حرام علينا حلال على الآخرين...
م. مدحت الخطيب
جو 24 :
لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الغار مهاجرًا إلى المدينة من مكة وعندما بلغ (الجحفة) اشتاق إلى مكة وإلى مولده ومولد آبائه، فأنزل الله عليه: «إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد» وهنا يقصد الى مكة، ثم قال مخاطبًا مكة: ما أطيبك من بلد وما أحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك...
ولما قدم أصيل الغفاري الى المدينة بعد الهجرة بوقت قصير، دخل على رسول الله وعنده عائشة، رضي الله تعالى عنها، فقالت له: يا أصيل كيف عهدت مكة؟ قال: والله عهدتها قد أخصب جنابها وابيضت بطحاؤها، وأغدق اذخرها ! فقالت ام المومنين عائشة يا أصيل لا تحزنا ، فقال النبي صلى لله عليه وسلم: وبها يا أصيل دع القلوب تقر...
قيل الحب للوطن لا يقتصر على المشاعر والأحاسيس؛ بل يتجلى في الأقوال والأفعال، فهو شعور إنساني فطري زاده الإسلام تأكيدًا وبصيرة وعمقا وكان بعض العرب إذا سافر عن وطنه حمل معه قبضة من تراب وطنه يشمها في غربته كلما اشتد به الحنين أو المرض، وكان أحدهم يحمل كسرا من حطب صحراء بلاده ، وإذا اشتد به الحنين في غربته تبخر بها، واستنشق عبق وطنه، فيهدأ حنينه، وينقشع ما كان فيه من ضعف..
ومن هنا ليس من المستغرب ولا من العجب أن تطلب النفس الفرح وهل هنالك أجمل من الفرح الفطري في حب الوطن، وحتى في أشد أوقات الحزن نفرح من أجل الوطن ولو بالقليل، وهذا لا يعني أننا نحاول أن نتحايل على ذاتنا أو إنكار لما بداخلنا ولكنها النفس جبلت على تقبل الأحوال وتعاقبها فتعطي لذاتها مخرجا يعيد لها جزءا هنا ويلغي أو يصمت أو يسكن ولو لدقائق حزنا على جزء هناك، فالفرح بكل أنواعه وإمتاع النفس بما أحل الله باب من أبواب استمرار الحياة، فالنفوس تصدأ كما تصدأ المعادن فهي تحتاج الفينة بعد الفينة، إلى من يجلو عنها صدأها ويعيد لها الفرح والسرور، فمن لم يكن نورا لنفسه لن تسعفه كل أنوار الكون ولكن العجيب الغريب حقا هو إنكار ذلك من البعض بحجج واهية، لا بل قد يصل طرف إنكارهم ونقاشهم إلى الذم والتحقير والشتم ويتجاوز ذلك عند بعضهم إلى التكفير والتخوين والنفاق والعمالة، يتحدثون من منظورهم بحجج واهية وتفسيرات مبهمة وتصورات تطرح هنا وهناك تحتاج إلى ترجمان قلوب ليفسرها لنا، دينهم وديدنهم خالف تعرف وعنزة ولو طارت كما يقال، لا يقبلون إلا بما وقر في عقولهم (او ما يستدفئ بها جيوبهم) حتى وان كان على حساب الوطن واهله ....
يوم أمس أسدل الستار على كأس أمم آسيا 2023 التي احتضنتها الشقيقة قطر، ووأهم من توقع أن مسرح المباراة لم يجهز مسبقًا من قبل وأن الأمور أتت هكذا بالصدفة ، لاجل ذلك وقبل انطلاقها بساعات كثرت التكهنات وعلامات الاستفهام وخصوصا بعد اختيار الحكم الصيني صاحب التاريخ المُمتلِئ بالمفارقات المثيرة للجدل فلهذا الحكم سجل حافل من المهاترات والنزوات حتى وصل بعضها الى ألإشاعات والرشوات والتي تحدث عنها القريب قبل البعيد...
نعم فازت قطر بثلاث ركلات جزاء اترك للمحللين وأهل العلم بالتحكيم تفنيد صحتها، ولكن من حقي كمواطن ومحب لمنتخب بلادي منتخب النشامى أن أطرح قليلا من الاستفسارات..
أولا:- بعد الحزن والعذاب والقلق الذي عشعش وعاش في قلوب الأردنيين منذ 5 اشهر بسبب الإجرام الصهيوني في غزة وما يحدث هناك، كنا بحاجة إلى فرحة ولو عابرة طلبناها من إقدام الشباب (النشامى) فاستكثرها علينا نفر من أبناء جلدتنا لا دين لهم ولا ديدن إلا جلد الوطن وانتقاد أفعال مواطنيه، نعم لسنا في محل المزايدة على حب الوطن، ولكن من بديهيات ظلم الشعوب لأوطانها أن تجد من يمتنع عن الفرح لأفراحه والحزن لحزنه وكلي يقين أن بعضهم سيقوم بجلدي على ما اقول ويعتبر كلامي منمقا ومبالغا فيه وان قلمي مسموم ملغوم (مأجور) اعطيت الامر اكبر مما يستحق، لذلك اقولها مقدما إذا كان هذا الاتهام حقيقة فأنا اول تابع لوطني ومطبع مع وطني وعزيز مع وطني ومقاتل وعميل لاجل وطني وافتخر بهذا
ثانيا:- حقق الاردن فوزا استثنائيا امام كوريا ففرحت عمان باستحياء احترامًا للشهداء والجرحى واهدينا الفوز لغزة وللشهداء والجرحى وهتف جميع الاردنيين في شوارع قطر قبل عمان بحب غزة دون نفاق او تدليس، الا اننا وجدنا ومع غمرة الاحتفال الخجول من يحرم علينا هذا الفرح ويتشدق بكلمات تعبر عن حقده الدفين حتى وصل الحقد ببعضهم الى اكثر من ذلك بكثير...
ثالثا: من أبجديات الانتماء عندما يكون الأردن طرفا في أي شيء أن ننصره ظالما أو مظلوما وأن نقف خلف رايته وبكل قوة هذا الأمر لا يحتاج إلى تفسير أو تحشيد فعشق الأوطان يولد مع الفطرة ومن لا خير فيه لأهله لا خير فيه للناس جميعا.
في الختام أقول سيبقى الأردن نموذجا للدولة الصادقة والقيم الوطنية الراسخة عزيزا بعروبته وبأهله وقيادته وسيبقى الأقرب إلى فلسطين وشعبها وعين الله ترعاه وما كلام المرجفين المأجورين إلا كالنخالة، سيتساقطون كما تتساقط قشرة الرأس في الخلاء.