jo24_banner
jo24_banner

"طوفان الأقصى" يهزّ إقتصاد الكيان الصهيوني

طوفان الأقصى يهزّ إقتصاد الكيان الصهيوني
جو 24 :


إعداد أيمن الرمحي - 

يعترف الصهاينة بأن السابع من تشرين الأول/أكتوبر هو أسوأ يوم في تاريخ "إسرائيل" العسكري الحديث، وفاقت خسائره المباشرة والغير مباشرة كل الأرقام والاحصائيات السلبية التي سجلتها "إسرائيل" في جميع حروبها السابقة. لكن الحرب على غزة أظهرت أيضاً أن حجم الأزمة لا يقتصر على فشل أمني أو استخباراتي، بل يمتد إلى عمق الاقتصاد الصهيوني، الذي أثبت ضعفه، وأثار الكثير من الشكوك حول مدى قدرته على الصمود والتحمّل.

فمنذ تأسيسه عام 1948، اعتُبر الكيان الصهيوني قاعدة متقدّمة للغرب، ليس على الصعيد العسكري فحسب، بل أيضاً بهدف السيطرة على الخيرات ومصادر الطاقة واقتصاد شعوب المنطقة. وهذا ما أعادت تأكيده مجريات الأحداث منذ السابع من أكتوبر المجيد مع التهافت الأميركي - الغربي لإنقاذ ما تبقى من هذا الكيان. إلا أنّ ما حقـقـته المقاومة في عمليّة "طوفان الأقصى" التي أطلقتها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر كان سابقة تاريخيّة لا مثيل لها طيلة سنوات الاحتلال، لقد استطاعت أن تدخل إلى صميم هذا الكيان وتشلّه اقتصاديّاً بشكل مباشر وغير مباشر، حتى إنّنا بتنا نسمع صرخات عالية بشأن انهيار كبير في اقتصاد العدو. حيث يتواصل النزيف الاقتصادي بشكل سريع ومستمر وعلى مختلف القطاعات والمستويات. إنّها نكبة اقتصاديّة بكل المقاييس دفعت الكيان حتى إلى المجاهرة بطلب مساعدات ماليّة إضافية بقيمة 14 مليار دولار من الولايات المتحدة (تضاف إلى المبلغ الذي يحصل عليه الكيان عادة وهو 3.8 مليار دولار سنوياً).

وللمرة الأولى، يمكن الجزم بأنّ مشاريع استراتيجية كبرى أضحت غير قابلة للحياة، فالضحايا كُثّر، وفي مقدّمتهم الممرّ الهندي - الأميركي عبر ميناء حيفا، وحتى طموحات "الإسرائيليين" بالسيطرة على مصادر الغاز في سواحل المتوسط ستتبدّد عاجلاً. أما التطبيع، فما حدث يؤكد أنّه لم يعد من مصلحة أيّ دولة عربية، لا بل إنّه استنزاف مباشر للقدرات العربيّة. كما أنّ الاستثمارات لن تنجو من تداعيات ما يحدث، إذ لا يمكن الاستثمار في أماكن لا أمان فيها.

وتعزّز مقولات مثل حضور "إسرائيل" في المنطقة بوصفها لاعبًا اقتصادياً واستراتيجياً لا يمكن الاستغناء عنه"، أنها كلها كانت محاولة من الكيان والقوى الإمبريالية للتعمية على أزمات يعيشها اقتصاد الكيان بفعل الانقسام السياسي الحادّ الذي تعيشه البلاد، والذي تمثّل في مظاهرات مستمرّة على مدى عشرات الأسابيع قبل أحداث طوفان الأقصى، احتجاجاً على ما وصفته المعارضة "الإسرائيلية" بمساعٍ حكومية للانقلاب على «الديمقراطية».

من جهته، قال مركز أبحاث الأمن القومي في تل أبيب في تقرير له إن حرب "إسرائيل" على غزة سيكون لها تأثير كبير وطويل الأمد على الإقتصاد "الإسرائيلي".

الشيكل والمؤشرات الإقتصادية:

بلغ الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد الكيان الصهيوني حوالي 488 مليار دولار في عام 2023، وقد تهاوى سعر صرف الشيكل إلى أدنى مستوياته أمام الدولار منذ عام 2012 حيث وصل إلى 4.08 شيكل، ليعود ويبلغ عتبة الـ3.72 شيكل نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، ومع اتضاح أن "إسرائيل" تدخل حرباً لن تكون قصيرة، وربما تتوسع، انخفض الشيكل أكثر، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ 14 عاماً، أي منذ الأزمة الاقتصادية العالمية 2008/2009. ولم تُفلح كافة الاجراءات الإسعافية التي اتخذها المركزي في إعادته إلى مستوياته السابقة على الرغم من ضخ "إسرائيل" حزمة دعم بلغت نحو 45 مليار دولار لمساعدة عملتها واقتصادها على الصمود. وفي خطوة هي الأولى في تاريخه، قام البنك المركزي ببيع 8.2 مليار دولار من النقد الأجنبي في تشرين الأول/أكتوبر للدفاع عن الشيكل، مما أدى إلى تراجع الاحتياطي بقيمة 7.3 مليارات دولار مُسجلاً 191.235 مليار دولار.

وكان المركزي قد أطلق برنامجاً لبيع النقد الأجنبي بقيمة 30 مليار دولار مع بداية الحرب على غزة، وذلك لمنع حدوث تدهور حاد في سعر صرف الشيكل، بالإضافة إلى تعهده بتوفير ما يصل إلى 15 مليار دولار عبر المقايضات (عمليات تبادل العملة)، وفقاً لما ذكرته وكالة "بلومبرغ".

وفي ظلّ ذلك، يواجه المركزي "الإسرائيلي" مأزقاً كبيراً، فهو بين خيارين؛ أحدهما خفض أسعار الفائدة للمساعدة في تعزيز الاقتصاد في زمن الحرب، والآخر إبقاؤها مرتفعةً لدعم العملة. وبحسب صحيفة "فايننشال تايمز"، فإنّ التجّار زادوا رهاناتهم ضد الشيكل، ما يضغط باتجاه الخيار الثاني، إلّا أنّ محلّلين توقّعوا أن يعمد المركزي إلى خفض أسعار الفائدة على الشيكل بمقدار 50 نقطة أساساً، ليبلغ 4.25%، فيما ذهبت صحيفة "غلوبس" أبعد من ذلك، وتوقّعت أن يبلغ خفض سعر الفائدة مقدار 75 نقطة أساساً، لتستقر عند 4%.

وبعد أن كان الاقتصاد الصهيوني من أقوى اقتصاديات العالم وأكثرها ازدهاراً، فإنه ينهار اليوم أمام ضربات طوفان الأقصى الموجعة. وكان الناتج المحلي الإجمالي لـ "إسرائيل" في عام 2022 قد ارتفع بنسبة 6.5 %، ولكن دائرة الأبحاث في البنك المركزي خفضت توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2 % في عامي 2023 و2024 بعد اندلاع أحداث طوفان الأقصى واستمرارها لما بعد نهاية عام 2023؛ في انعكاس واضح للخسائر الهائلة والتشوهات التي اجتاحت هيكل الاقتصاد الذي ما يزال يدفع التكلفة الأعلى والأقسى.

وفي منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، خفضت وكالة التصنيف الإئتماني "ستاندرد آند بورز" توقعاتها للنمو "لإسرائيل" من "مستقر" إلى "سلبي"، بسبب تداعيات الحرب على قطاع غزة.

فالمتوقع أن الناتج المحلي الإجمالي انكمش بنسبة 5 % في الربع الرابع من العام 2023، مقارنة بالربع الثالث، مع تراجع جميع مكونات الإنفاق، بما في ذلك الطلب المحلي والصادرات والواردات. وأصبح واقعياً أن الاقتصاد سيقع عام 2024 في ركود كبير، وسط ارتفاع حاد في الإنفاق على الدفاع والأمن، وتراجع الإيرادات وإرتفاع التعويضات وتكاليف إعادة التأهيل. يذكر أن الإيرادات الحكومية لدولة الكيان انخفضت بنسبة 15.2% في شهر أكتوبر 2023، بسبب تعطل القطاعات الاقتصادية.

ووفقاً لوكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، فإن الحرب في غزة من شأنها أن ترفع التضخم في "إسرائيل" إلى 6.8 % في العام 2024. حيث بلغ التضخم في "إسرائيل" ذروته عند 5.3 % في يناير الماضي. وكانت وكالة التصنيف قد توقعت أن يتسع العجز المالي في "إسرائيل" إلى 3.5 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2023، وإلى 7.8% في عام 2024.

وكان بنك "جي بي مورغان تشيس" الأميركي رجح أن ينكمش الاقتصاد "الإسرائيلي" بنسبة 11 % على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023، مع استمرار وتصاعد العدوان على قطاع غزة.

وتسبب بيع سندات الشتات بخسائر تُقدّر بـ 2.839 مليار دولار، وسط توقّع بارتفاع الدين العام الذي بلغ بالفعل 294.7 مليار دولار، فيما بلغ الناتج المحلي 350 مليار دولار.

وعلى صعيد سوق الأسهم، فإنه ومع نهاية شهر أكتوبر الماضي، كانت الأسهم "الإسرائيلية"، بحسب تقرير لصحيفة بلومبيرغ، هي الأسوأ أداءً في العالم، حيث انخفض المؤشر الرئيسي في بورصة تل أبيب بنسبة 15% من حيث القيمة الدولارية، أي ما يعادل حوالي 25 مليار دولار. وتراجعت أسعار أسهم أكبر خمسة بنوك بنسبة 20%، وانخفض مؤشر البنوك بنسبة 6% منذ بداية عام 2023، خاصة مع بيع مستثمرين أجانب لحصصهم في البنوك "الإسرائيلية"، وفقدان ثقة المستثمرين في سندات الحكومة "الإسرائيلية"، وهروب لرؤوس أموال/استثمارات. ويمكن عزو هذه الخسائر إلى مجموعة من الأسباب على رأسها انعدام اليقين بالغد، سواء على المستوى الأمني، أو على مستوى وجود دولة الاحتلال ذاتها، إذ كانت الضربة التي تلقاها الكيان هي الأكبر في تاريخه. ومع احتمالات تصاعد المعركة، انعكس هذا على نظرة المستوطنين لدولتهم وجيشها واقتصادها، وكذلك الأمر على نظرة العالم إليها، بغض النظر عن التطمينات الغربية، وعلى رأسها الأمريكية، التي قالت لقادة الاحتلال وجمهوره، وربما باقي العالم، إن راعية المستوطنة لا زالت متمسّكة بها.

قطاع الطاقة:

أعلنت شركة "شيفرون" بعد يومين من "طوفان الأقصى" أنها أغلقت حقل تمار للغاز الطبيعي (الذي يزوّد الكيان بـ 18 % من حاجاته للغاز) خوفًا من صواريخ المقاومة وعملياتها، وهو أحد أهم مصادر الغاز المستخدم لتوليد الكهرباء والتصدير في الكيان (وتغطي نحو 70% من إنتاج الكهرباء في الكيان). وقد تمّ إغلاق الحقل خوفاً من قيام المقاومة باستهدافه، مما أدى إلى توقّف صادرات الغاز "الإسرائيلية" نحو الأردن ومصر (حيث علقت شيفرون الصادرات عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط تحت سطح البحر والذي يمتد من عسقلان في جنوب "إسرائيل" إلى مصر) مما أدى إلى زيادة الضغط على سوق الغاز الأوروبي. ومن شأن هذه الإغلاقات (أو عدم التمكن من إنتاج الغاز بالمستوى الممكن) أن تكبد قطاع الطاقة والغاز الإسرائليين خسارة قدرها 200 مليون دولار شهرياً.

وأشارت صحيفة "ذي ماركر" إلى أنّ استمرار الحرب على غزة سيعرّض استثمارات الغاز الطبيعي في الكيان للخطر، إذ يمكن أن توجّه ضربة قويّة إلى طموحاته بأن يصبح مركزاً لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا وأماكن أخرى.

إلى ذلك، قامت "بلومبرغ إيكونوميكس" بدراسة التأثير المحتمل للحرب في النمو العالمي والتضخم، وخلصت إلى أنّ توسّع القتال إقليمياً ليشمل إيران سيكون تأثيره خطراً جداً، إذ يمكن أن يكون سبباً لركود عالمي، ومن شأنه رفع أسعار النفط إلى 150 دولاراً للبرميل، وأن يوجّه ضربة قويّة إلى النمو العالمي الذي قد ينخفض لعام 2024 إلى 1.7% بدلاً من 2.7%، وأن يُعرقل الجهود العالمية لكبح جماح الأسعار، ما يترك معدّل التضخم العالمي عند 6.7% أو يرفعه بشكل كبير.

قطاع الطيران والسياحة:

تعرّض قطاع الطيران والسياحة الصهيوني لضربة قاصمة؛ فبعد قصف مطار بن غوريون في تل أبيب بالصواريخ، علّقت جميع شركات الطيران العالميّة رحلاتها إليه بالتزامن مع خروج مطاري رامون وحيفا عن الخدمة. حيث علقت في اليوم الثالث لعملية طوفان الأقصى نحو 42 شركة طيران أميركية وكندية وأوروبية رحلاتها إلى "إسرائيل"، وأجّلت هذه الشركات موظفيها من هناك مع تصاعد الأحداث. وانخفض بذلك عدد الرحلات إلى مطار بن غوريون من 500 رحلة يوميًا إلى 100. (أظهر تقرير لموقع "Secret Flights" المتتبع لرحلات الطيران، لشهر نوفمبر/تشرين ثاني 2023، أن تراجعاً طرأ على رحلات الطيران من وإلى مطار بن غوريون الدولي، بنسبة 80 % كمتوسط منذ اندلاع الحرب).

ومنذ بدء الحرب، واصلت 6 شركات أجنبية عملها المستمر ورحلاتها المنتظمة من وإلى "إسرائيل"، وهي: طيران الاتحاد وفلاي دبي وهينان وأزيموت، بالإضافة إلى شركات الطيران "الإسرائيلية".

وفي 29 نوفمبر الماضي، بدأت "إسرائيل" محاولات إقناع شركات الطيران الدولية بمعاودة رحلاتها من وإلى تل أبيب، بعد أن أوقف الكثير منها رحلاته منذ بداية الحرب على قطاع غزة، وليصل معدل حركة الطائرات في مطار بن غوريون، إلى 200 رحلة بين إقلاع وهبوط حتى 29 نوفمبر، بما في ذلك كل الرحلات الدولية والمحلية والخاصة ورحلات الشحن.

كذلك، أصدرت شركات التأمين على الطيران ضد مخاطر الحرب إخطاراً بإلغاء الغطاء التأميني للشركات التي تتخذ من الكيان المؤقت مقراً مع بدء سريان بعض الإلغاءات بالفعل، ما اضطر حكومة نتنياهو إلى دفع 6 مليارات دولار بضمان حكومي للتعويض عن ذلك، وهي تكلفة باهظة يدفعها العدو لضمان استمراريّة عمل الطيران بحده الأدنى. وبلغت خسائر قطاع الطيران حتى نهاية شهر أكتوبر معدّل 100 مليون دولار يومياً. ولكن مصادر أخرى تشير إلا أن خطة "إنقاذ قطاع الطيران" لتغطية التأمين ضد مخاطر الحرب هي محصورة على شركات الطيران "الإسرائيلية" فقط.

-السياحة:
وتراجعت حركة السياحة بـ "إسرائيل" في أكتوبر الماضي، بنسبة 76 % على أساس سنوي، بسبب اندلاع الحرب على قطاع غزة، وإلغاء غالبية رحلات الطيران من وإلى تل أبيب، فحسب تقرير شهري لمكتب الإحصاء "الإسرائيلي"، فإن 89.7 ألف سائح زاروا دولة الكيان خلال أكتوبر2023، معظمهم دخلوا إلى البلاد قبل اليوم السابع من ذات الشهر (أي قبل اندلاع طوفان الأقصى). وكانت السياحة الأجنبية لـ "إسرائيل" تجاوزت 370 ألف سائح في الفترة المقابلة من العام الذي سبقه 2022، ما يظهر حجم الضرر الذي تعرض له ذلك القطاع بسبب عملية "طوفان الأقصى".

وأوصت جمعية أصحاب المطاعم بطرد العاملين أو منحهم إجازة مرضية، بعد تيقّنها من أنّ حكومة نتنياهو لن تستطيع تعويض القطاع عن الخسائر الكبيرة التي يتعرّض لها، بحسب القناة 12 العبريّة، وخصوصاً بعد تراجع العمل في قطاعي الترفيه (73%) والمطاعم (65%).

وكنتيجة لتوقف السياحة، والتي تسهم بحوالي 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي، فقد انعكس إلغاء شركات الطيران لرحلاتها إلى "إسرائيل"، بتعطّل الفنادق مكتفيةً باستقبال حوالي 250 ألف مستوطن، نزحوا من مستوطنات غلاف غزة ومستوطنات شمال فلسطين المحتلة.

كل هذه الخطوات تُعدّ مؤشراً على الخسائر المتوقعة في قطاع السياحة "الإسرائيلي" الذي بلغت عائداته أكثر من 3.4 مليارات دولار عام 2022، وقد بات يتكبّد خسائر بنحو 98 مليون دولار يومياً منذ بدء الحرب.

قطاعات الأعمال والتجارة والتكنولوجيا:

كشف الإخفاق التكنولوجي الكبير الذي مُنِيَت به "الدولة" العبرية في أنظمة المراقبة والتجسس نقطة ضعف كبيرة لدى شركات "الهاي تيك/high tech" لديه. ونتيجة ذلك، من المتوقّع أن تنخفض مبيعاته الخارجيّة في مجال تقنية المعلومات والتجسس بعدما كان شبه منفرد في السوق العالميّة. وتمتلك معظم شركات التكنولوجيا الأميركية الكبيرة مكاتب إنتاج أو أبحاث وتطوير مهمة في "إسرائيل"، بما في ذلك "مايكروسوفت" و"غوغل" (ألفابيت) و"آبل" و"أوراكل". وأدّت الصواريخ التي تطلق على منطقة غوش دان، وهي درّة تاج الاقتصاد وصناعة التكنولوجيا لدى العدو، إلى شلل كبير في هذا القطاع الذي خسر أكثر من ملياري دولار بعد ثلاثة أسابيع فقط من الحرب.

وأصبح مصير المنشأة التي كانت شركة "إنتل" تنوي بناءها بتكلفة 25 مليار دولار، والمخصصة لتصنيع الرقائق الإلكترونية، في مهب الريح، وخصوصاً أنّ موقعها يبعد 30 دقيقة فقط من السياج الفاصل مع قطاع غزة.

ويسهم قطاع التكنولوجيا المتطوّرة (high tech)، بحوالي 18% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الاحتلال، ويُشغّل أكثر من نصف مليون شخص، يشكّلون حوالي 14% من القوى العاملة "الإسرائيلية"، كما أنه مسؤول عن 48% (71 مليار دولار) من مجمل الصادرات "الإسرائيلية" و30% من العوائد الضريبية. ومن بين العاملين في القطاع، تم تجنيد ما يتراوح بين 10% و15%، إذ إن معظم العاملين ممن تم تجنيدهم هم دون سن الأربعين، وهي الفئة العمرية الأكثر عملًا في قطاع التكنولوجيا، الأمر الذي يعني عدم قدرة الشركات العاملة في هذا المجال على الاستمرار في عملها بكفاءة، فسحب القوى العاملة في هذا القطاع لفترة طويلة سيؤثر في قدرته على الاستمرار من ناحية، ومن ناحية ثانية سيقلل من جاذبية المستثمرين الأجانب فيه. وكان قطاع التكنولوجيا في "إسرائيل" قد جذب خلال العام الجاري استثمارات من صناديق سيادية بنحو 5.5 مليارات دولار.

وفي استطلاع تم إجراءه في نهاية تشرين الأول/أكتوبر بين 500 شركة في القطاع، أفاد 70 % منها أنها تواجه انقطاعات في عملياتها بسبب نقص العمالة المتخصصة مما أدى إلى إلغاء أو تأجيل طلبيات ومشاريع مهمّة منذ بداية الحرب.

أزمة العمالة:

منذ سنوات تعاني "إسرائيل" من أزمة عمالة، إذ لا تكفي اليد العاملة فيها للقيام بالنشاطات الاقتصادية في البلاد، وتبرز هذه المشكلة في عدد من القطاعات الرئيسية التي يستنكف عدد من "الإسرائيليين" عن العمل بها، ولذا يعمل في الكيان حوالي 115 ألف عامل أجنبي، معظمهم في قطاع تقديم الرعاية (caregivers) وبعدها قطاعات الزراعة والبناء، يليها بنسب أقل الفنادق والتكنولوجيا المتطورة (High Tech) والمنسوجات. يضاف إلى هؤلاء حوالي 139 ألف عامل فلسطيني من الضفة وغزة، يعمل معظمهم في قطاعي الزراعة والبناء.

هذه الحاجة للمزيد من العمّال تفاقمت أكثر مع اندلاع الحرب، فالأرقام تُظهر إن حوالي 764 ألف موظف وعامل هم اليوم خارج سوق العمل، بسبب الحرب وتداعياتها، أي حوالي 18% من مجمل القوى العاملة في الكيان. وقد توزّع هذا الرقم بحيث شمل حوالي 300 - 360 ألف جندي احتياط تم استدعاؤهم لينخرطوا في الجيش، و127 ألفاً من سكان الغلاف وشمال فلسطين المحتلة (على الحدود مع لبنان)، و183 ألفاً هم أهالٍ أطفالهم دون سنّ العاشرة (ومع تعطل المدارس فإن أحد الوالدين يجب أن يبقى في المنزل للاعتناء بهم)، و319 ألفاً تضرروا بشكل مباشر من الحرب يعملون في قطاعات مثل السياحة والبناء، والتسلية. وبحكم التقاطع بين هؤلاء الأشخاص، قدّرت بيانات وزارة العمل الصهيونية عددهم بـ 764 ألفاً. ويضاف إلى هؤلاء 46 ألف عامل تم تسريحهم من عملهم منذ بداية الحرب.

قطاع البناء، توقف في الأسابيع الأولى من الحرب، بأوامر من رؤساء البلديات، قبل أن يسمح له بالعمل من جديد، ولكن مع منع حوالي 90 ألف فلسطيني كانوا يعملون في البناء من العمل فيه، ومغادرة 4 آلاف عامل أجنبي، من أصل 18 ألفاً للبلاد، فإن القطاع يعمل بعد شهر من الحرب بنسبة 25% من قدراته.

ومع اضطرّار الكثير من العمال الأجانب للعودة إلى بلدانهم، وطول أمد الصراع، ستتحوّل دولة الاحتلال إلى مكان غير جاذب للعمالة.

ويقترح وزير الاقتصاد الصهيوني توفير العمالة لكافة القطاعات المتضرّرة من الأزمة، وذلك باستقدام 160 ألف عامل أجنبي بأسرع وقت، وخاصة من الهند، ليحلوا مكان العمال الفلسطينيين، ويتوزعون بالشكل التالي: 80 ألفاً للبناء، و15 ألفاً للزراعة، و22 ألفاً للصناعة، و24 ألفاً للمطاعم وغيرها.

وتراجع العمل في مصانع الألبسة (80%)، والأدوات الكهربائيّة والإلكترونيات (47%)، والألعاب (64%)، وأعلنت بالفعل شركتا "H&M" و"Zara" إغلاق متاجرهما في الكيان الصهيوني، وذلك بعدما أعلنت شركة "نستله" السويسرية إغلاق مصنعها كإجراء احترازي، إضافةً إلى إغلاق مجموعة شركات "إنديتكس" الإسبانية العالمية 84 متجراً تابعاً لها أيضاً.

ونتيجة استدعاء عدد كبير من جنود الاحتياط يتكبّد سوق العمل في "إسرائيل" خسائر أسبوعية بقيمة 1.2 مليار دولار بسبب تراجع الإنتاجية نتيجة انسحاب هؤلاء الجنود من الحركة الاقتصادية.

الزراعة:

تعد أراضي غلاف غزة -التي تعرضت بشكل مباشر لعملية طوفان الأقصى- مصدراً لنحو 75% من الخضراوات المستهلكة في "إسرائيل"، إضافة إلى 20% من الفاكهة، و6.5% من الحليب. وتُعرف المنطقة المحيطة بقطاع غزة باسم "رقعة الخضار الإسرائيلية" (vegetable barn) وتحوي أيضا مزارع للدواجن وحظائر الماشية والأبقار، إلى جانب مزارع للأسماك.

ونتيجة عدم قدرة المستوطنين على الوصول إلى المستوطنات معظم الوقت إلا تحت حماية جيش الاحتلال، قررت حكومة الكيان في نهاية شهر أكتوبر التوسع في استيراد الغذاء، لتقرر استيراد 10 ملايين لتر من الحليب شهرياً، أي 33% من سوق الحليب بـ "إسرائيل"، لمدة 3 أشهر، و50 مليون بيضة، بحسب صحيفة غلوبس الصهيونية، بسبب تضرّر الزراعة في مستوطنات الغلاف، حيث بات متوقعًا أن يحتاج هذا القطاع الزراعي لسنوات حتى يعود إلى ما كان عليه.

يشكّل العمال الفلسطينيون والتايلنديون حوالي نصف العاملين في الزراعة، ومع بدء الحرب، منعت دولة الاحتلال المواطنين الفلسطيـنـيين من العمل فيه. أمّا العُمّال التايلنديّون، ويبلغ عددهم 30 ألف عاملٍ، فكان يعمل منهم في غلاف غزة ستة آلاف، ومع مقتل عددٍ منهم خلال عملية طوفان الأقصى، واحتجاز عدد آخر، شاع جوٌّ من الخوف في أوساطهم، ليغادر البلاد الكثير منهم، فقد أظهرت بيانات "غلوبس"، الموقع المتخصص في الاقتصاد "الإسرائيلي"، إلى ترك ما يقرب من 20 إلى25 ألف عامل آسيوي وظائفهم، معظمهم يعملون في القطاع الزراعي، مغادرين إلى بلدانهم الأم، هرباً من الحرب. وللتعامل مع هذه الأزمة، فقد وقعت "إسرائيل" اتفاقيات لاستقدام 10 آلاف عامل زراعي من سريلانكا، وتحاول كذلك استقدام عمالة زراعية من فيتنام والهند.

وبما أن مواسم القطاف لا تنتظر-ولنقص العمالة الفلسطينية والتايلندية- فقد تم الاستعانة بمتطوعين من طلبة الجامعات، لقطاف المحاصيل حتى لا يخسر المزارعون جميع الموسم، الذي خسروا أغلبه.

كلفة حرب طوفان الأقصى على الصهاينة:

تعتمد تقديرات الخسائر "الإسرائيلية" في الحرب على مسارها، لا على نتائج الضربة الأولى التي تلقتها "إسرائيل" صبيحة السابع من أكتوبر فقط، وهذا يعني أن طول أمد المعركة، وحجم الخسائر البشرية، وشكل الدمار الذي تتعرض له المدن "الإسرائيلية"، وأسماء القوى التي ستنخرط في المعركة، وحجم مشاركتها، كلّها عوامل رئيسة في تقدير حجم خسارة "إسرائيل" الاقتصادية.

ومن المُرجّح أن تكون ميزانية العام الحالي 2024 هي الأعلى في تاريخ "إسرائيل"، بأكثر من 600 مليار شيكل (حوالي 160.8 مليار دولار)، ويجري التخطيط لتعديلها حيث أظهرت التوقعات تسجيل عجز بنحو 115 مليار شيكل (نحو 29 مليار دولار). وذلك في وقت من المتوقع أن تنخفض الإيرادات الضريبية بأكثر من 10 %، بسبب الشلل الذي يصيب الكثير من القطاعات الإنتاجية والخدمية جراء تجنيد مئات الآلاف من جنود الاحتياط، وتوقف الإنتاج في المناطق الواقعة قرب قطاع غزة والحدود اللبنانية الشمالية، فضلاً عن تراجع الاستهلاك بشكل كبير، وارتفاع البطالة التي تُـقلّـص عائدات ضريبة الدخل. وقد أشارت بعض الإحصائيات في بداية الأحداث إلى أن 20% من القوى العاملة في "إسرائيل" تعطلت عن العمل، أي ما يعادل مليون عامل.

وكانت قد بلغت ميزانية العام 2023 (484 مليار شيكل)، وأصبحت الحرب على غزة أكثر تكلفة بالنسبة إلى "إسرائيل" مما كان متوقعاً في البداية، حيث يزداد تأثيرها سلباً على الأنشطة الاقتصادية المختلفة والمالية العامة، ويقدر وزير المالية الصهيوني سموتريتش النفقات اليومية بنحو مليار شيكل (260 مليون دولار) وهذه تكاليف مباشرة، أمّا التكاليف غير المباشرة فعبّر عن عجزه عن تقديرها، وبناء على ذلك وصلت تكلفة الشهر الأول فقط من الحرب إلى 7.5 مليار دولار أمريكي، وقدرت التوقعات أن تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 حوالي 63 %، و 66 % في العام 2024.

ورفعت وزارة المالية تقديراتها الأخيرة لتكلفة الحرب على قطاع غزّة من 163 مليار شيكل (44 مليار دولار) إلى 191، مليار شيكل (51 مليار دولار)، وهو ما يمثل نحو 10 % من الناتج المحلي الاجمالي، مُستندةً إلى احتمال استمرار الحرب من 8 إلى 12 شهراً وذلك بناءً على اقتصار الأمر على غزة دون مشاركة أي جهة أخرى (وألّا ترتفع وتيرة الاشتباكات في الشمال، وألّا تتدخّل إيران واليمن في المعركة، وهذا ما لم يحدث، وعلى أن يعود جنود الاحتياط إلى العمل قريباً، من دون توضيح لما يعني قريباً)... وكان من المُرّجح أن تشهد هذه التكلفة مزيداً من الارتفاع مع طول أمد الحرب وتعطّل الأنشطة الاقتصادية.

وفعلاً أعلنت الحكومة الصهيونية في يناير الماضي عن زيادة تكاليف ميزانية الحرب لحوالي 210 مليار شيكل 58,3 مليار دولار، بالإضافة إلى خسارة العديد من المداخيل، ونتيجةً لذلك كشفت حكومة الاحتلال عزمها على فرض ضرائب إضافية على الكهرباء والمصارف وزيادة ضريبة القيمة المضافة.

وفي إطار استعداداها للانتقام من المقاومة استدعت الحكومة الصهيونية 360 ألف جندي من قوات الاحتياط لينضموا لـ 150 ألفاً هم قوام الجيش الصهيوني، ومما لا شكّ فيه أنّ ترك هذا العدد لوظائفهم هو حدث غير مسبوق في تاريخ هذا الكيان، وكان له تأثير مباشر. علماً أن جنود الاحتياط يكلفون الميزانية الصهيونية رواتب شهرية بقيمة 1.3 مليار دولار.

ومن شأن هذا الاستدعاء أن يضّر كثيراً بالاقتصاد الصهيوني، فهذه الأعداد الكبيرة تحتاج إلى تجهيزات وغذاء ومأوى، إلى جانب سحبها من سوق العمل وتعطيل الأعمال التي كانت تقوم عليها، حيث إن مئات الألوف من قوات الاحتياط هذه يعملون بالأساس في قطاعات أعمال حيوية، مثل: الصناعة والنقل والتعليم والاتصالات والطاقة والأكل والبنوك.

وحتى بالنسبة للأيدي العاملة غير المستدعاه للانخراط في الحرب، فإن إنتاجيتها وعملها غير منتظم، حيث أن هناك قلق دائم من توجيه المقاومة لرشقات صاروخية، فعند سماع صفارات الإنذار يهرعون لمغادرة العمل والذهاب إلى الملاجئ، وهو ما من شأنه أن يعطل أو يعرقل عجلة الإنتاج.

وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" فإن فاتورة الحرب التي تشمل الإنفاق على تعبئة جنود الاحتياط والعمليات العسكرية وإعادة بناء المستوطنات ودعم الاقتصاد ومساعدة المواطنين ستصل إلى أكثر من 150 مليار شيكل عام 2024، وذلك بخلاف ما كلفته الحرب خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2023.

ليس ذلك وحسب، بل أن بنوك "إسرائيلية" حذرت في شهر شباط فبراير 2024 من إفلاس الكيان، ووصل الحال بحكومة نتنياهو إلى الاستغناء عن مئات الالاف من جنود الاحتياط في محاولة لخفض الإنفاق العسكري اليومي الذي يصل إلى نحو260 مليون دولار.

ولحقت أضرار تقدر بنحو 10 مليارات شيكل في 24 مستوطنة بالقرب من قطاع غزة، بالإضافة إلى 5 مليارات شيكل تعويضات ناجمة عن الهجمات الصاروخية على أجزاء أخرى من "إسرائيل" ونفقات بـ 2 مليار شيكل لحلول إسكان المستوطنين النازحين في الجنوب والشمال. وكان قد كُشف عن خسائر بممتلكات المدنيين في "إسرائيل" بما قيمته 1.5 مليار شيكل (375 مليون دولار)، حيث قُدّمت لسلطة ضريبة الدخل الصهيونية بأول 10 أيام فقط من الحرب 15 ألف دعوى تعويضات عن أضرار بممتلكات السكان المدنيين ومن المتوقع أن يصل عدد دعاوى التعويضات إلى 45 ألفاً، والمبلغ قابل للزيادة المضاعفة في ظل استمرار الحرب واستمرار المقاومة الفلسطينية بإطلاق صواريخها. وهناك تقارير أخرى تشير إلى أن تكلفة الدمار في مستوطنات غلاف غزة تخطت عتبة المليار دولار مع نهاية شهر أكتوبر. ويكلّف نقل 200 ألف مستوطن 100 مليون دولار أسبوعياً في مستوطنات الجنوب والمناطق التي تم إجلاء سكانها من شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة بسبب تصاعد المواجهات والهجمات التي يشنها حزب الله اللبناني ضد الاحتلال.

وبحسب بيانات سلطة الضرائب الصهيونية، فإنه حتى نهاية عام 2023، تم تقديم 204 آلاف دعوى بالتعويض عن الأضرار غير المباشرة التي لحقت بالمصالح التجارية في جميع أنحاء البلاد خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتم دفع 167 ألفاً منها بقيمة 3.7 مليارات شيكل (أكثر من مليار دولار)، وتقدر سلطة الضرائب أنه عن شهر أكتوبر/تشرين الأول وحده، سيتم دفع 8 مليارات شيكل (2.5 مليار دولار)، كتعويض عن الأضرار غير المباشرة فقط. أما بالنسبة للأضرار المباشرة التي لحقت بالممتلكات، فقد تم دفع 600 مليون شيكل (167 مليون دولار) فقط حتى الآن من المليارات التي ستكون مطلوبة لتغطية الخسائر.

علماً أن بند الخسائر الذي تشير له التقارير الإقتصادية الصهيونية تشمل: التكلفة المباشرة للقتال، والتعويضات عن الأضرار التي تلحق بالممتلكات، والمساعدات المالية للعائلات والشركات، وفقدان إيرادات ضريبية بسبب تعطل النشاط الاقتصادي. ولا يُعرف إذا كانت هذه المصاريف تشمل رواتب الجنود المرتزقة أم لا.

ومع تصاعد سقوط جنود وضباط صهاينة بأعداد كبيرة نتيجة استهدافهم وقتلهم من فصائل المقاومة الفلسطينية أثناء توغلهم في قطاع غزة، فإن بند تعويضات أهالي القتلى يزداد باضطراد، بالإضافة لتكاليف إعادة تأهيل الجرحى والمعاقين، وتركيب أطراف صناعية، وتكاليف أخرى دائمة تغطي أجور مرافقين وعلاج لهم لسنين طويلة قادمة، عدا عن كلفة العلاج النفسي الذي يحتاجه كثير من الجنود، وسكان الكيان "المدنيين".

كذلك، تشير بعض التسريبات أن الجيش الصهيوني يخفي العدد الحقيقي لقتلى جيشه، كمحاولة منه للحفاظ على معنويات جنوده المنهارة. وللسيطرة على هذه الأعداد المتصاعدة، فإنه يقوم بمساومة أهالي الجنود الصهاينة القتلى، بالحصول على تعويضات مالية كبيرة إضافية مقابل عدم الإعلان عن أسمائهم، وبالتالي إخفاء العدد الحقيقي للقتلى. وليس من السهل تحديد قيمة هذه التعويضات كتكاليف إضافية يتكبدها اقتصاد العدو الصهيوني.

وتشير بعض التقديرات أن عدد الجنود المرتزقة الذين يقاتلون مع الجيش الصهيوني يبلغ 7500 جندي في حربه على غزة. إلا أن النائب الفرنسي توماس بورتس قال إن أكثر من 4 آلاف جندي "إسرائيلي" يشاركون في الحرب على قطاع غزة، هم فرنسيون مزدوجو الجنسية. وتشير بعض المصادر أن المرتزق يتقاضى نحو 3900 يورو (4187 دولاراً) راتباً أسبوعياً، ناهيك عن المكافآت التكميلية المرتبطة بالمهام التي يؤديها كل واحد منهم.

خسائر الإقتصاد الصهيوني الناتجة عن فقدان الثقة بمجمع الصناعات العسكرية الصهيونية:

يبدو أن لعملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حماس في 7 أكتوبر الماضي، تأثيراً سلبياً فادحاً على صادرت سوق السلاح الصهيوني خلال عام 2023 مع توقع تراجعها بشكل كبير خلال 2024، بعد فسخ عدة دول عقود صفقات عديدة، جراء تراجع هيبة الأسلحة "الإسرائيلية" بالمعارك خصوصا الدبابة "ميركافا" التي باتت مثار سخرية بعد اصطيادها من قبل كتائب القسّام وسرايا القدس بقذائف بدائية الصنع مثل قذيفة "الياسين -105". وكان اختراق وتدمير"ميركافا 4" التي تتباهى بها تل أبيب (كونها الأكثر قوة من حيث الهيكل والتدريع) كارثة على مبيعات تصدير السلاح "الإسرائيلي" حول العالم. فقدرة الدول على تصدير الأسلحة ترتبط بتجربتها في عمليات قتالية حقيقية، ومن ثم فإن إخفاق الميركافا وغيرها من الأسلحة، يدمر سمعة المبيعات العسكرية لدولة الكيان.

ووفق تقارير عسكرية و"إسرائيلية"، يعتمد الاقتصاد الصهيوني في مجمله على تصدير الأسلحة وتقنيات التجسس الإلكتروني، كما تُعدّ تل أبيب، أكبر مصدّر للدرونات العسكرية عالمياً، وفق تقديرات نشرتها وزارة الأمن الصهيونية عام 2017.

وفي بيان لوزارة الدفاع الصهيونية، خلال شهر ديمسبر 2023، فإن إجمالي صادرات البلاد من الأسلحة للأسواق العالمية بلغ 12.5 مليار دولار في عام 2022، بفعل الطلب المتزايد على الطائرات المسيرة وأنظمة الدفاع الجوي جراء الطلبات المتزايدة من جيوش حلف "الناتو" على خلفية حرب أوكرانيا. وبحسب قاعدة بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، لصادرات الأسلحة الصهيونية، فإن الهند جاءت على رأس القائمة باستيراد ما قيمته 247 مليون دولار، وحلت الفلبين بالمركز الثاني بمبلغ 206 ملايين دولار، الولايات المتحدة حصلت على أسلحة "إسرائيلية" بنحو 128 مليون دولار، وبريطانيا تلقت أسلحة بمبلغ 75 مليون دولار. واستوردت كل من التشيك، وتايلاند، وفنلندا، وألمانيا، وسنغافورة، وكندا، كميات متفاوتة.

ووفق كتاب "صناعة الدفاع "الإسرائيلية" والمساعدات الأمنية الأميركية" الصادر عن معهد الدراسات القومي "الإسرائيلي"، فإن نحو 600 شركة تعمل بالصناعات الدفاعية، وبحسب آخر إحصائية لمعهد ستوكهولم الدولي بشأن أفضل 100 شركة لإنتاج الأسلحة عام 2022 في العالم، فإن 3 شركات صهيونية احتلت مراكز متقدمة، حيث جاءت "إلبيت سيستمز" في المركز 24، والصناعات الجوية بالمركز 35، و"رفائيل" تبوأت المركز الـ 42 عالمياً.

وقد تكبّد الجيش الصهيوني في ميدان المعركة في غزة خسائر جسيمة، فقد تعرضت دبابة ميركافا (التي يقدر سعرها بحوالي 6 ملايين دولار) للتدمير والإعطاب، فوفق بيانات كتائب القسّام، وصل تعداد ما دُمِّر كلياً أو جزئياً، بالإضافة لناقلات الجند "النمر" (التي يبلغ ثمنها نحو 3 ملايين دولار) أكثر من 1200 آلية عسكرية مع نهاية فبراير شباط 2024، بعد استهدافها بقذائف "الياسين 105" وعبوات "شواظ" وبعض صواريخ الكورنيت. وكان قرار قد صدر من وزارة الدفاع الصهيونية بوقف تصدير مئات الدبابات إلى العملاء الأجانب بما في ذلك أوروبا في ظل الحاجة الملحة له بحرب غزة.

وبحسب محللين فإن هذا السقوط المدوي جراء ضربات حماس، وجه ضربة موجعة للصادرات العسكرية "الإسرائيلية" خلال 2023 ومن المنتظر أن تظهر تداعياته السلبية على سوق السلاح خلال عام 2024. فقد بات حجم خسائر الـ "ميركافا" يهدد 10 آلاف "إسرائيلي" بالتسريح ( من مجموع 45 ألف شخص يعملون بهذا القطاع)، بالإضافة لإغلاق نحو 200 مصنع لشركات الأسلحة، ما يعني تراجع قياسي بمبيعات السلاح خلال عام 2024. وشرعت كوريا الجنوبية في مراجعة مدى فاعلية نظام المراقبة والحماية الذي اشترته من شركة "إلبيت سيستمز" الإسرائيلية لرصد المنطقة العازلة مع كوريا الشمالية، كما أوقفت تل أبيب جميع مبيعات المعدات العسكرية والأمنية إلى كولومبيا.

ويؤكد الخبير العسكري الروسي ليونيد إيفاشوف أن مبيعات الأسلحة تأتي وفق اتفاقات تُـنـفّذ على عدة سنوات، وتداعيات حرب غزة على مبيعات السلاح "الإسرائيلي" بعد الأداء المتدني لها بالميدان ستظهر تباعاً خلال الأعوام المقبلة، وحكماً فإن عدم الإقبال على شراء السلاح "الإسرائيلي" سيجمد أيضاً عمليات التدريب على التشغيل والصيانة وقطع الغيار. وتبقى أول الأسلحة المتوقع تراجع مبيعاتها بعد إخفاقها وفشلها في تحقيق الميزات المُروّجة عنها هي دبابة "الميركافا" ومدرعة "النمر" وأنظمة المراقبة "الإسرائيلية"، وهي أسلحة تسببت في تراجع سمعة السلاح "الإسرائيلي" برمته.

وتبقى الخسارة الاستراتيجية الأكبر المتوقعة "لإسرائيل" ليست عوائد تصدير السلاح فقط، بل تراجع علاقاتها الدولية التي نسجتها خلال سنين طويلة من علاقات بنتها بسبب تصدير أسلحتها لعديد الدول.

خسائر متفرّقة:

كان زيادة الطلب على الاحتياجات العامة، وخصوصاً السلع الاستهلاكية الأساسية هو التأثير الأولي للحرب، مما أثّر في النشاط الاقتصادي سلباً، وأدّى إلى انخفاض العرض وارتفاع الأسعار بشكل كبير.

ومع حالة التوتر والخوف من المقاومة، تغيّر السلوك الاستهلاكي في مجتمع المستوطنين، ليتحولوا عن الإنفاق على أي شيء، إلى الاكتفاء بالحاجات الأكثر ضرورية. كما أخرج الكثير من أصحاب العمل، مئات الآلاف من الموظفين في إجازات غير مدفوعة الأجر، وخسرت أكثر من 51 % من المصالح التجارية المتوسطة والصغيرة أكثر من نصف إيراداتها مقارنة بالشهر ذاته من العام الفائت.

واستلزم ذلك من الحكومة إعداد خطة شملت توفير دعم مادي للعمال الذين تعطلوا عن العمل، وللشركات التي تضرّرت أعمالها ضمن دائرة نصف قطرها سبعة كيلومترات من القطاع، قبل أن يعلن وزير المالية الصهيوني سموتريتش توسيعها لتشمل دائرة نصف قطرها أربعون كيلومترًا.

وكشف موقع "ذي ماركر" العبري، المختصّ بالاقتصاد، أنه وقبل نهاية شهر أكتوبر 2023 كان الكيان الصهيوني "في حالة ركود، والتجارة تصل إلى الصفر"، ويذكر الموقع أن "الكثيرين يحاولون إبقاء رؤوسهم فوق الماء، ويخشون المستقبل، ولا يعلمون من سيعوّضهم ومتى".

كما أعلنت العديد من شركات البناء والبنية التحتية تعليق أعمالها بسبب الحرب، بعد تسجيلها صفر دخل في شهر أكتوبر 2023. وكانت توقعات شركة "دي آند بي" قد أشارت إلى إمكانية دخول آلاف المقاولين في حالة فشل مالي في نهاية عام 2023 في ظل حرب طوفان الأقصى، فقد أُغلقت مواقع البناء أبوابها لفترة طويلة، حيث تمّ إلغاء تصاريح العمل ومُنع العمال الفلسطينيون من الوصول إليها، وغادر البلاد نحو 4 آلاف عامل أجنبي مع نهاية أكتوبر 2023.

يضاف إلى ذلك، أن الهجرة العكسية لخارج الكيان تزداد باضطراد، فقد هاجر 400 ألف "إسرائيلي" -حتى الآن- ممن يحملون جنسيات مزدوجة إلى القارة الأوروبية، والأميركية، مما ينعكس على انخفاض إيرادات الحكومة، ودافعي الضرائب، وقد ينعكس ذلك بانخفاض أسعار المساكن بدولة الكيان نتيجة زيادة المعروض الناتج عن الهجرة العكسية الدائمة لهؤلاء الهاربين، مما قد ينعكس ببعض المؤشرات السلبية على اقتصاد الكيان. من جهة أخرى، تشير بعض القراءات أن أسعار مساكن الهاربين في وسط البلاد لن تنخفض بحال زيادة الطلب عليها من مستوطنين آخرين، قرروا عدم العودة أبداً لمستوطنات الشمال أو غلاف غزة لانعدام الأمن والتهديد المستمر حسب هؤلاء المستوطنين، وعددهم بالآلاف.
 
تأثيرات ضربات حزب الله على اقتصاد العدو الصهيوني في الشمال "الإسرائيلي":

بسبب تصعيد التوتر بين الجيش الصهيوني وحزب الله على الحدود اللبنانية، يُتوقع أن يزداد الوضع الاقتصادي والتجاري في المنطقة الشمالية سوءاً، مع تراكم خسائر أصحاب المصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة، وفروع السياحة، والمطاعم والمقاهي، والترفيه، إضافة إلى الشلل الذي أصاب الزراعة وتربية الدواجن والثروة الحيوانية. كما تُضاف يومياً مزيد من الأضرار الجسيمة للممتلكات والبنية التحتية والطرقات، والمباني العامة، والعمارات السكنية، والمراكز التجارية والصناعية، حيث تم إغلاق قطاع السياحة بشكل شبه كامل، فيما تواجه القطاعات الزراعية المختلفة صعوبة في العمل تحت النيران.

ولم تكن وزارة المالية الصهيونية قادرة بعد مرور 3 أشهر من الحرب، على تقدير مدى خطورة الوضع التجاري والاقتصادي في الشمال، وحجم الخسائر التي تكبدتها المصالح التجارية ومختلف الفروع والقطاعات الاقتصادية. وفي رده على ذلك، قال رئيس اتحاد الصناعيين في "إسرائيل"، رون تومر، "إن وزارة المالية ليست حاضرة، وغائبة عن الشلل الذي أصاب الاقتصاد في المنطقة، هناك مئات من أصحاب كبرى المصانع في الجليل يطلبون الدعم وتوفير التحصين للمباني ليتسنى عودة الموظفين للعمل. فالمصانع في الشمال والجليل الأعلى غير معتادة على الوضع، فبعضها لديه مناطق ليست محمية، وهي في مرمى الصواريخ التي يطلقها حزب الله، ولا يزال هناك أيضاً خطر تسلل المسلحين، لذلك هناك عديد حالات التوقف عن العمل في كافة الفروع والقطاعات".

يُذكر أنه وفق صحيفة غلوبس الاقتصادية فإن مسح وزارة الزراعة الصهيونية، أظهر أن معظم الأعمال بمختلف الفروع الزراعية في الشمال والجليل تعطلت، علماً أن 70% من المراعي وبساتين الفواكه واللوزيات تقع في الجليل الأعلى والجولان المحتل.

وتقول محررة قطاع التسويق في صحيفة "ذا ماركر" عدي دوفرات، إن مشكلة نقص اليد العاملة في كافة القطاعات بارزة في الشمال والجليل الأعلى والمناطق الحدودية، لأن عشرات الآلاف من سكان المنطقة تم إجلاؤهم إلى أماكن بعيدة مثل القدس أو تل أبيب. وتؤكد أن الشمال "ينزف اقتصادياً وتجارياً دون حتى أن تكون هناك مواجهة شاملة ودون الإعلان رسمياً عن حرب مع حزب الله".

وبحسب بيانات وزارة الاقتصاد الصهيونية، فإن 85 مصنعاً كبيراً في شمال البلاد والجليل الأعلى تراقبها الوزارة منذ بداية الحرب، انخفض متوسط إنتاجها لنحو 70%، ويرجع هذا الانخفاض إلى قلة العمالة والخوف من الوصول إلى المنطقة والعمل تحت النيران. وأظهرت بيانات الوزارة أن هناك أيضا عشرات المصانع الصغيرة مغلقة بسبب قربها من الحدود، وإغلاق الطرق والمحاور الرئيسية خشية من صواريخ حزب الله. وبشأن المصانع والمناطق الصناعية والشركات، يُستدل من بيانات الوزارة أنه منذ "طوفان الأقصى"، تم إخلاء قرابة 15 ألف مصلحة ومصنعاً في شمال البلاد وجنوبها.

وتعليقاً على الموضوع تقول المستشارة الاقتصادية في قسم الحوافز الحكومية، أفرات نيومان، إن "المتوقع أن يكون الثمن كبيراً وباهظاً، هناك أضرار لحقت بممتلكات المواطنين الخاصة، فالحدث في الشمال لا يزال بعيداً عن الانتهاء"، مضيفة أنه لا يمكن تقدير الأضرار المباشرة التي لحقت بالمباني والبنية التحتية والزراعة وغيرها. ولم تستبعد المستشارة في حال تواصل التصعيد الأمني أن تتجاوز الأضرار المباشرة المليار شيكل (نحو 300 مليون دولار)، وهذا المبلغ لا يشمل الخسائر التي لحقت بالأعمال التجارية والإقتصادية لمختلف الفروع والقطاعات.

وتشير صحيفة "غلوبس" الاقتصادية إلى أن الغالبية العظمى من الشركات والمصالح التجارية في الشمال والجليل الأعلى مغلقة، وبعضها موجود في مستوطنات تم إخلاؤها بقرار حكومي، وفي هذه المرحلة، يتم إغلاق جميع الأعمال والمعالم السياحية، باستثناء بعض الفنادق وغرف الضيوف التي تقدم خدمات متنوعة للنازحين أو الجنود.

ونقلت الصحيفة عن مدير صندوق التعويضات في مصلحة الضرائب أمير دهان، والمسؤول عن نظام التعويضات عن الأضرار التي لحقت بالممتلكات قوله: "في حال توقف القتال بهذه المرحلة على الحدود الشمالية، نُقدّر أن نتلقى ما بين 5000 إلى 7000 دعوى بالتعويض عن الأضرار المباشرة التي لحقت بالممتلكات بقيمة 500 مليون شيكل ناهيك عن الأضرار غير المباشرة".

تأثيرات الحصار اليمني على اقتصاد العدو الصهيوني:

خلفت معادلة صنعاء في منع واستهداف السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني من الوصول لموانئ دولة الكيان، بعد عدة أيام من بدء عملية طوفان الأقصى، آثاراً وتداعيات وأزمات كبيرة على اقتصاد الكيان الصهيوني المحتل، سيظل يعاني من تداعياتها وأثارها المباشرة وغير المباشرة على المدى المتوسط والبعيد. يُذكر أن قرابة ثُـلث التجارة "الإسرائيلية” تمر عبر البحر الأحمر وباب المندب قبل طوفان الأقصى حسب وسائل إعلام عبرية.

وقد أدى ذلك إلى تراجع التجارة الدولية في البحر الأحمر، بسبب تصدي اليمن للبواخر المتجهة الى ميناء أم الرشراش (إيلات)، في الوقت الذي نجح العدو في تأمين بعض احتياجاتة من السلع؛ عبر جسر بري من موانىء دولة الامارات مروراً في الأراضي السعودية والأردنية!

وفي واحدة من صور التوظيف الجيوسياسي، وتحديداً في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، استهدف اليمنيون أكثر من سفينة لها علاقة مع "إسرائيل"، وذلك في محاولة للضغط عليها لوقف الحرب على غزة والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى هذا القطاع المحاصر. ولم يكتف اليمنيون باحتجاز إحدى السفن المملوكة لرجل أعمال "إسرائيلي"، ولكنهم استهدفوا عدة سفن كانت تحمل بضائع ومنتجات لـ "إسرائيل"، مما أثر بشكل واضح على حركة السفن في تلك المنطقة.

وعند تفحّص البيانات العسكرية الصادرة من القوات المسلحة اليمنية عقب كل عملية مساندة لغزة، نجدها تؤكد على عدة مبادئ رئيسية، فالعمليات تأتي "انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني الذي يتعرض للقتل والتدمير والحصار في قطاع غزة واستجابةً لنداءات الأحرار من أبناء شعبنا اليمني العظيم وأبناء أمتنا"، وتُبيّن البيانات هدفها بـ "إن القوات المسلحة اليمنية تؤكد استمرارها في منع كافة السفن المتجهة إلى الموانئ الصهيونية من الملاحة في البحرين العربي والأحمر حتى إدخال ما يحتاجه إخواننا الصامدون في قطاع غزة من غذاء ودواء" وتختتم البيانات بـ "تؤكدُ القواتُ المسلحةُ اليمنيةُ حرصَها الكاملَ على استمرارِ حركةِ التجارةِ العالميةِ عبرَ البحرينِ الأحمرِ والعربي لكافةِ السُّفُنِ ولكافةِ الدولِ عدا السُّفُنِ المرتبطةِ بـ "الإسرائيلي" أو التي سوفَ تقومُ بنقلِ بضائعَ إلى الموانئِ "الإسرائيلية"".

وقد سلَّط تقرير "إسرائيلي" رسمي، صدر منتصف شهر شباط 2024، الضوء على المزيدِ من جوانبِ التأثيرِ المباشِرِ والكبيرِ للعمليات البحرية اليمنية على اقتصاد العدوّ الصهيوني، حيث بيّن التقرير أنّ انقطاع طريق الشحن في البحر الأحمر يؤثر على الاقتصاد "الإسرائيلي" في التجارة مع آسيا وأوقيانوسيا في ثلاثة جوانبَ رئيسية: الجانب الأول هو استيراد المنتجات النهائية (وهي المنتجات التي لا تدخل في إنتاج سلع أُخرى)، مما يؤدي إلى تعطيل ما يصل إلى 25 % من إجمالي واردات "إسرائيل" لها. الجانب الثاني هو استيراد مدخلات الإنتاج (وهي المواد التي تدخل في إنتاج سلع أُخرى)، مما يؤدي إلى تعطيل ما يصل إلى 21 % من إجمالي واردات "إسرائيل" لها. الجانب الثالث هو تصدير البضائع، حيث يتجلى ذلك في الإضرار بالقدرة التنافسية للصادرات "الإسرائيلية"، ويشير التقرير إلى أنّ الآلات والمعدات الكهربائية والأجهزة هي الفئات الأكثر تضرراً في هذا الجانب. وقد أدى هذا الحصار إلى زيادة تكاليف المعيشة في "إسرائيل"، كما ويؤكد التقرير إلى أنّ العدوّ بحاجة إلى إجراء تغييرات جذرية في سياسة سلاسل التوريد الخَاصَّة به.

وحدد التقرير أن التهديد اليمني في البحر الأحمر وباب المندب يؤثر على تجارة دولة الكيان مع عدة دول أبرزها: أستراليا والهند وهونج كونج والفلبين وفيتنام وتايوان واليابان وماليزيا والصين وسنغافورة وسريلانكا وكوريا الجنوبية وتايلاند.

وفي حال تفاقم الأزمة الناتج عن حصار اليمن للسفن الصهيونية، سيؤثر ذلك بالإضرار بسمعة "إسرائيل” كشريك تجاري طويل الأمد، وكمكان آمن لممارسة الأعمال التجارية، مما سيؤدي إلى تراجع التجارة والاستثمار في "إسرائيل" في المستقبل. علماً أن أعلى الأضرار كانت قد لحقت بصناعة "التكنولوجيا المتقدمة"، والتي يعتبرها الكيان درة صناعاته المتطورة.

وكانت وسائل إعلام صهيونية أقرت مؤخراً، بتعرض الاحتلال لخسائر فادحة جراء الحصار اليمني المفروض على الملاحة "الإسرائيلية". ويأتي على رأس هذه التأثيرات إغلاق ميناء أم الرشراش المحتلّ (إيلات) بصورة شبه كاملة، فقد أقر الرئيس التنفيذي لشركة ميناء إيلات في وقت سابق، أن الميناء متوقف حتى إشعار آخر، وذلك بسبب استمرار العمليات اليمنية ضد سفن الاحتلال. وكانت بيانات ملاحية قد أكدت أن ميناء "إيلات” استقبل سفينة واحدة في شهر ديسمبر الماضي، وسفينة أخرى في شهر يناير الماضي (حسب تقرير نُشر في وقت سابق من شهر شباط فبراير 2024). وكانت نفس المصادر قد أقرت أن ميناء إيلات خسر ثلاثة مليارات دولار بسبب الهجمات اليمنية والحصار المفروض على الملاحة "الإسرائيلية". وقد أدى كل ذلك إلى انهيار نشاط المدينة نفسها التي كانت تعتبر من أبرز الوجهات السياحية ومن أكثر المدن المحتلّة أمناً، فبعد إغلاق الميناء ووصول الصواريخ والطائرات المسيَّرة اليمنية إليها، ارتفعت نسبة البطالة وأغلقت العديد من الشركات أبوابها.

يُذكر أن استيراد المركبات وتصدير البوتاس من البحر الميت، يكون عادةً عبر ميناء إيلات، حيث أن نحو 50% من واردات السيارات إلى "إسرائيل" تجري عبر هذا الميناء.

كل ذلك دفع الاحتلال للاعتماد على السفن القادمة من البحر المتوسط مما أدى لارتفاع كلفة الشحن البحري إلى كيان العدوّ الصهيوني بنسبة 350 %، حَيثُ زاد سعر نقل الحاوية الواحدة من حوالي 1500 دولار، إلى 7500 دولار، وأصبحت كلفة نقل الحاوية تساوي 11 % من قيمتها، بحسب مسؤول صهيوني. ونتيجة لذلك فقد بدأت أسعار السلع والبضائع المستوردة بالارتفاع، وخصوصاً منذ مطلع شباط فبراير الجاري، حيث أعلنت أكثر من 15 شركة استيراد عن زيادات جديدة في الأسعار تبدأ من نسبة 7 % وتصل إلى 40 % بحسب تقارير وسائل إعلام عبرية اقتصادية، يضاف إليها ارتفاع أسعار النقل الداخلي في دولة الاحتلال على خلفية ارتفاع أسعار المشتقات النفطية.

ويفرض تراجع التجارة الدولية في البحر الأحمر على "إسرائيل" استخدام وسائل نقل، أو ممرات بحرية بعيدة عن البحر الأحمر، وهو ما يعني زيادة تكلفة التجارة وتهاوي الطلب، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار النقل البحري إلى "إسرائيل" على نحو يفاقم المؤشرات السلبية للاقتصاد الصهيوني. وأجبرت الهجمات التي شنتها قوات اليمن المسلحة في البحر الأحمر، لسفن صرحت إنها مرتبطة بالتجارة مع "إسرائيل"، على تعليق العديد من شركات الشحن العالمية رحلاتها البحرية باتجاه المنطقة، والاستعاضة عنها برحلات باتجاه رأس الرجاء الصالح، ما رفع كلفة أسعار الشحن العالمية. وجعل مسار السفر أطول بزيادة حوالي 15 - 30 يوماً للسفن لتصل إلى "إسرائيل" من الشرق، عن طريق سلك مسار طويل يلف أفريقيا.

وشملت تأثيرات الحصار اليمني على كيان العدوّ أيـضاً دفع العديد من شركات الشحن العملاقة إلى مغادرة موانئ العدوّ، لتتجاوز التداعيات ميناء إيلات وتصل إلى ميناءي حيفا وأشدود اللذين شهدا في يناير الماضي انخفاضاً في حركة السفن بنسبة 56 % و30% على الترتيب، بالإضافة إلى ميناء عسقلان الذي لم يستقبل سوى سفينتين خلال الشهر نفسه.

وقد أعلنت وكالة "موديز” للتصنيفات الائتمانية منتصف شهر شباط فبراير 2024 خفض تصنيف كيان الاحتلال مع نظرة مستقبلية سلبية، وهو ما يعني أنّ "إسرائيل" لم تعد آمنةً للاستثمار وأنها ستتحمل الآن فوائدَ مضاعفة على أية قروض، وستضطرُّ لرفع الضرائب، الأمر الذي سينعكسُ مباشرةً على كلفة المعيشة للمستوطنين الصهاينة.

ووفقاً للمعلن عنه من مؤشرات فإن فاتورة الحرب والحصار على قطاع غزة، وتداعيات الحصار الذي يفرضه اليمن على "إسرائيل" في البحر الأحمر أدى إلى انكماش اقتصادي بلغ 19% في الفصل الرابع من عام 2023.

وتوضح كُـلّ هذه التأثيرات المباشرة والنسب السلبية المرتفعة، أنّ قرار إغلاق باب المندب أمام حركة التجارة الصهيونية كان ولا يزال بمثابة زلزال أصاب اقتصاد العدوّ الذي يتعرض لنزيف حاد من أكثر من جهة؛ بسَببِ الحرب؛ وهو ما يفسر اندفاع الولايات المتحدة وبريطانيا إلى شن العدوان على اليمن؛ بهَدفِ إيقاف العمليات اليمنية؛ لما لها من تأثير ضاغط وكبير على "إسرائيل".


خاتمة:

في المحصّلة، لم تُصِب كيان الاحتلال كارثة كهذه من قبل، بل لم يبلغ أي ضرّر لديه بعض ما نشاهده اليوم، حتى خلال حروبه الكثيرة السابقة. إنّها نكبة اقتصاديّة بكل المقاييس بعد انكشافه أمنيّاً وعسكريّاً وسياسيّاً وأخلاقياً.

ومما لاشك فيه، وبحسب مراقبين اقتصاديين فإن الخسائر التي لحقت باقتصاد الكيان الصهيوني في حرب 1973 لا تساوي 10% من حجم الخسائر التي تعرض لها الكيان منذ بدء عملية طوفان الأقصى والتي ما زالت نهايتها مجهولة. وفي هذا السياق فإن الموقف اليمني بمنع الملاحة الصهيونية في البحرين الأحمر والعربي فرضت معادلة جوهرية واستراتيجية أثرت بشكل مباشر وغير مباشر على اقتصاد العدو الصهيوني، وسيكون لها آثار كارثية على هذا الاقتصاد الهش.

وكان قد كثر الحديث عن "كيف سيكون اليوم التالي في غزة؟" وماذا يكون عليه شكل الأوضاع والحكم فيها.... ويحاول الصهاينة بطرحهم هذا، تشتيت العالم عن السؤال الأهم والأجدر، وهو: "كيف سيكون اليوم التالي في الكيان الصهيوني؟" فما زالت أزماته الإقتصادية تتعاظم وسيعاني من استحقاقات داخلية متتابعة، فلجنة التحقيق بأحداث السابع من أكتوبر تنتظر تكليفها واستلام مهامها. وهناك استحقاقات خارجية عميقة ومتشعبة نتجت عن تكشّف الوجه الحقيقي القذر لهذا الكيان بقتله لأهل غزة، وممارسة كل أفعال "الإبادة الجماعية" و "جرائم الحرب" من حصار وتجويع وقطع كل وسائل الحياة عن أهل غزة، وتدمير مساكن القطاع وبنيته التحتية ومدارسه وجامعاته ومستشفياته ومصانعه ومخابزه ومبانيه الحكومية.

ومما لا شك فيه أن ذلك سيستـتـبعه مقاطعة الكثير من سكان الأرض لهذا الكيان، ورفضهم التعامل معه، انتصاراً لضميرهم وإنسانيتهم، وقد تتحول المقاطعة لهذا الكيان إلى حصار اقتصادي له في سنوات قليلة قادمة، وعليه سيكون الصهاينة تحت استحقاقات ومفاصل جديدة لم يعهدوها من قبل، وقد تكون الملابس السوداء التي يلتزم بها أعضاء "كابينت الحرب الصهيوني" هي تعبير حقيقي عن الأيام السوداء التي سيعيشها اقتصاد الكيان في المستقبل القريب.

أما استحقاقات صناديق الاقتراع في دول غربية كثيرة فإنه من المتوقع أنها ستتأثر بما حدث بغزة، فالمظاهرات الضخمة ملأت ساحات المدن الغربية، وقد أصبحت الأمور واضحة لدى الكثير من مواطني هذه الدول بكيفية تعامل الطبقة الحاكمة بها بمساندتهم اللامحدودة لدولة "إسرائيل"، وسنراقب كيف سينعكس ذلك على الحياة السياسية لديهم مستقبلاً، فـ "الطوفان" قد بدأ، وهو لن يبقي ولن يذر.

وستبقى وحشية وبربرية الصهاينة في قتل أهل غزة، دليلا على هلع الصهاينة من الاستحقاقات القادمة يوم تتوقف الحرب، وذلك لا يعني توقف الطوفان، فالطوفان سيستمر، وقد تكون استحقاقاته كارثية على دولة الكيان التي مارست أقصى درجات الإجرام، لمحاولة "إنقاذ ما تبقى من هذا الكيان" فلا تغيب عن المشهد عبارات نتنياهو في بداية الحرب: "سنجلس كلنا للمحاسبة، ولكننا الآن أمام استحقاق أهم، وهو "إنقاذ الدولة" حد تعبيره، قالها يومها بوجه متجهم مستجمعاً بقايا رباطة جأشه.

وكانت جبهات المساندة لغزة واضحة المعالم والأثر هذه المرة بمعركة طوفان الأقصى، في كلٍ من اليمن ولبنان وسوريا والعراق وإيران، وسيتبعها معادلات أخرى في المستقبل القادم.

وعند أي معركة قادمة ستكون وسائل المقاومة والردع أقوى وأشد، ولابد أن "إسرائيل" ومن خلفها أمريكا ستحسب ألف حساب قبل الإقدام على أي "مغامرة" في أي معركة قادمة، فما شاهدته وخَبِرته هذه المرة من عدم قدرتها على الاستفراد في غزة، بل تحرك جبهات مساندة لغزة، هي معادلة جديدة أزعجتهم، فقد اعتادوا على تدجين الأنظمة العربية ومن خلفها جيوشها بإخراجهم من المعادلة. وبعد كل ما فعلته أمريكا في إقليمنا من سيطرة وتشبيك، وإذ بحركات مقاومة تنهض لِتَقض مضاجعهم وتقتل أحلامهم بتركيع هذا الجزء من العالم كما فعلوا في أماكن أخرى من هذه المعمورة، فقد اشتد الضغط الأمريكي والغربي خلال العقود الثلاث السابقة في محاولات نزع سلاح حزب الله، ولكن الشعوب فهمت أن السلاح هو الذي يؤمن لهم فرصة العيش بكرامة في الإقليم، وخبروا أن كلفة الاستسلام ستكون أعلى من كلفة الصمود كما يكرر دائماً السيد حسن نصر الله.

كذلك هل ستستطيع أمريكا تحمل نتائج تعطيل التجارة الدولية في البحر الأحمر مرة أخرى "قادمة" نتيجة فلتان قادة الكيان الصهيوني وممارستهم التي تجّر العالم للدمار، مما يحمّل الإقتصاد العالمي أزمات لا يستطيع التعامل معها، لتكون نتائج ذلك، ارتفاع في الأسعار وزيادة التضخم، واحتمال اتساع المواجهة العسكرية عالمياً.

ولا ندري إن اشتملت لائحة الدعوى التي قدمتها جنوب إفريقيا للمحكمة الدولية ضد الكيان الصهيوني، بنداً يتعلق بكلفة إعادة الإعمار في غزة، التي يتوجب تحميلها للكيان الصهيوني المجرم واقتصاده، هي معانٍ لم يعتد عليها الصهاينة، ولكنها تضاف لمشاهداتهم وتجاربهم العديدة التي عايشوها لأول مرة في معركة طوفان الأقصى.

ويعرف جميع المتابعين لنهج الصهاينة عبر سنين طويلة سابقة ومفاصل تاريخية، بأن الصهاينة ينتهجون دائماً أسلوب إخفاء وتقليل الخسارات التي يُمنون بها، فبالإضافة لصعوبة الحصول على معلومات جلية دائماً عن خسائرهم الحقيقية بالميدان، إلا أن "معركة الصورة" قد نقلت لنا جزء من ورطة الصهاينة وصعوبة تكذيب خساراتهم في ساحات المعارك، ولكننا مع كل ذلك لا يمكننا أن نصل لمقدار خساراتهم في قواعدهم العسكرية المغلقة، أو منشآتهم الإقتصادية الكبرى المُطوّقة أمنياً، في وسط الكيان المحتل عند تعرضها لقصف صاروخي كثيف أو نوعي من المقاومة أو من العراق أو اليمن أو غيرها. وظهر إخفاء خساراتهم بنهجهم المعروف بتقليل عدد قتلاهم في الميدان، لذا، لا غرابة أن يكون الصهاينة يخفون حقيقة خسائرهم الإقتصادية ويتلاعبون بأرقامها، لإخفاء عجزهم وقلة حيلتهم عن إنقاذ اقتصادهم الذي طالما افتخروا به.

ساعة صبر والحقيقة ستنجلي، وسيكتشف الجميع أن اقتصاد هذا الكيان وهمي، وأوهن من بيت العنكبوت أيضاً.

كلمات دلالية :

تابعو الأردن 24 على google news