رمضانيات (٥): الحرية: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)
د. نبيل الكوفحي
جو 24 :
أختير الانسان للتكليف الالهي ( إني جاعل في الأرض خليفة)، وجعلت العبودية لله اساس القيام بهذا التكليف (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). نقرأ في أم الكتاب في كل صلاة الاية ( إيَّاكَ نعبدُ وإيَّاكَ نستعين) في دلالة واضحة على استحضار مفهوم العبودية لله فقط في كل يوم.
العبودية لله تعني بالضرورة الانعتاق من عبودية البشر، فلا يمكن الجمع بينهما، فالعبودية لله تؤسس لمبدأ ( لا اكراه في الدين)، وهي ذاتها التي خاطب بها جل جلاله الرسول محمد صلي الله عليه وسلم (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ). و قصة جاره اليهودي الذي كان يؤذيه شاهد.
من اسس الحرية في الاسلام ان الخالق المعبود لا يمنع البشر الذين لا يدينون له بالعبودية في الحياة الدنيا من تسخير سنن الكون لهم باجتهادهم وتحصيل اسباب الرزق والتمكين (كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّك وَمَا كَانَ عَطَاء ربك محظورا)، بخلاف العبودية للبشر التي تمنع حق التعبير والاختيار واحيانا حق الحياة. حرية الاختيار التي نؤمن بها يلازمها بيان الحق حتى يكون الاختيار مسؤولا (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، وايضا ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي).
تحرير الإنسان من العبودية لغير الله وسطوة الحق هي المستهدف، لا يمنعها جور جائر ولا قدرة مستبد، لذلك كانت أعلى مراتب الشهادة ما بترتب على ( كلمة حق عند سلطان جائر)، وهذا كان ديدن المسلمين في صدر الاسلام، فهذا الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول في خطبته الشهيرة بعد مبايعته: فإنّ أحسنتُ فأعينوني وإن أسأت فقوموني. وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين ولي الخلافة خطب فقال: يا معشر المسلمين، ماذا تقولون لو ملت برأسي كذا” (وميل رأسه)؟ فقام إليه رجل فقال: أجل كنّا نقول بالسيف كذا (وأشار إلى القطع) فقال عمر: إياي تعني؟ فقال الرجل: نعم إيّاك أعني بقولي. فقال عمر رضي الله عنه: رحمك الله، الحمد لله الذي جعل في رعيتي من إذا اعوججت قوّمني. ولم يامر بطرده او حبسه او قتله.
ان الحرية ومنها حرية التعبير محكومة بضوابط الشرع وهي واسعة، فحرية التعبير غير حرية التضليل، فلا مجال لافساد المجتمع ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا والآخِرَة)
ان أقسى انواع عبودية البشر هي عبودية الاحتلال، وهي سلب ارادة المجتمع فوق سلب ارادة الافراد فمقاومته وتحرير الارض من ظلمه تعد اسمى انواع الحرية، اذا فان اعانة اهل فلسطين بعامة واهل غزة بخاصة في التحرير من عبودية الاحتلال هي واجب شرعي على كل مسلم وعربي وواجب اخلاقي على كل انسان حر شريف، يجب القيام به، وبغير ذلك تكون حريتنا منقوصة، ان لم تكن مسلوبة.
وتقبل الله طاعتكم و إعانتكم لتحرير اهلنا في فلسطين من عبودية الاحتلال