مراهقون على ابواب الصيدليات: أطفال بسن 15 عاما يتعاطون الأدوية الجنسية!
حنان الكسواني- يندفع شبان مراهقون، نحو عالم المنشطات الجنسية المرخصة بكافة أشكالها، ومن ثم استخدامها، في ظل قانون لا يحاسبهم، ولا تعليمات صحية رقابية تمنع بيعها لمن تقل أعمارهم عن 18 عاما، بوصفها "أدوية خطرة" تؤثر على صحتهم وتودي بحياتهم وتضعهم على حافة "الانحراف".
وفيما تشكل السوق السوداء مصدرا مهما لهؤلاء المراهقين لشراء واستخدام أنواع عديدة من المنشطات الجنسية خارج أي رقابة صحية أو قانونية، فإن بيع منشطات جنسية، من حبوب ومراهم و"بخاخات"، يجري أيضا في صيدليات مرخصة، بدون اشتراط وصفة طبية، بناء على تعليمات وزارة الصحة، ما شجع فئة كبيرة من المراهقين من طلبة المدارس، على كسر حاجز الخجل وشرائها، وتجربتها لإثبات "رجولتهم"، والتباهي أمام أقرانهم، حسب قول عدد منهم لـ"الغد"، وسط احتدام الجدل الدائر بين التربويين وهيئات شعبية وبرلمانية ومنظمات دولية حول إدراج "الثقافة الجنسية" ضمن المناهج المدرسية.
يشار الى أن دراسة تربوية حديثة كشفت عن أن 86 % من المعلمين والمعلمات، "لا يقومون بتدريس الفصول التي تتطرق الى شرح الأجهزة التناسلية للذكور والإناث، وأنهم بحاجة الى تدريب على أساليب التدريس لهذه المواد العلمية".
وما بين الربح المادي وأخلاقيات المهنة، تقع أغلب الصيدليات التي استطلعت "الغد" آراء أصحابها في مناطق عمان والزرقاء وإربد في خضم ما يمكن تسميته "ضبابية قانونية وأخلاقية" لن تتوقف إلا في حال حصر بيع هذه المواد بوجود وصفة طبية.
ووفق صيادلة، فإن بيع المنشطات الجنسية المرخصة، سواء المقلدة أم الأصلية التي تعالج الضعف الجنسي لدى الرجال، بات يجد رواجا من الفئة العمرية 15 - 24 عاما، كظاهرة جديدة في مجتمعنا الذي بات منفتحا على الثقافة الغربية التي تصدر "الأفلام الإباحية" وتنشر ثقافة الجنس بطريقة بعيدة عن واقع مجتمعنا "المحافظ دينيا واجتماعيا وثقافيا".
من جهته، يجهل نقيب الصيادلة الدكتور محمد عبابنة وجود هذه الظاهرة بين صغار السن، قائلا لـ"الغد": "أنا لا أعرف عن هذا الموضوع شيئا"، بيد أن الدكتور عبابنة أقر خلال تصريحات صحفية سابقة بـ"مبالغة الصيدليات في صرف الأدوية بدون وصفة طبية، وأن النقابة مستمرة في عمليتها الرقابية عليها".
الى ذلك، اتفق خبراء الإرشاد الاجتماعي والنفسي والصحي في حديثهم لـ"الغد"، على أن استخدام الشباب تلك المنشطات هو بمثابة "استنزاف لطاقتهم الجنسية، ويولد لديهم ضعفا جنسيا، ما يهدد حياتهم الزوجية مستقبلا، ويضعهم على طريق الانحراف".
أسعارها رخيصة وبلا وصفة طبية
لا يكلف تحقق شعور "الرغبة الجنسية والفحولة الرجولية"، سوى شراء حبة دواء مقلدة مستوردة من الهند، بلونها الأخضر المزرق، بـ50 قرشا، كونه الأكثر مبيعا والأرخص سعرا في عالم المنشطات الجنسية، بينما تباع الحبة الزرقاء الأصلية بما يصل الى عشرين ضعفا، أي ما يعادل 10 دنانير؛ إذ تباع العلبة التي تحتوي على أربع حبات فقط بما يزيد على 33 دينارا، ومنها أنواع بـ38 دينارا.
أما أسعار المراهم والبخاخات المنشطة والواقي الذكري (الكاندوم)، الذي يحتوي في داخله على مادة منشطة، فيتراوح ثمنه حسب تسعيرة نقابة الصيادلة، بين دينارين ونصف الدينار الى ما يزيد على 7 دنانير، بينما ترتفع أسعار المكملات الجنسية الأصلية الى ما يزيد على 30 دينارا.
الى ذلك، فإن الأدوية الأصلية العالمية تفوق أسعارها القدرات المالية للشباب اليافعين، خصوصا "المجربين" الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15- 18 عاما، وهي الأعمار التي تصنفها التقارير السكانية المحلية بأنها "الفتية المنتجة".
ولدى تفحص "الغد" لما يزيد على 8 نشرات داخلية مرفقة مع كل علبة حبوب أو مرهم جنسي تم رصدها من صيدليات في عمان، فإن أغلبها يحدد الفئة العمرية لمستخدميها من المرضى أو الأصحاء، مع الإشارة الى أن هذه الحبوب "لا تعطى للنساء أو الأطفال أو الرجال تحت سن 18 عاما".
وشددت النشرات ذاتها على "عدم وجود أي سبب لاستخدامها من قبل الأطفال"، بناء على توصيات من مجلس وزراء الصحة العرب واتحاد الصيادلة العرب.
وأنفق أردنيون نحو مليون و579 ألفا و996 دينارا على أدوية الضعف الجنسي، بحسب إحصائية صادرة عن المؤسسة العامة للغذاء والدواء الأردنية للعام 2011، في حين يبلغ إنفاق العرب الإجمالي على هذه الأدوية أكثر من 10 بلايين دولار سنوياً.
وفيما أكدت صاحبة إحدى الصيدليات في عمان، رفضها الشديد لبيع المنشطات لطلبة المدارس لصغر سنهم وبقرار ذاتي وأخلاقي منها، تقبل صيدلية أخرى في المنطقة ذاتها بيع الطلبة، على أن "يتحمل هؤلاء مسؤولية قرارهم"، في حين تتردد صيدلية ثالثة ببيع الشبان حيث تعتذر تارة وتقبل تارة أخرى، وفقا لحديثهم في مقابلات منفصلة مع "الغد".
وهذا ما ذهب إليه الدكتور عبابنة بقوله "إن مهنة الصيدلة إنسانية لا تجارية، يقدم من خلالها البلسم الشافي والنصح في استعمال الدواء".
وتحظى الصيدليات القريبة من المدارس الحكومية والخاصة بحركات بيع أعلى للمنشطات بكافة أنواعها، مقارنة بالصيدليات الأخرى، كما يفضل الشباب شراء احتياجاتهم من الصيدليات الموجودة في الأزقة والشوارع الفرعية، حسب قول صيادلة في محافظتي الزرقاء وإربد.
وأضافوا أن فئة معينة من صغار السن يغادرون الصيدلية مباشرة في حال وجدوا امرأة تقدم الخدمة الصيدلانية، وذلك "من باب الخجل"، لافتين الى أن بعضهم يتوجه لشراء المنشطات المزورة أو المهربة إذا لم يجدها في الصيدليات المرخصة. وأشار صيادلة الى أن ذوي قُصّر، يتصلون هاتفيا بالصيدلية ليوصوا بإرسال الحبوب المنشطة لهم مع أبنائهم الصغار، مبدين تخوفهم من "فتح علب المنشطات لمعرفة محتواها من باب الفضول" من قبل هؤلاء الأطفال.
وشجع الماراثون العالمي وأبطاله شركات أدوية للتسابق بطرح منتجاتها، وتفننت بالترويج لها، عبر الإنترنت ومحطات فضائية. وفي المقابل، تلجأ بعض الشركات المحلية المصنعة للأدوية الجنسية البديلة الى تقديم عروض مغرية للصيدليات، من خلال منحها "بونص" يصل الى 20 علبة مجانا إذا اشترت 10 علب.
ويعتبر عدد الصيدليات في الأردن من أعلى النسب في العالم، إذ بلغ 2800 صيدلية أي بمعدل صيدلية لكل 2000 مواطن، حسب أرقام راشحة عن نقابة الصيادلة.
الإنترنت والفضائيات تصطاد القُصّر
لم يتردد الطالب وجدي (17 عاما)، وهو اسم مستعار، في إحدى المدارس الخاصة بجبل عمان، في شراء حبوب جنسية منشطة للتباهي أمام زملائه بأنه "رجّال"، بدون أن يكترث بتعليمات النشرة الداخلية الإرشادية، حسب قوله.
وأضاف وجدي لـ"الغد": بدأت تجربتي في الصف التاسع الأساسي، بشكل متقطع، بعد أن حققت هذه الحبوب "الإثارة والنشوة لي"، مضيفا: "أفضل شراء علبة كاملة هندية بدينارين ونصف حتى لا أعرض نفسي للحرج مع صاحب الصيدلية".
وبخجل شديد، يفصح الشاب رامي (16 عاما) وهو صديق وجدي المقرب قائلا إنه استعمل مرهما جنسيا لـ"تضخيم عضوه الذكري"، متأثرا بصديقه وبإعلانات "مشوقة" يشاهدها باستمرار على (الإنترنت).
الطالب رامي، يبتعد عن أي أدوية منشطة تباع في الصيدليات أو على بسطات في سوق وسط البلد، كونها تحتوي على مواد كيميائية "غير آمنة"، وفقا لقوله، بيد أنه لفت الى رغبته الشديدة في الحديث مع مرشده الاجتماعي أو والده عن تغيراته الجسدية في فترة مراهقته، لكنه يخجل ويخاف. حسب تعبيره.
وهذان الشابان من بين مئات الشباب "المجربين" للمنشطات الجنسية، الذين يقتطعون من مصروفهم المدرسي لإنفاقها على أوجه غير صحية، بينما يلجأ آخرون الى "تفريغ كبتهم الجنسي بطرق غير شرعية، قد تنقلهم الى عالم الأمراض الجنسية"، حسب المرشد الاجتماعي في إحدى المدارس الخاصة بمنطقة جبل عمان، الذي فضل عدم ذكر اسمه.
ويشير أحدث تقرير صادر عن دائرة الإحصاءات العامة العام 2012، إلى أن الفئة العمرية من 15-18 عاما تشكل ما نسبته 11.5 من سكان المملكة، فيما تشير تقارير أممية إلى أن الشباب يشكلون 43 % من سكان العالم، بواقع 1.8 مليار شاب وشابة.
ويعيل الشاب معاذ (18 عاما)، أسرته المكونة من 8 أفراد، بعد أن توفي والده بحادث سير، فترك مقعده الدراسي وانطلق للعمل مبكرا في مطعم بجانب منزله، براتب شهري قدره 120 دينارا، بالكاد تسد جوع إخوانه الصغار.
وعلى الرغم من وضعه المالي السيئ، إلا أنه يشتري بين فترة وأخرى حبوبا منشطة يستعملها بعد مشاهدته مواقع إباحية على حاسوب ابن جيرانه، ليفرغ بها كبته الجنسي، وليس "بهدف ممارسة البغاء"، حسب قوله لـ"الغد".
وأظهرت نتائج استبانة أجرتها "الغد" على عينة عشوائية قوامها مائة من طلبة المدارس الحكومية والخاصة ووكالة الغوث اللاجئين "الأونروا"، أن 63 % رأوا أن التوعية الجنسية في الأسرة والمناهج المدرسية "لا تلبي احتياجاتهم وتساؤلاتهم".
حياتهم الصحية في خطر
عدم إدراك الشباب للمخاطر الصحية للمنشطات قد يصيبهم بسكتة قلبية مفاجئة تودي بحياتهم، ناتجة عن توسع في شرايين القلب وهبوط في الدورة الدموية، حسب رئيس قسم القلب في مستشفى البشير الدكتور فخري العكور.
ولم ينكر العكور أن هذه الظاهرة باتت تنتشر بين شباب من 13 - 18 عاما، يستعملون منشطات رخيصة الثمن من الهند وبنغلادش والصين، تحتوي على شوائب كيميائية غير معروفة، لافتا الى احتمال إصابتهم بقصور وضعف في وظائف الكلى، وضعف في النظر، واضطراب الجهاز الهضمي، إضافة إلى اعتياد الدورة الدموية على هذه المواد ما يؤدي الى عجز جنسي لديهم.
ويستدعي ذلك، بحسب العكور، إلى الإسراع بإعداد دراسة وطنية علمية تحدد أسباب الوفيات المرتفعة بجلطات قلبية فجائية بين الفئات الشبابية الذين لا تتجاوز أعمارهم 16 عاما، إذا كان من أسباب الوفاة تناولهم حبوبا منشطة بدون نصيحة طبية، فضلا عن الأسباب النفسية والاقتصادية الأخرى.
وشدد استشاري جراحة الكلى والمسالك البولية والتناسلية وعقم الرجال الدكتور نور الدين علاونة على ضرورة ربط بيع الأدوية والمنشطات الجنسية بوصفة طبية، محذرا من أن تكرار استعمالها بدون استشارة الطبيب قد يسبب الوفاة للمتعاطي.
وأكد علاونة أن الغاية التي تم تصنيع هذه الأدوية من أجلها هي لعلاج الضعف الجنسي لدى الرجال، الناتج عن نقص هرمون التستوستيرون، والذي يكشف نقصه عن أمراض كامنة في القلب والأوعية الدموية والسكري والسمنة.
وطالب نقابة الصيادلة باتخاذ موقف "حاسم" عبر إصدار تعليمات تشترط بيع المنشطات بوصفة طبية، لافتا الى أهمية التوعية بمخاطر الأدوية صحيا، وانعكاساتها الاجتماعية، "كانتشار الشذوذ الجنسي وزيادة جرائم الاغتصاب".
وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في المادة (12)، على: "تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه، إضافة إلى تحسين جوانب الصحة البيئية والصناعية للإنسان".
القطاع الصيدلي في ضبابية أخلاقية
تستغل هذه الفئة الشبابية، قبول بعض الصيدليات بيعها لهذه المنشطات بدون الاستفسار عن أعمارهم أو حتى إرشادهم لآثارها الجانبية الخطرة، وتحذيرهم من احتمالية إصابتهم بجلطات قلبية فجائية تودي بحياتهم، نتيجة توسع شرايين القلب والارتفاع الشديد في ضغط الدم.
بينما تخلي صيدليات مسؤوليتها القانونية في حال إصابة هذه الفئة تحت 18 عاما، عن أي أضرار جسدية، بسبب خضوعها لقانون لا يحاسبها على بيعها منشطات بدون وصفة طبية، فيما يرى بعضها أنها "تتحمل مسؤولية أخلاقية في هذا الشأن".
وبناء على ذلك، طالب أصحاب صيدليات، وزارة الصحة والمؤسسة العامة للغذاء والدواء، بإصدار تعليمات جديدة تشترط بيعها بوصفة طبية، على غرار دول أوروبية للحد من هذه الظاهرة، لافتين الى أن "التعليمات تخرج القطاع الصيدلي من مأزق قانوني وأخلاقي بصرف النظر عن الربح المادي".
يشار الى أن إحدى الشركات العالمية لصنع المنشطات تجد في الأسواق العربية "بالوعة" للمنشطات، حيث أشارت في بيان صحفي لها مؤخرا، إلى أن عدداً كبيراً من المقبلين على شراء المنشطات الجنسية هم من الشباب ذوي الأعمار الصغيرة، ما زاد الإقبال على منتجاتها بنسبة 50 %.
ويعود ذلك، الى "القلق المسبق والخوف من ضعف القدرة الجنسية، أو ممارسة الحياة الجنسية بشكل طبيعي"، حسب البيان، بينما يرى مدير مستودع أدوية عالمية في عمان، هو الدكتور محمد الصناع، أن زيادة الإقبال يعود الى أن "سعر الأدوية المقلدة رخيص"، متخوفا من "سوء استخدام جرعات المنشط التي حذرت النشرات الإرشادية منها"، وفق حديثه لـ"الغد".
واستغرب الصناع تسجيل أدوية مقلدة في مؤسسة الغذاء والدواء الأردنية، على الرغم من أن نشراتها الداخلية "غير مطابقة للأدوية الأصلية" ما يعد مخالفة واضحة في شروط تسجيل الأدوية.
مدير المؤسسة الغذاء والدواء الدكتور هايل عبيدات، قال لـ"الغد"، إن هناك مراجعة مستمرة لتسجيل الأدوية، مؤكدا أن المؤسسة تستقبل أي شكوى ليصار الى متابعتها.
تدريس مادة الثقافة الجنسية
تجاهل القطاع التعليمي تدريس الثقافة الجنسية في المدارس، وضعف الرقابة الأسرية على سلوكيات أبنائهم، في ظل الانفتاح الإعلامي ومشاهدة الأفلام الإباحية، وخجل الأهالي من الحديث معهم عن التغيرات الجسدية والنفسية خلال فترة المراهقة، كلها أسباب تسهم في تشجيع الشباب على شراء المنشطات ودفعهم في بعض المواقف للتحايل على الصيدليات، بأن المنشطات لـ"ذويهم". ويرفض مستشار الطب النفسي الدكتور وليد سرحان أن يترك الأمر لـ"ضمير الصيدلي أو مروج المخدرات أو من يهرب أدوية غير مرخصة ويبيعها لمن يريد"، معربا عن أسفه من أن المراهق أصبح بإمكانه "الحصول على أي شيء وسط إنكار الأهل وغفلة المجتمع".
وضمن المنظومة التربوية والتعليمية، لا بد من أن تكون هناك أساليب رقابية في كل مكان، في المدرسة والصيدلية والشارع والبيت، خصوصا في ظل ظاهرة "الإهمال العام" وفق سرحان.
مرشد اجتماعي في إحدى المدارس الخاصة فضل عدم ذكر اسمه، لم ينكر أن عددا كبيرا من الطلبة في صفوف (السابع، والثامن، والتاسع) يتناولون الحبوب المنشطة من باب التجربة، والتباهي أمام أقرانهم بقدرات جنسية وفحولة، بينما يفضل آخرون استخدام مراهم وبخاخات لتحقيق غايتهم.
وشدد الاختصاصي ذاته، على دور الأهالي بضرورة تقديم معلومات صحيحة حول الصحة الجنسية لأبنائهم، بالتنسيق مع المرشد الاجتماعي في المدرسة.
وأكد أن بعض الأسر ترفض بشدة الحديث عن الجنس مع أبنائها، في ظل مجتمعاتنا المحافظة، معتبرين هذا الموضوع "خطا أحمر"، وفي الوقت ذاته "تفرط في تدليل أبنائها تكنولوجياً، وتوفر لهم خصوصية غير مراقبة".
"عندما تناولت دواء جنسيا، لم يكن في ذهني ممارسة الجنس، بل حتى أثبت لأصحابي أنني جربت، وفي ذهني الأفلام الإباحية التي تشعرني أنني لم أنضج جسديا بعد، لكنني ندمت"، حسبما قاله المراهق خليل.
وأضاف خليل (15عاما): "كانت المرة الأولى والأخيرة التي اشتريت بها حبة منشط زرقاء مقلدة وفرت ثمنها من مصروفي، إذ شعرت بدوار شديد وصداع في رأسي وضيق في نفسي، ولم أخبر والدي، ولا حتى الطبيب لدى مراجعتي له، والتزمت الصمت خوفا من عقاب جسدي أو نفسي يطاردني طيلة حياتي". وتعتبر مجتمعاتنا العربية حساسة في مناقشة الأمور المتعلقة بالجنس، لذا يجب أن يتم تزويد هذه المعلومات للمراهقين في إطار من القيم والتنظيم، من خلال المواد الدراسية نفسها، مع مراعاة أن تعطى بطريقة منمقة، واستخدامها ضمن أطر تنسجم مع ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا، حسبما ذهب إليه خبير الإرشاد النفسي والاجتماعي الأستاذ موسى مطارنة لـ"الغد".
بدوره، دعا مطارنة الى مؤتمر تربوي وطني تشارك فيه مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان، ويناقش الثقافة الجنسية وانعكاساتها على الفئات الشبابية وسط الانفتاح الإعلامي القائم.
مبادرة "حياتنا" لنشر الثقافة الجنسانية
جاءت مبادرة "حياتنا" من شركة "تمرين غير الربحية"، وموقع تربية نيوز الإخباري، والتي بدأت كمجموعة مؤلفة من أربع مهنيات، قررن التفرغ للعمل على تعزيز التربية والسلامة للفتيات والشبان الأردنيين، إذ نجحت هذه المجموعة في تجنيد أكثر من خمسين متطوعة من كافة المحافظات الأردنية.
ومع ذلك، واجهت المتطوعات في عملهن الميداني العديد من المواقف، كشفت عن نقص في المعلومات الأولية والبسيطة والمتعلقة بتغيرات المراهقة والبلوغ، منها موضوع "العادة الشهرية"، والتغييرات الجسدية الأخرى، والرغبة في اكتشاف عالم المنشطات الجنسية؛ وفق ما أكدته زينة حمدان، المديرة التنفيذية لشركة تمرين غير الربحية.
ومن الحقائق المؤلمة، أن فتيات مراهقات لا يعرفن عن أجسادهن شيئا، إذ يتعرض بعضهن في المحافظات، لاسيما البعيدة منها، لضغوطات نفسية وجسدية كثيرة، نتيجة افتقارهن إلى الثقافة الجنسية والمعرفة الكافية للتعامل مع أجسادهن، والحفاظ عليها.
وقالت حمدان لـ"الغد": "رغم أن هذه المبادرة عقدت عدة ورشات تدريبية للمعلمين والمعلمات، بالاستعانة بمدربين ومدربات دوليين من ذوي الخبرة الواسعة في هذا المجال، إلا أن هناك حاجة ملحة إلى التطرق لضرورة إدراج هذه المواضيع في المدارس، ومواجهتها بأساليب تربوية حساسة للسياق المجتمعي القائم، وبالشراكة مع الأهل".
في العام الماضي، ولقياس حجم المشكلة في مجتمعنا الأردني، أعدت شركة "تمرين" دراسة علمية، استهدفت 120 مدرسة في مختلف المحافظات، إذ تبين أن 86 % من المعلمين والمعلمات "لا يقومون بتدريس الدروس التي تتطرق الى شرح عن الأجهزة التناسلية".
وكان من الأسباب الأقوى التي توصلت إليها الدراسة، "تغلب الثقافة المجتمعية عليهم، ونظرتهم الى هذه المواضيع على اعتبار أنها "حرام"، والخجل من الطلاب، وعدم التمكن من شرح هذه المواد، بالإضافة الى نقص في المعلومات الأولية والبسيطة المتعلقة بتغيرات المراهقة والبلوغ".
فيما تؤكد مديرة إدارة المناهج في وزارة التربية والتعليم وفاء العبداللات، حسب تصريحات سابقة لـ"الغد" أن "الثقافة الجنسية في كتب الأحياء والتربية الإسلامية "كافية"، لأن مجتمعنا خاضع لعادات وتقاليد، لا يمكن كسرها والتعامل معها بانفتاح". بدوره، يرى الأمين العام الأسبق لوزارة التربية والتعليم الدكتور فواز جرادات، أن جهود وزارة التربية في التوعية الجنسية "غير كافية". وانتقد جرادات ما وصفه بـ"التجهيل الجنسي" لدى معظم المعلمين، الذين يمرون على المعلومة الجنسية مرور الكرام، أو يقولون للطلبة ادرسوها وحدكم". ويتفق جرادات مع ما ذهبت إليها دراسة "تمرين"، مطالبا بأن "يتم التوسع في تدريس الثقافة الجنسية بالمناهج، من خلال المعلم القادر والمؤهل". ووسط هذا الجدل، قدمت مبادرة "الجنسانية" حسب حمدان حلولا قابلة للتطبيق، تتمثل بتصميم نموذج معاصر وأصيل لبرنامج تربوي، وعلمي، مبني على مبدأ الشراكة بين الأطر التربوية والمجتمعية.
ويشدد هذا النموذج على تعزيز قدرات الأطر التربوية على مواجهة تحديات المراهقة وتفكك منظومة القيم بين المراهقات والمراهقين، من خلال تمكين الطواقم التربوية والأهالي من التحاور معهم حول القضايا المتعلقة بالجنسانية والمراهقة، بأسلوب مهني وعلمي يحترم عقولهم واحتياجاتهم، وتجسير الهوة بين التربويين (وكذلك الأهالي)، وبين الطالبات والطلاب المستهدفين في ما يتعلق بالوعي والمعرفة حول المراهقة والجنسانية.
(الغد)