عرق السوس.. مشروب رمضاني تناوله نابليون على فراش الموت ووزّعه الإسكندر على جنوده
يعد عرق السوس أحد المشروبات المميزة على مائدة الإفطار في شهر رمضان المبارك، وذكره الطبيب العربي ابن البيطار، فقال "أنفع ما في نبات عرق السوس عصارة أصله، فهو دواء لأمراض الحلق والكبد إذا وضعته تحت اللسان، وعلاج لالتهابات المعدة وأمراض الصدر إذا مضغته، وإذا شربته قطع العطش".
عشبة معمرة
وعرق السوس اسم مشتق من اليونانية القديمة ويعني "الجذر الحلو"، وهو نبات عشبي بأزهار أرجوانية تميل إلى اللون الأزرق، له غلاف يشبه غلاف البازلاء، ينمو في جنوب أوروبا وشمال أفريقيا وفي آسيا، ويتم حصاده في فصل الخريف بعد سنتين إلى 3 سنوات من زراعته، وله نكهة حلوة ومميزة، إذ يحتوي على السكر والعديد من الفيتامينات والمعادن.
شراب الملوك والقادة
يقول موقع "ريدرز دايجست" إن عرق السوس حظي بمكانة مميزة منذ عصور ما قبل التاريخ، وتعود بداية استخدامه إلى الثقافات الآشورية والمصرية والصينية والهندية القديمة، كإحدى الوصفات الطبية المتداولة، وإنه في سنة 2300 قبل الميلاد اعتبره الإمبراطور الصيني شينونغ نبتة سحرية تقوي المسنين وتكسبهم مناعة.
وفي مصر القديمة، استخدمه قدماء المصريين كمشروب اقتصر على الملوك والأمراء، وكذلك استخدموه في إبعاد الأرواح الشريرة عن المتوفى حديثا، وطمأنته حتى يبعث من جديد، حتى إنه عثر على بعض جذور عرق السوس في مقبرة توت عنخ آمون بين الكنوز الملكية عند اكتشافها عام 1923.
واعتاد الجنود في الجيشين اليوناني والروماني مضغ جذور عرق السوس أثناء المسيرات الطويلة والمعارك، لإرواء عطشهم وترطيب أجسامهم عندما لا يكون لديهم ما يكفي من الماء، إذ أمر الإسكندر الأكبر بتوزيعه عليهم كحصص إعاشة، وعلى نفس خطى الإسكندر الأكبر، أوصى الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت جنوده باستخدام جذور عرق السوس للغرض نفسه، غير أنه حرص شخصيا على مضغه لسبب آخر، وهو تهدئة أعصابه في ساحة المعركة، ويقال إنه أكثر من مضغه، حتى تحولت أسنانه إلى اللون الأسود، كذلك يُزعم أنه وهو على فراش الموت، طلب خلط جذور عرق السوس في زجاجة من الماء ليتمكن من شربه.
مهنة متداولة لبيع شراب العامة
تحول عرق السوس إلى مشروب شعبي في مصر خلال العصر الفاطمي، وأصبح متاحا للفقراء والأغنياء، ويحظى بإقبال كبير بين كافة الأوساط والطبقات.
واعتادت الأسر العربية تجهيزه على المائدة الرمضانية ضمن مجموعة من المشروبات الباردة الأخرى مثل قمر الدين والتمر الهندي والخروب والسوبيا، لتعويض الجسم السوائل المفقودة خلال ساعات الصيام.
ولم يقتصر استهلاك شراب العرق سوس على شهر رمضان فحسب، بل تشربه شعوب عربية مختلفة من أيادي الباعة الجائلين في الشوارع طوال العام، وانتشرت مهنة "بائع عرق السوس" الذي يجوب الشوارع برنات صاجاته النحاسية وعباراته المميزة "عرق سوس شفا وخمير"، وبملابس تراثية تعبر عن تاريخ المهنة وعراقة المشروب.
مذاق متداخل
لم يتبق من هذه اللوحة سوى بعض من آثارها، ففي الآونة الأخيرة، لم يعد مشروب عرق السوس يحظى بالقبول نفسه، وتقلصت مهنة بائعه، وإن لم يعد موجودا إلا بشكل نادر في المناطق التراثية القديمة، مثل وسط العاصمة المصرية القاهرة ولاسيما في شارعي الحسين والمعز لدين الله الفاطمي، كذلك تحرص بعض الخيام الرمضانية والفنادق السياحية في شهر رمضان على الاستعانة به كجزء من الفلكلور.
أما الأجيال الناشئة، فيعترفون بعدم فهمهم لطبيعة مذاقه المتداخل الذي يجمع بين الطعم المر والحلاوة في آن واحد، وربما تكون مادة الغليسيرهيزين "المحلي الطبيعي الموجود في جذور العرق سوس" سببا في عدم تقبل مذاقه، إذ تدوم لفترة في الفم، كما أنها تشبه مذاق السكرين "المحلي الصناعي" والذي يعد أكثر حلاوة من سكر المائدة بنحو 30 إلى 50 مرة.
طريقة تحضير مشروب عرق السوس
يمكن تحضير مشروب العرق سوس عن طريق نقع جذور نبتته المجروشة في قليل من الماء وكربونات الصوديوم وتركه بضع ساعات حتى يتخمر، ويفضل وضع الخليط في مكان مشمس، ثم يخفف بالماء، ويصفى باستخدام قطعة من قماش الشاش القطني (قماش منسوج بشكل فضفاض)، ويصب في أكواب.
ومؤخرا بدأت شركات الأغذية في إنتاج عبوات من مسحوق عرق السوس سريع التحضير، ويكتفى بخلطه بالماء عند الاستخدام.
وجدير بالذكر أنه مع فوائد العرقسوس، يوصى دائما بعدم تناوله بكميات كبيرة أو لفترات طويلة، إذ إن الإفراط في تناوله يسبب العديد من المشكلات والآثار الجانبية، بدءا من عدم انتظام ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم وضعف العضلات والخمول، ويرجع ذلك لاستنفاد الغليسيرهيزين لمستويات البوتاسيوم في الدم.
يشار أنه منذ عام 2004، بدأ الاحتفال باليوم العالمي لعرق السوس وتحديدا في 12 أبريل/نيسان من كل عام.
وفي عام 2009، أطلقت السويد مهرجانا لتذوق عرق السوس بكل أشكاله، كذلك يتزايد الطلب على حلوى عرق السوس في أوروبا وأميركا الشمالية، وأشارت شركة "ترانسبيرنسي" لأبحاث المستهلك، أن عرق السوس بفضل حلاوته الطبيعية يمكن أن يسد حاجة الفرد من السكر ويغنيه عن المنتجات المحلاة من أجل صحة أفضل، إذ تشير التوقعات إلى إصابة نحو 10.4% من سكان العالم بمرض السكري بحلول 2030.