بالفيديو عن رسائل الشهداء في لحظاتهم الأخيرة.. حبٌّ ووصايا
جو 24 :
">
"هينا طالعين عالجنة رايحين عالجنة، إحكوا لأمي نلت ما طلبت".. "بحبك يا روحي.. ما تزعلي"، "أنا وأخوي الجنيدي بدنا نسلّم على الشهداء، بس بتمنى إنكم تسامحونا".
كلمات هزّت قلوبنا، كيف لا! وقد نطقها الشهداء وهم في طريقهم للجنة، وكأنهم ينظرون إليها ويتحدثون معنا في آخر لحظات لهم في دنيانا.
عبارات تحمل حبًا ووصايا لرفقاء الدرب ولكل من يسمعهما، نطق بها الشهيدان حسام اسليم (24 عامًا)، ومحمد الجنيدي (23 عامًا)، قبل ارتقائهما خلال اشتباكهما مع قوات الاحتلال التي كانت تحاصرهما في البلدة القديمة بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية في 22 شباط/ آذار الماضي.
إقرأ أيضاً
نابلس بعد المجزرة.. على قلب رجل واحد في بيوت العزاء الموحّدة
واستشهد "اسليم" و"الجنيدي"؛ وهما من قادة مجموعة "عرين الأسود"، إلى جانب 9 شهداء آخرين وإصابة أكثر من 100 فلسطيني خلال عملية واسعة شهدتها مدينة نابلس في ذلك اليوم.
وكان اللافت في رسائل الشهداء تشابهها في الكلمات والمعنى، حيث ردد الشهيد "اسليم" كلمات الشهيد إبراهيم النابلسي التي أرسلها خلال محاصرة قوات الاحتلال له "أنا بحب إمي.. ما تتركوا البارودة"، ما يعكس مدى الأثر الذي تتركه كلمات الشهداء في نفوس المقاومين والناس من حولهم، وهم في آخر عهدهم بالدنيا.
الأم.. لآخر لحظة
كانت "الأم" هي الحب المشترك الذي عبّر عنه الشهداء وهم يودعون الدنيا، لتكون هي أقرب من يمكن أن يصف اللحظات الأخيرة لهم، بعد أن رافقتهم روحًا وصوتًا.
وفتح الشهيد "الجنيدي" اتصالًا مع والدته خلال اشتباكه مع قوات الاحتلال، ليبشرها بذهابه للجنة وهو يضحك ويستبشر بذلك وكأنه يرى الجنة أمامه!، كما تقول.
وعن تلك اللحظات تخبرنا أم الشهيد "محمد الجنيدي": "حتى الآن أتساءل ما الذي كان يراه محمد حتى يكون بهذه الراحة والسعادة وهو محاصر ومقبل على الموت؟!".
تخنقها العبرات ولوعة الفراق، وتتماسك لتكمل حديثها لـ "وكالة سند للأنباء": "للموت رهبة ووحشة، لكن محمد لم يكن يشعر بذلك، كان مستبشرا، ويضحك وهو مشتبك ويغني ويقول: نلتها نلتها".
تتابع: "سألته في إحدى المرات ألا تخاف من الموت؟ فأجابني أنا مشتاق لله أريد أن أذهب عند الله".
وعن محادثتها الأخيرة مع الشهيدين قبل ارتقائهما، تقول: "حسام قال لي: سلمي على أمي واحكيلها إني بحبها، ومحمد كان يغني ومبسوط وقال لي: إمي أنا تحاصرت أنا رح استشهد، كان يضحك ويقول لي: أنا زلمة متل ما ربيتيني أنا ثابت وما هربت، أنا رايح أقابل ربي".
بصوت حزين تكمل الأم الثكلى: "كانت ضحكته هي نفس الضحكة اللي بترد الروح، ويقول لي ما بسلّم نفسي، أنا مشتاق لله، أنا رايح عالجنة"، حتى انقطع صوته واستشهد.
وتترك كلمات الشهداء وقعًا كبيرًا في نفوس الشباب والأطفال وكل من يسمعها، فمن أصدق من شهيد يعلم أن ساعته اقتربت ويشعر أنه يقف على أبواب الجنة!.
OBB84.jpg
وقعها على النفوس..
وعن تلك الوصايا وقراءتها عن قرب وكثب، يقول الأخصائي النفسي الإكلينيكي ومدير مركز فلسطين للصحة النفسية المجتمعية دياب أبو ريش، إن تلك الكلمات لها أبعاد نفسية ومدلولات كثيرة ومؤثرة.
ويضيف في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء": "وصايا الشهداء تحمل معانٍ ومدلولات ورسائل كثيرة، سواء على المستوى الفكري أو المعنوي والفكري والعاطفي، ولها وقع كبير على العقول والقلوب، وتشكل دافعًا قويًّا للشباب والأفراد والمجتمع؛ لتبني ومواصلة الدرب الذي سار عليه هؤلاء في مقاومة المحتل، من خلال هذه الرسائل التي يتركونها".
وفي إشارته لرسائل شهداء مدينة نابلس خلال الآونة الأخيرة، والتي كانوا يبثوها عبر وسائل التواصل خلال محاصرتهم بتسجيلات صوتية قصيرة، يعقّب: "على الرغم من قصرها فهي تحمل الكثير، كلمات قليلة لكنها تحمل كلمات ومعاني عظيمة، ووصايا خالدة للأمة، تجد طريقها بشكل قوي ومؤثر لكل من يسمعها وكأنها موجهة لكل فرد بشكل خاص".
ويردف: "هذه الكلمات التي سمعناها صادرة من أشخاص صادقين ضحوا بأنفسهم، وهذا سبب كافٍ ليتأثر بها كل من يسمعها".
ولأن "الأم" كانت هي العنصر الثابت في رسائل الشهداء، يقول الأخصائي النفسي: "لاحظنا أن أغلب هذه الوصايا هي رسائل لأقرب الناس للشاب، وهي الأم، وكأنه يريد منها أن تبقى على تواصل معه حتى آخر لحظة، ويوصيها بالصبر وأن تكون راضية عنه".
ويرى "ضيف سند" أن كلمات الشهداء باتت جزءًا من أقوال الشباب ونفسياتهم وأفكارهم وعواطفهم، وكأنها نهج يسيرون عليه في حياتهم، بالتالي تمسكوا بها".
ويردف: "وأصبحت وسيلة تواصل واتصال مع الشاب الذي استشهد، حتى أصبحت رسائلهم تشعر الناس بأنهم لا زالوا موجودين بيننا ويراقبون من بعدهم هل حافظوا على الأمانة أم لا".
استنهاض للجماهير..
من جهته، يرى الكاتب والباحث ساري عرابي في وصايا الشهداء وكلماتهم الأخيرة، أنها رسالة استنهاض للجماهير وحثها على مواصلة درب الشهداء.
ويقول "عرابي" لـ "وكالة سند للأنباء": "الشهيد مشروع تغييري وإصلاحي، ورافعة تعبوية ومعنوية للجماهير الفلسطيينة، ويتقدم الناس ويبادر بنفسه من أجل استنهاض الجماهير وتحريكها، فهو لا يكتفي بمخاطبة الجماهير وإنما يضرب المثل بنفسه بروحه بدمه بماله وعمره وشبابه".
ويعتقد "عرابي" أن الشهيد لا يكتفي فقط أن يستشهد، وإنما يسعى ليجسد هذه الشهادة في نص مُقال، يساعد بدوره في حثّ الناس واستنهاضهم.
ويردف: "لذلك، الشهداء إما أن يكتبوا وصاياهم وهذا النمط الذي كان سائدًا، أن يكتب الشهيد وصيته التي تتضمن أهدافه وأفكاره، وتحث الناس على استكمال الطريق، أو كما كنا نرى العديد من الوصايا التي كانت تصوّر بالفيديو".
وانتشرت وصايا الشهداء المصوّرة خلال الانتفاضة الثانية، وفق ضيفنا، مستطردًا: "هذا الأمر لا زال موجودًا في قطاع غزة، بحكم استقرار البنية التحتية".
ويرى الكاتب أن وصايا وكلمات الشهداء في لحظاتهم الأخيرة، "جزء من امتداد الشهيد ومشروعه وخلوده".
ويختم بالقول: "الشهداء يسجلون وصاياهم وخطاباتهم من خلال الرسائل الصوتية كما لاحظنا مؤخرًا في نابلس، حيث أرسل عدد من الشهداء الرسائل أو الوصايا الأخيرة خلال اشتباكهم مع قوات الاحتلال، وهو ما يساهم بشكل كبير بتعزيز من رمزية الشهيد ودوره ومن استمرارية مشروعه".
ولا تزال التسجيلات الصوتية ومقاطع الفيديو المصورة لشهداء مدينة نابلس، ووصاياهم الأخيرة، يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع، في إشارة لمدى تأثر المجتمع المحيط بها وبنهج الشهداء.
السند
استنهاض للجماهير..