تحذير من ارتفاع معدلات الانتحار.. الإسرائيليون يعانون إضرابات ما بعد الصدمة
جو 24 :
تكشف بيانات جديدة صادرة عن "المعهد الوطني لأبحاث السياسات الصحية"، حول المرونة والصحة النفسية في الكيان الصهيوني خلال فترة الحرب على غزة، صورة قاتمة لآثار الهجوم المفاجئ الذي شنته المقاومة الفلسطينية على مستوطنات "غلاف غزة" والبلدات الجنوبية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على الصحة العقلية والنفسية للصهاينة.
وأتى الكشف عن هذه البيانات خلال المؤتمر الخاص الذي أقيم عشية قرب انتهاء الشهر الثالث للحرب، حيث استعرض رئيس جمعية الصحة العقلية في المجتمع الإسرائيلي الدكتور إيدو لوريا، بيانات تتوقع أن يعاني ما يصل إلى 625 ألف شخص في إسرائيل من أضرار نفسية، نتيجة معركة طوفان الأقصى والحرب التي أعقبتها على قطاع غزة.
وبحسب تقييم أولي أجرته مجموعة بحثية بالتعاون مع الجامعة العبرية في القدس، وجامعة كولومبيا، قد يصاب ما بين 60 و80 ألف شخص بأعراض تخلف عقلي خطي ومستديم، بسبب الصدمة من الهجوم المفاجئ والحرب، كما سيصاب ما يصل إلى 550 ألف شخص بأمراض وأزمات نفسية متفاوتة، وذلك وفقا للمجلس الوطني الإسرائيلي للصدمات، وتقرير "ماكينزي" الصادر عنه.
ونقلت صحيفة "يسرائيل هيوم"، عن الدكتور لوريا قوله "لا توجد بيانات ودراسات حول كيفية التعامل مع مثل هذه التداعيات النفسية والعقلية، نتحدث عن حدث فريد من نوعه في نطاقه وخصائصه، وهو هجوم ضخم، هذه حالة طوارئ نفسية مستمرة، ومع ذلك، فإن غالبية السكان في إسرائيل سيتعافون من الصدمة".
أرقام متزايدة
يُستدل من البيانات وجود زيادة بنسبة 50% في تشخيص اضطرابات القلق، وزيادة بنسبة 45% في تشخيص ما بعد الصدمة، كما تم رصد زيادة بنسبة 7% في استخدام الأدوية المضادة للقلق والاكتئاب، وزيادة بنسبة 8.4% في استخدام أدوية النوم، كما شهد الشهران الماضيان زيادة بنسبة 25% في عدد الإحالات إلى خدمات الصحة العقلية والنفسية.
وأبلغت المديرة المهنية لخط دعم الإسعافات الأولية النفسية "عيران"، الدكتورة شيري دانيلس، عن حدوث قفزة في عدد الإحالات لتلقي العلاجات النفسية، حيث تم تسجيل 88 ألف طلب للعلاج النفسي منذ بداية الحرب.
وكانت هناك زيادة في عدد الطلبات المقدمة من الرجال، بما في ذلك الجنود النظاميون وقوات الاحتياط، حيث اتضح أن 45% من الطلبات كانت من الرجال، مقارنة بالربع الثالث من العام قبل الحرب، وفقا للدكتورة دانيلس.
نظام الصحة النفسية في أزمة
وفي ظل اتساع الصدمة بين الإسرائيليين، تحدث المدير العام لوزارة الصحة الإسرائيلية "موشيه بار سيمان – طوف" خلال المؤتمر، عن خطة لتوسيع نظام الصحة النفسية بتكلفة ملياري شيكل (550 مليون دولار)، في إقرار لعدم جهوزيته لأي حالة طوارئ.
وهو ما استعرضه الموقع الإلكتروني "زمان يسرائيل" من خلال تقرير بعنوان "الحرب أوقعت نظام الصحة النفسية في أزمة"، الذي كشف النقاب أن عددا لا يحصى من الإسرائيليين بحاجة إلى الرعاية الصحة العقلية، في وقت لا يزال نظام الصحة النفسية العام يفتقر إلى الآلاف من الأطباء النفسيين.
تقول الأخصائية النفسية الدكتورة هداس شهرباني صيدون "أعمل لمدة 20 ساعة يوميا منذ بدء الحرب، معظمها تطوعية"، وتتنقل الدكتورة صيدون وآلاف من الأطباء النفسيين بين المستشفيات والفنادق، ويقدمون الإسعافات النفسية الأولية للناجين من المعارك والهجوم المفاجئ، ولأهالي القتلى والمحتجزين والجرحى، والنازحين من منازلهم بسبب القصف وصدمات المعارك.
وتقول الأخصائية النفسية، في حديثها لموقع "زمان يسرائيل" الإلكتروني، "يخرج الناس من الملاجئ متفككين وفي حالة صدمة، يجلسون في زاوية الفندق ويظلون صامتين"، مضيفة "نعمل على مدار الساعة مع الموظفين والمتطوعين في الخط الساخن للإسعافات الأولية النفسية".
وتقول الدكتورة صيدون "يستقبل الخط الساخن للإسعاف النفسي أكثر من 3 آلاف مكالمة يوميا، مقارنة بـ 700 – 800 مكالمة في اليوم العادي، وحوالي 1500 مكالمة يوميا خلال جائحة كورونا".
وبحسب الأخصائية النفسية فإن "أحداث الصحة النفسية تشبه التموج الذي ينتشر، فمقابل كل إصابة مباشرة في الحرب، هناك العشرات من الإصابات غير المباشرة، وبالنسبة للعديد من الضحايا، تندلع الضائقة بأثر رجعي".
وتضيف صيدون "الجنود الذين هم حاليا في الخدمة، سيعودون إلى منازلهم وهم يعانون أعراضا نفسية، وعليه فإن عدد الأشخاص الذين سيحتاجون إلى المساعدة والعلاج النفسي سيستمر في التزايد بعد انتهاء الحدث".
توتر مطول
"كل شخص في إسرائيل لديه يوم 7 أكتوبر الخاص به"، كما يقول البروفيسور جيل سالزمان، مدير مركز "غياها" للصحة النفسية في إسرائيل، ورئيس المجلس الوطني لمنع الانتحار، ويضيف "في البداية اعتقدت أن هذا حادث أمني آخر، وسيمر خلال ساعات قليلة، لكن فهمت لاحقا أنه كان حدثا غير عادي".
وبخصوص اضطراب ما بعد الصدمة عقب الهجوم المفاجئ والحرب، يقول سالزمان "كان هذا الحدث مفاجئا، وأرقام الاضطرابات ستكون عالية، أتحدث عن الأشخاص الذين كانوا هناك، وكانوا معرضين لخطر على حياتهم، أو أولئك الذين اعتقدوا أنهم في خطر أو شاهدوا الحدث".
وأوضح البروفيسور الإسرائيلي أن "الدراسات التي أجريت في الدول التي شهدت مثل هذه الكوارث، تشير إلى أن ما بين 6% و11% من السكان يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة"، لافتا إلى أن "الوضع في إسرائيل شبيه بل أخطر من الأحداث التي دارت حولها الدراسات".
وأضاف "كل يوم، يتم الكشف عن قصص جديدة في إسرائيل، تعبئة واسعة النطاق لقوات الاحتياط، وإجلاء السكان من منازلهم، واستمرار وابل الصواريخ، والقلق على المحتجزين، كل هذا يخلق حالة مؤلمة من التوتر المطول".
ويقول سالزمان "يضاف إلى كل هذا الشعور بالعجز، بعد فشل أنظمة الدولة التي كان يثق بها الجمهور الإسرائيلي والتي خذلتهم، ساعات من صرخات الاستغاثة التي لم تأت، العديد من المفقودين الذين لم يتم التعرف عليهم وتشخيصهم، الشعور بالحزن والارتباك، وكلها إضرابات ما بعد الصدمة قد تتفاقم إلى حد الانتحار".
إعلان حالة طوارئ
واستباقا لاتساع ظاهرة الانتحار بصفوف الإسرائيليين، وفي ظل الارتفاع غير المسبوق بالإصابة بإضرابات نفسية ما بعد الصدمة، والإحالات لتلقي العلاج النفسي، وحالة شبه الانهيار التي توجد بها منظومة الصحة النفسية بالبلاد، طالب منتدى مديري مراكز الصحة النفسية، إعلان حالة طوارئ في مجال الصحة النفسية في إسرائيل.
وأتى هذا الطلب للمنتدى في رسالة رسمية بعثت إلى مراقب الدولة الإسرائيلي متنياهو أنغلمان، وجاء في الرسالة "إننا نشهد ارتفاعا بمعدلات الإصابة بالأمراض العقلية، وحالات الانتحار، والعلاج في أقسام الطوارئ في المستشفيات في ظروف مزرية وغير إنسانية، هذا الوضع يعكس العجز التام من جانبنا".
وأضاف مديرو مراكز الصحة النفسية في الرسالة "نحن غير قادرين على تقديم العلاجات والاستجابة المناسبة للاحتياجات والحالات العاجلة وتشخيص الكم الهائل من التوجهات اليومية وليس بمقدورنا أن نفعل شيئا، نطالبك باستخدام صلاحياتك من أجل إنقاذ الصحة العقلية لمواطني إسرائيل".
وقدر مديرو المراكز أنه في الشهرين الأوليين للحرب، تم تشخيص 300 ألف حالة لأشخاص يعانون أزمات نفسية متفاوتة، ورجحوا أن هناك مئات آلاف لم يتم تشخيصهم بعد، بسبب عدم قدرة نظام الصحة النفسية على تقديم الخدمات لهذا الكم الهائل من الأشخاص، مؤكدين أن للقتال والحرب عواقب وتداعيات محتملة في مجال الصحة العقلية.
وأشار أعضاء المنتدى في رسالتهم إلى أن القتال والتوغل البري في قطاع غزة يمكن أن يكون له أيضا تأثير في مجال الصحة العقلية "نتيجة للقتال في قطاع غزة، نحن نشهد بالفعل زيادة بنسبة عشرات بالمئة في الطلب على خدمات الصحة النفسية حتى بصفوف الجنود، النتائج صعبة ومثيرة للقلق، نشهد مستوى عاليا من الاعتلال النفسي، وحالات الانتحار".
المصدر : الجزيرة