عميل سابق بالمخابرات السويسرية: إسرائيل والغرب في مأزق بسبب حرب غزة
جو 24 :
- أصدر الكاتب السويسري جاك بو كتابه الجديد بعنوان "عملية طوفان الأقصى-هزيمة الفائز" للإجابة عن تساؤلات عديدة حول ما حدث بالفعل يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتداعيات الحرب في قطاع غزة على الأمن العالمي.
وفي مقابلة حصرية للجزيرة نت، يتحدث رئيس الأركان السابق (برتبة عقيد) وعميل المخابرات السويسرية السابق، والخبير بالأسلحة الكيميائية والنووية، عن الأداء القتالي للمقاومين الفلسطينيين ضد الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك العمليات التي تجري "من المسافة صفر" والتي كسرت لقب "الجيش الذي لا يُقهر".
وبفضل خبرته الاستخباراتية والعسكرية، يكشف بو عن تصادم القرارات الغربية مع القانون الدولي، ومدى تأثير العمليات التي يقوم بها الحوثيون في اليمن وحزب الله في لبنان لإرباك قوات الاحتلال. وفي ما يلي نص الحوار:
في ظل التحليلات والمصطلحات ذات التوجهات المتغيرة التي تستخدمها وسائل الإعلام الغربية، يحمل مفهوم الإرهاب معاني مختلفة بحسب كل بلد، فخلال الحرب العالمية الثانية مثلا، وصفت ألمانيا المقاومين الفرنسيين بالإرهابيين. واليوم، هناك حوالي 40 دولة غربية تعتبر حماس حركة إرهابية، وهي وجهة نظر تختلف عما يعتقده غالبية العالم.
عندما كنت أعمل في المخابرات خلال فترة الحرب الباردة، تعاملت مع حلف وارسو، وركزت آنذاك على فهم فكر السوفيات لمعرفة كيف يرون ظاهرة الحرب، وكما قال القائد العسكري الصيني صن تزو قبل 2500 سنة "إذا كنت تعرف نفسك دون أن تعرف خصمك، فلديك فرصة كبيرة للخسارة".
وقد تكون الحركات الفلسطينية، بما في ذلك حماس، مارست أنشطة إرهابية في أوقات معينة من تاريخها، لكنني أعتقد أن ممارسة فعل إرهابي من قبل جهة معينة لا يعني بالضرورة أنها إرهابية، ومن المهم التأكيد أن الطريقة التي تعمل بها حركة حماس تكون دائما بمثابة رد فعل على شيء ما حدث من قبل، إذ عندما تقوم بمهاجمة شخص ما فلن يتقبل ذلك بالطبع.
وحتى بالنسبة لـ"الإرهاب الإسلامي" كان بإمكاننا تجنبه من خلال عدم خوض حروب في أفغانستان والعراق وغيرهما. وبسبب ذلك، كان من المنطقي تماما أن نتلقى الضربة في المقابل. وفي إسرائيل، كما هو الحال في أي دولة محتلة، نشهد نفس الأمر نهاية المطاف.
هل يمكن القول إن الغرب استخدم كلمة "الإرهاب" بعد السابع من أكتوبر لتبرير ما تفعله إسرائيل بقطاع غزة؟
منذ عام 2000، حاولت الحكومة الإسرائيلية تشبيه المقاومة الفلسطينية بتنظيم القاعدة الذي اتخذه الأميركيون ذريعة لقصف العراق وأفغانستان. وفي أوروبا، لم تزعج فكرة قصف السكان الذين لهم صلات بحركات إرهابية أحدا.
وبالتالي، قالت الحكومة الإسرائيلية "سنفعل الأمر ذاته" وجعلت الناس يتخيلون أن هناك صلة بين المقاومة الفلسطينية وتنظيم القاعدة، وكان هذا الارتباط ممكنًا منذ اللحظة التي لم نفكر فيها في أسباب ما يحدث، لأن القاعدة -كما قلنا دائما- مثل 11 سبتمبر/أيلول (عام 2001) هم الإسلاميون الذين يريدون تدمير مجتمعنا، لكننا لم نسأل أنفسنا قط لماذا؟ رغم أننا نعرف السبب جيدا.
لقد كان هذا الهجوم نتيجة تفجيرات أغسطس/آب 1998، التي نفذها الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في أم درمان بالعاصمة السودانية، ثم الضربات الأميركية في أفغانستان في نفس العام، المشكلة أننا عندما لا نرصد الأسباب ونتحدث عنها، نلجأ إلى "إسلامية" الأسباب.
لم تحترم إسرائيل القانون الدولي منذ إنشائها وحتى قبل ذلك، كانت دولة فلسطين موجودة عام 1921 بموجب الانتداب البريطاني، حتى أن غولدا مائير قالت إنها فلسطينية لأنها كانت تحمل جواز سفر فلسطينيا.
وقد دعم العرب الاحتفاظ بدولة فلسطين، من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن، يعيش فيها شعبان معا، لكن اليهود ـحيث لم يكن هناك إسرائيليون بعد- أرادوا دولة لأنفسهم فقط.
وبما أن اليهود كانوا يشكلون حوالي ثلث سكان فلسطين، وكان السكان العرب (الفلسطينيون) يشكلون الثلثين تقريبا، فلم يرغبوا في إجراء الاستفتاء، واستولوا (اليهود) بالقوة على منطقة لم يكونوا ليتمكنوا من الاستيلاء عليها من خلال الاستفتاء، وحتى قبل إعلان استقلال دولة إسرائيل في 14 مايو/أيار 1948، لم يتم احترام قرار الأمم المتحدة.
ويجب ألا ننسى أن الولايات المتحدة لم تكن دائما داعمة لإسرائيل، فقد اعتقد الأميركيون لفترة طويلة منذ الحرب العالمية الثانية أن إسرائيل تعمل مع السوفيات، لأن معظم الجواسيس الروس الذين تم الكشف عنهم كانوا من اليهود.
لن تحقق حركة حماس نصرا حاسما على إسرائيل، لأنها غير مهيأة لذلك، ولا تملك ما يلزم لإسقاط الحكومة في القدس أو تل أبيب، كما أن الدعاية الغربية القائلة إن حماس تشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل لا معنى لها في الواقع.
وتاريخيا، لم تهزم فرنسا الجيش الألماني بفضل المقاومة، وإنما بتدخل الحلفاء والإنزال الجوي في نورماندي وما إلى ذلك. واليوم، نشهد نفس الوضع في فلسطين، لكن المشكلة هي عدم وجود حلفاء يساعدون الفلسطينيين لغزو إسرائيل. ولهذا، أعتقد أن ما يحدث في غزة عبارة عن تفوق إستراتيجي سياسي أكثر منه عسكري.
فهذه الحرب وضعت سياسة إسرائيل الخارجية في مأزق، لأن الغرب وجد أن لديه حليفا لا يحترم القانون الدولي ومتهما بارتكاب إبادة جماعية، مما يؤدي إلى طرح تساؤلات حول ما إذا كانوا سيستمرون في شراء وإرسال الأسلحة إلى إسرائيل مثلا.
لقد كشفت عملية طوفان الأقصى عن مدى التناقض الذي تتخبط فيه الدول الغربية، فبعد أن اتفق الجميع على اتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بانتهاك القانون الدولي، وجدوا أنفسهم أمام إسرائيل التي تفعل ما هو أسوأ من ذلك، وتقتل عددا أكبر بكثير من المدنيين في بضعة أسابيع، مقارنة بالروس خلال عامين.
تشغيل الفيديو
مدة الفيديو 02 minutes 29 seconds
02:29
كيف ترى تعامل الدول المجاورة لفلسطين مع الحرب في قطاع غزة؟
في سبعينيات القرن الماضي، ذهب عدد كبير من الفلسطينيين "السنة" إلى لبنان لاجئين، مما أدى إلى زيادة عدد السكان بنسبة 30%، ولو فهم الإسرائيليون حقيقة ما كان يحدث حينها، لكانوا صنعوا حلفاء للشيعة ضد الفلسطينيين، لكن التاريخ لم يرد ذلك وأنشئ حزب الله للدفاع عن أراضيه.
وبما أن إسرائيل كانت عدوانية مع كل الدول المحيطة بها، تطور نوع من التعاطف مع القضية الفلسطينية، ونرى ذلك جليا مع قرار حزب الله المساعدة بطريقته الخاصة من خلال خلق توتر على الحدود الشمالية، والجدير بالاهتمام هو تمكن حزب الله من تجاوز واختراق الدفاعات الإسرائيلية، الأمر الذي أظهر أن الإسرائيليين لا يتقنون التكنولوجيا الخاصة بهم.
وبعد اتفاق السلام بين مصر والأردن وإسرائيل، شعرت تل أبيب أنها تخسر أعداءها، وبما أنها تربط دائما وجودها وتماسكها الوطني بوجود العدو، رأت في إيران المرشح المثالي ليكون عدوا لها، لكنني لا أعتقد أن لدى إيران نية لمهاجمة إسرائيل، لعدم وجود أي مشاكل إقليمية أو اقتصادية بينهما.
وعلى الرغم من عدم امتلاك الحوثيين إمكانيات مادية أو سياسية كبيرة، إلا أنهم أرادوا المشاركة والمخاطرة من خلال فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل على الطريقة الغربية، حتى أن الضربات الأميركية والبريطانية لم تنجح في إيقافهم.
تشغيل الفيديو
مدة الفيديو 03 minutes 09 seconds
03:09
كيف تؤثر الحرب في غزة على الأمن العالمي، وإلى أي مدى تطرفت الدول الغربية في سياساتها لدعم الاحتلال؟
تفضل الدول الغربية القواعد التي تضعها بنفسها وفقا لاحتياجاتها عن طريق الإدارة الدولية الانتقائية، بدلا من استخدام القائمة التي تقترحها الأمم المتحدة والقانون الدولي، وهذا ليس جديدا في الواقع، لكن الصراع الفلسطيني سلط الضوء على هذا الأمر بشكل صارخ.
ولا أعتقد أننا في الغرب أكثر تطرفا من ذي قبل، فقد كان لدينا دائما مشكلة في علاقتنا مع إسرائيل، وتتمثل "سياسة الصمت" التي تستخدمها الدول في عدم إدانة أو قول إن إسرائيل مخطئة لتجنب الاتهام بمعاداة السامية وغيرها، والحقيقة أننا لم نلعب دورنا كأصدقاء منذ سنوات، لأن الصديق ليس هو من يقول لك "نعم" دائما.
تشغيل الفيديو
مدة الفيديو 02 minutes 37 seconds
02:37
لكننا اليوم وصلنا إلى موقف ندرك فيه أننا في وضع متطرف، لدرجة أوقعتنا في فخ لعبتنا، إذ ندعي أننا مدافعون عن القانون الدولي لكننا لم نفعل ذلك، وعندما نطبق القانون الدولي، سيتعين علينا التفكير ربما في قطع علاقاتنا مع إسرائيل، لأنها متهمة بإبادة جماعية.
ومع مرور الوقت، نرى أن صورة إسرائيل عند الغرب آخذة في التغيير، وستسهم الحرب في غزة في اتساع الفجوة بين الإسرائيليين وحكومتهم، وعزل إسرائيل سياسيا وأخلاقيا عن بقية العالم.
المصدر : الجزيرة