السياق الإيـراني الجديد
عريب الرنتاوي
جو 24 : مشاعر القلق والتوتر التي استقبلت بها إسرائيل وأطراف عربية عملية التقارب والانفتاح بين طهران وواشنطن، قابلتها على الضفة مظاهر بهجة وفرح احتفالية، ميّزت ردود أفعال حلفاء طهران وأصدقائها، من دون أن نرى في العمق، أي بحث جدي، في مآلات هذه العملية، وكيف ستنتهي بإيران وصورتها ودورها، وطبيعة التفاعلات والتغييرات التي ستحدثها على موازين القوى في الإقليم، ومواقف ومواقع وأوزان مختلف مكوناته الرئيسة وفاعليه الكبار.
غاب عن المبتهجين والقلقين على حد سواء، الإجابة عن سؤال: عن أي إيران نتحدث بعد أن تصل عملية التقارب إلى خواتيمها ونهاياتها «السعيدة»؟ ... هل ستبقى «إيران الثورة» على حالها، أم أن «إيران الدولة» ستحلّ محلها، مع خطاب أقل «ثورية» و»تحريضيّة» وممارسة أقل «تدخليّة» وأكثر انضباطاً لقواعد القانون الدولي وحسابات الدولة الإقليمية الكبرى؟ ... كيف ستؤثر مفاعيل هذا التقارب وآليات وقواعده وشبكة المصالح المتبادلة المترتبة عليه، على موقع إيران ومواقفها؟
على جبهة القلقين من التقارب الغربي – الإيراني، نسأل: ما الذي سيضير إسرائيل من إيران متحوّلة إلى التصالح والتعايش مع الغرب، ببرنامج نووي سلمي مضبوط وخاضع للرقابة الدولية، وتخصيب منضبط لليورانيوم ومخزون مقررة أحجامه سلفاً، ويخضع للرقابة والتفتيش الدوليين؟ ... إسرائيل تعرف أن إيران بهذه المواصفات، لا تشكل تهديداً لأمنها، بيد أنها تفضل «رفع سقف» المطالب، على أمل النجاح في تحقيق غرضين اثنين: أولهما، انتزاع قدرات إيران على العمل في الحقل النووي نهائياً وفي شتى المجالات ... وثانيهما، الضغط على إيران لوقف دعمها لحزب الله وحماس وحركات المقاومة وهذا أمر عظيم الأهمية لإسرائيل ونظريتها الأمنية.
في المقابل، فإن المراقب سيجد صعوبة في فهم الأجواء الاحتفالية التي قابل بها أصدقاء إيران وحلفائها في لبنان، التقارب الأمريكي – الإيراني ... صحيح أن إيران ستظل سنداً قوياً لهذه القوى، ولكن الصحيح كذلك أن «وظائف» هذه القوى و»أدوارها» ستشهد تبدلاً تدريجياً، وربما متسارعاً، منضبطاً على إيقاع خطوات هذا التقارب ومقتضياته، وبما يسمح على التنبؤ والاعتقاد، بأن فكرة «المقاومة» كما عرفناها، قد تكون الضحية الأولى لاقتراب طهران من الغرب واستئناف علاقاتها ومصالحها معه، بحيث تنخرط إيران في جهود «إعادة تأهيل» حزب الله وحلفائه، وربما تحويله من حركة مقاومة إلى حزب سياسي منخرط في آليات عمل النظام السياسي والاجتماعي والتمثيلي اللبناني.
وما ينطبق على حزب الله، ينطبق بدرجة أكبر على حماس والجهاد الإسلامي، حيث من المتوقع أن يتراجع الحماس الإيراني للعلاقات الخاصة والمميزة مع هذه الأطراف، وينخفض الطلب على «مقاومتها»، سيما إن ذهبت إيران بعيداً في مشوارها للبرهنة على أنها «جزء من الحل» وليست «سبباً في جميع المشاكل»، وأنها عنصر استقرار إقليمي، وليست مبعث توتير وتأزيم في العلاقات الإقليمية والدولية.
وحده النظام السوري، من جبهة أصدقاء إيران وحلفائها العرب والإقليميين، يبدو في «وضع مركب ومزدوج»، فهو من جهة يتصدر قائمة المستفيدين من هذا التقارب، لانعكاساته الإيجابية على مجريات الأزمة السورية، بيد أنه من جهة ثانية، يتحسب ليوم قد تذهب فيه طهران بعيداً في تقاربها مع الغرب، وبما يجعل دفاعها عن الأسد، أمراً فائضاً عن الحاجة واللزوم.
أما على المستوى الدولي، فإن روسيا تشاطر نظام الأسد، وضعيته المركبة، فموسكو تريد التقارب وتخشاه بالقدر ذاته، تريده بوصفه عنصراً مساعداً للدبلوماسية الروسية الساعية في تفادي مزيد من الحروب، والراغبة في طي صفحات التفرد والقطب الواحد في الإقليم، بيد أنها تخشاه، كونه قد يسمح لإيران بالاستغناء عن بعض أو كثير من تبادلاتها متعددة المجالات مع روسيا، وهي التي استفادت من عزلة إيران في تطوير شبكة من المصالح المعقدة بين البلدين.
قد تبدو مثل هذه التوقعات سابقة لأوانها، فالحركة على خط طهران – واشنطن ما زالت في مراحلها الأولى، وقطار المصالحة بين البلدين لم يغادر بعد، محطته الأولى، محطة سبر الأغوار والنوايا، بيد أن أية قراءة استشرافية مستقبلية لمآلات هذا التقارب واحتمالاته، توجب طرح مثل هذه الأسئلة والتساؤلات، أقله من باب التحوط وأخذ العلم والاستعداد لمختلف السيناريوهات ... التقارب الغربي – الإيراني ما كان ممكناً لولا امتلاك طهران لعناصر الاقتدار والقوة والصمود، وهو سيعزز دور إيران الإقليمي ويمكنها من المزيد من عناصر القوة والاقتدار ... لكن هذا التقارب بلا شك، سيكون سبباً في انبثاق «إيران جديدة»، غير تلك التي عرفناها منذ العام 1979.
(الدستور)
غاب عن المبتهجين والقلقين على حد سواء، الإجابة عن سؤال: عن أي إيران نتحدث بعد أن تصل عملية التقارب إلى خواتيمها ونهاياتها «السعيدة»؟ ... هل ستبقى «إيران الثورة» على حالها، أم أن «إيران الدولة» ستحلّ محلها، مع خطاب أقل «ثورية» و»تحريضيّة» وممارسة أقل «تدخليّة» وأكثر انضباطاً لقواعد القانون الدولي وحسابات الدولة الإقليمية الكبرى؟ ... كيف ستؤثر مفاعيل هذا التقارب وآليات وقواعده وشبكة المصالح المتبادلة المترتبة عليه، على موقع إيران ومواقفها؟
على جبهة القلقين من التقارب الغربي – الإيراني، نسأل: ما الذي سيضير إسرائيل من إيران متحوّلة إلى التصالح والتعايش مع الغرب، ببرنامج نووي سلمي مضبوط وخاضع للرقابة الدولية، وتخصيب منضبط لليورانيوم ومخزون مقررة أحجامه سلفاً، ويخضع للرقابة والتفتيش الدوليين؟ ... إسرائيل تعرف أن إيران بهذه المواصفات، لا تشكل تهديداً لأمنها، بيد أنها تفضل «رفع سقف» المطالب، على أمل النجاح في تحقيق غرضين اثنين: أولهما، انتزاع قدرات إيران على العمل في الحقل النووي نهائياً وفي شتى المجالات ... وثانيهما، الضغط على إيران لوقف دعمها لحزب الله وحماس وحركات المقاومة وهذا أمر عظيم الأهمية لإسرائيل ونظريتها الأمنية.
في المقابل، فإن المراقب سيجد صعوبة في فهم الأجواء الاحتفالية التي قابل بها أصدقاء إيران وحلفائها في لبنان، التقارب الأمريكي – الإيراني ... صحيح أن إيران ستظل سنداً قوياً لهذه القوى، ولكن الصحيح كذلك أن «وظائف» هذه القوى و»أدوارها» ستشهد تبدلاً تدريجياً، وربما متسارعاً، منضبطاً على إيقاع خطوات هذا التقارب ومقتضياته، وبما يسمح على التنبؤ والاعتقاد، بأن فكرة «المقاومة» كما عرفناها، قد تكون الضحية الأولى لاقتراب طهران من الغرب واستئناف علاقاتها ومصالحها معه، بحيث تنخرط إيران في جهود «إعادة تأهيل» حزب الله وحلفائه، وربما تحويله من حركة مقاومة إلى حزب سياسي منخرط في آليات عمل النظام السياسي والاجتماعي والتمثيلي اللبناني.
وما ينطبق على حزب الله، ينطبق بدرجة أكبر على حماس والجهاد الإسلامي، حيث من المتوقع أن يتراجع الحماس الإيراني للعلاقات الخاصة والمميزة مع هذه الأطراف، وينخفض الطلب على «مقاومتها»، سيما إن ذهبت إيران بعيداً في مشوارها للبرهنة على أنها «جزء من الحل» وليست «سبباً في جميع المشاكل»، وأنها عنصر استقرار إقليمي، وليست مبعث توتير وتأزيم في العلاقات الإقليمية والدولية.
وحده النظام السوري، من جبهة أصدقاء إيران وحلفائها العرب والإقليميين، يبدو في «وضع مركب ومزدوج»، فهو من جهة يتصدر قائمة المستفيدين من هذا التقارب، لانعكاساته الإيجابية على مجريات الأزمة السورية، بيد أنه من جهة ثانية، يتحسب ليوم قد تذهب فيه طهران بعيداً في تقاربها مع الغرب، وبما يجعل دفاعها عن الأسد، أمراً فائضاً عن الحاجة واللزوم.
أما على المستوى الدولي، فإن روسيا تشاطر نظام الأسد، وضعيته المركبة، فموسكو تريد التقارب وتخشاه بالقدر ذاته، تريده بوصفه عنصراً مساعداً للدبلوماسية الروسية الساعية في تفادي مزيد من الحروب، والراغبة في طي صفحات التفرد والقطب الواحد في الإقليم، بيد أنها تخشاه، كونه قد يسمح لإيران بالاستغناء عن بعض أو كثير من تبادلاتها متعددة المجالات مع روسيا، وهي التي استفادت من عزلة إيران في تطوير شبكة من المصالح المعقدة بين البلدين.
قد تبدو مثل هذه التوقعات سابقة لأوانها، فالحركة على خط طهران – واشنطن ما زالت في مراحلها الأولى، وقطار المصالحة بين البلدين لم يغادر بعد، محطته الأولى، محطة سبر الأغوار والنوايا، بيد أن أية قراءة استشرافية مستقبلية لمآلات هذا التقارب واحتمالاته، توجب طرح مثل هذه الأسئلة والتساؤلات، أقله من باب التحوط وأخذ العلم والاستعداد لمختلف السيناريوهات ... التقارب الغربي – الإيراني ما كان ممكناً لولا امتلاك طهران لعناصر الاقتدار والقوة والصمود، وهو سيعزز دور إيران الإقليمي ويمكنها من المزيد من عناصر القوة والاقتدار ... لكن هذا التقارب بلا شك، سيكون سبباً في انبثاق «إيران جديدة»، غير تلك التي عرفناها منذ العام 1979.
(الدستور)