بصراحة: لم نتمكن من تنفيذ ما كان يجب علينا تنفيذه!!
د. محمود المساد
جو 24 :
بدأنا العمل في المركز الوطني لتطوير المناهج في إعداد الإطار العام للمناهج الأردنية، على أحدث التوجهات التربوية. وكان هذا الإطار أنموذجا في تبنّي المتعلم - أي متعلم - كونه هدفا رئيسا للنظام التربوي، فقد ركز بشكل عميق وجادّ على بناء شخصيته، وتمكينه من مهارات التفكير، وتشريبه منظومة القيم المرغوبة محليا ودوليا بما يتوافق مع احتفاظه بأصالته، وانفتاحه العالمي، وتنمية فضوله العلمي، وسعيه الحثيث لمتابعة الجديد بتوظيفه الفعال للتكنولوجيا، ووسائل الاتصال الحديثه، وترسيخ قيَمه الوطنيه، وانتمائه الدائم للوطن، وتمسّكه بموروثه الثقافي.
كما بنينا أنموذجا فذّاً تحت عنوان: "إدماج المفاهيم العابرة للمواد الدراسية والصفوف"، أنموذجا مركبا يبدأ في اختيار مجالات المفاهيم، والقضايا ذات الأولوية التي يعيش معها المتعلمون في الحاضر، وتمتد بهم للمستقبل عن طريق تكوينهم بدائل وسيناريوهات قائمة على استشرافهم، وقراءتهم الظروف والمتغيرات المستقبلية، من دون أن تنفصل بهم عن جذورهم في الماضي. وتم المزج بين ثلاثة عناصر رئيسة قام عليها الإطار العام للمناهج الأردنية: أولها تمكين المتعلمين من مهارات التفكير عبر مشروعات وتطبيقات ومهارات ونشاطات عملية؛ وثانيها مجموعة أصيلة من القيم المرغوبة محليا ودوليا؛ وثالثها الامتناع عن أي إضافة على المحتوى من شأنه أن يثقله ويزيد من تسطيحه، مقابل العمل على أن يبقى المحتوى عميقا، ورشيقا، وجاذبا يبدع المعلم في تقديمه، ويندمج الطلبة فيه، وينغمسون بأنشطته .
تلاحَق العمل حثيثا في إعداد دليل يشرح إجرائيا طُرَق الإدماج نظرياً وعملياً، موجّه بالدرجة الأولى للمؤلفين بشكل يسمح لأي إضافات تطويرية تراعي الظروف الميدانية المختلفة، وحاجات الطلبة، وقدراتهم المتمايزة، مع تبصيرهم بالرسائل الخفية، والقيم الوطنية، والمهارات المتوقعة في كل نشاط أومشروع. وبعد هذا التدريب المكثف، ومتابعة عملهم في الإدماج عبر أشكاله المختلفة، يصبح هؤلاء المؤلفون مدربين محترفين ينقلون خبراتهم للمشرفين التربويين في ميدان التعليم، الذين سيكونون هم الآخرون مدرِّبين للمعلمين فيما بعد .
ولكن هذا العمل الرائد لم يكتَب له الاستمرار وفقا لخطة العمل الموضوعة، حيث أبدى المؤلفون تذمّرهم من موضوع التدريب بحجة الخبرة المتفوقة في التخصص، مع أن التدريب يركز على الإدماج المضمَر في مهارات محتوى الرياضيات، والعلوم، وهي مهارات جديدة تحتاج المزيد من الإتقان قبل مباشرة عمليات التأليف، كما أنها سياسات عمل لا بدّ من الالتزام بها، وقد ناصرَهم بذلك أصحاب القرار تحت عنوان: "نحتاج لعملهم بسرعة"!. وهنا، بدأ العمل يتراجع وهو في أهم مراحله وأخطرها، وأخذ التخصص، والجفاف، والبعد عن ثقافة الوطن يغلب على المحتوى المؤلَّف، كما غاب التأسيس للتدريس وفق منحى المهارات القائمة على التفكير، والجانب العملي.
من البدائل الأكثر فعّالية والأصعب من حيث التطبيق، خاصة ونحن نتحدث عن معلمي الميدان جميعهم، أن يتم تمكينهم من مهارات الإدماج بأشكالها المختلفة، والطلب منهم تطبيقها في مواقفهم الصفية من دون أن يكون لها إشارات في محتوى المناهج، سواء أكانت كتباً، أم مصادر تعلمية أخرى. ولكن المخاطر المتوقعة قد تكون معارضة المشرفين التربويين المتابعين لأداء المعلمين، والكتب المدرسية، ووجوب الالتزام بما جاء فيها، والإدارات الوسطى والعليا التي تخشى المجازفة بقبول ما يتوقع منه أن ذلك كله هو من باب الخروج على النص.
إن غياب التخصص التربوي، وعدم وضوح الرؤية الاستشرافية لما سيكون عليه التعليم والتعلم مستقبلا، إذا لم يتوفّرا بشكل دقيق وناجح لدى من يتولى مسؤولية قيادية، فلا شك أن ذلك سيقود إلى إحباط أي تطوير، وتبديد أي آمال، ثم ينحرف بأجيال الوطن ومستقبلهم نحو الغموض والضياع، لا يعلم بمترتباته وتهديداته إلا الله!!
حمى الله الأردن ومستقبل أجياله