jo24_banner
jo24_banner

متحف الهولوكوست الفلسطيني:خيار المتحف الافتراضي

د. لبيب قمحاوي
جو 24 :
متحف الهولوكوست الفلسطيني:خيار المتحف الافتراضي
The Palestinian Holocaust Virtual Museum

 
في مقال نشر بتاريخ 8/11/2023 بعنوان "متحف الهولوكوست الفلسطيني" تم اقتراح إنشاء متحف في كل عاصمة عربية بقرار ملزم من مجلس جامعة الدول العربية بهدف التوثيق بالصورة والصوت والوثائق والأرقام لكافة الجرائم والمجازر التي ارتكبها الاسرائيليون في إقليم غزة الفلسطيني. وقد نتج عن هذا المقال ردود فعل كثيرة واقتراحات عديدة مؤيدة تهدف الى التقدم بهذا المقترح خطوات إلى الأمام .
المشكلة أن نجاح هذه الفكرة يعتمد على قبول الدول العربية واستعدادها للمضي في تنفيذها. ومن هنا، فإن ما تحتاجه هو التركيز على جهدين رئيسيين :-
الجهد الأول : استعمال منصات التواصل الاجتماعي للدعوة المستمرة إلى حملة توثيق الجرائم الاسرائيلية بالصورة والفيديو والأرقام ودعوة الشباب في مختلف الأقطار إلى فتح منصات لإستيعاب عملية التوثيق تلك .
الجهد الثاني: مطالبة أجيال الشباب بالضغط المتواصل على حكوماتهم لفتح "متحف الهولوكوست الفلسطيني" في كل عاصمة عربية . إن هذا المطلب يتطلب مثابرة وجهداً ضاغطاً مستمراً من جيل الشباب، كل على حكومته، حتى تتبنى هذا الموضوع وتأخذه بالجدية التي يستحقها .
إن ما نحن بصدده قد يتطلب جهوداً وضغوطاً مستمرة قد يتم تفسيرها من قبل الحكومات المعنية بتعابير ومواقف سياسية قد تتعارض مع المواقف المعلنة أو الخفية لبعض الدول العربية تجاه ما يجري، مما قد يشتت الجهود الحالية في اتجاهات غير مطلوبة . الجهد يجب أن يتفادى الخوض في معارك وخلافات سياسية عربية، والعمل على إبقاء الهدف محصوراً في التعامل مع العدو الاسرائيلي وما اقترفه من جرائم بحق إقليم غزة الفلسطيني من قتل متعمد للأطفال والشيوخ والنساء والمدنيين بشكل عام وتدمير ممنهج للمستشفيات والمدارس والجوامع والكنائس ومصادر الماء والكهرباء والاتصالات ومؤسسات المجتمع المدني والبيوت السكنية .
الهدف هو مجابهة العدو الاسرائيلي باستعمال نفس الأدوات التي استعملها في تسويق الفكرة الصهيونية وابتزاز دول أوروبا الغربية واستدرار العطف العالمي لفكرة انشاء دولة اسرائيل على الأرض الفلسطينية .
إن الهدف من الدعوة إلى انشاء متحف الهولوكوست الفلسطيني بشكل افتراضي هو تجاوز الحدود الجغرافية والتقليل من الروتين الرسمي والاجراآت الرسمية واللجوء إلى الحلول الافتراضية التي تمكننا من تجاوز تلك القيود والاجراآت الرسمية وتعزيز قدرة الفلسطينيين على استعمال نفس الأساليب الاسرائيلية لخدمة الأهداف الفلسطينية دون أن يؤدي ذلك إلى الدخول في الخلافات العربية ومنها مشكلة الحصول على الموافقات العربية الرسمية . ولكن هذا لا ينفي الحاجة إلى العمل على بناء متاحف الهولوكوست الفلسطيني في كل عاصمة عربية . وفي هذا السياق، فإن على أجيال الشباب العربي أن تعتبر جهود دفع حكوماتهم باتجاه اتخاذ قرار إنشاء "متحف الهولوكوست الفلسطيني" في كل عاصمة عربية واجباً وطنياً وجزأ ً من جهد دعم نضال الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية والإنسانية .
إن قدرة أجيال الشباب على الضغط على حكوماتهم يشكل المفتاح الحقيقي لكيفية التعامل مع هذا الموضوع الدقيق في بعديه السياسي والإنساني . إن منطق الأمور يفترض أن تكون الغلبة للبعد الإنساني على البعد السياسي خصوصاً إذا كان البعد الإنساني يترجم نفسه من خلال توثيق المذابح اليومية التي يرتكبها المعتدي الاسرائيلي على المعتدى عليه الفلسطيني .
هموم جيل الشباب في العالم هي أكثر إلتصاقاً بالقضايا الإنسانية وقضايا حقوق الانسان، وهي بذلك تلتزم بشكل تلقائي مع تلك القضايا باعتبارها قضايا عامة تجمع الشعوب ولا تفرقها . وهي بذلك لا تحتاج الى عقيدة سياسية جامعة مثل الشيوعية وبالتالي لا تحتاج إلى محفزات وتنظيمات حزبية عقائدية حتى تقوم بالدور المنشود منها في الدفاع عن المبادئ الانسانية وحقوق الانسان بشكل عام . الشباب العربي لا يختلف ولا يجب أن يختلف عن شباب باقي الشعوب في سعيهم نحو عالم أكثر انسانية . بل واكثر من ذلك، فإن الشباب العربي يملك مزيداً من الأسباب والحوافز التي تدفعه إلى القيام بهذا الدور بحكم الواقع الذي يعيشه والمشاكل التي يعاني منها، ومعظمها نابع عن وجود الكيان الاسرائيلي الدموي في وسط العالم العربي وعلى اشلاء الحقوق الفلسطينية .
الجرائم التي ترتكبها اسرائيل بشكل يومي وأعداد الضحايا المتزايدة يعطي مؤشراً واضحاً على طبيعة هذا الكيان وعلى منظومة القيم التي تحكمه، وعلى غياب أي احترام لإنسانية الانسان، وأن هذا النظام الاسرائيلي غير مؤهل بالتالي للحكم أو القيادة في عالم يحترم حقوق الانسان . وفي هذا السياق تتشارك اسرائيل مع الدول التي تؤيدها في الافتقار إلى الاحترام لآدمية الآخرين وللحياة كقيمة مطلقة تستحق المحافظة عليها وصيانتها من خيارات القتل والتشويه الجماعي إلاّ من َرحِمَ ربي من الحلفاء.
من قال بأن حياة الاسرائيلي هي أثمن وأهم من حياة الفلسطيني . إذا كان القائل هو الرئيس الأمريكي بايدن، فلتكن حياة الاسرائيلي أثمن من حياة الأمريكي وهذه تصبح عندئذٍ قضية اسرائيلية–أمريكية، وكذلك الحال بالنسبة للفرنسي أو الألماني أو الانجليزي .... الخ، نحن لا مانع لدينا فيما يتعلق بهم ولكن لدينا ألف مانع ومانع أن تكون حياة حتى ألف اسرائيلي مجتمعين أثمن من حياة فلسطيني واحد . وهكذا فإن القائمة ستطول مع طول فترة ارتكاب الجرائم الاسرائيلية، والحساب سيكون بالنتيجة حساباً عسيراً، ولا يوجد فلسطيني على وجه الأرض أو في بطن أمه من يملك صلاحية مسامحة الاسرائيليين على الجرائم التي ارتكبوها بحق الفلسطينيين . الفلسطينيون كالإسرائيليين يعرفون لغة الأرقام ولغة الانتقام والقواسم المشتركة بينهما، ولا يقبلوا أي تبرير من الاسرائيليين أو حلفائهم أوأي محاولة للاختباء خلف حجج واهية مثل كون القيادة في اسرائيل عبارة عن حكومة من الارهابيين المعتوهين وأنه لايمكن لوم الاسرائيليين على ما فعله حكامهم الارهابيين المتعصبين .
ما أصاب الفلسطينيين الآن يمكن أن يصيب الاسرائيليين في المستقبل خصوصاً إذا ما استمر الاسرائيليون في الإصرار والتصرف وإفهام العالم وكذلك إفهام الفلسطينيين بأن الإبادة الجماعية والتدمير الشامل هي اجراآت مسموح بها ومبررة أخلاقياً إذا ما رغبت اسرائيل بفعل ذلك، وهنا على اسرائيل أن ُتبقي ذاكرتها مفتوحة إذا ما جاء الوقت الذي تتبادل فيه الأدوار مع الفلسطينيين . وإذا ما اختار أحدُ ُ ما أن يعتبر مثل هذا الكلام مخالفاً للقانون الانساني والدولي و تهديدا غير مقبول لأمن اسرائيل، فهل سيسري نفس الكلام على الاسرائيليين في تعاملهم الوحشي مع الفلسطينيين كما هو عليه الحال الآن ؟ ماذا سيكون موقف أمريكا والدول الغربية لو قام الفلسطينيون بتدمير المستشفيات والمدارس والمخابز وأماكن العبادة ومصادر المياه والكهرباء الاسرائيلية وقتل الأطفال والنساء والشيوخ الإسرائيليين؟؟ هل سيعتبرون ذلك حقاً فلسطينياً في الدفاع المشروع عن النفس ؟ أم سوف يعتبرونهم ارهابيين وقتلة يستحقون العقاب والقتل ؟؟
تابعو الأردن 24 على google news