ما المعلومات المتوفرة حول الهجوم الدامي على الكلية الحربية في سورية؟
جو 24 :
يثير الهجوم الدامي على الكلية الحربية في حمص وسط سورية، والذي اتهمت دمشق مجموعات "إرهابية" بتنفيذه، تساؤلات عدّة حول الجهة القادرة على استهداف مقر عسكري بهذا الحجم والأسلوب في محافظة يسيطر عليها الجيش بالكامل.
ما المعلومات المتوفرة عن الهجوم الذي لم يتبن أي طرف تنفيذه بعد، وما دلالاته بعد أكثر من 12 عاماً من نزاع مدمر؟
كيف وقع الهجوم؟
فور انتهاء حفل تخرّج ضبّاط من الكلية الحربية في مدينة حمص في وسط البلاد، وبينما كانت عائلات الضباط تحتفي بهم في باحة الكلية، وجد الحاضرون أنفسهم يتعرضون لرشقات نارية تبيّن لاحقاً أن مصدرها طائرات مسيّرة.
ويستعيد سليمان عساف (69 عاماً) الذي كان يحضر حفل تخرّج ابن شقيقه تلك اللحظات بالقول لوكالة فرانس برس: "كان الناس يضحكون ويلتقطون الصور.. وفجأة دوى صوت انفجار. لم نعرف ماذا حدث".
ويضيف: "بدأ الجميع يركضون كالمجانين والجثث ملقاة على الأرض، ثم فقدت الوعي لأستيقظ داخل غرفة المشفى وحولي أناس يبكون وينتحبون وقد فقدت ابن شقيقي".
وبتأثر شديد، يقول عساف على هامش مراسم التشييع في المستشفى العسكري في حمص: "لم يسمحوا لنا بإلقاء نظرة الوداع عليه لأن الجثة تشوّهت بشكل كبير. لا أصدّق ما جرى، أتمنى أن يكون كابوساً وأستيقظ منه".
وأظهرت مقاطع فيديو، جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، حالة من الذعر والفوضى وضحايا أرضا وجرحى يستغيثون، بينما تُسمع في الخلفية أصوات رشقات نارية خلال الهجوم.
وأورد المرصد السوري لحقوق الإنسان، الجمعة، أن حصيلة القتلى ارتفعت إلى 123، بينهم 54 مدنياً، ضمنهم 39 طفلاً وسيدة من ذوي الضباط. وأحصى كذلك إصابة 150 آخرين بجروح.
وأحصى الإعلام الرسمي السوري، صباح الجمعة، مقتل 89 شخصاً، وإصابة 277 آخرين بجروح.
من يقف خلف الهجوم؟
لم تتبن أي جهة المسؤولية عن الهجوم الذي طال الكلية الحربية، وهي أكاديمية تخرّج منها أركان النظام وقياداته على مرّ عقود، بدءاً من الرئيس السابق حافظ الأسد مروراً بابنيه الرئيس الحالي بشار وشقيقه ماهر وقادة عسكريين.
سارع الجيش السوري إلى اتهام "التنظيمات الإرهابية المسلحة" بتنفيذ الهجوم "عبر مسيّرات تحمل ذخائر متفجرة". وأكد أنه "سيردّ بكل قوة وحزم".
وبدأ على الفور حملة قصف مدفعي على مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، وفصائل متحالفة معها في محافظة إدلب (شمال غرب) ومحيطها، أودت بحياة 16 مدنياً على الأقل، وفق المرصد.
وانضمت القوات الروسية إلى الحملة الجمعة بتنفيذها غارات عدة في المنطقة، ما يعني عملياً توجيه دمشق، وداعمتها موسكو، أصابع الاتهام إلى الفصائل في منطقة إدلب الحدودية مع تركيا.
إذا صحّ أن تلك الفصائل قد نفّذته، فسيكون الأول بهذا الحجم وبهذا الأسلوب.
ويوضح الباحث في الشأن السوري في مركز "سنتشوري إنترناشونال" آرون لوند أنه لا تتوفر حتى اللحظة "تفاصيل كافية للتكهن" حول هوية الجهة المنفّذة.
ويقول لـ"فرانس برس"، "رأينا في السابق هجمات كثيرة بطائرات مسيّرة انطلاقاً من إدلب، بما في ذلك استهداف الطائرات الروسية في قاعدة حميميم على الساحل، لكن التفاصيل حول من شغّل تلك المسيّرات كانت دائماً غامضة نوعاً ما".
ويضيف: "هل هي هيئة تحرير الشام أم تركيا أم خليط من الاثنين؟" لافتاً إلى أن كلاً من هذه الأطراف من المحتمل أن يكون قد نفّذ الهجوم.
وتستخدم فصائل جهادية عدة، بينها هيئة تحرير الشام وتنظيم "داعش" أحياناً طائرات مسيّرة، لاستهداف مواقع عسكرية تابعة للقوات الحكومية أو حلفائها.
ووقع الهجوم بعد دقائق معدودة من مغادرة وزير الدفاع علي محمود عباس حفل التخرّج.
وتحدّث الائتلاف الوطني السوري، أبرز تشكيلات المعارضة السياسية في المنفى، في بيان، عن مسؤولية النظام عن عمليات "إجرامية وإرهابية" في مناطق سيطرته.
لكن لوند يستبعد تماماً هذا السيناريو انطلاقاً من أن "هذا النوع من الفوضى والخسائر في الأرواح يجعل القيادة السورية تبدو سيئة في دائرة ناخبيها الأساسيين".
ويرجّح مدير المرصد رامي عبد الرحمن أن يكون "تجميع المسيرات قد جرى في حمص وأطلقت من مكان قريب، ما يفسر سبب عدم رصدها من رادارات أو تصدي الدفاعات الجوية لها"، من دون أن يتوفر لديه في الوقت ذاته تصور حول هوية الجهة المنفذة".
لماذا استهداف الكلية الحربية؟
جاء استهداف الكلية الحربية ذات الأهمية العسكرية البالغة بعد 12 عاماً من نزاع دام أنهك الاقتصاد والبنى التحتية وشرّد وهجّر ملايين السكان.
ويشرح لوند: "الجيش هو العمود الفقري للنظام السوري، والكلية الحربية في حمص هي حيث يتدرّب ضباطه منذ نشأة الدولة السورية"، مشيراً إلى أن كل الذين "يمسكون بزمام الأمور في سورية" عسكرياً، تخرجوا منها.
ولا يستبعد "بالنظر إلى كيفية عمل النخبة الأمنية في سورية، مع مقدار روابط الدم والزبائنية التي تبقيها متماسكة، أن بعض من قتلوا هم بلا شك من عائلات عسكرية من الجيل الثاني أو الثالث، أي من أبناء كبار الضباط وأبناء أشقائهم"، وأقاربهم.
ومنذ سنوات، يردّ محللون قدرة الأسد على الصمود خلال سنوات النزاع في جزء كبير منها إلى تماسك ضباط الجيش وولائهم.
وانطلاقاً من أن الهجوم وقع قرب "عقر دار النخبة الحاكمة في سورية"، يقول لوند "أعتقد أن ردات الفعل الرسمية القوية يجب أن يُنظر إليها من هذا السياق".
(فرانس برس)