jo24_banner
jo24_banner

الاردن.. قانون قاصر يضع المواليد في الظل حتى إشعار آخر

الاردن.. قانون قاصر يضع المواليد في الظل حتى إشعار آخر
جو 24 :

إعداد فرح راضي الدرعاوي - 

"ما بعرف أقرأ ولا أكتب، ما تعلمت،، وكل ما الشرطة يوقفوني بسألوني أنت مين! بكون بدهم إثبات شخصية، بحكيلهم ما معي، بفكروني بكذب وبستهبل، وبوخدوني عالمركز الأمني وما بطلعوني إلا لما يجي شخصين معرفين يحكولهم مين أنا"، تقول المحامية لارا العبادي على لسان موكلها طارق.

ولد طارق، (21 عاماً) لأم وأب أردنيين، يعلم طارق كلا والداه ويعيش معهم، لكنه بلا أوراق ثبوتية، فلم يَقُم والداه بتسجيله لدى دائرة الأحوال المدنية عند ولادته وحتى الآن نتيجة طلاقهما بعد ولادته.

تبين العبادي أن طارق لم يتلق أي تعليم، كما لم يأخذ أي مطعوم خلال طفولته، مضيفة: "هاي مأساة كبيرة، انا بستغرب كيف نحنا صرنا بسنة 2022 ولسا في ناس أوضاعهم متل هيك بدون حل".

يظهر تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة "unicef" بأن هناك ربع مليون طفل حول العالم دون سن الخامسة لم يتم تسجيل ولاداتهم قط، مبيناً أن هؤلاء الأطفال لا يمكن حمايتهم، حيث أن حكوماتهم نفسها لا تعرف أنهم موجودون . وكذلك بعض المواليد في الأردن يواجهون المصير نفسه، في ظل ضعف الإجراءات والقوانين التي تلزم الأطراف المعنية بالتسجيل الفوري للأطفال للحفاظ على حقهم في الهوية القانونية، وتشير إحصاءات حصلت عليها معدة التقرير للفترة ما بين عامي 2016 - 2020 إلى وجود أكثر من 500 قرار قطعي من محكمة صلح عمان تصل دائرة الأحوال المدنية سنوياً لإثبات قيود ولادة لأطفال تأخر ذووهم عن تسجيلهم لمدة تزيد عن العام على أقل تقدير .

وتشير ميسر أعمال مفوضية الحماية ومديرة إدارة الحقوق المدنية والسياسية في المركز الوطني لحقوق الإنسان نهلا المومني إلى أن الاعتراف بالشخصية القانونية للإنسان بشكل عام تعد من أهم الحقوق، لما يترتب على ذلك من قدرة الإنسان على ممارسة حقوقه الأخرى، وهذا الأمر ينطبق على الطفل، أي أن عدم تسجيل الطفل أو التأخير في تسجيله له الكثير من التبعات نفسياً واجتماعياً وتعليمياً.

الفرق بين التبليغ والتسجيل وإصدار الشهادة

تعرّف منظمة اليونسكو تسجيل الولادة بأنه: عملية تسجيل ولادة الطفل في سجل ثابت ورسمي يدل على وجود الطفل، ويوفّر إقراراً قانونياً بهويته، على أن يحتوي هذا التسجيل على مكان ولادة الطفل ومن هما والداه، وعلى إثره تصدر شهادة الميلاد والتي تعد أول إثبات قانوني بشأن هوية الطفل .

يبين مدير دائرة الأحوال المدنية فهد العموش، أن تبليغ الولادة يقتصر على المكان الذي تمت به الولادة، فحين تلد الأم داخل مستشفى، يقوم المستشفى بتعبئة نموذج التبليغ والذي يتضمن اسم الأم والأب والمولود وأرقامهم الوطنية وتاريخ الولادة باليوم والساعة، على أن يقوم المُبلغ بأخذ هذه الورقة المختومة إلى دائرة الأحوال المدنية لتتم عملية التسجيل وإصدار الشهادة ، فتبليغ الولادة لا يعني بالضرورة تسجيل الطفل لدى دائرة الأحوال المدنية، ويضيف العموش قائلاً : "في العادة عندما يتم تسجيل المواليد فإنه غالباً يتم إصدار شهادة ميلاد مقابل دفع دينار واحد، أما تسجيل المواليد بحد ذاته فهو مجاني" .

ويقترن تسجيل الطفل لدى الأحوال المدنية بإصدار شهادة الميلاد؛ ويعد الطريقة القانونية لإثبات هوية الطفل وحمايته من الاستغلال والعنف والإساءة وكافة أشكال الخطر.

تبين الفقرة (ب) من المادة (14) من قانون الأحوال المدنية الأردني رقم (9) لسنة 2001، يستطيع المكلفون حتى الدرجة الرابعة بالتدرج بالتبليغ بالولادة وتسجيل الطفل لدى دائرة الأحوال المدنية ليصبح ذي كيان قانوني، والمكلفين هم (الأب، الأم، الإخوان وأبناؤهما، الجد، الأعمام والأخوال وأبناؤهما، القابلة، الطبيب، والمختار) وتشترط دائرة الاحوال المدنية والجوازات كما أفاد مديرها فهد العموش الحضور الشخصي لأحد هؤلاء المكلفين وبرفقته الأوراق الرسمية المطلوبة للدائرة لإصدار الرقم الوطني، وذلك ضمن مدة زمنية محددة وضوابط (أقل من عام واحد داخل الأردن)، ومختوم من قبل الجهة التي حدثت لديها واقعة الولادة، فإذا كانت الولادة قد حصلت في أحد المستشفيات فيجب أن يكون التبليغ من المستشفى ومختوماً من قبله، وأن يكون نموذج التبليغ مطابقاً للنموذج المعتمد من قبل دائرة الأحوال المدنية، حيث يستخدم هذا النموذج لاستكمال إجراءات تسجيل الطفل.

ويظهر تقرير مسح السكان والصحة الأسرية في الأردن 2017 -2018 أن 9% من الأطفال الأردنيين مسجلين دون شهادات ميلاد، يقول العموش: "إن الأرقام والإحصائيات التي نوردها في التقارير السنوية تأتي نتيجة مراجعة المبلغين المكلفين وليست عن طريق وزارة الصحة "، حيث لا يوجد أي اتصال بين الدائرة والوزارة.

أي أن الطفل الذي لا يقوم المكلفين بالتبليغ عن ولادته لدى دائرة الأحوال المدنية هو بحكم الغير موجود في سجلات الدولة.

تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة

قد يعتقد البعض أن فكرة وجود مواليد دون قيود ولادة في الأردن قضية غريبة، حيث أنه أمر مسلم به أن يتم تسجيل المواليد، إلا أن الحقيقة مختلفة تماماً؛ فهنالك أسباب عديدة تحول دون تسجيل كثيرين كالخلافات الزوجية، ومشاكل إثبات النسب، والتقصير والإهمال، وكذلك الفقر والغرامات والمطالبات المالية، فضلاً عن ضعف الإجراءات والتشريعات وعدم إلزامية القانون.

يقول العموش مضيفاً أنه قد يتم تعليق طلب تسجيل الولادة نظراً لنقص في الوثائق المطلوبة، وتتكون بحسب دليل الإجراءات من نموذج التبليغ الموقع والمختوم حسب الأصول ودفتر عائلة ساري المفعول إذا كان الأب أردنياً، وعقد الزواج بالإضافة إلى جواز السفر للأب والأم إذا كان الأبوين أجنبيين، وشهادة ولادة أجنبية رسمية في حال حدوث الواقعة خارج المملكة، وقراراً قضائياً في حال تأخر عملية التسجيل عن السنة، وإثبات شخصية للمُبلغ .

ويضيف العموش أن وقوع الطلاق قبل الولادة لا يغير من الأمر شيء فتبقى أحقية الأم بالتبليغ موجودة، على أن تحضر عقد الزواج، على خلاف إصدار جواز السفر للقاصر الذي يشترط به حضور الأب.

تقول المحامية إلهام أبو لبدة من مركز العدل للمساعدة القانونية إن دائرة الأحوال المدنية قد تمتنع في بعض الأحيان عن تسجيل الطفل إلا بطلب من الأب، وذلك لاشتباه إثبات النسب حتى وإن كانت الزوجية قائمة، فقد تكون هنالك قضية زنى بحق الزوجة، ولهذه الاعتبارات لا تقوم الدائرة بإصدار شهادة ميلاد للطفل بشكل فوري.

عاش أحمد (اسم مستعار) الثلاثيني سنوات حياته دون شهادة ميلاد أو أي وثيقة إثبات شخصية، ضحية الخلافات الزوجية والإهمال، ولد أحمد لأم أردنية وأب من جنسية عربية، وقع الخلاف بينهما قبل ولادته، وعلى إثر ذلك سافر الأب إلى مسقط رأسه قبل الولادة، وبعد ولادته لم تقم والدته بتسجيله إهمالاً وتقصيراً ، حيث قالت حين سألها المستشار القانوني لؤي الشريف عن السبب الذي منعها من تسجيل أحمد: "ازا كان أبوه مش سائل،،أنا بدي أسأل". قرر أحمد المضي في رحلة طويلة بين أروقة المحاكم لإثبات نسبه، فقام برفع عدة قضايا إثبات نسب بشهادة والدته وشهادة الشهود، وقد رُدت القضية واستُأنفت عدة مرات وذلك لعدم تعاون الأم مع المحامي والمحكمة للإدلاء بشهادتها أو عند استدعائها لسماع تفاصيل القصة، وكانت تتعذر بعدم تفرغها للمجيء، رغم أن المحامي قام بتسهيلات كثيرة لها، كقيامه بالتكفل بمصاريف تنقلها. وبعد معاناة طويلة قامت المحكمة بإصدار حكم في قضيته ليتم تسجيله، ينتظر أحمد الآن نشر قرار التبليغ ليصل إلى والده، ومصادقة محكمة الاستئناف على القرار والذي سيقوم على إثره برفع قضية لإثبات قيد ولادته لدى محكمة الصلح .

تبين أبو لبدة أن هنالك أسباب أخرى مادية كالفقر، فبعض الأشخاص قد يقومون بمغادرة المستشفى دون أخذ تبليغ الولادة لعدم قدرتهم على دفع تكاليف المستشفى، والبعض غير قادرين حتى على دفع الدينار الواحد الذي يستحق عند إصدار الشهادة، أو تسديد الغرامة المالية الناتجة عن تأخير التسجيل . حيث تنص المادة (13) من القانون نفسه على أنه تستوفى غرامة مقدارها 10 دنانير بعد مضي ثلاثين يوماً من تاريخ حدوث الولادة داخل المملكة وبعد مضي تسعين يوماً خارجها .

وتقول العبادي أن الخلافات الكيدية بين الزوجين قد تكون إحدى الأسباب التي تمنع تسجيل الطفل، كما حدث مع الطفلة ندى (اسم مستعار) والتي بقيت بلا قيد حتى الخامسة من عمرها، بدأت الخلافات بين الزوجين عام 2001 ولسنوات عديدة إلى حين قررت والدتها الذهاب الى بيتها جدتها والبقاء هنالك دون طلاق رسمي أثناء فترة الحمل بندى، وبعد إنجاب الطفلة طلبت الأم من الأب تسجيل الطفلة ولكنه رفض مراراً، واستمرت الزوجية قائمة بينهما في جو من الخلافات المستمرة والمحاكم حتى عام 2007 حيث تم الطلاق بينهما بشكل رسمي، ولكن دون أن يتم تسجيل الطفلة لدى الدوائر الرسمية والتي أصبحت حينها في الرابعة من عمرها، تقول المحامية : لم تتلق الطفلة أي مطعوم ولم تتمكن من الدخول إلى المراكز الصحية أو المستشفيات لأنها غير مسجلة وبدون شهادة ميلاد، وكان الزوج يقوم بالمساومة في قضية تسجيل الطفلة ليحصل على حضانة الأطفال، ولكنه رضخ في النهاية لضغوطات المحيطين بها حين أتمت طفلته الخامسة من عمرها حتى تتمكن من الذهاب إلى المدرسة، وقام برفع دعوى إثبات قيد ولادة وتسجيل الطفلة في عام 2008.

ويذكر الشريف قصة إحدى القضايا التي وكلت إليه؛ حيث أن أحد الآباء لم يتمكن من تسجيل تسعة أطفال لديه لعدم تمكنه من تسديد تكاليف المستشفى بعد الولادة .

وكذلك والد طارق، الذي لم يتحمل تكاليف توكيل محامي فيما سبق، حين قرر رفع قضية إثبات قيد ولادة لتسجيل طارق بعد محاولات عديدة بإقناعه، حيث باشر برفع القضية ومتابعتها بنفسه ليسلك مساراً خاطئاً في إجراءات التقاضي، مما دفع المحكمة إلى رد القضية لعدم الاختصاص.

ويبين المحامي لؤي الشريف أن قضية إثبات الولادة تتم في حالة التأخر عن تسجيل الطفل لأكثر من سنة بوجود زواج شرعي وعقد زواج، أما قضية إثبات النسب فهي في حالة وجود إشكالية بعقد زواج الأبوين .

ويضيف أن رسوم المحاكم في قضايا إثبات قيد الولادة واثبات النسب قد تصل إلى 60 ديناراً (أي حوالي 85 دولارا أميركيا)، عدا عن أتعاب المحامي في حال التوكيل والتي قد تصل إلى 1000 ديناراً (أي حوالي 1400 دولار أميركي).

ويضيف الشريف أن هنالك أسباباً أخرى تتعلق بالجهل والمعتقدات والمفاهيم الخاطئة لدى البعض وخاصة المقيمين من جنسيات أخرى، حيث يعتقد البعض منهم أن دائرة الأحوال المدنية خاصة بالأردنيين فقط، وهو ما يشكل فهماً خاطئاً، حيث أن دائرة الأحوال المدنية تسجل جميع المواليد الذين ولدوا على الأراضي الأردنية، وقد يعتقد البعض الآخر أن قرار تبليغ الولادة الذي قام باستلامه من المستشفى هو بمثابة شهادة ميلاد، إضافة إلى الاعتقاد بأن تسجيل المولود يقترن بالأب فقط دون الأم، رغم أن القانون جعل التبليغ للدرجة الرابعة بالتدرج .

كما تشير أبو لبدة إلى أسباب أخرى تدفع بالآباء إلى التخلف عن تسجيل المولود، كوجود قيود أمنية على الأب أو الأم. وفي هذا الخصوص يبين مدير دائرة الأحوال المدنية أنه في حال وجود قيود أمنية على والد الطفل، فإن الدائرة تعمل على رفع القيد بشكل جزئي لتسجيل الطفل، مشيراً إلى أن الدائرة ليس مخولة بالقبض على أي شخص مطلوب لدى الجهات الأمنية .

قانون قاصر … وانتهاك واضح

تبين المومني أن قانون الأحوال المدنية الحالي يخالف بمادتيه (13) و(14) الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، حيث نصت الاتفاقية على ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير التشريعية والإدارية بما يضمن مبدأ المصلحة الفضلى للطفل، وتؤكد الاتفاقية على ضرورة التسجيل الفوري للطفل وحقه في اكتساب الجنسية كما وألزمت الدول بأن تكفل هذا الحق وفقاً لقانونها الوطني .

وتشير المومني إلى أن الأردن صادق على الاتفاقية بموجب قانون، مما يعني أنها بمثابة قانون واجب النفاذ ويعد كل ما فيها التزام، وأهم هذه الالتزامات الواردة على الدولة أن تعمل على تعديل تشريعاتها بما يكفل الحقوق الواردة فيها .

وتشير المحامية سهاد السكري من مركز العدل للمساعدة القانونية إلى مشروع قانون الطفل والذي أقرهُ مجلس النواب مؤخراً بعد مضي 24 عاماً على مسودته، قائلة: "إن مسودة القانون أحالت تسجيل الأطفال لقانون الأحوال المدنية النافذ للنظر في كيف سوف ينظم" .

ومن جانبه يبين الناطق باسم مديرية الأحوال المدنية مالك خصاونة: أن الكثير من المشكلات قد تواجهنا في حال بات التسجيل فوريا ومن خلال المستشفى ومنها إثبات النسب .

كيف نحمي المواليد

يعتقد الشريف أن وجود حملات إعلامية توعوية توضح إجراءات تسجيل المواليد، يسد باب الجهل لدى المواطنين ويزيد وعيهم بهذه القضية .

وتبين المحامية إلهام أبو لبدة أن تسجيل الاطفال بشكل فوري يقع على عاتق الدولة وعليها توفيره بما لا يتعارض مع اتفاقية حقوق الطفل، عن طريق منح الجهات المخولة بإصدار بلاغ الولادة ترخيصاً لتصدير البلاغ للأحوال المدنية عن طريق الربط الإلكتروني، والتي تقوم بدورها بإصدار شهادة ميلاد إلكترونية دون الحاجة إلى مراجعتها بشكل مباشر، ويمكنها تحصيل رسوم الخدمة من الجهات الصحية المخولة بالتبليغ، وترى أن المشكلات المتعلقة بالنسب أو المطالبات المالية للمستشفيات، يمكن حلها من خلال المحاكم المختصة بعد تسجيل الطفل رسمياً .

طارق وأحمد وندى، هؤلاء وغيرهم من مئات الاطفال سيظلون بلا قيود في ظل القوانين والإجراءات المتبعة، ويفتقرون لأبسط حقوقهم بدءاً من حقهم في الوجود إلى الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والعمل وغيرها حتى إشعار آخر، منتظرين قانوناً يكفل لهم حقوقهم بعيداً عن أي عقبات.


 
تابعو الأردن 24 على google news