رفع أسعار الفائدة ضرورة.. ولكن؟
جو 24 :
في الوقت الذي نتفهم رفع البنك المركزي أسعار الفائدة على جميع أدوات السياسة النقدية بمقدار 25 نقطة أساس اعتبارا من يوم أمس الأحد استجابة لقرار الفدرالي الأميركي بذات الاتجاه، إلا أن ذلك يدفعنا للوقوف على الآثار السلبية للارتفاعات المتتالية لأسعار الفائدة على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في الأردن.
وبدون الخوض في تفاصيل وتعقيدات عمل أدوات السياسات النقدية التي تستخدمها البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم لتعزيز النمو الاقتصادي المستدام، والحفاظ على استقرار الأسعار للحد من الارتفاعات المتتالية للتضخم، وتهيئة الظروف التي تدعم الاستثمار وخلق فرص العمل والإنتاجية، فلا خيار أمام السلطات النقدية الأردنية سوى رفع أسعار الفائدة والاستجابة للمتغيرات العالمية المؤثرة على أسعار صرف الدولار الأميركي، وموجات التضخم المتتالية التي تضرب الأسواق العالمية.
ففي ذلك تعزيز للاستقرار النقدي والمصرفي والمالي في المملكة، وخلاف ذلك سيضرّ بسعر صرف الدينار الأردني، وبالتالي يفضي إلى موجات غير محمودة من التضخم، إلى جانب تشجيع عمليات الإيداع بالدولار على حساب الدينار (الدولرة).
الارتفاعات المتتالية لأسعار الفائدة خلال الفترة الماضية أدت إلى زيادة الضغوط على مختلف القطاعات الاقتصادية، وبالرغم من إعلان البنك المركزي عن إبقائه لأسعار فائدة القروض التي تمنحها البنوك ضمن برنامجه لإعادة تمويل القطاعات الاقتصادية الحيوية داخل محافظة العاصمة والمحافظات على حالها، إلا أن هذه الارتفاعات حدت من قدرة غالبية القطاعات الاقتصادية من الحصول على تسهيلات ائتمانية لتوسيع أعمالها، وهذا أدى، وسيؤدي، إلى بقاء معدلات النمو الاقتصادي متواضعة، وأدى وسيؤدي إلى بقاء معدلات البطالة عند مستويات مرتفعة، ما يعني استمرار معاناة مئات الآلاف من المواطنين وبخاصة الشباب منهم في الحصول على فرص عمل لائق، وسيوسع من الأنشطة الاقتصادية غير المنظمة، وبالتالي ارتفاع معدلات الفقر.
وقد تركت الارتفاعات المتتالية لأسعار الفائدة ضغوطا كبيرة على اقتصاد أسر الغالبية الكبيرة من المواطنين المقترضين من البنوك، وتراجع المستويات المعيشية لهذه الأسر. والمراقب للتفاعلات التي تجري في المجتمع يستطيع أن يتلمس حجم المعاناة الذي يعيشه غالبية المقترضين.
أقساط القروض صممت على فرضيات قيمة الأجور، والمتبقي منها يوزعه أرباب الأسر على أوجه الإنفاق الأسرى المتبقي من أجور سكن ومواد غذائية وكهرباء واتصالات وتعليم وصحة وغيرها من أوجه الإنفاق الأخرى التي تستجد، وزيادات أقساط القروض البنكية العالية، أو تمديد فترات السداد أربكت شرائح واسعة من المقترضين وأثرت سلبا في قدرتهم على تأمين احتياجات أسرهم الأساسية، وبخاصة مع الثبات النسبي في مستويات الأجور في القطاعين العام والخاص خلال السنوات الماضية، وعدم وجود نوايا لزيادتها خلال السنوات القادمة.
أمام هذه التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لارتفاع أسعار الفائدة البنكية، تمتلك الحكومة العديد من الأدوات للتخفيف منها، أكان على ديناميات الاقتصاد أو اقتصاديات الناس والأسر.
فمن جانب؛ يمكنها استخدام ذات أدوات السياسات النقدية لتخفيض هوامش أسعار الفائدة بين القروض والودائع، إذ أنها مرتفعة في الأردن مقارنة مع مستوياتها العالمية، وهذا من شأنه التخفيف من تداعيات ارتفاع أسعار الفائدة.
كذلك، يمكن للحكومة من خلال سلطاتها النقدية، التوسع في البرامج المدعومة من قبلها لدعم القطاعات الاقتصادية ذات القيمة المضافة الكبيرة، وذات القدرات التشغيلية العالية مقارنة مع غيرها من القطاعات، وإعادة النظر في سياسات الأجور باتجاه زيادتها، لتمكين العاملين بأجر من زيادة حصة الإنفاق الأسري بعد اقتطاع الأقساط البنكية.
مرة أخرى، لا يمكننا في الأردن تجاهل قرارات "الفدرالي الأميركي” برفع أسعار الفائدة، والضغوط التضخمية، ولكن، بالتأكيد هنالك سياسات وإجراءات يمكنها أن تخفف من التداعيات على الاقتصاد الوطني واقتصاد الناس.
الفينيق - أحمد عوض