كاتب تركي: لهذه الأسباب تنحاز ألمانيا دائما لإسرائيل
جو 24 :
في الوقت الذي يتواصل فيه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من شهر، ومع تزايد حجم المجازر ضد المدنيين بدأت أروقة الصحافة والرأي العام تناقش أسباب دعم الدول الغربية -خاصة ألمانيا- لإسرائيل.
وكتب البروفيسور التركي كمال إينات عضو هيئة التدريس في جامعة صقاريا التركية مقال رأي نشرته وكالة الأناضول عن استمرار تجاهل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي -خاصة ألمانيا- المجازر الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وغيرها من انتهاكات القانون الدولي.
كما يواصل المسؤولون في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الإدلاء بتصريحات داعمة لإسرائيل رغم أنهما يدعيان أنهما يتمتعان بأعلى معايير المبادئ الأساسية للقانون الدولي وحماية حقوق الإنسان وينشران تقارير تنتقد الدول الأخرى بشأن هذه القضايا.
ويقول الكاتب إن من يتذكر سياسات الدول الداعمة لإسرائيل في المجازر المماثلة التي ارتكبتها في الأراضي الفلسطينية وفي لبنان لا يستغرب في الواقع من المواقف الحالية، نظرا لقوة وتأثير اللوبي الإسرائيلي على السياسيين والبيروقراطيين والإعلاميين في العالم الغربي.
النموذج الألماني
ويرى الكاتب أن السياسة التي تنتهجها ألمانيا تجاه مجازر إسرائيل في غزة منذ أكثر من شهر لا تخرج في الحقيقة عن الخط العام السائد في الغرب.
وفي الواقع، يبدو أن القادة الذين يديرون سياسة ألمانيا الخارجية المعروفة بماضيها في ما يتعلق بالمحرقة (الهولوكوست) يبذلون جهدا خاصا ليكونوا في طليعة الداعمين لإسرائيل ودفع العالم نحو نسيان الهولوكوست صارخين بأعلى صوتهم إنه "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها".
وهنا يتساءل إينات "هل دفاع إسرائيل عن نفسها يكون من خلال قتل آلاف الأطفال؟" ثم يجيب: يتم تجاهل هذا السؤال في الغرب من خلال ترديد العبارة نفسها "نحن نؤيد بالكامل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
ومع تزايد أعداد أطفال غزة الذين استشهدوا جراء العدوان الإسرائيلي وتصاعد ردود فعل الرأي العام الألماني عبر المستشار أولاف شولتز ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك عن رفضهما على استحياء مقتل مئات المدنيين الفلسطينيين، قائليْن "لا نريد أن يتأذى المدنيون".
المستشار الألماني أولاف شولتز عبر على استحياء عن رفضه مقتل مئات المدنيين الفلسطينيين (رويترز)
ويعود الكاتب للتساؤل قائلا "كيف لهذا (ألا يتأذى المدنيون) أن يتم دون وقف إطلاق النار ودون وقف الهجمات الإسرائيلية؟ وتجاه هذا السؤال يتجدد تكرار العبارة ذاتها لدى الغرب "نؤيد بشكل كامل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
وفي غزة، قصفت إسرائيل المستشفى الأهلي المعمداني، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 500 شخص.
المستشار شولتز بدوره قال عبر منصة "إكس" إن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وواجب على كل دولة حماية مواطنيها".
حسنا، أليس سكان غزة مواطنين؟ ومن سيحميهم من الهجمات الإسرائيلية؟ ومن سيحمي الفلسطينيين في الضفة الغربية من الاعتداءات الإسرائيلية والفوضى واغتصاب وطنهم؟ ليس لدى المستشار شولتز إجابات عن هذه الأسئلة، لأنه يعتبر أن الآن هو الوقت المناسب لدعم إسرائيل، وليس هذا هو الوقت المناسب للتشكيك في أهداف (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو.
جهود حثيثة لتبرئة إسرائيل
من جانبها، أظهرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أداء منقطع النظير للظهور بمظهر المؤيدة الأكثر حماسة لإسرائيل كما لو أنها تشعر بالقلق من غضب نتنياهو واللوبي الإسرائيلي، لعدم قدرتهما على منع المظاهرات المناهضة لإسرائيل في برلين.
وفي يوم هجوم (حركة المقاومة الإسلامية) حماس (على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي) عبرت بيربوك عن موقف الخارجية الألمانية الداعم لإسرائيل بقولها إن "حماس تصعّد العنف، إنني أدين بشدة الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل من غزة".
وقالت في ما بعد "نحن متضامنون تماما مع إسرائيل، ومن حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب وفقا للقانون الدولي".
وبعد 3 أيام -أي في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبعد مقتل مئات الفلسطينيين جراء الهجمات الإسرائيلية- واصلت الوزيرة الألمانية موقفها الداعم لإسرائيل بالقول "أوروبا ككل تقف إلى جانب إسرائيل".
وفي ما يتعلق بمقتل المدنيين في غزة نتيجة الهجمات الإسرائيلية، قالت بيربوك إن "معاناة وموت المدنيين الفلسطينيين جزء من إستراتيجية الإرهابيين"، وبعد ذلك حاولت تبرئة الإدارة الإسرائيلية بالقول "حماس تختبئ وراء السكان المدنيين".
وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عندما أصبحت أعداد المدنيين في غزة ممن قضوا جراء الهجمات الإسرائيلية بالآلاف قالت الوزيرة الألمانية إن "إسرائيل تعيش هذه الأيام على وقع إرهاب همجي، من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها ضد هذا الإرهاب في إطار القانون الدولي، ألمانيا تقف إلى جانب إسرائيل دون تردد"، مكررة دعمها لحكومة نتنياهو بالقول "لهذا السبب سأذهب إلى إسرائيل اليوم".
لكن، ماذا تعني وزيرة الخارجية الألمانية بالقول إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها "في إطار القانون الدولي"؟ هل كانت تقصد أنه إذا انتهكت إسرائيل القانون الدولي أثناء دفاعها عن نفسها فسنسحب دعمنا لها؟ بلا شك، لا.
ورغم استمرار إسرائيل في قصفها لغزة منتهكة كافة قواعد القانون الدولي ومرتكبة جرائم حرب يندى لها جبين الإنسانية فإن دعم ألمانيا حكومة نتنياهو لا يزال مستمرا إلى اليوم.
ولم تدعُ ألمانيا حتى إلى وقف إطلاق النار، مضيفة صفحة جديدة من العار إلى تاريخها بالامتناع عن التصويت على القرار الذي يدعو إلى وقف إنساني عاجل لإطلاق النار في غزة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومع ذلك، إذا أمكن إجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية فسيكون من الممكن للمواطنين الأجانب الذين تعرضوا للقصف في غزة مغادرة القطاع والعودة إلى بلدانهم، ومن بينهم أيضا مواطنون ألمان.
لكن إسرائيل لم تسمح بإجلاء المواطنين الألمان في غزة لمدة 3 أسابيع، فماذا كان رد فعل ألمانيا على إسرائيل التي أبقت مواطنيها أسرى في غزة تحت القصف لأسابيع؟ كان الرد دائما "إننا نؤيد بالكامل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
وبحسب الكاتب، يمكن القول إن هناك 4 أسباب رئيسية وراء الدعم الألماني غير المشروط لإسرائيل، وهي عبء ماضي الهولوكوست، واللوبي الإسرائيلي في البلاد، ونفوذ الولايات المتحدة، وخط الحكومة الائتلافية الحالية.
ولا شك في أن الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد اليهود في عهد (أدولف) هتلر قد رهنت السياسة الألمانية لصالح إسرائيل حتى يومنا هذا.
ولا ينبغي أن ننسى أن هناك أشخاصا يبذلون قصارى جهدهم لضمان استمرار هذا النهج، وفي هذه المرحلة يأتي دور اللوبي الإسرائيلي في البلاد، حيث تتم تغطية موضوع المحرقة بشكل مستمر على شاشات التلفزيون والصحف الألمانية، مما يذكّر الألمان بأنه رغم أن الجريمة المعنية ارتكبها أسلافهم فإن الأجيال الحالية أيضا تتحمل القدر نفسه من المسؤولية.
ونتيجة لذلك يصف السياسيون الألمان دائما حماية إسرائيل بأنها "سياسة الدولة" الألمانية، وهم يعتقدون أيضا أن على ألمانيا دعم تل أبيب بغض النظر عما تفعله الأخيرة في الأراضي الفلسطينية والمنطقة، وإشاحة الوجوه عن الفلسطينيين الذين وقعوا ضحايا لهذا التفكير المرضي.
المصدر : وكالة الأناضول