jo24_banner
jo24_banner

"احتلال التاريخ".. 4 خرافات تروجها إسرائيل عن نفسها

احتلال التاريخ.. 4 خرافات تروجها إسرائيل عن نفسها
جو 24 :

"احتلال التاريخ أخطر من احتلال الأرض.. والعلم كله لصالح فلسطين وتاريخها الأثري الصريح".

بهذه الجملة استهل الأكاديمي العراقي خزعل الماجدي، المُتخصص في علم وتاريخ الأديان والحضارات القديمة، محاضرة بعنوان "الشعوب التي سكنت فلسطين" ⑴ نُشرت على قناته الرسمية بموقع "يوتيوب". ويشير فيها الماجدي إلى أن هدف إسرائيل لم يكن احتلال الأرض فقط، بل تزييف التاريخ بما يخدم مصالحها الاستعمارية، ولهذا ظهر تيار "علم الآثار التوراتي" -المصنف أحد فروع علم الآثار الزائف، الذي يهدف للكشف عن أدلة تثبت وجود يهود في فلسطين الفترة التي تلت خروج بني إسرائيل من مصر، وبالتالي تفسير الآثار الفلسطينية بما يخدم الرواية التوراتية.

أما المؤرخ المصري الدكتور خالد فهمي، أستاذ التاريخ في جامعة تافتس الأميركية، فيقول إن الأمر لا يتوقف عند تزييف تاريخ الأرض، بل تتشعب تلك المرويات ⑵ الكاذبة لتشمل التاريخ الحديث والمعاصر، بما في ذلك تاريخ نكبة 1948 وحرب يونيو 1967 وحرب أكتوبر 1973، وهذه السردية الزائفة تُدرَّس لأبنائهم في المدارس الإسرائيلية وتساهم في صنع هويتهم، باعتبارها التاريخ المعترف به من قبل دولة إسرائيل.

نستعرض في هذا التقرير 4 سرديات رئيسية يقدم من خلالها الاحتلال الإسرائيلي روايته الزائفة للتاريخ والجغرافيا.

الخرافة الأولى: فلسطين دولة يهودية منذ أكثر من 3000 سنة
 

"الله أعطانا هذه الأرض، لأنها ذُكرت في النصوص المقدسة التوراتية".




لا ينظر الإسرائيليون إلى أرض فلسطين باعتبارها أرضا محتلة أو مغتصبة، بالنسبة إليهم هي "هبة إلهية" ⑶ وحق مكتسب يجعل منهم أصحاب الأرض الأصليين، ولهذا يؤرخ الصهاينة لأرض فلسطين على أساسٍ ديني توراتي لا علاقة له بعلمِ الآثار الأكاديمي كما سنذكر لاحقا، لكن دعونا أولا نتعرف على الأدلة التي يستندون إليها في مزاعم أحقيتهم بالأرض.

نجد هذا الأمر جليا في إحدى حلقات ⑷ برنامج "The Ben Shapiro show" الذي يجادل فيه الناشط الأميركي الصهيوني بن شابيرو أن تاريخ اليهود في أرض فلسطين ضارب في القدم، ويستدل على ذلك بالكتابات التوراتية فيقول: "وفقا للكتاب المقدس" يرجع تاريخ العبرانيين في أرض فلسطين إلى قرابة 1400 سنة قبل الميلاد، وهو تاريخ يستندون فيه إلى حدثين رئيسيين، الأول خروج بني إسرائيل من مصر، والثاني عودة العبرانيين إلى كنعان التي يعتبرونها أرض آبائهم وأجدادهم، بحسب ما جاء في نصوص ⑸ العهد القديم.

طوال العقود الفائتة، استخدم السياسيون الإسرائيليون تلك المزاعم والادعاءات الكاذبة لنفي "صفة الاحتلال" عن أنفسهم؛ مبررين ذلك بأنه لا وجود للاحتلال إذا كان اليهود يعودون إلى أرضهم الأصلية. ومن هذا المنطلق يتماهى بن شابيرو في تفسير التاريخ من وجهة نظرٍ دينية بحتة لا علاقة لها بالعلم أو بتاريخ الشعوب التي سكنت هذه الأرض، قائلا: "أما الإسلام ديانة العرب الفلسطينيين فلم يكن قد ظهر إلا في القرن السابع الميلادي"، وكأنه بذلك ينفي أحقية الفلسطينيين في الأرض لكون الإسلام ظهر في وقتٍ لاحق للديانة اليهودية أو كأن التاريخ يكتب بواسطة المرويات اللاهوتية للإسرائيليين.
 
أفضل رد على هذه السردية، جاء من عالم اللاهوت الأميركي توماس طومسون الذي قام بتفكيك التاريخ التوراتي وتتبع المرويات الإسرائيلية ودحضها جذريا، وذلك في كتابه "التاريخ القديم للشعب الإسرائيلي" ⑹، فيقول طومسون إن التاريخ المبكر لأرض فلسطين أتى خاليا من أي دلائل أثرية تشير إلى وجود إسرائيل أو يهودا في تلك الفترة من العصر الحديدي الثاني التي يُفترض أنها كانت شاهدة على قيام مملكة بني إسرائيل الأولى.

يؤكد الدكتور خزعل الماجدي ذلك في محاضرته المنشورة على موقع يوتيوب تحت عنوان "تفنيد الرواية التوراتية" ⑺، قائلا إن السجل الأثري لأرض كنعان أتى خاليا من أي أثرٍ يثبت قصة الخروج كما جاءت في الكتاب المقدس اليهودي. ويضيف الماجدي أن الاكتشافات الأثرية المُعلن عنها من قِبَل علماء الآثار التوراتيين لا تزيد على كونها شقفات فخار من هنا وهناك، بلا نصوص مكتوبة أو دلائل مادية واضحة تدعم ما يدعونه من مزاعم تاريخية.

وكان الماجدي قد رصد في مؤلفاته تاريخ الشعوب الأصلية التي سكنت فلسطين، وعدهم كالآتي: الأموريون والكنعانيون والشوتو والبلستو والعرب، أما اليهود فلم يكونوا سوى أقلية عاشت بين القبائل المتعددة التي سكنت فلسطين، وذلك وفقا لما تناوله الماجدي في محاضرتين منفصلتين عن تاريخ شعوب فلسطين من عصور ما قبل التاريخ والعصر البرونزي والعصر الكلاسيكي والهيلينستي والروماني، وصولا إلى العصور الراهنة وأزمة القضية الفلسطينية الحالية.

الخرافة الثانية: فلسطين لم يكن لها كيان سياسي قبل عام 1917
 
تناولت حلقة الناشط الصهيوني بن شابيرو -سالفة الذكر- تاريخ فلسطين على مدار 3000 سنة، رغم ذلك لم يذكر شابيرو اسم "فلسطين" ولو مرة، بل زاد على ذلك بقوله إن التاريخ لم يعرف يوما دولة مستقلة اسمها "فلسطين"، وتُعد هذه إحدى المرويات ⑻ الكاذبة التي اخترعها بعض مؤرخي القرن العشرين المنحازين للمشروع الصهيوني، إذ جادل هؤلاء بأن فلسطين لم تكن يوما موجودة كيانا رسميا وإداريا، وذلك حتى أعلنت بريطانيا الانتداب على أراضيها عام 1918.

لدحض هذه الادعاءات، يأخذنا المؤرخ الفلسطيني-البريطاني نور مصالحة في رحلة عبر الزمن داخل كتابه "فلسطين أربعة آلاف عام من التاريخ" ⑼، مُشيرا إلى أن فلسطين كانت من أقدم مناطق العالم التي شهدت استيطانا بشريا وتمدنا حضريا، كما كان أهلها من أوائل التجمعات البشرية التي قامت بتدجين الحيوانات وتعلم الزراعة منذ 12 ألف سنة قبل الميلاد.

أما عن اسم "فلسطين" فهو ليس وليد العصر الحديث، فقد ظهر موثقا لأول مرة في العصر البرونزي المتأخر قبل نحو 3200 سنة، ومنذ ذلك الحين كان هو الاسم الأكثر شيوعا الذي ظهر على خرائط العالم بدءا من العصور الكلاسيكية القديمة؛ وهناك عدة أسماء أُطلقت على هذه المنطقة الجغرافية مثل: دجاهي وريتينو وكنعان، لكن هذه الأسماء مهدت جميعا لظهور اسم فلسطين تاريخيا.

أما عن وجود فلسطين كيانا إداريا رسميا، فهو أمر يرجع إلى العصور الرومانية ومن بعدها البيزنطية والإسلامية، إذ اكتسب اسم "فلسطين" وضعا سياسيا نستطيع أن نستدل عليه من الكتابات التاريخية والنقود والخرائط التي ذكر فيها.

أولى هذه الكيانات كانت "سورية باليستينا" التي نشأت بين عامي (135 – 390 ميلاديا)، وذلك قبل انفصال سوريا عن فلسطين في العصور التالية؛ كما ظهرت فلسطين ككيان إداري مستقل تحت اسم "ولاية جند فلسطين" في العصور التي تلت الفتح الإسلامي لبلاد الشام في القرن السابع الميلادي وحتى الغزو الصليبي عام 1099.

إبان هذه الفترات، شهدت منطقة فلسطين نظم حكم ذاتية، وأصدرت عملة فلسطينية خاصة بها منذ القرنين السادس والرابع قبل الميلاد كان يطلق عليها "نقود فليستية"، وهو ما يؤكد زيف الادعاءات الإسرائيلية التي تهدف لتجريد فلسطين من كيانها المستقل، أو اعتبارها أرضا بلا شعب كما كانت تروج الجماعات الصهيونية أوائل القرن العشرين.

الخرافة الثالثة: في زمن النكبة.. الفلسطينيون نزحوا من تلقاء أنفسهم

نعرف "زمن النكبة" من المفاتيح العتيقة والصدأة المعلقة في رقاب الشيوخ والعجائز الفلسطينيين، ممن أجبرتهم المليشيات الصهيونية على ترك منازلهم والرحيل عام 1948، وما زالوا يحلمون بـ"العودة" ⑽ حتى يومنا هذا، لكن النكبة في المرويات الإسرائيلية تختلف عما عايشناه ونعرفه عن ظهر قلب؛ فقد استطاعت إسرائيل على مدار العقود الفائتة أن تعيد صياغة التاريخ وتكتبه كما يحلو لها. ووفقا لادعاءات الاحتلال، لم يجبر أحد عرب فلسطين على ترك منازلهم والرحيل، هم نزحوا من تلقاء أنفسهم بناء على اقتراح من الجيوش العربية قبيل حرب 1948، كما لم يجبرهم أحد على عدم العودة بعد انتهاء الحرب.

تردد إسرائيل هذه الأكاذيب بأريحية شديدة تجعلك تشعر وكأن العيش في المخيمات على حدود الدول الأخرى كان خيارا فلسطينيا. بالطبع لن تخبرنا دولة الاحتلال عن عشرات المجازر(11) التي ارتكبت في حق أصحاب الأرض من الفلسطينيين بين عامي (1937-1948)، التي كانت أشبه بعملية تطهير عرقي (12) نتج عنها نزو(13) أكثر من 700 ألف فلسطيني.

فقد استوحت الروائية المصرية رضوى عاشور أحداث روايتها "الطنطورية" (14) من إحدى هذه المذابح، وهي مذبحة قرية الطنطورة (15) عام 1948 التي راح ضحيتها أكثر من 200 فلسطيني. وفي العام ذاته وقعت عشرات المذابح في مختلف القرى والمدن الفلسطينية، مثل مذبحة مدينة اللد (16) التي قتل فيها أكثر من ألف فلسطيني، ومجزرة "قرية دير ياسين" الشهيرة التي قاموا فيها بتصفية 120 من أهل القرية البالغين 750 نسمة، كان أكثرهم من النساء والأطفال.

كل هذه المجازر ارتكبتها عصابات الهاجاناه والبالماخ وغير ذلك من الميليشيات الصهيونية التي كانت تجوب القرى والنجوع بهدف إخلائها من السكان وإفساح الطريق أمام المستوطنين الجدد لبناء مستعمراتهم، وكان الذبح والاغتصاب وبقر بطون الحوامل هي اللغة التي تحدثتها تلك العصابات (17) واستخدمتها فزاعةً لتخويف عرب فلسطين والدفع بهم نحو الرحيل، إن لم يكن خوفا على أرواحهم، فخشية على أرواح أبنائهم.

الخرافة الرابعة: لم تخض إسرائيل يوما حربا إلا دفاعا عن النفس

لم يتوقف الأمر عند تزييف تاريخ النكبة، بل إن هناك شبكة عنكبوتية من الأكاذيب تُظهِر إسرائيل في مظهر الحمل الوديع الذي لم يسع للحرب يوما، لكن حظها العسر أوقعها وسط العرب المعادين لها من كل جانب، ولهذا كانت إسرائيل -في كل الحروب التي خاضتها- "مضطرة" للدفاع عن نفسها.

على مدار تاريخها، سعت إسرائيل لإلصاق وصف "الدفاع" بجيش كانت نواته الأولى عصابات الهاجاناه والبالماخ. تلك الصورة الذهنية لدور "الضحية" الذي أتقنته دولة الاحتلال تتماهى مع ما نسمعه مؤخرا وتتناقله وكالات الأنباء العالمية عن مظلومية إسرائيل(18)، الجيش الأكثر تمويلا في الشرق الأوسط، وحقها في الدفاع (19) عن نفسها ضد قطاع غزة المحاصر الذي يضم أكثر من 2.3 مليون مدني يناضلون للبقاء على قيد الحياة.

يشير المؤرخ المصري خالد فهمي إلى أن إسرائيل حاولت بذلك التنصل من كونها مشروعا استيطانيا أو دولة استعمارية توسعية، رغم ذلك أزاحت "الحروب التي شنتها إسرائيل" الستار عن النيات التوسعية للكيان المحتل، وما أسهل الحصول على أمثلة تؤكد ذلك؛ إذ نجد العدوان الثلاثي على مصر وقد فشلت دولة الاحتلال في تبرير أسبابه حتى لمواطنيها عام 1956، بعدها جاءت حرب يونيو 1967، عندما غزت إسرائيل غزة والضفة الغربية ومرتفعات الجولان وانتهت الحرب وفي جعبة إسرائيل مجموعة جديدة من الأراضي المحتلة تأبى الخروج منها.


في السنوات التي تلت ذلك ارتكبت إسرائيل عدة مذابح تصنف ضمن جرائم الحرب، مثل "مذبحة بحر البقر" التي قصفت خلالها ⒇ القوات الجوية الإسرائيلية مدرسة أطفال ابتدائية بزعم كونها قاعدة للقوات المصرية ونتج عنها مقتل أكثر من 30 طفلا وإصابة عشرات الأطفال الآخرين، ثم أتى غزو لبنان عام 1982 ومجزرة صبرا وشاتيلا (21) المروعة التي قامت بها ميليشيات مسلحة متحالفة مع إسرائيل.

إنَّ تأمل هذه السلسلة من الأكاذيب يجعلنا ندرك أن إسرائيل في حقيقة الأمر لم تكن يوما في موقع المدافع(22)، بل كانت تشن حروبا ومن ثم تنتظر ردة الفعل لتجعل حربها تبدو وكأنها دفاع عن النفس، وهو بالضبط ما يحدث الآن (23) في قطاع غزة من قصف وحشي انتقامي نشاهده مباشرة على شاشات التلفاز، بزعم أنه رد على عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس يوم السابع من أكتوبر.

 المصدر : الجزيرة

 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير