من غسان كنفاني إلى نوح إبراهيم.. لِمَ استهدفت دولة الاحتلال شعراء وأدباء فلسطين؟
لطالما مَثَّل أدب المقاومة الفلسطينية وشِعرها حالة استثنائية، في لحظات تجاوزت فيها الكلمات كونها مجرد وسيلة للاتصال أو التعبير، لتتحول إلى سلاح فعلي يمكنه أن يكسر الحصار ويَعبُر الحدود. وفي أزمنة خلت من وسائل التواصل الاجتماعي وكاميرات الإعلام المفتوحة، كان الشعر والكلمة وسيلة أساسية لرواية ما يحدث في فلسطين، ونقل الصوت إلى ضمير العالم الخارجي الأصم، وتشكيل التضامن العربي والعالمي مع القضية الفلسطينية، وفي ميدان القتال كان الشعر أرضا خصبة نمت فيها بذور المقاومة. وعلى الجانب الآخر، وعى المحتل دائما أهمية الكلمة، فسعى بكل طاقته لتكميم أفواه أصحابها، حينا بالاعتقالات أو التضييق، وحينا آخر بجرائم وصلت إلى القتل المتعمد والاغتيال.
ربما يكون مصطلح أدب المقاومة قد ذاع صيته لأول مرة على يدي الأديب الفلسطيني الشهيد "غسان كنفاني" في دراستَيْه المعنونتَيْن بـ"أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948-1966″، التي صدرت عن دار الآداب – بيروت عام 1966، و"الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968″ وصدرت عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 1968، وقد درس من خلالهما دور شعر المقاومة في مواجهة قمع سياسات المحتل، ودور الكلمة الفعال أمام نيران البارود والرصاص وتوحش الاستيطان.
ولا يقتصر الأمر فقط على جيل ما بعد نكبة عام 1948، بل يمتد فيما هو أبعد إلى زمن الانتداب البريطاني وثورة فلسطين العربية الكبرى عام 1936، حيث برزت العديد من الأصوات الشعرية المقاومة للاستعمار والمحذِّرة من خطر الصهيونية الوشيك، وقد وعى شعراء ذلك الزمن بالكارثة ورفعوا أصوات قصائدهم بالتحذير، كالصارخ في البرية، ومن بين أبرز هذه الأصوات الشعراء إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود وأبو سلمى "عبد الكريم" الكرمي.
كذلك لم يقتصر كنفاني في دراستَيْه على الشعر الفصيح فقط، بل شمل أيضا الأدب الشعبي والعامي، الذي تمكن من الوصول إلى الناس وتردد على ألسنتهم. ولا عجب إذن أن أصبح كنفاني نفسه واحدا ضمن الكثير من الشهداء الذين اغتالتهم دولة الاحتلال الإسرائيلى عمدا ضمن عشرات الفنانين والشعراء والمفكرين، في سعيها المستمر لإسكات أصوات الحقيقة، وتغييب حامليها.
انهض واقتل أولا.. الاغتيال عقيدة صهيونية
في كتابه الصادر عام 2018 والمعنون بـ"انهض واقتل أولا.. التاريخ السري للاغتيالات الإسرائيلية" (Rise and Kill First: The Secret History of Israel’s Targeted Assassinations)، يستعرض الكاتب الإسرائيلي رونين برجمان تاريخ الاغتيالات التي نظمتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، مؤكدا أن عدد الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل يفوق كل ما نفذته أي دول غربية أخرى.
ويشير الكاتب في مقدمته إلى اقتباسه العنوان من نصوص التلمود وتحديدا من نص يقول: "إذا جاء شخص ليقتلك فانهض واقتله أولا"، وهو النص الذي استند إليه أكثر من شخص ممن اعتمد الكاتب على شهادتهم لتبرير عقيدة الاغتيالات الإسرائيلية. يستعرض الكتاب عددا من الاغتيالات الصهيونية بحق العديد من المسؤولين البريطانيين وأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس وغيرهم، سواء عبر القتل المباشر أو عبر ما سمّاه وسائل "القتل الصامت" الذي يهدف إلى إخفاء آثار الجريمة وإبعاد الشبهات.
يكشف الكاتب أيضا كيف لم تتوانَ الاستخبارات الإسرائيلية عن القتل دون تفرقة، إذ أصدر آرييل شارون على سبيل المثال أمرا بإسقاط طائرة تحمل على متنها 30 طفلا فلسطينيا من جرحى صبرا وشاتيلا، معتقدا بوجود ياسر عرفات على متنها، وأُلغيت العملية في اللحظات الأخيرة عندما عرفوا أنه غير موجود على متنها، وهو ما يصفه الكاتب بجرائم الحرب المتعمَّدة.
ورغم كون الكاتب إسرائيلي الجنسية، مما يجعلنا نتلقى ما يطرحه من معلومات بكثير من الحذر، فإنه يلقي الضوء على سياسات الصهاينة اللا أخلاقية في تصفية أعدائهم فرديا، بداية من منظمة بار غيورا التي تأسست عام 1907، مرورا بعصابات الهاغاناه وحتى جيش الاحتلال الإسرائيلي. ويُقِر الكتاب بأن إسرائيل اغتالت منذ الحرب العالمية الثانية عددا يفوق ما نفذته أي دولة غربية، ويقدر عدد الاغتيالات التي نفذتها بنحو أكثر من 2700 عملية خلال 70 عاما من قيامها.
هكذا أشهرت إسرائيل سلاح الاغتيالات في وجه الجميع، ولم تكتفِ باستخدامه مع أعدائها السياسيين فقط، بل امتدت قائمتها لتشمل مَن رفعوا راية المقاومة عبر الكلمات والأفكار والفنون، واعية بقدرة الفن الحقيقية على إذكاء روح المقاومة، ومنح صوت لمَن لا صوت له، ومحو غيوم التضليل التي مارستها آلات الإعلام الصهيونية على مدى أكثر من 70 عاما في محاولات لا تنقطع لطمس الهوية الفلسطينية ومحو الحقائق.
غسان كنفاني.. الوطن هو ألا يحدث ذلك كله
"لقد أخطأنا حين اعتبرنا أن الوطن هو الماضي فقط، أما خالد فالوطن عنده هو المستقبل، وهكذا كان الافتراق، وهكذا أراد خالد أن يحمل السلاح. هناك عشرات الألوف مثل خالد لا تستوقفهم الدموع المفلولة لرجال يبحثون في أغوار هزائمهم عن حطام الدروع وتفل الزهور، وهم إنما ينظرون للمستقبل، ولذلك هم يصححون أخطاءنا، وأخطاء العالم كله".
(غسان كنفاني، عائد إلى حيفا)
وُلد غسان كنفاني في التاسع من أبريل/نيسان عام 1936، والتحق في طفولته المبكرة بمدرسة الفرير بيافا. لكن سرعان ما تبدل الحال مع نكبة 1984، لتضطر عائلته إلى المغادرة إلى لبنان، ومن صيدا انتقلوا إلى حلب ثم إلى دمشق، حيث استقرت عائلته، وتابع دراسته إلى أن التحق بجامعة دمشق لدراسة الأدب العربي.
بعد تخرجه انتقل إلى الكويت للعمل في التدريس عام 1955، وبدأ خلال هذه الفترة في مسيرته الأدبية، حيث كتب أولى قصصه القصيرة، وعمل محررا في إحدى الصحف الكويتية، حتى عام 1960 حين انتقل إلى بيروت للعمل في مجلة الحرية، بالإضافة إلى الكتابة أسبوعيا في جريدة المحرر. وفي بيروت كانت ذروة النشاط الفكري والأدبي لغسان، وقد ساهم كنفاني في تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1967. وبحلول عام 1969، أصبح كنفاني الناطق الإعلامي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقام بتأسيس وتحرير مجلتها "الهدف" التي أصبحت على يديه منبرا رئيسيا للعمل الثوري والمقاومة الفلسطينية المسلحة.
كان غسان حادا وصريحا في انتقاداته للكيان المحتل، ويذكر أنه في مقابلته الشهيرة عام 1970 مع المذيع الأسترالي ريتشارد كارلتون وصف احتمال إجراء محادثات سلام بين إسرائيل والفلسطينيين بأنه بمنزلة استسلام وأشبه بمحادثة بين سيف ورقبة. وبالإضافة إلى أعماله الأدبية ومقالاته النارية، نشر غسان عددا من اللوحات التشكيلية، بعضها نُشر على أغلفة مجلة "الهدف" وفي صفحاتها الداخلية، بالإضافة إلى الملصقات الثورية التي طافت على جدران الشوارع.
في الثامن من يوليو/تموز عام 1972، اهتز العالم العربي لاغتيال الأديب غسان كنفاني في بيروت، عبر عبوة مفخخة زُرعت في سيارته، ليستشهد بصحبة ابنة أخته لميس البالغة من العمر آنذاك 17 عاما. كان كنفاني قد عُرف واحدا من أبرز أصوات الأدب المقاوم، أديبا وصحفيا وتشكيليا أيضا، ورغم رحيله المأساوي في عمر مبكر فقد ترك إنتاجا أدبيا غزيرا، ما زال صالحا حتى اليوم للتعبير عن عمق الفجيعة.
وفي عام 2005، أي بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما على اغتياله، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية بيانا صحفيا لـ"إيتان هابر"، الصحفي والمتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، يُقِر فيه بمسؤولية الموساد عن اغتيال غسان كنفاني، ويربط بين عملية الاغتيال وبين إصدار رئيسة الوزراء الإسرائيلية في ذلك الوقت غولدا مائير أمرا بالانتقام يتضمن تنفيذ عمليات تصفية تجاه قائمة من الشخصيات الفلسطينية البارزة من بينها كنفاني، ووديع حداد، وكمال عدوان، وكمال ناصر، وأبو يوسف النجار، وبسام أبو شريف، وأنيس الصائغ، وغيرهم.
كمال ناصر.. شهيد يلحق بشهيد
بعد أقل من عام واحد على استشهاد غسان كنفاني، تحديدا في أبريل/نيسان من عام 1973، اغتيل الشاعر كمال ناصر في بيروت على أيدي المخابرات الإسرائيلية مع اثنين من رفاقه هما كمال عدوان وأبو يوسف النجار. وقد دُفن ناصر، المسيحي البروتستانتي، جنبا إلى جنب مع رفيقه المسلم غسان كنفاني، تماما كما طلب في وصيته.
وُلد كمال بطرس ناصر عام 1924 في مدينة غزة محل عمل والده، لعائلة تنتمي إلى "بيرزيت" التي عاد إليها للدراسة في كليتها المعروفة اليوم بجامعة بيرزيت. انتقل بعدها لإكمال دراسته في الجامعة الأميركية ببيروت، وأنهاها عام 1945 وعاد إلى فلسطين للعمل أستاذا للأدب العربي، بالإضافة إلى دراسة الحقوق في "معهد الحقوق الفلسطيني".
كان الوعي السياسي والوطني لكمال ناصر قد تفتَّح خلال أحداث الثورة العربية في فلسطين عام 1936. ومع صدور قرار تقسيم فلسطين، أصدر جريدة سياسية بالتعاون مع مجموعة من زملائه هي جريدة "البعث". وفي عام 1952 انضم كمال ناصر إلى حزب البعث العربي، وفي 1969 انتُخب عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، كما تولى رئاسة دائرة الإعلام والتوجيه القومي فيها وأصبح الناطق الرسمي باسمها. تولى ناصر كذلك منصب رئاسة تحرير مجلة "فلسطين الثورة"، وهي المجلة الرسمية الناطقة باسم منظمة التحرير الفلسطينية، منذ عام 1972 وحتى استشهاده.
خلال مسيرته عانى كمال ناصر من الاعتقالات المتكررة، ما اضطره للانتقال من دولة إلى أخرى، اعتُقل عددا من المرات في الأردن ليخرج منها عام 1957 إلى دمشق التي عاش فيها تسع سنوات اعتُقل خلالها لعام، وهرب منها إلى بيروت حيث أعادته السلطات اللبنانية للأردن. كما اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلية في سجن رام الله في أعقاب حرب عام 1967.
لم يصدر كمال ناصر سوى مجموعة شعرية واحدة خلال حياته، لكنه في المقابل نشر عددا كبيرا من القصائد في مختلف الصحف والدوريات وقد جمعت أعماله في مجلدين بعد وفاته، إضافة إلى مسرحية حملت عنوان (الصح والخطأ).
علي فودة.. فلسطيني كحد السيف
"فلسطيني كحدّ السيف كالمنجل
أصولُ، أجولُ، لا أسأل
ومثل الشمس قد أرحل
لدنيا الغرب.. للأجداد والمنهل
وأصرخُ في الوجودِ أنا
فلسطيني …فلسطيني
أقولُ أقولُ لا أخجل".
وُلد علي فودة عام 1946 في حيفا، وسرعان ما هُجِّرت عائلته مع غيرها من العائلات وهو لا يزال بعمر العامين إلى مخيم نور شمس في طولكرم، في عمر السابعة توفيت والدته، ثم لجأت عائلته إلى الأردن حيث تخرج في دار المعلمين بحوارة – إربد عام 1966، ومن الأردن انتقل إلى بغداد، ثم إلى بيروت.
في بيروت ازدهر نشاطه الأدبي، حيث نشر عددا كبيرا من المجموعات الشعرية وروايتين، إضافة إلى مجلة "الرصيف" التي أصدرها مع زملائه واعتاد أن يوزعها بنفسه. وفي عام 1982، أثناء توزيعه جريدته على المقاتلين في عين المريسة في بيروت، أُصيب جراء القصف الإسرائيلي، ليُنقل إلى المستشفى وهو في حالة حرجة. وقد أُشيع نبأ استشهاده وقتها، مما أتاح له قراءة مرثياته في الصحف قبل أن يُستشهد بعد أيام قليلة.
"كان علي -وهذا هو اسمه- الميت السعيد الوحيد الذي رأيت في حياتي كأن كل آلامه مُحيت. عاش في سريره، وسط أكوام المراثي، يومين جميلين، وحين مات، كان كل شيء قد سبق أن كُتب عنه، فنشر نعيه الثاني في أسطر قليلة في الصحف".
(إلياس خوري)
اشتهر فودة على النطاق العربي الأوسع بأبياته التي تغنى بها مارسيل خليفة، من قصيدته "الغضب، الفهد" من ديوان "عواء الذئب"، وتقول أبياتها:
"إني اخترتك يا وطني حبًّا وطواعية
إني اخترتك يا وطني سرًّا وعلانية
إني اخترتك يا وطني
فليتنكر لي زمني
ما دمت ستذكرني
يا وطني الرائع.. يا وطني".
عبد الرحيم محمود.. الشاعر الشهيد
كما أشرنا سابقا، برزت روح المقاومة في الشعر الفلسطيني منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وتحديدا مع قيام ثورة فلسطين العربية الكبرى 1936. وكان "عبد الرحيم محمود" واحدا من أبرز شعراء الثورة وشهدائها، حيث ناضل بسلاحه وكلماته في وجه الاحتلال الإنجليزي والعصابات الصهيونية، وقد ذاعت قصيدته "الشهيد" في ذلك الوقت لتصبح بمنزلة "مانيفستو" للثورة، ليحمل لقب "الشاعر الشهيد"، وهو ما صار بمنزلة نبوءة، تقول أبياتها:
"سأحمل روحي على راحتي
وأُلقي بها في مهاوي الردى
فإما حياةٌ تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدا
ونفس الشريف لها غايتان
ورود المنايا ونيلُ المنى
لعمرك إني أرى مصرعي
ولكن أَغُذُّ إليه الخطى".
وُلد الشاعر عبد الرحيم محمود في "عنتبا" من قرى طولكرم، ودرس بها، ثم التحق بكلية النجاح في نابلس، حيث عُيِّن مدرسا فيها بعد إتمام الدراسة. وفي عام 1936 التحق بالثورة الفلسطينية الكبرى ضد الإنجليز، طاردته قوات الانتداب البريطاني فاضطر للسفر إلى العراق عام 1939 ليلتحق بكلية بغداد العسكرية، وتخرج فيها برتبة ملازم. شارك في العراق في ثورة رشيد عالي الكيلاني (1941) ثم عاد إلى فلسطين، لينشر خلال الفترة الممتدة بين عامي 1942-1948 عددا من أهم القصائد والمقالات المقاومة. كما كانت قصائده بمنزلة تحذير من الخطر وناقوس إنذار، يشتهر موقفه عام 1935 أثناء زيارة الأمير (والملك لاحقا) سعود بن عبد العزيز لفلسطين، حين ألقى قصيدة قال فيها:
"المسجد الأقصى أجئت تزوره .. أم جئته قبل الضياع تودعه".
وبعد صدور قرار تقسيم فلسطين التحق بجيش الإنقاذ، ولقي حتفه شهيدا (في عمر 35 عاما) أثناء الهجوم على قرية الشجرة في قضاء طبرية، حيث قامت الجماعات الصهيونية بقصف مواقع جيش الإنقاذ يوم 13 يوليو/تموز 1948. وبعد وفاته بعشر سنوات، صدر ديوان يضم قصائده في عمان عام 1958، كما جمع الشاعر عز الدين المناصرة أعماله الكاملة من قصائد ومقالات ونشرها محققة عام 1988.
نوح إبراهيم.. صوت الثورة وشهيدها
إذا كان لشاعر أن يقال عنه صوت الشعب فهو نوح إبراهيم. وتختلف المصادر حول تاريخ ولادته ما بين العامين 1911-1913 في حيفا، وقد أصبح واحدا من أبرز الأصوات الشعرية خلال ثورة 1936، ورغم استشهاده عام 1938 قبل قيام دولة الاحتلال، فإنه برز بوصفه واحدا من أهم شعراء المقاومة.
وقد سجَّل نوح إبراهيم عددا من الأسطوانات التي حملت قصائده، حين كان الفونوغراف في ذلك الوقت من أهم وسائل نقل الأخبار، حققت أسطواناته شهرة شعبية واسعة في فلسطين، وقد أدّى ذلك إلى تضييق الاحتلال الإنجليزي عليه، ومصادرة أسطواناته ومحاولة منعها، لكن كلماته ظلت حية على الألسن، ولعل أشهرها "دبرها يا مستر دل"، وهي القصيدة التي تخاطب الضابط الإنجليزي المكلف بإخماد الثورة الفلسطينية لإتاحة الفرصة أمام العصابات الصهيونية للتوسع والاستيطان. تقول أبياتها التي كُتبت بالعامية الحيفاوية:
"يا حضرة القائد "دِل” لا تظُنْ الأمـة بتمِـلْ
لكن إنتِ سايرهــا يمكن على إيدك بتحِلْ
دبرها يا مستر "دِل” يمكن على إيدك بتحلْ".
وقد استشهد نوح عام 1938 حول قرية طمرة وهو في طريقه للاشتراك في اجتماع قيادة الثورة في منطقة الجليل الغربي، حيث كانت القوات الإنجليزية برفقة فرق الهاغاناه في ذلك الوقت تتعمد مهاجمة معاقل الثوار لتصفية المقاومة الفلسطينية.
وبسبب بعد المسافة الزمنية، وتضييق الاحتلال البريطاني على قصائده، لم يتسن للباحثين جمع أعماله وتدوين سيرته، ويُعَدُّ كتاب الباحث الفلسطيني خالد عوض "نوح إبراهيم الشاعر الشعبي لثورة 1936-1939" هو أبرز المصادر البحثية التي تتناول حياته وشعره.