نووي» – استعراض فقط، من دون استخدام ضد أهداف محددة – لتوفير وقت ثمين (نصف يوم)». ويقول كوهين: كان بوسع إسرائيل، بلا شك، إجراء تفجير تحت الأرض لسلاح يحقق نتائج بحجم هيروشيما أو نغازاكي. لكن حتى بسلاح تجريبي اختبر في الماضي، يزيد زمن التحضير عن نصف يوم.
«واستعراض قوة أشد فعالية، كان ضمن حدود القدرة التقنية لإسرائيل وضمن الجدول الزمني المقترح، يمكن أن يكون سلسلة تفجيرات بارتفاعات عالية فوق منطقة غير مأهولة في سوريا، مصر أو الدولتين معا. انفجارات كهذه يمكن أن تنفذ في ساعات يمكن رؤيتها في القاهرة ودمشق (بعد وقت قصير من الغروب)، وبذلك تتجنب السجالات التي قد تنشب جراء تفجير تحت الأرض، وهذا قد يخلق طلبا من الدول العظمى لمصر وسوريا بإيقاف القتال.
«وفضلا عن ذلك، ثمة احتمال كبير بأنه كان لسلاح الجو الإسرائيلي عدد قليل من الطيارين المدربين على مهمات نووية بطائرات ميراج (الفرنسية لتجنب المواجهة بسبب التعهد الإسرائيلي لأميركا بعدم استخدام طائرات أميركية في مهمات فيها سلاح نووي)، وكذلك أيضا تجهيزات مناسبة تسمح بالتسليح السريع للسلاح الكيماوي.
«وكان بوسع سلاح الجو الإسرائيلي نقل السلاح بسرعة، وتسليح طائرات ميراج لمهمات نووية، وإرسال طيارين مدربين على مهمات من هذا النوع، وتنظيم مهمات مرافقة، وتوجيه وإرسال الطائرات، وكل ذلك خلال 6-12 ساعة.
ويضيف كوهين أنه «بأخذ الوضع بالحسبان كان يمكن التفكير في أن فكرة ديان على ما يبدو كانت التحضير اللوجستي والتنظيمي لمهمة على ارتفاع عال فوق منطقة غير مأهولة. وهذا تطلب عملا أركانيا مشتركا بين سلاح الجو ولجنة الطاقة النووية الإسرائيلية لتركيب عدة أسلحة في مهمة استعراضية».
وتعرض شهادة عزرياهو بشكل إشكالي صورة موشي ديان وتمدح أداء غولدا مئير، على الأقل في الظروف التي شهدها. ووفق شهادته، فإن رئيسة الحكومة لم تصب بالذعر ولم تبد رغبة واستعدادا لدراسة الاقتراح، أو اتخاذ خطوات لتحضير سلاح يوم القيامة لاحتمال استخدامه استعراضيا. ويقول البروفيسور كوهين: «في التحليل النهائي، فكرة ديان النووية كانت نوعا من إعلان اليأس. وبينما لا نعرف ما الذي بالضبط أثار اقتراح ديان النووي، أو كم من الوقت كرس للتفكير به، نعرف أن ديان كان في حالة صدمة خطيرة في ظهر ذلك اليوم الثاني للحرب، وكان هناك من وصفوا وضعه بما «يشبه الانهيار». ومن الواضح أن اقتراحه النووي يعبر عن حالة قاتمة وإحساس بالضياع.
«وقد تعامل ألون وجليلي مع اقتراحات ديان الغريبة في نهاية اللقاء على أنها ردود مذعورة، وهم رأوا ذلك برهانا على فقدان ديان قدرة اتخاذ قرارات موزونة كقائد عسكري مستقر وواع، ورأى مجلس الحرب أن اقتراحاته محصلة غير منطقية لذعر هائل. وفضلا عن ذلك، فإن طريقة عرض ديان فكرته – وهو يمسك بمقبض باب الخروج وأن التحضير لتفجير نووي أمر احترازي بسيط - اعتبرت عند جليلي وألون وغولدا كما يبدو أيضا، شهادة على أن وزير الدفاع فقد الاتصال وبات عاملا خطيرا».
الوضع بالغ السوء
لقد تم كبح مبادرة ديان ليوم ونصف يوم. وبعد فشل الهجوم المضاد في 8 تشرين أثيرت من جديد أفكار لاستخدام وسائل متطرفة. وليلة 8-9 تشرين الأول في الرابعة صباحا عاد ألعازار وديان إلى مقر القيادة العليا. وأمر ألعازار باستدعاء مجموعة كبار مستشاريه. وكانت تلك أقسى الساعات التي عرفتها هيئة الأركان في تاريخ إسرائيل. قال ألعازار: «استدعوا بني بيلد، استدعوا إيلي زعيرا، وضعنا في الجنوب بالغ السوء».
قال رئيس شعبة الاستخبارات، إيلي زعيرا: «هل الصورة التي كانت لدينا طوال اليوم غير صحيحة؟
ألعازار: «مطلقا».
الجنرال أهرون ياريف، مساعد رئيس الأركان: «لكن لدينا 600 دبابة»
العازار: عموما، الوضع في مصر بالغ السوء. في سيناء تبين لي أن هجوم بيرن كان خطيرا وتكبدنا خسائر كثيرة. لقد ترك خلفه في الميدان أكثر من 50 دبابة. يقولون لدينا 200 ضحية. نخاف أن نقول أكثر. أكثر من 500 جريح. الوضع حرج. لم نحسم في الهجوم المضاد. أمس ظننت أنه ينبغي شن هجوم مضاد، ربما أنه سيخرجنا... في الجولان نجحنا جزئيا، في الجنوب ليس هذا ما تحقق. تم تنفيذ شيء مغاير. كان لنا يوم استنزاف... كان سيئا جدا لنا. صعب جدا علينا».
الأجواء الأخروية أثرت في الجميع – وبروحية أقوال ألعازار «لتحقيق أثر دراماتيكي» اعتقدوا في مقر القيادة بوجوب توصية الحكومة باتخاذ تدابير أشد تطرفا. وكان الأشد تطرفا الجنرال رحبعام زئيفي.
بعد الحرب بقليل وفي ندوة سرية جدا استذكر نائب رئيس الأركان الجنرال إسرائيل طال، أن أحد العمداء الموجودين في الغرفة المجاورة سمع الكلام على القرار باتخاذ تدابير متطرفة، اقتحم الغرفة وانفجر باكيا على كتفه قائلا: «يجب عليك أن تنقذ شعب إسرائيل من هؤلاء المجانين».
وحاول طال توضيح ما جرى حينها في هيئة الأركان: «في 9 تشرين الأول صباحا ساد الشعور بأن وجودنا القومي في خطر. لذلك صار الهدف وقف الحرب بسرعة. كان 9 تشرين أسوأ أيام الحرب، لأنه ظهر لنا فيه فشل يوم 8، ولم تبق لدينا قوات. لم سيق لدينا المزيد، وبدت الحرب في تلك اللحظة ليس فقط وضعا حرجا وشبه ما بعد اليأس، وإنما حرب على وجودنا القومي المادي وليس على أي شيء آخر».
مرت خمس ساعات بالغة الخطورة على هيئة الأركان العامة، إلى أن بدأت في الوصول تقارير متفائلة نسبيا من الجبهة الشمالية. بعد ليلة قتال كان نجاح السوريين أقل مما ظن ألعازار. وتم صد مبادرتهم الهجومية الأخيرة. بعد ذلك أمسك الجيش الإسرائيلي بزمام المبادرة ولم يتخل عنها، حتى غدت مشارف دمشق في مدى المدفعية الإسرائيلية.
رونين بيرغمان