سلاح حماس السري.. كيف يخترق جنود القسام تشكيلات الدبابات الإسرائيلية ويدمرونها؟
جو 24 :
يمكننا أن نزعم -بقلب مطمئن- أن قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي يخلدون للنوم كل ليلة وهم يحلمون بشيء واحد فقط: أن تتحول الحرب الحالية التي باتت مستنقعا بالنسبة إليهم إلى معركة دبابات كلاسيكية جدا، حتى إن كانت بمستوى معركة كورسك (عام 1943)، وهي أكبر معركة دبابات في التاريخ بأكثر من 6000 دبابة بين السوفييت والألمان، إنهم بارعون في تلك النوعية من المعارك لا شك، ولهم تاريخ طويل معها، ويتدربون عليها بانتظام وتميز، لكن هناك مشكلة واحدة، وهي أن تلك المعارك قد عفا عليها الزمن.
الدبابات توفر الدعم لقوات المشاة والمهندسين لكي يقوموا بتنفيذ مهامهم على مسافة آمنة، هذا تكتيك بسيط يستفيد من نقطتي قوة تتمتع بهما الدبابات الحديثة؛ قوة النيران بعيدة المدى، وأجهزة الاستشعار المتقدمة.
تشكيلات الدبابات
في الواقع، تمتلك دبابات الميركافا مثلا أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا في تلك النطاقات، ولا نقصد هنا نظام "تروفي" الذي يستشرف الضربة القادمة فقط، ولا درع الدبابة التفاعلي، أو "الدرع القفصي" الذي هو بمنزلة شبكة فولاذية تحمي الدبابة من القنابل القادمة من المسيرات، بل نقصد كذلك أن الإسرائيليين قد تعلموا من التجربة الأوكرانية الكثير، ومن بين ما تعلموه هو قاعدة أن لكل دبابة مسيّرة تطير أعلاها، وتقوم بمسح المنطقة لحظيا وإعطاء البيانات لقائد التشكيل والقيادات الأخرى.
حينما ترى جندي المقاومة وهو يضرب دبابة ميركافا أو مدرعة نمر فربما تظن لوهلة أن هذه الآلية تجري وحدها في الشارع، لكن الأمر أعقد من ذلك بكثير، ولا يقف فقط عند حدود أن لكل دبابة مسيّرة، بل يتعلق كذلك بتشكيلات الدبابات، لا تفصح قوات الاحتلال عن التشكيلات التي تتخذها دباباتها ومدرعاتها في أثناء إجراء عملية ما، لكن هناك عدة أشكال عامة توجد في كل جيوش العالم، بما في ذلك جيش الاحتلال.
فهناك مثلا تشكيل "العمود" أو الطابور، وفيه ببساطة تسير الآليات العسكرية (عادة من 4-6 آليات من دبابات ومدرعات وجرافات) في صورة صفين بينهما مسافة، ويُستخدم هذا التشكيل عادة للسير على الطرق، وخاصة أثناء الرؤية المحدودة أو عند المرور عبر الغابات الكثيفة أو الركام، يختلف ذلك عن تشكيل "الصف"، وفيه تدخل الدبابات منطقة ما إلى جوار بعضها بعضا بشكل أفقي، ويُستخدم هذا التشكيل عند مهاجمة هدف أو عبور المناطق المفتوحة، ويُتيح هذا التشكيل مرور القوات لمنطقة ما بسرعة مع تحقيق أقصى قدر من النيران من المقدمة.
على الجانب الآخر، يوفر تشكيل "القيادة"، الذي يشبه درجات السلم، قوة نيران ممتازة في الأمام، وكذلك في أحد الجانبين، ويميل هذا التشكيل عادة ناحية الجانب المكشوف المراد تأمينه (يمين أو يسار)، بينما يسمح تشكيل "السهم" بإطلاق نار ممتاز في الأمام وجيد على الجانبين، أما التشكيل "الملتف" فهو نظام ثابت يوفر الأمان والمراقبة الشاملة، ويفيد في حالة التزود بالوقود والراحة وإصدار الأوامر للتشكيلات.
هناك طرق متنوعة لبناء هذه التشكيلات، والانتقال من واحد إلى آخر، وهناك تشكيلات إضافية نابعة من داخل تلك التشكيلات، لكن الفكرة واحدة، وهي أن تمتلك الفرقة المقاتلة القدرة على دراسة موقع العمليات بدقة والتموضع لتحقيق أقصى درجة من إصابة العدو وتأمين القوات، والسيطرة على المساحة المحيطة بزاوية 360 درجة.
نموذج لكمين قسّامي
ما يواجه جنود المقاومة إذن ليس مجرد دبابة شاردة، وإنما هو تشكيل معقد للقوات يتطلب لمواجهته أحد حلين، الأول هو تشكيل مقابل بالقوة والقدرات نفسها (أو أكبر)، وهذا غير متاح بالنسبة للمقاومة قطعا، أما الثاني فهو الاعتماد على العنصر الأساسي للحرب غير النظامية، وهو المفاجأة الذكية، ولفهم تلك الفكرة دعنا نتخيل أن قافلة من الدبابات الإسرائيلية تسير في أحد الشوارع، ربما بتشكيل "العمود"، ثم تتلقى ضربة صاروخية من أحد المباني، من الدور الثالث، على مسافة 50-80 مترا.
الاستجابة الأولية للفرقة الإسرائيلية هي أن تبتعد الدبابات التي لم تُدمَّر وما يصاحبها من فرق المشاة عن منطقة الاشتباك، ويقوم الجنود بتفجير قنابل دخانية يسيرون داخل ضبابها إلى منطقة آمنة، ثم يتخذون تشكيلا يوجِّه قوة النيران إلى هذا المبنى مع حماية للخلفية، ويشرعون بإطلاق النيران تجاه تلك البناية من المنطقة الآمنة، سواء للقضاء على المقاومين فيها أو على الأقل لحبسهم داخل البناية لحين وصول الطائرات التي أعطوها إحداثياتها قبل دقائق.
لكن المقاومة لن تتوقف عند مجرد تنفيذ كمين بسيط، فالمخطِّط العملياتي يعرف بالضبط أن ذلك سيحدث، لذلك ستبني المقاومة ما يسمى بالكمائن المعقدة، وفي المثال الذي ضربناه قبل قليل فإن ذلك يعني أن يكون هناك فريق آخر من المقاومين على سبيل المثال يقف في بناية على الجانب الآخر من الطريق بحيث يصنع الفريقان معا حينما يطلقان النار على جنود الاحتلال شكل حرف V، يصنع ذلك ما يشبه "فكي كماشة" على قافلة الدبابات، كما أنه يشتت نيرانها.
ولا يقف الأمر في الكمائن المعقدة عند هذا الحد، بل تُستخدم أنواع مختلفة من الأسلحة من فرق مختلفة من الجنود، بزوايا استهداف مختلفة ومن مناطق متعددة وليس من مكان واحد فقط، وفي حالة المقاومة الفلسطينية فإننا نفترض أنهم يُفضِّلون بدء الكمين بالعبوات الناسفة، ربما لإيقاف سير قافلة الدبابات والمدرعات وقتل أكبر عدد ممكن من جنود العدو في الضربة الأولى، ومن ثم استخدام القذائف الخارقة للدروع من مبنى واحد أو مبنيين متقابلين مثلما شرحنا قبل قليل، مثل "الياسين 105" أو الكورنيت، وبعد ذلك يأتي دور الأسلحة الخفيفة.
التضاريس الحضرية والأنفاق
يهدف الكمين المعقد إلى تحقيق أقصى عدد من الخسائر في أقل وقت ممكن، وهذا مفهوم، فإذا لم يختفِ جندي المقاومة بأسرع ما يمكن (محافظا على نفسه وذخيرته) فإن الدبابات ستضرب المبنى فورا والطائرات ستأتي عما قريب، لكن في هذا السياق فإن المقاومة تمتلك سلاحين إضافيين إلى جانب التخطيط الممتاز للكمائن المعقدة، وهما ببساطةالتضاريس الحضرية والأنفاق.
الأول سلاح يقف دائما في صف أصحاب البلد حينما يواجهون غازيا خارجيا، وإلى الآن لا تزال التضاريس الحضرية هي أكبر مشكلات الجيوش المعاصرة من ستالينغراد إلى غروزني إلى مقديشو إلى الفلوجة، وهي تخدم المدافع وتسمح له بتشكيل موقع المعركة بمرونة شديدة، فيفرض قواعده عليها وليس العكس. إنها السبب أساسا في تمكُّن المقاومة من التخفي وبناء كمائن معقدة متعددة.
أضف إلى ذلك أن التضاريس الحضرية ببساطة تمنع الدبابات من التقدم، وتفرض على جنود الاحتلال في مرحلة ما النزول إلى أرض المعركة في قتال كلاسيكي (رجل ضد رجل)، وهي كذلك تمنع مسيرات الاستخبارات من رصد جنود المقاومة أثناء تحركهم في خطوط هروب معدة مسبقا.
إلى جانب ذلك يأتي سلاح الأنفاق، أقوى سلاح في هذه الحرب بعد قدرة المقاومة على التخطيط الذكي، ونحن نعرف أن هناك سلسلة من الأنفاق ممتدة بعمق يبدأ من 20 مترا أسفل مدينة غزة وعلى مسافة مئات الكيلومترات، إنها ببساطة ما يجعل المقاومين أشباحا بالنسبة لجنود الاحتلال، يظهرون ويختفون في لمح البصر، وهي إلى جانب التضاريس الحضرية السبب في تمكُّن المقاومة من ضرب الدبابات والمدرعات الإسرائيلية من مسافات قصيرة (أقل من 50 مترا).
الضرب من مسافة قصيرة يحقق ثلاث فوائد للمقاومة، فهو يتلافى إمكانات المسيّرة الاستكشافية التي تطير أعلى الدبابة، ويتجاوز نظام تروفي على متنها، الذي يرصد القذيفة القادمة ويواجهها، وأخيرا فإنه يعزز من قدرة القذيفة الترادفية على اختراق دروع الدبابة أو المدرعة التفاعلية، ويرفع من احتمالية الإصابة الفعالة للآلية العسكرية.
أضف إلى ذلك أن جندي المقاومة يتمكن في بعض الأحيان من الوصول إلى الدبابة نفسها على مسافة صفرية، وهنا لا حاجة إلى استخدام قذائف مضادة للدبابات، ولكن يمكن استخدام أداة أرخص وهيالعبوات الناسفة الخارقة للدروعمثل "شواظ"، فقط قارِن بين سعر عبوة ناسفة محلية الصنع (بضع عشرات من الدولارات) مقابل دبابة تتكلف ملايين الدولارات.
ما سبق من تكتيكات هو السبب في نجاح المقاومة في تكبيد الاحتلال خسائر كبيرة وصلت إلى الآن إلى قرابة 1000 دبابة ومدرعة إسرائيلية.
العزم!
كل ما سبق يقع فقط في النطاق العملياتي والتكتيكي، لكن الحرب لا تقف على قدمين عسكريتين، بل قدم عسكرية، والأخرى اجتماعية وسياسية ونفسية. في ورقة بحثية واسعة الشهرة نُشرت في مجلة "ورلد بوليتكس" سنة 1975 بعنوان "لماذا تخسر الأمم الكبرى الحروب الصغيرة"، يرى أندرو ماك، من كلية الدراسات الدولية بجامعة سيمون فريزر الكندية، أن هناك سلاحا آخر في الحروب غير المتكافئة من هذا النوع يدعم الجيوش الصغيرة، وهو "العزم".
يقول ماك إن العزم هو ما يفسر النجاح أو الفشل في الصراعات غير المتكافئة، والخلاصة أن الجانب الذي يتمتع بأكبر قدر من العزم يفوز، بغض النظر عن الفارق في القوة المادية. ويرتبط العزم في هذا السياق بالفارق بين القوتين المتحاربتين، فإذا اتسعت الفجوة في القوة النسبية بين الفريقين (المقاومة والاحتلال في هذه الحالة)، فإن الجهة الأقوى في العدد والعتاد تكون بالتبعية أقل تصميما وعزما، وعلى العكس فإن الجهات الضعيفة تقنيا وعدديا عادة ما تكون أكثر تصميما وعزما، لأن المعركة بالنسبة لها تُمثِّل كل شيء حرفيا.
وبالتالي فإن الجيوش الكبرى قد تخسر حروبا صغيرة لأنها أقل عزما، ومع طول أمد الوضع السياسي المتأزم، ستُجبَر على الانسحاب دون تحقيق النصر العسكري الحاسم، فمجرد ثبات المقاومين في هذا النوع من الحروب يُعَدُّ انتصارا.
يمكن لهذا النموذج أن يتحقق في الحرب الدائرة الحالية على غزة، فلو تأملنا الأهداف الإسرائيلية المعلنة مسبقا، وهي القضاء على حماس وتخليص الأسرى والسيطرة على غزة، لوجدنا أنها لم تتحقق بعد جميعا، بل إن الاحتلال يحاول حاليا إعادة صياغة أهدافه داخل غزة لتتناسب مع ما واجهه من صعوبات خلال الاجتياح البري.
أضف إلى ذلك أن الداخل الإسرائيلي يبدو مضطربا سياسيا أكثر من أي وقت مضى، ومع المظاهرات التي تنطلق في كل أنحاء العالم تنديدا بعدوان غير مسبوق على الأبرياء، وبدايات اضطراب في الرابط السياسي الذي بدأ قويا بين الغرب وإسرائيل، فإن الأمور بالفعل تميل إلى صالح المقاومة، التي لا تمتلك من العتاد إلا أسلحة صغيرة نسبيا، مع ذكاء في التخطيط، وعزم لا يلين.
المصدر:الجزيرة