السودان.. من خصوم قائد الدعم السريع داخل الجيش؟ وكيف زادت حدة العداء؟ وماذا لو حدث السيناريو الأسوأ بين حميدتي والبرهان؟
جو 24 :
يعيش السودانيون هذه الأيام حالة من التوجس والترقب في أعقاب انتشار أحاديث عن قرب المواجهة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو الشهير باسم حميدتي. وقد سعت الجزيرة نت لرصد المشهد وكواليسه، وحصلت من مصادرها العليمة والموثوقة والقريبة على معلومات مثيرة بشأن هذه المواجهة.
ففي احتفال صباح الأربعاء، أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني والقائد العام للجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان تكوين قوة تدخل سريع تحت إمرة القائد العام للجيش، وأكد البرهان أمام حشد عسكري أنه سيكون لجيشه قوة ضاربة من الطيران المسيّر قادرة على حسم أي تهديد داخلي أو خارجي.
وبحسب خبير عسكري، فإن هذه الرسالة موجهة بالكامل لقائد قوات الدعم السريع، ووفق الخبير ذاته، فإن الجيش يمتلك بالفعل آخر طراز من المسيرات التركية، في حين فشلت قوات الدعم السريع في اقتناء هذه التقنية العسكرية بعد اعتذار الأتراك عن بيعها لهم بحجة أن التعاون العسكري يجب أن يمر عبر وزارة الدفاع السوداني.
وأشار المصدر نفسه إلى أن القوات الخاصة المشار إليها ليست جديدة، بل إنها موجودة من قبل وتجاوز عددها 3 آلاف مقاتل، وأن إعادة الإعلان عنها الآن وتبعيّتها للقائد العام محاولة لقطع الطريق أمام فكرة دمج قوات الدعم السريع ككتلة واحدة في الجيش تحت مسمى قوات التدخل السريع.
وبحسب الخبير ذاته، فإن هذه التطورات تشير إلى أن الجيش احتاط لكل السيناريوهات التي قد تنجم عن حسم ملف دمج الدعم السريع في الجيش السوداني، وأن الخطوة تمثل انتصارا لتيار الصقور في الجيش السوداني، وتجاوزا لمحطة الاختلاف في التقديرات العسكرية، حيث كان يفضل البرهان التهدئة والتمرحل في ملف التعامل مع الدعم السريع، في حين أن التيار الآخر الذي يقوده الفريق شمس الدين كباشي كان يرى ضرورة حسم الملف بشكل أسرع لأن عامل الوقت يشير إلى أن قوات الدعم السريع تقوى بوتيرة متسارعة.
رفع درجة التأهب
ألعاب نارية غطت سماء وسط الخرطوم قبيل أسبوعين كانت كفيلة برفع درجة التأهب بين قوات الدعم السريع المرابطة حول رئاسة الدعم السريع شمالي غربي القيادة العامة للجيش السوداني. بعد ارتفاع أصوات الذخيرة والتي اكتُشف لاحقا أنها مجرد ألعاب نارية صاحبت افتتاح متجر، بدأ الجنود يتحركون بحذر، ويضعون أنفسهم في وضع الاستعداد لأي طارئ. ولم تكن هذه الواقعة إلا انعكاسا لتفاقم التوتر بين الجيش السوداني والدعم السريع.
وبحسب مصدر عسكري رفيع تحدث للجزيرة طالبا حجب هويته، قام الجيش السوداني بزيادة التعزيزات حول مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون من 3 دبابات إلى 10، وفي اليوم التالي ضاعف الدعم السريع قواته حول المبنى ذاته من 10 سيارات إلى 20 مزودة بمضاد الدبابات.
ووفق المصدر ذاته، فإن الذي وقع حول الإذاعة حدث في مناطق عديدة من بينها الحي العسكري، الذي يسكن فيه قائدا الجيش والدعم السريع جنوبي مقر قيادة الجيش.
في حين بلغ التوتر ذروته بقيام الدعم السريع -بحسب مصدر عسكري رفيع- باستجلاب قوات بأعداد ضخمة من ولايات دارفور وكردفان قدرت بأكثر من 20 ألف مقاتل، وتوزعت على 4 معسكرات رئيسية حول ولاية الخرطوم.
وأشار المصدر إلى أن قيادة الدعم السريع مارست التضليل في استقدام هذه القوات، وأكدت في بيانها العسكري أن القادمين مجرد جنود جدد جاؤوا بغرض التدريب، لكن في اليوم التالي كان هؤلاء بكامل أسلحتهم.
مصدر مقرب من حميدتي يؤكد هذه الرواية، غير أنه يقدم تبريرا لها بأن معلومات تواترت لديهم عن أن القائد العام للجيش كان ينوي الإطاحة بقائد قوات الدعم السريع ونائبه بشكل مفاجئ، وأن ذلك كان يعني الحرب، وفقا لتعبيره.
وأضاف المصدر ذاته سببا ثانيا أن الجيش السوداني قام بحملة تجييش واسعة في دارفور، بعضها على أساس إثني، وأن الدعم السريع لا يرغب في أن يكون جزءا مما وصفها بالفتنة الجديدة، ففضّل الانتشار في الخرطوم.
الهدوء الذي يسبق العاصفة
التوتر انخفض قليلا بعيد الاجتماع الذي انعقد مساء السبت الماضي في مقر إقامة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني. وبحسب خبير عسكري وسياسي انخرط في مجهودات التوسط بين البرهان وحميدتي، فإن الأزمة ما زالت تراوح مكانها.
الخلاف بين قيادة الجيش والدعم السريع قديم ويعود إلى تاريخ تكوين هذه القوات في 2014 في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، فقد رفض الجيش وقتها إلحاق هذه القوة الجديدة بالجيش السوداني بسبب تكوينها الذي يعتمد على مكونات قبلية محددة، ووقتها اختار البشير أن يلحق قوات الدعم السريع بجهاز الأمن والمخابرات، قبل أن تُستغل بشكل كبير وتصبح في 2017 قوات منفصلة وإمرتها بيد رئيس الجمهورية، الذي كان يشغل أيضا منصب القائد الأعلى والعام للجيش السوداني.
وتجدّد الخلاف بعيد اندلاع ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 خاصة بعد أن رفض حميدتي المشاركة في قمع الثوار وأظهر تعاطفا مع مطالبهم.
وبلغ الخلاف ذروته بعيد الإطاحة بالبشير في أبريل/نيسان 2019، ورفض وقتها الفريق حميدتي العمل مع رئيس المجلس العسكري الجديد الفريق عوض بن عوف، وفتح أبواب التواصل مع القوى السياسية الصاعدة، مما عجّل بانسحاب بن عوف من المشهد، في رقم قياسي في قصر الإقامة بسدة الرئاسة.
الخلافات الجديدة أطلت برأسها مع بروز طموحات سياسية للرجلين، وذلك بحسب رئيس حزب الأمة السوداني مبارك الفاضل، الذي يعتقد أن الاستئثار بالسلطة في الشوط الثاني من الحكومة الانتقالية عجل بتصاعد الخلافات.
وكان يعتقد على نطاق واسع أن الفريق البرهان سيتنحى من قيادة الجيش عقب تسليم الحكم للمدنيين، ولكن بحسب مقربين من الرجل، فإن هذا الخيار لم يعد مطروحا وسوف يحتفظ البرهان بمنصب القائد العام ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي سيضم نحو 14 جنرالا وممثلا واحدا للدعم السريع، مما زاد من مخاوف حميدتي واعتبره خطوة تمثل احتواء ناعما لقواته.
فضلا عن ذلك، فإن حميدتي كان دائما ما يفكر في الانتخابات وسيلة جديدة للانفراد والاحتفاظ بالسلطة، وشرع في تكوين تحالف يعتمد على أعيان القبائل وزعماء الطرق الصوفية، ثم يلتحم في نهاية المطاف مع تحالف آخر من القوى المدنية المهيمنة على الفترة الانتقالية.
هذه الخطوات أقلقت البرهان وكبار قادة الجيش الذين يرون في هيمنة حميدتي على السلطة في المستقبل تهديدا أمنيا خاصة إذا ما كانت السلطة مصحوبة بقوات عسكرية مستقلة عن الجيش، وهنا نشط الجنرالات بالهمس في أذن البرهان، وأحيانا التلويح بالتمرد إن لم يتم دمج الدعم السريع في الجيش السوداني بشكل سريع، ويقود هذا الاتجاه الفريق أول شمس الدين كباشي والفريق أول ياسر العطا وعدد من قادة جهاز الاستخبارات العسكرية، في وقت يبدو فيه عضو مجلس السيادة الفريق إبراهيم جابر أكثر تحفظا وحيادا في هذه الأزمة.
كيف قفز حميدتي من معسكر البرهان؟
حتى انقلاب أكتوبر/تشرين تشرين الأول 2021 كانت العلاقة بين البرهان ونائبه طيبة، ووفقا لأحد مستشاري حميدتي -والذي تحدث للجزيرة نت طالبا حجب هويته- فإن حميدتي كان يتمتع بسلطة واسعة خاصة في اختيار أفراد الحكم في الولايات بعيد الانقلاب، وأثناء محاولات إنهاء الأزمة قاد عبد الرحيم دقلو شقيق حميدتي وقائد ثان للدعم السريع في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 مفاوضات واسعة نجحت في إعادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك للسلطة مؤقتا عبر ما سمي وقتها بالاتفاق السياسي، لكن تلك المفاوضات مكنت فريق الحرية والتغيير من مد جسور للتواصل مع شقيق حميدتي وخازن أسراره وكسبه إلى صفهم، وهذه المهمة تولاها اللواء متقاعد كمال إسماعيل رئيس حزب التحالف السوداني والذي تمكن من مخاطبة مخاوف الدعم السريع في عدد من القضايا المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان عقب فض اعتصام القيادة العامة في يونيو/حزيران 2019.
حتى قبيل انقلاب أكتوبر/تشرين الأول كان حميدتي يحيط نفسه بمستشارين لهم علاقة سابقة بحكومة الإنقاذ وتعود الخلفيات السياسية لكثير منهم إلى تنظيم الإخوان في السودان، لكن حميدتي انتدب ما يعرف في أوساط السياسيين بالساحر كونه تمكّن من تغيير مجريات الساحة السياسية في هدوء، المستشار الغامض يوسف عزت أكمل دراسته الجامعية في مجال القانون بالسودان وكان وقتها قريبا من اليسار السوداني، وأكمل دراسات إضافية في كندا التي حصل على جنسيتها وأقام فيها نحو 20 عاما.
المستشار الجديد أقنع حميدتي بأن مستقبله السياسي يكمن في التحالف مع حكام المستقبل وإحكام الارتباط بالشارع الثائر عبر تبني مطالبه في التغيير والحكم المدني، وأن هذا الموقف الجديد سيغسل الدعم السريع من أدران الماضي القريب، ويفتح له قنوات التواصل مع العالم الخارجي.
وبات عزت أحد الحضور في اجتماعات تحالف الحرية والتغيير، واستفاد من علاقته مع الناطق الرسمي باسم تحالف الحرية والتغيير ياسر عرمان في ترسيخ التحالف الجديد رغم صعوبة المهمة، لكن عزت -ووفقا لمقربين منه- وجد أن حميدتي قد حسم خياراته من الانحياز للتحول الديمقراطي وكان دوره معززا لهذا الاتجاه.
ويوم الأحد الماضي، قال الناطق الرسمي باسم الحرية والتغيير- مجموعة المجلس المركزي ياسر عرمان إن للدعم السريع قوة ضاربة تفوق 100 ألف مقاتل، وإن لهذه القوة مصالح سياسية واقتصادية يجب مراعاتها. لكن، ووفقا لمصدر سياسي، هنالك تفاهمات غير معلنة بين قادة الحرية والتغيير والدعم السريع تقضي بجعله حارسا للحكم المدني عبر تبني مطالبه في تطويل أمد دمجه في الجيش لـ6 سنوات، في حين كان يطالب حميدتي بـ14 عاما لإنجاز المهمة.
هل ينجح البرهان؟
قال رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان إنه وقع على الاتفاق الإطاري لأنه يحقق مبدأ دمج الدعم السريع، وإنْ لم يتحقق ذلك فلن يمضي في الاتفاق للأمام.
كواليس الموقف تشير إلى أن البرهان كان يبحث عن وثيقة مشهودة تحدد بوضوح ضرورة دمج الدعم السريع، ووجد في الاتفاق الإطاري بغيته رغم أنه يعلم أن الاتفاق معطوب ولن يستطيع الصمود تحت وطأة خلافات الساسة، بحسب مصدر مقرب من قائد الجيش.
ووفقا لمصدر عسكري رفيع، فإن دمج الدعم السريع عليها إجماع وسط الجيش السوداني ويعتبره قضية أمن قومي مقدمة على ما عداها من قضايا. وحسب المصدر ذاته، يمكن إنجاز هذه المهمة في 6 أشهر باعتبار أن الدعم السريع قوة عسكرية منظمة ولها سجلات حكومية تبيّن أعدادها وما تلقته القوة من تدريبات عسكرية.
وحول مطالب قيادة الدعم السريع بسنوات لعملية الدمج، اعتبر المصدر العسكري أن ذلك يمثل هروبا ومحاولة ابتزاز لن تنجح، في حين يرى قيادي سياسي له علاقة وثيقة بحميدتي أن جوهر الخلاف بين الرجلين يكمن في محاولة البرهان التنصل من الاتفاق الإطاري وإعادة المؤسسة العسكرية للعب دور سياسي، وهو أمر يعارضه بقوة حميدتي.
ماذا لو حدث السيناريو الأسوأ؟
بحسب مصدر مطلع، فإن الجيش السوداني وضع كل الخطط والتقديرات لمواجهة الموقف، وأنه لا يفضل أي مواجهة عسكرية لسبب واحد وهو أنها يمكن أن تسقط ضحايا وسط المدنيين بالخرطوم والمدن الكبيرة، ولكنه إذا اضطر لهذه المواجهة فقد وُضعت الخطط الكفيلة لحسم المعركة بأقل خسائر ممكنة.
وبحسب المصدر ذاته، فإن الجيش يملك ميزات نسبية في هذا الصدد، إذ إن سلاح المدرعات يمثل قوة ضاربة لن تصمد أمامها قوات الدعم السريع التي تعتمد على ناقلات جند سريعة بجانب مضادات للدبابات ومضادات للطائرات ومدافع، لكن كل هذه الأسلحة لن تكون كافية لمواجهة جيش في مصاف الجيش السوداني.
في الجهة الأخرى الممثلة في الدعم السريع، هنالك من يرى أن الدعم السريع بات قوة قتالية عالية الكفاءة خاصة بعد تجارب مشاركتها في حرب اليمن، كما أن أسلحة الجيش ذات الأفضلية لا يمكن استخدامها داخل المدن، وأن جزءا من الشارع السوداني سيكون بجانب قوات الدعم السريع التي تحمل تطلعاته في الحكم المدني والعدالة الاجتماعية، ورغم ذلك لن تكون المواجهة العسكرية خيارا للدعم السريع.
وفي السياق، أشار خبير عسكري متقاعد، في حديث للجزيرة نت، إلى أن الجيش يفضل خطط تفكيك الدعم السريع المكون من قوات تحمل في جوفها تباينات عديدة، إذ إن ثلث هذه القوات المكونة من نحو 60 ألف مقاتل جاءت من قوات حرس الحدود ذات الولاء لغريم حميدتي والسجين السابق زعيم عشيرة المحاميد موسى هلال، وفي حالة اندلاع أي مواجهة يمكن تحييد هذه القوات خاصة أن هلال شرع مؤخرا في إعادة ترتيب قواته تحت مسمى قوات مجلس الصحوة.
كما يشير الخبير نفسه إلى وجود قوات تتبع للجيش وجهاز المخابرات في مراكز ومواقع مفصلية داخل قوات الدعم السريع ستنحاز للجيش في أي مواجهة، كما يشير إلى أنه بإمكان قيادة الجيش إزاحة حميدتي من قيادة القوات مثله مثل أي ضابط، ثم تكليف قائد جديد من القوات نفسها ومن المجموعة القبلية ذاتها التي ينتمي لها حميدتي، وأن هذا الإجراء المباغت كفيل بمنع أي تمرد، وأن هنالك أسماء كثيرة، وبعضها سبق له الخدمة في الجيش السوداني، وضعتها القيادة العسكرية نصب أعينها.
أخطاء حميدتي القاتلة في الميدان الدولي
واحدة من نقاط ضعف قوات الدعم السريع التي تمنعه من اتخاذ قرار المواجهة أنه من الصعوبة تسويق قائدها للمجتمع الدولي، رغم أن أحد السفراء الغربيين بالخرطوم وصف حميدتي بأنه أكثر إخلاصا للتحول الديمقراطي وأن البرهان متردد وتزداد مواقفه غموضا تجاه هذه القضية.
ومشكلة حميدتي -بحسب مصادر عديدة- أنه يعتمد فقط على حلفاء داخل الإقليم ممثلين في أبو ظبي والرياض. ووفق مصدر سياسي، فإن أبو ظبي طلبت من حميدتي التهدئة خاصة أن لها اتفاقا وشيكا مع الخرطوم بتشييد ميناء جديد على ساحل البحر الأحمر، وأن تواصل حميدتي مع شركة فاغنر الروسية أوصد أمامه أبواب التواصل مع واشنطن التي تراه مجرد قائد مليشيا.
الموقف ذاته يجعله في مواجهة مع القاهرة التي ترتاب من تقاربه مع أديس أبابا، التي تحتضن بعض استثماراته التجارية، ومصر تملك وجودا عسكريا متمثلا في سرب من الطائرات المقاتلة في منطقة مروي شمالي السودان يمكن استخدامه ضد الدعم السريع إذا اختار المواجهة.
تشاد أيضا لا تكنّ مشاعر إيجابية لحميدتي، وتعتقد أنه يتحرك داخل الأراضي التشادية بهدف تغيير الحكم لصالح المجموعات العربية، مما جعل نجامينا تشتكي رسميا من هذه التحركات التي تغضب أيضا فرنسا.
لا حليف لحميدتي في الدول المجاورة إلا في أفريقيا الوسطى المشغولة بمعاركها الداخلية، والتي تبتعد عن مناطق نفوذ حميدتي وعشيرته في منطقة شمال دارفور، ولا تبدو مكانا مناسبا لانطلاق تمرد جديد يقوده حميدتي، الذي سبق أن تمرد على الحكومة السودانية في 2007، وربما تكون الحدود مع ليبيا المضطربة داخليا خيارا مفضلا له إن اضطر لخيار المواجهة.
أموال حميدتي تعيق حركته
وبحسب خبراء عسكريين واقتصاديين، فإن حميدتي لن يلجأ لخيار المواجهة بسبب ثروته المالية التي جناها من التنقيب عن الذهب، حيث سيفقد جل هذه الثروة ولن يتمكن من تحريكها ولا تحريك أموال أسرته للخارج، لكن مقربين من الدعم السريع يعتقدون أن حميدتي تحسّب لهذه الخطوة وفتح منافذ استثمارية في إثيوبيا وكينيا، ويبحث عن مرافئ آمنة داخل أدغال القارة الأفريقية تجعله يستفيد من هذه الأموال إن اتخذ قرار المواجهة التي ستنتهي بالنصر أو التمرد.
حميدتي، كما وصفه خبير عسكري بأنه مثل مقامر محظوظ جاء إلى الملعب برأسمال محدود ثم كسب الكثير، لن يستسلم وقد قرر في حالة المواجهة أن يخوض معاركه من داخل الصندوق القتالي للجيش، واضعا في الحسبان إمكانية انسحابه لتخوم دارفور وقيادة تمرد جديد يجبر الخرطوم على التفاوض معه مجددا.
ويمكن أن يتحالف مع مكونات اجتماعية جديدة كما حدث في تمرده الأول، حيث تمكّن من إقناع مقاتلين من قبيلة الفور، التي تمثل أكبر المكونات القبلية في دارفور، للقتال بجانبه، رغم وجود تاريخ طويل من الصراع بينها وبين القبائل العربية التي ينتمي لها حميدتي.
المواجهة محتملة لكنها ليست وشيكة
أجمع عدد من الخبراء العسكريين الذين تحدثوا للجزيرة نت، على أن المواجهة بين الجيش السوداني والدعم السريع محتملة ولكنها ليست وشيكة، ولن يتمكن البرهان من التراجع عن مسألة دمج قوات الدعم السريع، لأن ثمن ذلك سيكون انقلابا عسكريا كالذي قاده اللواء عبد الباقي بكراوي في سبتمبر/أيلول 2021 والذي كان من دوافعه وقف تمدد نفوذ قوات الدعم السريع. في الوقت ذاته، ليس بمقدور حميدتي فض تحالفه الجديد مع قوى الحرية والتغيير، التي تمثل له طوق نجاة وربما قاربا يحمله نحو مستقبل سياسي زاهر عبر صندوق الانتخابات.
المصدر : الجزيرة