د. مها الفاخوري تكتب دفاعا عن كرامة الطبيب وعن عيشه الكريم
جو 24 :
كتبت الدكتورة مها الفاخوري *
الطبيب في الأساس وفي الغالب الأعمّ مواطن صالح وهب حياته لرسالة الطب الانسانية، وهو يفني زهرة شبابه وعمره في خدمة اخوانه المواطنين، وهو عماد النظام الصحي الأردني الذي يعتبر أحد المعجزات الأردنية ومبعثا للفخر الوطني. وقد ساهم الطبيب الأردني وقدم الشهداء في معارك الوطن؛ سواء العسكرية أو الوبائية، وكان آخرها مواجهة وباء كورونا بجهد جبار وتضحيات جسام، فاستحق الأطباء لقب الجيش الأبيض.
اليوم نجد أنفسنا في خلاف شديد مع شركاء لنا في الوطن، وهم (الإتحاد الأردني لشركات التأمين، الاتحاد العام لعمال الاردن، وجمعية حماية المستهلك)؛ جميعهم يرفضون تطبيق الإرادة الملكية السامية في الصندوق التعاوني والتعامل بلائحة أجور ٢٠٢١ التي اقرتها نقابة الاطباء بما لديها من صلاحيات يكفلها قانون النقابة.
حاول مجلس النقابة مع الجميع مباشرة، وتحت اشراف البنك المركزي، ولكن للاسف لم تكن هنالك استجابة على مدى أعوام طويلة، حتى وجدنا أنفسنا في زاوية تحتم علينا الوقوف في وجه كل ما من شأنه أن يقلل من كرامة المهنة والطبيب، ووصلنا إلى قرار وقف التعامل مع شركات التأمين واللجوء إلى استقبال المرضى المؤمنين على أساس التعامل النقدي وفق لائحة اجور ٢٠٢١، آملين أن يقرأ المواطنون هذه الرسالة جيداً ويصلوا لمكمن الخلل.
هناك شركات لم تحترم حتى الحدّ الأدنى لأجور الأطباء في لائحة (٢٠٠٨) على مدى (١٥) عاما، بل كانت تقتطع من أتعاب وأجور الأطباء اللذين باتت كرامتهم تأبى عليهم القبول بالفتات الذي تدفعه هذه الشركات وعدم التزامها في تسديد المطالبات لأشهر طوال.
لن أتوقف عند المسؤولية الاجتماعية لشركات التأمين والتي فاقت موجوداتها الألف مليون دينار أردني، واستثماراتها (٦٢٥) مليون دينار، ومجمل أقساط التأمين بحدود (٢٠٠) مليون دينار في نهاية عام ٢٠٢١ وفقاً لتقرير البنك المركزي حول نتائج أعمال قطاع التأمين الأردني والذي بيّن أن فرع التأمين الطبي يتحمل حوالي (٤٧٪) من المصاريف الادارية والمصاريف الأخرى بإجمالي يزيد عن (٣٠) مليون دينار أردني، وهذه نسبة عالية جداً ومستغربة حسب خبراء في عالم التأمين.
في اعتقادي الشخصي أن شركات التأمين قادرة على التنازل عن جزء بسيط من أرباحها لدعم المواطن وعلاجه في ظروفنا الاستثنائية هذه، وذلك باعطاء الأطباء الأجر الذي يستحقونه دون تأخير، كي لا نصل إلى الموقف الذي وصلنا إليه من مواجهة بين شركاء الوطن الواحد، والذين يُفترض أن يعملوا يداً بيد لرفعة الوطن والمواطن.
الجدير بالذكر، أن فرع التأمين الطبي يرفد الشركات بما يزيد عن (٢٤) مليون دينار عمولات واستثمار، والأهم رسوم اصدار وثائق التأمين (أليس الأولى أن تُرصد هذه المبالغ لسداد ديون هذه الشركات للأطباء والمستشفيات؟؟)، وقد حاولت نقابة الأطباء لسنين اطلاق حوار مع هذه الشركات، لكن للأسف كل هذه المحاولات قوبلت بالرفض.
اليوم، نشهد محاولة لشيطنة الأطباء ونقابتهم، واتهامهم بمخالفة القوانين والجشع، وبلغ الأمر باتحاد شركات التأمين حد تهديد الاطباء اذا طبقوا قرار نقابتهم الملزم لهم قانونياً، وهنا لا بد من طرح هذه التساؤلات:-
- هل يعقل أن تبقى أجور الأطباء بموجب لائحة (٢٠٠٨) بحدها الأدنى وباقتطاعات تجعل من هذه الأتعاب فتاتا يُدفع "بطلوع الروح" للأطباء اللذين وصلوا لقناعة أنهم يفضلون علاج المرضى مجاناً على القبول بهذا الفتات؟
- ماذا عن التضخم وغلاء الأسعار وتدني القيمة الشرائية للدينار؟! أم أن الأطباء سكان كوكب آخر لا يتأثرون بكل عوامل السوق هذه؟
- ماذا عن الزيادة في مصاريف العيادات والمستشفيات من ايجارات وأجور موظفين وكلف الأجهزة؟! من سيغطيها؟؟
- هل استثني الأطباء من الزيادات على رسوم المدارس والجامعات والطاقة والمواصلات والكهرباء على سبيل المثال لا الحصر؟!
- ماذا عن الزيادات المتوالية على أقساط التأمينات الطبية للجماعات والأفراد خلال الـ(١٥) عاماً الأخيرة؟؟ من يراجعها ويحددها ويوافق عليها؟!
- لقد سبق لعدة شركات تأمين أن أوقفت اصدار عقود تأمين المركبات، فمن حاسبها؟؟ وهل اعتبر ذلك غير قانوني ومخالفا لقانون المنافسة؟ فلِمَ الكيل بمكيالين ونحن نعمل بنظام اقتصادي رأسمالي حرّ ونتبع أسس وقوانين وآليات اقتصاد السوق؟
أما ما أثير حول مخالفة قانون المنافسة ومنع الاحتكار، فالسؤال هو؛ لماذا منح القانون مجلس النقابة الحقّ بوضع لائحة الأجور الطبية؟! أليس هذا خدمة للمواطن ولمنع المغالاة في الأجور الذي قد يمارسه البعض (فكلنا بشر منا المكتفي والملتزم ومنا الجشع المخالف)؟ ولماذا لم تعترض أي جهة على هذا القانون النافذ منذ عقود؟! ولماذا هنالك تسعير للعلاجات تقرّه لجنة خاصة من النقابة وشركات الأدوية؟ كذلك تسعير الخبز والوقود وبعض السلع الغذائية من قبل وزارة الصناعة والتجارة؟! أليس كلّ ذلك لحماية المواطن ولمنع فوضى الأسواق؟ كذلك من يحدد أجور (كشفية) الفنيين والمهنيين مثل الكهربائيين وفنيي التمديدات الصحية وغيرهم؟ وهل تقلّ كشفية أي منهم عن عشرين دينارا؟! فلماذا الحديث فقط عن أجور الأطباء؟!
هنا، لا بدّ أن أشير إلى أن هنالك لجنة أجور في النقابة تستقبل شكاوى المواطنين في حال تعرضهم لمغالاة في الأجور من قبل بعض الزملاء الأطباء.
أعتقد أن الأوان قد آن للتوقف عن المزاودات على النقابة والأطباء، فوجود بعض المخالفين لا يشكّل أساسا للهجوم على الأطباء والنقابة والمهنة وشيطنتهم، وإن وجود لائحة أجور عادلة للأطباء ستساهم في وقف هذه المخالفات وضبطها.
لا بدّ من الجلوس على طاولة حوار على هذه اللائحة بنيّة حقيقية لإنصاف المريض والطبيب، والإتفاق على آلية تسديد الأجور بشكل شهري منتظم، عندها ستنتهي هذه المعركة المفتعلة والمسيئة للوطن، ولنضع أسسا لتعاون دائم خدمة للمواطنين والتي هي مصلحه وطنيه عليا.
* الكاتب عضو مجلس نقابة الأطباء