لقاء مؤتة ..الخصاونة يتجاهل الاجابة على الاسئلة المهمة.. ويستمر في التعمية وبيع الوهم
جو 24 :
كتب أحمد الحراسيس - نجح رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة في اللقاء الذي جمعه بمجموعة من الشباب في جامعة مؤتة، اليوم السبت، بتلافي الكثير من الملاحظات الشكلية التي جرى رصدها في لقائه الاول مع شباب في الجامعة الأردنية، ولكننا للاسف لم نشهد اهتماما بالملاحظات الجوهرية المتعلقة بضرورة تقديم حلول للمشكلات الاقتصادية الاكثر الحاحا ، و استعراض واقعي للاجراءات والقرارات التي اتخذتها الحكومة وصولا للاصلاح السياسي المنشود شعبيا ، وهذه نتيجة طبيعية لغياب المضمون و المعنى و المنجز ، فحضر الرئيس في لقاء جديد وغاب المضمون ، حضر الرئيس متسلحا بكلام كثير وانشاء جميل و سرديات - وهو مصطلح استخدمه الرئيس بكثرة - افتراضية لا مكان لها في الواقع الذي نعيش ، الاختلاف في اللقائين كان شكليا فقط ، فكل الجهود تركزت على اظهار عفوية انتقاء الحضور والاسئلة ، وارتجال الرئيس في الرد عليها دون تحضير مسبق ، كما أن الرئيس نفسه حاول عدم التشعّب في المحاور والقضايا التي تطرّق لها، لكنّه في المقابل أعاد طرح ذات الأفكار ظنّا منه أن تكرارها كفيل باقناع الناس بجدواها و صميميتها .
المشكلة الاساسية ، أن الرئيس للمرة الثانية على التوالي تجاهل الاسئلة المهمة ، وتحديدا تلك الأسئلة المتعلقة بغياب العدالة وتكافؤ الفرص وتردّي الوضع الاقتصادي والوضع السياسي، وتراجع حالة الحريات العامة، الاسئلة المتعلقة بسعي حكومته لاقرار قانون جديد للجرائم الالكتروني يصادر حرية الناس ويحرمهم من حقهم في التعبير عن رأيهم ، اسئلة لها علاقة بالمعتقلين السياسيين و نقابة المعلمين ، اسئلة لها علاقة بالحريات العامة وحقوق الانسان ، اسئلة لها علاقة بدخولهم الثابتة المتآكلة ، وغلاء المعيشة واسعار المحروقات والكهرباء والمديونية والعجز ونسب الفقر والبطالة ......
التحديث السياسي
أبرز ما ركّز عليه الخصاونة كان محور التحديث السياسي والحياة الحزبية التي يُراد إظهار الأردن وكأنه يعيشها، وقد بذل الرجل جهده في محاولة اقناع المتابعين بجدوى المشاركة في الحياة السياسية، لكن الأهم من هذا كلّه، هل نجح الرئيس في انجاز مهمته؟!
لا يكفي أن يتحدث رئيس الوزراء عن "قاعدة الضمانات" التي تكفل للشباب الراغبين بممارسة حريتهم في التعبير وحريتهم في نقد الساسة وحريتهم بالانضمام للأحزاب ممارسة حياتهم السياسية -سواء ضمانة الملك أو مدير المخابرات أو الحكومة أو حتى الأنظمة والقوانين-، فالأهم من كلّ ذلك الحديث هو ما يلمسه المواطن على أرض الواقع من ممارسات، وهنا نتحدث عن قيام الحكومة بتعديل قانون الجرائم الالكترونية على نحو تتمّ فيه ملاحقة كلّ من يعبّر عن رأيه بالساسة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ونتحدث عن شواهد عايشها مئات الشباب الذين حاولوا الانخراط في الحياة السياسية عبر بعض الأحزاب السياسية، ونتحدث عن وقائع عايشها ربما مئات أو آلاف الشباب الناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ووقائع يعيشها المواطنون في مدنهم وقراهم ومخيماتهم وأحيائهم.
الرئيس اختزل فكرة نجاح عملية الإصلاح السياسي برفع نسبة المشاركة والاقتراع في الانتخابات النيابية القادمة، وهو ما يمكن اعتباره إقرارا بفشل الانتخابات النيابية التي أفرزت مجلس النواب الحالي الذي منح حكومة الخصاونة الثقة أصلا ومرر حزمة قوانين "التحديث السياسي".
الواقع أن ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية لا يمكن أن يكون دليلا على نجاح عملية التحديث السياسي، ما لم يقترن هذا الارتفاع بارتفاع مصداقية العملية الانتخابية ومخرجاتها وسلامة الاجراءات وضمان عدالتها، والحقيقة أن الدولة نسفت هذه الأساسات قبل أن ترفع البنيان؛ هناك ملاحظات على تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وآلية عمل اللجنة، وهناك ملاحظات أكبر على أداء مجلس النواب لدى تمريره التشريعات الناظمة للحياة السياسية، وهناك ملاحظات أخرى مرتبطة بتطبيق تلك التشريعات، وهنا نشير أيضا إلى ما تعرّض له حزب الشراكة والانقاذ ومنتسبوه من ممارسات..
إلغاء ديوان الخدمة المدنية
وغير بعيد عن التدخل في الحياة السياسية، وفي سياق حديث الرئيس الخصاونة عن اصرار الحكومة على إلغاء ديوان الخدمة المدنية والانقلاب على آلية التوظيف في القطاع العام، لا بدّ من التأكيد على أن التوجه للتعيين المباشر وإلغاء دور الديوان في التوظيف من شأنه ترك القطاع العام نهبا للواسطة والمحسوبية ونفوذ الأجهزة الأمنية، لتتحوّل الوظيفة في القطاع العام من حقّ للمواطن إلى مكافأة أو جائزة ترضية.
ولعلّ حديث الرئيس عن كون "الدولة والأحزاب ستكون الضامن لعدالة التوظيف في القطاع العام"، يصلح لأن يكون طرفة أكثر منه كحديث جادّ يستحق التعليق عليه، إلا إذا كان لدى الرئيس ملاحظات على سلامة اجراءات ديوان الخدمة المدنية.
الرؤية الاقتصادية والقطاع الخاص
عاد الرئيس الخصاونة للتأكيد على أن الالتزامات التي تعهدت بها الحكومة في الرؤية الاقتصادية، ومنها توفير مليون فرصة عمل خلال (10) سنوات، لا تعني توفير (100) ألف فرصة عمل في كلّ سنة، فإذا كانت الحكومة غير قادرة على احداث نموّ يخلق (100) ألف فرصة عمل في هذا العام، ولن تكون قادرة على خلق (100) ألف فرصة عمل العام القادم، فهل يمكن أن نتوقع منها خلق (200- 300) ألف فرصة عمل في أعوام لاحقة؟!
الخصاونة تحدّث خلال اللقاء بنشوة كبيرة عن "منصة استقطاب المستثمرين"، وكأنها مفتاح جذب الاستثمارات الأجنبية، وكأن عدم وجود منصة كان سببا في عدم نجاح الحكومة بجذب الاستثمارات سابقا! وكأن المستثمر يبحث عن منصة وليس عن بيئة تشريعية وبيئة اقتصادية ملائمة لاستثماراته!
المشكلة، أن الرئيس بدا معتمدا في امكانية تحقيق أهداف الرؤية الاقتصادية على الاستثمارات الأجنبية التي يمكن جلبها للأردن وعلى القطاع الخاص الأردني، لكن السؤال الأهم هنا، ما الذي قدّمته الحكومة للقطاع الخاص الأردني غير الضرائب والرسوم ورفع الفوائد والجباية وتعقيد الاجراءات؟! لماذا لا يُفكّر الرئيس بتشجيع الاستثمارات القائمة ودعمها بدلا من متابعته أخبار انسحابات المستثمرين من السوق وهروب بعضهم إلى الخارج؟ لماذا لا يُفكّر بالأسباب التي دفعت وتدفع مستثمرين إلى الاستغناء عن جزء من عمالتها، والأسباب التي تدفع بعض المستثمرين للجوء إلى قانون الاعسار؟!
قيمة مضافة وليست مشكلة..
في حديثه عن القطاع العام وعدم قدرته على استيعاب الخريجين الجدد، قال الخصاونة إن "لدينا (50) ألف مهندس عاطل عن العمل، كما أن لدينا (30) ألف طالب طب على مقاعد الدراسة، ولا يوجد طريقة لاستيعابهم، الأمر الذي يستدعي تغيير نمط التفكير"، لكن الواقع أن ما يعتبره الخصاونة مشكلة هو قيمة مضافة في جوهره، فسوق العمل بالنسبة للمهندسين والأطباء غير محصور بالأردن فقط، كلّ ما على الحكومة فعله أن ترفع سويّة التعليم العالي وترفع سوية خريجي هذه التخصصات ليكون المهندس والطبيب الأردني مطلوبا في الدول المجاورة ودول اوروبا، عندها سيكون هذا الشاب العامل رافدا للاقتصاد الوطني ومصدرا من مصادر "العملة الصعبة".
أما تغيير نمط التفكير، فهذا له علاقة أولا بتوفير البيئة الأمثل لتعميم التعليم التقني، ثمّ توفير فرص عمل في القطاع المهني، وضمان حقوق العاملين في هذا القطاع، وتوفير الحماية لهم، وإلا كيف تطلب من الشابّ أن يتجه للتعليم المهني وهو يجد أقرانه في هذا القطاع دون عمل أو دون حماية، أو يجد مستوى هذا التعليم دون المطلوب، أو يجد خريج هذا المسار التعليمي غير قادر على ايجاد فرصة عمل في الخارج نتيجة عدم اعتماد شهادته.
التنظير لا يحلّ مشكلة
الحقيقة أن التنظير لا يمكن أن يحلّ مشكلة، وأن الحلول دائما مرتبطة بالعمل والانجاز، وأن استمرار تكرار ذات الأفكار العقيمة لا يمكن أن تجعلها حقيقة، بل دليلا واضحا على حجم انفصال المسؤول وصاحب القرار عن الواقع.
الرئيس الذي لا يريد أن يُفرط في تقديم الوعود أسهب في الترويج لمشاريع وبرامج ضخمة لم يلمس أحدنا أثرا ايجابيا لها..