اين الحماية الاجتماعية التي تحافظ على كرامة المواطن.. رُدُّوا عليَّ إن استطعتم؟!
جو 24 :
كتب موسى الصبيحي - بؤر وجيوب الفقر تتسع في المجتمع الأردني، وأرضية الحماية الاجتماعية التي أُطلِقت برعاية رسمية عام 2011 لم تُفعّل بعد، كما أن الخطة الاستراتيجية الوطنية (رؤية الأردن 2025) التي وجّه الملك بإعدادها في رسالته للحكومة بتاريخ 29-3-2014 وأُطلِقت عام 2015 والتي تضمنت مؤشّرات اجتماعية مهمة لم تُنفّذ وشهدنا تراجعاً ملحوظاً في تلك المؤشرات ولا سيما في معدلات الفقر والبطالة، أما شواهدي على تراجع الحماية الاجتماعية في الدولة فهي كثيرة، وبعضها لا يعرف عنها المسؤولون شيئاً، ومَنْ عرف منهم لم يُحرّك ساكناً..
خذوا هذه الأمثلة والشواهد والمؤشرات على تراجع لا بل على انتهاك مفهوم ومثبّتات الحماية الاجتماعية (Social Protection Stabilizers):
١) ارتفاع نسبة الفقر في المملكة في آخر عشر سنوات بنسبة كبيرة من (14%) عام 2013 إلى (24%) حالياً.
٢) ارتفاع معدّلات البطالة في آخر عشر سنوات من (13%) سنة 2013 إلى (24%) حالياً.
٣) ضعف الحد الأدنى للأجور في المملكة وعدم ربطه بالارتفاع بكلف المعيشة "التضخم" وفقاً لما ينص عليه قانون العمل، وقد تنصّلت الحكومة الحالية من قرار سابق واجب التطبيق يقضي برفع الحد الأدنى للأجور المقرر إلى (271) ديناراً اعتباراً من مطلع العام الجاري 2023 مما حرمَ أكثر من (170) ألف عامل منتظم أردني من زيادة قيمتها (11) ديناراً.
٤) تهرب رسمي عن شمول فئات واسعة من العاملين بنظام شراء الخدمات في العديد من مؤسسات القطاع العام بمظلة الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي.
٥) وجود أكثر من (100) ألف طفل عامل في المملكة دون حماية.
٦) الشمول الجزئي للشباب بتأمين الشيخوخة والعجز والوفاة، وهو ما يشكّل تراجعاً عن الاتفاقية الدولية (102) التي تنص على الحدود الدنيا للحمايات الاجتماعية لمنظومة تأمينات الضمان.
٧) ضعف كبير في أنظمة وأدوات الرقابة على قضايا السلامة والصحة المهنية، مما يعرّض العمال لمخاطر إصابات العمل والأمراض المهنية ، وتشير سجلات الضمان الاجتماعي ودراساته الى وقوع وفاة ناشئة عن إصابة عمل كل " 1.8 " يوم ووقوع حادث عمل كل (30) دقيقة.
٨) عاملات في مراكز محو الأمية وتعليم الكبار من معلمات وآذِنات يتقاضين أجوراً لا تكاد تصل إلى نصف الحد الأدنى المعتمد للأجور، وأنّهن يعملن لمدة خمسة أيام في الأسبوع، وأنهن غير مشتركات بالضمان حتى الآن، ومحرومات من أي نوع من الإجازات، وحتى أيام الجمع والعطلات الرسمية تُخصم من أجورهن..!
منذ أكثر من ثماني سنوات وأنا أدبّ الصوت محاولاً إنصاف هؤلاء المعلمات، وحتى الآذنات اللواتي يعملن في هذه المراكز كان يقع عليهن ظلم كبير، فقد كتبت يومها مقالاً في إحدى الصحف وذكرت فيه أن الأجر الذي تتقاضاه الآذنة من وزارة التربية هو (10) دنانير في الشهر ليس أكثر، وعندما قرأ وزير التربية حينها المقال اتصل بي وأخبرني بأنه لا يعلم عن هذا الموضوع وأنه دُهِش بهذه المعلومة، ووعد بتعديل التعليمات الخاصة بهذه المراكز من خلال مجلس الوزراء. علماً أن عدد مراكز محو الأمية يبلغ حوالي(550) مركزاً، وأن ذات الانتهاكات على حقوق المعلمات والآذنات العاملة في هذه المراكز لا تزال قائمة..!
معلمات مراكز تعليم الكبار ومحو الأمية يتم تعيينهن من قبل وزارة التربية وأكبر أجر تحصل عليه المعلمة هو (4.8 )دينار في اليوم أي ما يصل تقريباً إلى (134) ديناراً في الشهر مقابل إعطاء ثلاث حصص دراسية يومياً، وحتى اليوم لم يتم شمولهن بأحكام قانون الضمان الاجتماعي رغم مرور سنوات طويلة على التحاق بعضهن بالعمل المستمر لدى هذه المراكز، بمعنى أنهن لا زلن خارج مظلة الحماية الاجتماعية، فلا ضمان ولا حد أدنى للأجور ولا تأمين صحي ولا إجازات سنوية ولا أي حق من الحقوق العمالية أو حقوق الموظفات.. أما موضوع الآذنات فلا أعلم فيما إذا بقين يتقاضين عشرة دنانير شهرياً أم تم رفع أجورهن..!!!
٩) الانتقاص من حقوق معلمي ومعلمات التعليم الإضافي بإيقاف رواتبهم خلال الإجازتين الصيفية والشتوية وإيقاف اشتراكهم بالضمان.
١٠) آلاف الموظفين الذين يتم تعيينهم بنظام شراء الخدمات في مرافق مختلفة من القطاع العام ما زالوا محرومين من الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي والإجازات.. وبعضهم يتقاضى أقل من الحد الأدنى للأجور.
١١) لا تزال الحكومة تحيل أعداداً كبيرة من موظفيها على التقاعد المبكر دون طلب منهم ما يعد مخالفة صريحة للقانون وانتقاص من حمايتهم اجتماعياً.
١٢) واقع مؤلم للعاملات في الحيازات الزراعية، حيث كشفت ورقة سياسات أعدّها فريق عمل من قسم العدالة الاجتماعية في معهد غرب آسيا وشمال أفريقيا واقعاً مؤلماً للنساء العاملات في القطاع الزراعي في منطقة طبقة فحل بالأغوار الشمالية، سواء ما يتعلق بتدنّي الأجور، أو عدم استحقاق أي من الحقوق العمّالية من إجازات أو حوافز عمل إضافي، أو وضوح في آلية تشغيلهن وحقوقهن، إضافة إلى غياب الحماية الاجتماعية. أما نظام عمال الزراعة رقم (19) لسنة 2021، الذي دخل حيّز التنفيذ مطلع أيار 2021، فلم يوفّر الحماية والتنظيم اللازمين للعاملين في هذا القطاع، ولا سيّما في الحيازات الزراعية الصغيرة، ولذلك لم يلمس العاملون الزراعيون تغيّراً إيجابياً على حقوقهم منذ أن تم تطبيق النظام قبل سنتين، حيث النظام جاء قاصراً من ناحية عدم النص على إلزامية تسجيل الحيازات الزراعية لدى جهة رسمية وهنا يمكن أن تكون وزارة الزراعة هي الجهة الأنسب، ثم من ناحية عدم حماية العاملين في الحيازات والمنشآت الزراعية الصغيرة التي يقل عدد العاملين فيها عن (4) عمّال، إذ أعفى النظام صاحب العمل الزراعي الذي يستخدم ثلاثة عمال فأقل من الالتزام بأحكام المواد 4, 5، 7، 12 من النظام، والتي تتضمن أهم الحقوق العمالية من تنظيم وتحديد ساعات العمل، والحق بالعطلة الأسبوعية وحق العامل ببدل نسبته (150%) من أجره مقابل عمله في العطلة الأسبوعية أو الرسمية، والحق بالإجازة السنوية، والإجازة المرضية، وحق العاملة بإجازة أمومة مدفوعة الأجر، إضافة إلى إعفاء صاحب العمل من إشراك عمال الزراعة لديه بالتأمينات المشمولة بقانون الضمان الاجتماعي..!
وللأسف فإن أكثر من (90%) من الحيازات والمنشآت الزراعية يعمل فيها أقل من أربعة عمال زراعيين، وهؤلاء سيظلوا محرومين من أهم حقوقهم العمّالية ومن أهم صورة من صور الحماية الاجتماعية وهو الضمان الاجتماعي..!
١٣) تضخم العمالة غير المنظّمة، حيث ذكر تقرير حديث صادر عن البنك الدولي حول العمالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن حجم العمالة غير المنظّمة في الأردن آخذ بالتضخم، وتصل نسبتها إلى (59%) من إجمالي العمالة في الدولة، أي إلى أكثر من (1.5) مليون شخص يعملون في قطاع الاقتصاد غير الرسمي (قطاعات العمل غير المنظّمة). كما يشير التقرير الذي حمل عنوان (وظائف لم تتحقق.. إعادة تشكيل دور الحكومات تجاه الأسواق والعمالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا) إلى حقيقة أخرى صادمة وهي أن (75%) من عمالة القطاع الخاص الأردني هي عمالة غير منظّمة وهذا يعني أن التحديات الماثلة أمامنا دون أن نشاهدها كبيرة جداً، وأن الكثير من دراساتنا وتوقعاتنا لم تكن مبنية على أسس صحيحة، وبالتالي فإن الكثير أيضاً من سياساتنا في هذا الاتجاه كانت خاطئة، فماذا فعلت الحكومات وماذا يمكن أن تفعل إزاء واقع بهذا الحال لسوق العمل والمشتغلين، وهل نحن مقبلون على توسّع أكبر في التوظيف في القطاعات غير المنظّمة بسبب ضعف قدرة الاقتصاد الرسمي على خلق فرص عمل جديدة كافية، وما أثر ذلك على الحمايات الاجتماعية للمشتغلين..؟!
١٤) تأمين صحي مشوّه وغياب للتأمين الشامل، ووضع المواطن المريض في وضع المتلقّي للمساعدة والمكرمة وصدقة الإعفاء الطبي من النواب والمسؤولين وغيرهم.
١٥) تنامي أعداد الأسر الأردنية التي لا تستطيع أن تمتلك منزلاً حيث ارتفعت نسبتها من (25%) عام 2014 إلى (35%) عام 2018 وفقاً لآخر دراسة لمسح أحوال الأسرة الأردنية أجراها المجلس الوطني لشؤون الأسرة.
١٦) معلمات تعليم إضافي يعُدن إلى عملهن بعد (3) أيام من الإنجاب بسبب حرمانهن من إجازة أمومة مدفوعة الأجر، ويجري ذلك على مرأى ومسمع المسؤولين في وزارة التربية والتعليم..
١٧) تعقيدات وقيود على تسجيل منظمة مجتمع مدني تُعنى بالحماية الاجتماعية.
١٨) تراجع معدل المشاركة الاقتصادية المنقّح (قوة العمل إلى السكان في سن العمل) من (34.5%) عام 2021 إلى (33.2%) عام 2022 وفقاً لبيانات دائرة الإحصاءات العامة.
١٩) عدم نجاح خطط الحكومة وبرامجها في رفع معدل المشاركة الاقتصادية للمرأة لا بل تراجع معدل مشاركتها اقتصادياً من (16.1%) عام 2010 إلى (13.5%) عام 2022 وفقاً لبيانات نشرها البنك الدولي في النصف الثاني من عام 2022.
٢٠) عدم تفعيل مبادرة "أرضية الحماية الاجتماعية" التي تم إطلاقها برعاية دولية في الأردن عام 2011، وشُكّلت لها لجنة وزارية رفيعة بالتشاركية مع القطاع الخاص إلا أنها لم تجتمع اجتماعاً واحداً منذ ذلك التاريخ.!
وبعد..
هل هذه هي الحماية الاجتماعية التي تحافظ على كرامة المواطن..؟!
أيها المسؤولون؛ رُدُّوا عليَّ إن استطعتم