الأردن والابن الضال
جو 24 :
كتب م. ابراهيم محمد ابوزيد -
على عكس البطحة التي على رأس كل منا؛ سيقرأ كل طرف منا العنوان ثم ينظر إلى آخر معتبرا إياه الابن الضال! وعلى عكس كل الكيانات الجغرافية التي ينتمي لها مواطنها يشعر أي أردني في لحظة ما أنه عالق بين حب فطري للأردن الأرض سيعاقب إن صرح به مع علمه أنه سيظلم وطنه إن كتمه!
وكما هو الحال في كل منعطف سياسي لا يخجل عدد " لا نحتمله " من نشطاء الساحة بالولاء لغيرنا سواء أكان هذا الولاء برغماتيا " اقتصاديا " يحكمه أسعار الخضار والفاكهة أو نابعا من سلم أولويات سياسية تضع الاردن في آخر الترتيب! وأيا كان السبب فأي تصرف ولو بالتصريح لا يخدم الأردن القوي هو طعنة نحمد الله أنها لم تقصم ظهر الأردن ولكنها حتما توجعنا لأننا نعلم أنها لن تقويٌه.
وفي خضم هذه التناقضات يستحق منا وطننا أن نسأل أنفسنا لم نحن جميعا مقصرين؟
سأبدا بمن استطاعوا الوصول للسلطتين التنفيذية والتشريعية وأداروا الوطن مائة عام وزادت قليلا فكان نتاج إدارتهم مديونة كبلت الاقتصاد وبدل أن يعترفوا بأخطاءهم رأوا التصحيح بتكميم أفواه من ينتقدهم بقوانين لن يكون نتاجها إلا هدم ما كتب له النجاة من منجزات وجعل كل المواطنين رهن الاعتقال وليس فقط من ينتقدهم ... كيف سيبني الوطن من جيبه أهم عنده من خزينة الدولة! أو كيف سيحميها من يخاف على كرسيه أكثر من خوفه على مستقبلنا، لقد فعلوها وهاجسهم اسكات الابن الضال !
ولا يقل عنهم جرما معارضتنا السياسية التي قبلت لعب دور المحلل السياسي مرات ومرات،سلاحهم الصوت العالي فهو يريح ضمائرهم وكأن الصوت العالي ينقذ وطنا أو يبنيه! معارضة فقدت بوصلتها بين أوراق نظرية أجزم أنها لا تملك أدنى الإجابات لأبسط مشاكلنا وبين نهج البراءة الثورية بالترفع عن تقديم حلول جوهرية قابلة للتطبيق للمشاكل التي أوصلنا إليها أبناء السلطة! نسي هؤلاء أن السلطة لا تصلح إلا إن صلحت المعارضة وأن التناوب في السلطة أسلم وأنفع من اختراقها لحجز مكان فيها يجعل الداخل نسخة من الابن الضال الذي كان يلعنه قبل دقائق!
ولأن الوطن ليس سياسة فقط، فلا بد من البحث عن الابن الضال اجتماعيا واقتصاديا، حتى ونحن على يقين أن السياسة غير الناضجة أفسدت كل الأركان الأخرى فبدل أن تفرز نقاباتنا وأنديتنا ومنتدياتنا قامات وطنية تم تقزيم كل تلك المؤسسات لينحصر دورها في تفريخ أتباع يعشقون الصور التذكارية والمناصب الرمزية! وأزعم أن كل مؤسسة من هذه المؤسسات لهي وطن مصغر منهوب نصنع فيها الرمز لنحطمه ونلعن فيها الفاسد ونهرول لصداقته.
يحتار الصادق كيف ينقذ وطنه، وكيف يمكن له أن يرى ثم يُري الخير ويعظمه، وكيف يبني مشروعا يتعدى الرضا النفسي والنجاة الفردية، فيكون الناتح اردن قوي يعود كل أولاده الضالين لحظنه في الوقت المناسب وليس بعد نفاد كل الصداقات المتاحة!
أسأل نفسي أين الجميع من تلك المهاترات المتقنة؟ فأرى سوادنا في صفين: صامتين يلعنون من يزعج غفوتهم، وصداحين سئموا صمم أقرانهم، كل فريق يتمنى لو يهتدي الابن الضال فيرح الوطن من سلبيته! والغريب أن الصمت هنا كالصياح هنا(ك) كلاهما سلبية يتبناها الآخر .... الابن الضال!