رولان غاروس.. تكرارٌ ذكوريّ وتجددٌ أنثويّ
لن تكون دائرة المنافسة المتوقّعة في منافسات الرجال ضمن بطولة فرنسا المفتوحة في نسختها الحادية عشرة بعد المئة التي تنطلق غداً الأحد، مغايرة من حيث الشكل لما شهدناه العام الماضي، فيما لا تبدو حال السيدات مشابهة مع ارتفاع مستوى بعض اللاعبات وانخفاضِه لدى أُخريات إلى جانب عدم وجود استقرار تنافسي بين مجموعة محدّدة شأن ما يحدث لدى الرجال، حيث الاختراق الفني محدود التأثير.
نسخة العام الماضي من ثاني البطولات الكبرى وأعرقها وأكثرها تطلُّباً من ناحية المجهود البدني، شهدت تتويجاً سادساً للإسباني رافاييل نادال وأوّلاً تاريخياً للصينية لي نا، والاثنان ما زالا مرشّحين للحفاظ على لقبيهما، وإن كانت حظوظ الإسباني أفضل بكثير في فئته من زميلته القادمة من شرق آسيا.
الثلاثي المعهود
لا فرق إن دخل نادال منافسات رولان غاروس القادمة أوّل أو ثاني التصنيف العالمي أو حتى ثالثُه كما كان مؤخراً، فللأمر محدوديّة لا لبس فيها ولن يغيّر في الواقع شيئاً؛ فالماتادور الإسباني مرشّح أوّل لتتويج سابع إن حصل سيضعه منفرداً على رأس أكثر المتوّجين في العصر الاحترافي الذي انطلق عام 1968 أمام السويدي الأسطوري بيورن بورغ صاحب الألقاب الستة.
"ملك الملاعب الترابيّة" كما يُعرف عنه، سيشدّ رحاله إلى العاصمة الفرنسيّة واثق الخطى مع ثلاثة ألقاب على التراب في مونتي كارلو وبرشلونة وروما و16 انتصاراً مقابل خسارة واحدة على البساط الأحمر، وهو يبدو في جهوزيّة للدفاع عن لقبه وتمديد السطوة الإسبانية عموماً على البطولة الفرنسية مع ثمانية ألقاب في آخر عشر نسخ أي منذ العام 2002.
منافس نادال الرئيسي، سيكون غريمه التقليدي السويسري روجيه فيدرر المتوّج بلقب دورة مدريد الترابية مطلع الشهر الجاري، الذي ظهر بصورة رائعة على الملاعب الصلبة أيضاً مع ثلاثة ألقاب في روتردام ودبي وانديان ويلز.
وسيستهل "المايسترو" السويسري حملته في فرنسا معزِّزاً بنتائج أفضل بكثير من تلك التي حقّقها العام الماضي قبل خوضه غمار البطولة المرموقة، إذ حضر العام الماضي إلى باريس وجُعبته خالية من أي تتويج ترابي مقابل واحد على الأرضية الصلبة في قطر، ورغم ذلك بلغ النهائي بعد إطاحته بالصربي نوفاك دجوكوفيتش "الخارق حينها" قبل أن يعجزَ أمام الاختصاصي نادال.
ولا شك أنّ الصربي سيكون ثالث أبرز المنافسين على اللقب والألفي نقطة التي سيغنمها البطل، وهو إن كان في غير الصورة المذهلة التي أظهرها العام الماضي، حين حقّق 41 انتصاراً متتالياً وثلاثة ألقاب كبرى في أستراليا وويمبلدون والولايات المتّحدة، إلا أنّه الرقم الصعب الطامح لركن كأس البطولة الفرنسية في خزائنه الظمأى للغبار الأحمر الفرنسيّ.
لم يفز المصنّف أوّلاً عالميّاً بأي لقب على الأراضي الترابيّة هذا الموسم؛ إذ خسر نهائيي مونتي كارلو وروما وخرج من رُبع نهائي دورة مدريد، لكنّه أكّد بما لا يقبل الشك أنّه على قابي قوس من رفع لقب فرنسا، وهو متسلّح معنوياً بتتويجين حققهما هذا العام، أولهما بطولة أستراليا وثانيهما ميامي.
ويسعى دجوكوفيتش أن يصبح أوّل لاعب منذ 43 عاماً يفوز بالبطولات الأربع الكبرى على التوالي وهو عدّ ذلك فرصة نادرة ينالها القليل من اللاعبين واصفاً الأمر بالحماسي.
وما يقف حائلاً أمام المصنفين الأول والثالث عالمياً، أنهما سيتواجهان في نصف النهائي إن سارت الأمور منطقية ومن ثم سيصطدم أحدهما في النهائي بنادال، إن بدوره فاز بمبارياته الست الأولى، ما يجعل الطريق ممهداً نظرياً أمام الأخير حتى بلوغ يوم العاشر من حزيران/يونيو.
الثلاثي المذكور لن يكون بمنأى عن طموحات زملاء لهم أقل ترشيحاً إنما على قدر عالٍ من الجهوزية، لعل من أبرزهم الأرجنتيني خوان مارتن دل بوترو الفائز بدورة إستوريل البرتغالية، والإسباني دافيد فيرير المتوّج بلقبين ترابيين في الأرجنتين والمكسيك والتشيكي توماس بيرديتش والأرجنتيني الآخر خوان موناكو الفائز بدورتين أيضاً (فينا دل مار وهيوستن) في الوقت الذي لم يُظهر البريطاني آندي موراي أي تميُّز على الأرضية الحمراء هذا الموسم إلا أنّه يبقى من المعادلات الصعبة.
سيناريو مختلف
ما انطبق على الرجال وحصر المنافسة الأبرز بين ثلاثة لاعبين، لا ينسحب على السيدات؛ حيث لا سيطرة دائمة كما كانت الحال سابقاً مع الشقيقتين وليامس أو البلجيكيتين جوستين هينان وكيم كلايسترز، إلا أن معطيات العام الحالي الترابية تجعلنا نستبعد سيناريو مشابهاً لنهائي العام الماضي حين تقابلت لي نا، البارزة بمحدودية لحينه، مع الإيطالية فرنشسكا سكيافوني المبتعدة كليّاً.
لعل ما شاهدناه على التراب هذا العام يضع الكتيبة القديمة أي الروسية ماريا شارابوفا والأميركية سيرينا وليامس في مقدّمة المرشّحات للظفر باللقب الفرنسي الغالي، خصوصاً أن اللاعبتين كلتيهما فازتا ببطولتين ترابيتين وحافظتا على مستوى عالٍ في مختلف البطولات.
شارابوفا، أكّدت رغم ابتعادها فترة طويلة للإصابة أن الأيام تزيدها توهُّجاً أداءً وشكلاً، فهي توّجت في شتوتغارت نهاية ابريل حيث تفوّقت على المصنّفة الأولى عالمياً فكتوريا ازارنكا، ومؤخراً في ماسترز روما؛ حيث أسقطت بطلة فرنساـ لي نا بمجموعتين لواحدة، وكانت تلك المجموعة الوحيدة التي فقدتها في العاصمة الإيطالية، لكن لم يسبق لها خوض نهائي فرنسا؛ حيث أفضل نتائجها بلوغها المربّع الذهبي مرّتين آخرها العام الفائت.
وتبحث شارابوفا عن لقب كبير رابع، وقد خسرت مطلع العام نهائي بطولة أستراليا أمام ازارنكا، كما خسرت نهائيي انديان ويلز وكي بسكاين الأميركيتين.
أما سيرينا، التي غابت طويلاً بسبب الإصابة، فعامها الترابي يبدو في أفضل حالاته مع فوزها ببطولتي تشارلستون على التشيكية لوسي سافاروفا ومدريد الشهر الحالي، بتغلّبها على المصنّفة ازارنكا بسهولة تامة 6-1 و6-3، كما بلغت نصف نهائي روما قبل أن تنسحب احترازياً بسبب آلام في الظهر؛ تفادياً من إصابة قد تحرمها الظهور في فرنسا حيث تطمح للقب ثانٍ بعد أوّل عام 2002.
وتقدم سيرينا موسما ممتازاً حققت خلاله 27 انتصاراً مقابل خسارتين عموماً منها 17 فوزاً على التراب دون أي خسارة، وهي تأمل بلقب كبير أوّل منذ تتويجها العام 2010 بلقب ويمبلدون.
الشقراء البلاروسية ازارنكا بلغت أوج عطائها هذا العام سيما على الملاعب الصلبة حيث سيطرت على نحو مطلق محرزة أربعة ألقاب بينها أستراليا، إلا أنها فشلت في المقابل في تطويع نجاحاتها على التراب فاكتفت بخسارة نهائيي شتوتغارت ومدريد واستسلمت أمام عودة شارابوفا وسيرينا، وهي دون شك تتطلّع للقب كبير ثانٍ علماً بأن أفضل نتائجها في فرنسا لم تتعدَّ ربع النهائي.
وكانت ازارنكا عانت مؤخراً من إصابة في رسغ قدمها جعلها تنسحب من بطولة روما في دورها الثالث، وهي تراجعت كثيراً على التراب بعد بداية موسم مذهلة.
المنافسة في رولان غاروس لن تنحصر بين أوروبا وأميركا، فلآسيا حضورها عبر حاملة اللقب الصينية لي نا، التي وإن لم تفز بأي لقب بعد إنجازها التاريخي في يونيو الماضي، إلا أن وصولها لنهائي دورة روما وخسارتها بصعوبة أمام شارابوفا قد يشكِّل دعماً معنوياً لها للدفاع عن لقبها وإن كانت الأمور تبدو صعبة نظرياً.
مبدئياً، ستكون اللاعبات المذكورات الأبرز، ولكن بطولة فرنسا عودتنا على المفاجآت غير المحسوبة، وعليه فإن كوكبة جميلة مثل الفرنسية ماريون بارتولي والدنمركية كارولين فوزنياكي والتشيكية بترا كفيتوفا والألمانية أنجليك كيربر وغيرهن يستطعن قلب الأمور في أي لحظة رغم عدم تألُّقهن على التراب هذا الموسم، إنما الأخيرة تقدّم عاماً ممتازاً عموماً شأن الإيطالية سارا إيراني الفائزة بثلاثة ألقاب ترابية في أكابولكو وبرشلونة وبودابست حققت خلالها 15 انتصاراً متتالياً.
هي أيام قليلة تفصلنا عن إرسال أوّل ومثلها عن إرسال أخير سيقطع الشك باليقين، وما بينهما أيام أخرى ننتظرها من عام لآخر لمشاهدة أعلى ما بلغته اللعبة من مستوى في أرقى بطولة كرة مضرب وأكثرها شعبية وتطلباً فنياً وبدنياً. "الجزيرة الرياضية"