هل يدفع الأبناء ثمن الحياة المهنية لأمهاتهم؟
جو 24 :
تشير الأرقام إلى أن 3 من كل 4 أمهات عاملات يستمرن في العمل بعد الإنجاب، غير أن غيابهن معظم ساعات النهار، يثقل كواهلهن ويدفعهن إلى الشعور بالذنب والتقصير والتشكيك في قدراتهن ويعتبرن أن أطفالهن سيكونون في وضع أفضل لو بقين في المنزل.
فما مدى تأثير الحياة المهنية للأمهات على أبنائهن؟ وهل يقتصر هذا التأثير على السنوات الأولى من عمر الأبناء أم يمتد لأكثر من ذلك؟
يعزز استقلالية الأبناء وثقتهم بأنفسهم
تقول لارا بازيلون، أستاذة القانون ومؤلفة كتاب "طموح مثل الأم: لماذا يعد نجاحكِ المهني مهما لأطفالك؟"، إن عمل الأم يعتبر مصدر فخر لها ولأبنائها، كما أنه قد يكون مصدر إلهام للأطفال، إذ تتعزز لديهم مهارات مختلفة مثل الاستقلالية والاكتفاء الذاتي والمسؤولية والثقة بالنفس.
وتنصح بازيلون الأمهات العاملات بأن يتوقفن عن الشعور بالذنب ولا ينجرفن وراء الصور النمطية التي تقول إن طموح المرأة ونجاحها المهني غالبا ما يكون على حساب أطفالها.
وتستدل بازيلون بالمقابلات التي أجرتها مع أبناء لأمهات طموحات وكيف أظهروا مدى إعجابهم بالنجاح الوظيفي لأمهاتهم، وعبروا عن اعتمادهم عليهن وعلى حكمتهن في معالجة الأمور وسعة حيلتهن.
بحوث ودراسات
ناقشت عدة بحوث ودراسات حديثة التأثير الإيجابي لخروج الأم للعمل، وفي هذا السياق، استندت دراسة بريطانية أجرتها جامعة كلية لندن عام 2011 ونشرتها مجلة "إيكونومست"، على إحصائية لأكثر من 19 ألف أم عاملة وربة منزل أنجبن أطفالهن بين عامي 2000 و2002 لتحديد مدى تأثير عمل الأم على سلوك الطفل في السنوات الأولى من عمره.
وعلى عكس الاعتقاد الشائع باستفادة الأطفال من بقاء الأم في المنزل، أشارت الدراسة إلى أن وجود الأم على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع ليس مثاليا لأبنائها، وإن أطفال الأمهات العاملات يتأقلمون مع الظروف المختلفة بشكل أسرع، مما يؤثر إيجابا على تشكيل شخصيتهم وسلوكهم.
وذكرت الدراسة أن أطفال الأمهات اللائي يعملن ربات بيوت كانوا أكثر عرضة للمشاكل السلوكية مقارنة بالأطفال الآخرين، كما أفادت الدراسة أن حرمان الأم من العمل يجعلها أكثر عرضة للاكتئاب، مما يزيد من صعوبة ومشقة تربية الأبناء.
تحصيل أكاديمي أفضل
وفي دراسة دانماركية نشرها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، توصل باحثون بقيادة البروفيسور راشيل دونيفون، الأستاذة بجامعة كورنيل الأميركية، إلى أن التحصيل الأكاديمي لأبناء الأمهات العاملات في المرحلة الثانوية يكون أفضل مقارنة بأبناء الأمهات غير العاملات.
وفحص الباحثون بيانات 135 ألف طالب دانماركي منذ الولادة وحتى سن 15 عاما ومقارنة نتائجهم الأكاديمية في الصف التاسع، وبعد تحليل شامل، خلص فريق البحث إلى أن عمل الأمهات له تأثير إيجابي على التحصيل الأكاديمي للأبناء، حتى بالنسبة لأولئك الذين عملت أمهاتهم خلال سنواتهم الثلاث الأولى، وأشارت الدراسة إلى أن أبناء الأمهات العاملات بدوام جزئي قد حققوا أفضل النتائج.
استقرار مالي
وأرجعت دونيفون هذه النتائج إلى الموارد المالية الإضافية التي تجنيها الأم من عملها، مما يسهم في تحقيق الاستقرار المالي للأسرة ويوفر موارد إضافية للإنفاق على التعليم وتسجيل الأطفال في العديد من الأنشطة، مثل دروس الموسيقى والرياضات المختلفة والرحلات وغيرها.
وأضافت دونيفون أن تحسن الصحة النفسية للأمهات العاملات، ولا سيما إذا كانت وظائفهن مُرضية وتحقق لهن فوائد نفسية واجتماعية، يعود بالنفع على أطفالهن.
بنات الأمهات العاملات أكثر نجاحا
وحلل باحثون من كلية هارفارد لإدارة الأعمال بيانات 50 ألف امرأة مجمّعة من 24 دولة عبر برنامج المسح الاجتماعي الدولي، وتوصلت الدراسة التي نشرت في يونيو/حزيران 2015 إلى أن بنات الأمهات العاملات لا يمِلن إلى الأدوار التقليدية ولا يطمحن إلى العمل ربات بيوت، وأن فرصهن في الحصول على وظيفة أكبر من البقاء في المنزل.
وأشارت الدراسة إلى أن 33% منهن يشغلن مناصب إشرافية ومناصب متقدمة مقارنة بـ25% فقط من البنات اللاتي نشأن مع أمهات يعملن ربات منزل، وأنهن يحققن دخلا سنويا أكبر ويحصلن على أجور أعلى في الولايات المتحدة بنسبة 23% وبما يعادل 5200 دولار.
زيجات أكثر استقرارا
كما وجدت الدراسة أن الرجال البالغين الذين نشؤوا مع أمهات عاملات يقدسون دورهم كآباء، ويمضون 7.5 ساعات إضافية أسبوعيا في رعاية أطفالهم ويهتمون بتقسيم المسؤوليات المنزلية، ومن المرجح أن يكون لهم زوجات عاملات كذلك.
وعلقت الأستاذة بجامعة هارفارد ومؤلفة الدراسة، الدكتورة كاثرين ماكغين، أن المجتمعات قد سعت لعقود طويلة لتنشئة النساء اجتماعيا على اعتقاد مفاده ضرورة البقاء في المنزل لرعاية أطفالهن، ولكن ما استخلصته الدراسة يؤكد أن الأمهات العاملات قدوة جيدة لأبنائهن، وأنهن يخلقن بيئة منزلية تعزز المهارات اللازمة لإدارة العمل والمسؤوليات المنزلية واحترام دور المرأة، سواء في المنزل أو بيئة العمل.
توقفي عن الشعور بالذنب
ومع السياسات التي تنتهجها الكثير من الدول مؤخرا لرعاية الطفل، ينصح الخبراء الأم العاملة أن تتخلى عن شعورها بالذنب والتقصير في حق أبنائها لأن عملها ينعكس بشكل إيجابي على أسرتها، وتساهم في جعل أبنائها:
أكثر تحملا للمسؤوليات، لأنهم يعتمدون على أنفسهم منذ الصغر.
يتعلمون تحديد الأولويات والموازنة بين متطلبات الحياة في سن مبكرة.
يقدرون قيمة الوقت، ويركزون على الوقت النوعي وليس الكمي، إذ إن أمهاتهم يقضون معهم وقتا أقل ولكنه أكثر استغلالا واستفادة.
يتكيفون سريعا مع المتغيرات واتخاذ القرارات التي تعمل لصالحهم لأنهم اعتادوا منذ الصغر على اجتماعات عمل مفاجئة للأم أو غياب غير مدروس للخادمة.
ينظرون بحيادية إلى قضايا التمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي، ويحترمون دور المرأة في المجتمع.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية