"جهاد نكاح" وسباق على الفردوس وأكل القطط.. "قصص رعب" سورية بعضها حقيقي والآخر من نسج النظام
موناليزا فريحة -
من جهاد النكاح وهجرة الجهاد، الى تعديات تعد ولا تحصى على حقوق الانسان. اعدام فتى بتهمة الكفر وتزويج قاصرات لاسباب اجتماعية. اغتصاب وتنكيل. محاكم شرعية وفتاوى. فصائل مقاتلة بالآلاف، أسماؤها غريبة وأشكالها أكثر غرابة، وليست "داعش" الا أحد وجوهها. "قصص رعب" تخرج من سوريا، بعضها من نسج الدعاية التي ينشرها النظام لتشويه صورة الثورة، وبعضها الآخر صحيح. فما هي حقيقة هذه الظواهر، وكيف يمكن تفسيرها؟
ما يحصل في سوريا أكثر بكثير من أسلحة كيميائية ومؤتمر سلام قد يعقد وقد لا يعقد. في سنتها الثالثة، لم تعد الحرب السورية استثنائية بحجم ضحاياها والدمار الذي تخلفه، ولا بتداعياتها على دول الجوار وحجم المصالح الاقليمية والدولية المتداخلة فيها فحسب. لعل الظواهر التي تشهدها تلك البلاد وتفاقم معاناة شعبها تجعل مأساتها فريدة بمعايير كثيرة.
من حرب لبنان، تستعيد سوريا مظاهر الخراب والدمار والخطف والقتل على الهوية.ومع العراق، تتقاسم الانتحاريين والسيارات المفخخة وأخيرا وربما ليس آخرا "دولة العراق الاسلامية في العراق والشام" (داعش). يتكرر في سوريا كثير من السيناريوات التي عرفتها دول مجاورة لها، غير أن ثمة أمورا أخرى تحصل هناك لا تشبه إلاّ نفسها وتبقى غريبة على مجتمعات حروب المنطقة.
في أيلول الماضي، ألهمت قصة عن سوريا آلاف العناوين، وربما تجاوزت بعدد قرائها الاتفاق على تفكيك الترسانة الكيميائية السورية وحتى مجزرة الغوطتين. ولم يكن صعبا معرفة سبب هذا الاقبال على الخبر، إذ كان يتعلق باعلان وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو أن نساء تونسيات يسافرن الى سوريا لممارسة "جهاد النكاح" ويضاجعن "20 أو 20 أو 40 رجلا" قبل أن يعدن حوامل الى تونس.
لم تكن تلك المرة الاولى يسمع العالم بـ"جهاد النكاح" في الحرب السورية، وإن تكن القصة اكتسبت أهمية متزايدة لأنها صادرة عن مسؤول رسمي لا تعد بلاده حليفة لنظام بشار الاسد.
قصة جهاد النكاح
بدأت قصة "جهاد النكاح" في سوريا أواخر العام الماضي مع تغريدة في موقع "تويتر" نسبت الى رجل الدين السعودي الشيخ محمد العريفي أفتى فيها بجهاد المسلمات من عمر 14 سنة. ومع أن مغردين والشيخ نفسه الداعم للثورة السورية، كذبوا هذه الفتوى، كثرت اشرطة الفيديو والروايات عن تطبيقها في المناطق التي يسيطر عليها "الجيش السوري الحر".
فأواخر أيلول، أطلت الفتاة روان قداح على التلفزيون السوري وروت "كيف أنها كانت تستحم عندما دخل رجل تعدى الخمسين من العمر مرتديا فقط ملابسه الداخلية وامسكها بشعرها وأخذها عنوة الى الغرفة. وعندما صرخت منادية والدها لم يحرك ساكنا، ورأت ان والدها باع "شرفها" للثوار.
لاحقا، أكدت عائلة القداح تعرض ابنتها للخطف، موضحة أنه عندما أخفقت قوات الاسد في اعتقال والد روان، خطفت الابنة بينما كانت في طريق عودتها من المدرسة في درعا في تشرين الثاني 2012، نافية الرواية التي سردتها الفتاة على التلفزيون الرسمي.
وفي البرنامج نفسه الذي أطلت منه روان، قالت شابة أخرى إنها مارست "جهاد النكاح" مع مقاتلين من "جبهة النصرة"، غير أن عائلتها قالت إن ابنتها خطفت من جامعة دمشق بينما كانت تتظاهر ضد النظام السوري. وتقول العائلتان إن كلتا الفتاتين لا تزال مفقودة.
كذلك،نفت تونسية أن تكون مارست "جهاد النكاح" بعد تقارير تحدثت عن هذا الامر. ومع أنها أقرت بأنها كانت في سوريا، أضافت أنها كانت تعمل هناك ممرضة، مشيرة الى أنها متزوجة وهربت مع عائلتها الى الاردن.
فبركة اعلامية
عبثا حاولت منظمات تعنى بحقوق الانسان التثبت من الروايات عن "جهاد النكاح "في سوريا.
وفي حديث الى "النهار"، صرح المدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن رضوان زيادة العضو في "المجلس الوطني السوري" بأن "جهاد النكاح" فبركة اعلامية من النظام. فالفتوى كما شهادات عدة عرضها التلفزيون السوري تبين أنها زائفة. وأضاف: "عندما واجهنا وزير الداخلية التونسي وطالبناه بأدلة على ما قاله، أجاب بأن ثمة تونسية واحدة مارست هذا النوع من الجهاد، لكنه لا يملك أدلة على ذلك". وأدرج كلام الوزير في اطار الخلافات السياسية الداخلية مع حركة النهضة.
ونشرت مجلة "در شبيغل" الألمانية في تحقيق مفصل عن "جهاد النكاح وأكاذيب أخرى" في سوريا أن وزير الداخلية التونسي الذي تشهد بلاده تدفقا للجهاديين الى سوريا، كان يحاول كبح جماح هذه الظاهرة بنزع الصدقية عن الجهاد في سوريا.
يبدو صعبا وأحيانا مستحيلا التحقق من صحة كل القصص المرعبة الواردة من سوريا والتي توردها وسائل الاعلام الرسمية، وخصوصا تلك المتعلقة بالتعديات على المسيحيين، مثل مصادرة أراض لهم في دوماً وقطع رأس أسقف وغيرها، وصولا الى الاتهامات لمقاتلين من المعارضة بنهب كنائس في معلولا واحراقها والتهديد بقطع رؤوس مسيحيين رفضوا اعتناق الاسلام.
البروباغندا والحرب المضادة
أدرك الرئيس السوري أكثر من أي زعيم آخر واجه انتفاضة شعبية على حكمه أهمية البروباغندا في حربه المضادة. ومن الواضح أنه يعتمد على فريق واسع للعلاقات العامة هدفه ضخ روايات مفبركة كلياً أو جزئيا عن ارهاب المسيحيين ونفوذ "القاعدة" في صفوف المقاتلين والخطر الذي يمثله التنظيم الاسلامي على المنطقة كلها. وساعدته في نجاح حملته وسائل اعلام روسية وايرانية مؤيدة له، الى شبكات اعلام مسيحية قلقة على مصير الاقليات في سوريا ساهمت في نقل هذه الروايات الى الاعلام الغربي.
وإذا كان تقرير "در شبيغل" يدحض بعض الادعاءات من غير أن يجزم بعدم حصول انتهاكات أخرى، ثمة ظواهر أخرى حقيقية. من الفيديو الذي أذهل العالم لذلك المقاتل الذي يأكل كبد الجندي السوري، الى الشريط الذي يظهر مقاتلين اسلاميين يعدمون فتى في الخامسة عشرة رمياً بالرصاص امام افراد عائلته بتهمة التلفظ بما يسيء الى النبي محمد، وصولا الى التغريدات عن فتاوى تجيز أكل القطط والكلاب في بعض المناطق المحررة، بدل الموت جوعا. كل ذلكك ليس الا دليلاً على أن ما يحصل في سوريا أحيانا يتجاوز منطق الحروب وكل منطق.
هجرة الجهاد
وأخيرا، نُشرت في مواقع الكترونية صور لعائلات مجاهدين تحتل بيوت اهالي مدينة حلب، بعدما انضمت الى رجالها الذين اتو الى سوريا للجهاد.
وعرض فيديو لـ"داعش" انتشر أخيرا في موقع "يوتيوب" هجرة عائلة كاملة من قازاقستان مؤلفة من 150 شخصا من ثلاثة أجيال مختلفة الى سوريا للقتال فيها بدعوى "الجهاد". في الفيديو يبرر شاب اسمه عبدالرحمن القازاقي وجوده مع عائلته في سوريا، بأن "الله اخبرنا ان الجهاد هو ثروة سنام الاسلام...، ونحن نحب الاسراع في دخول الجنة لنرى وجه الله".
كما آلاف الروايات والاشرطة الاخرى، ليس واضحا ما اذا كان الشريط حقيقيا أم مركبا، لكن الثابت أن سوريا باتت موئلا للمسلحين التي يعتنق بعض منهم أفكارا متشددة.
"جرعة هواء" للجهاديين
في تقرير كرّسته لشبكات "الجهاديين" في سوريا، كتبت صحيفة "الموند" الفرنسية أن حجم تلك الشبكات سجّل تضخّماً كبيراً خلال فترة الصيف الماضي .
ونقلت عن مسؤول في الاستخبارات الفرنسية أن "المقاومة التي أبداها نظام كان الجميع يتوقعون سقوطه بسرعة ثم الهجمات الكيميائية التي شنّتها القوات الموالية لبشّار الأسد كانت بمثابة "جرعة هواء" للجهاديين، سواءً في فرنسا أو في البلدان الأخرى". وأضاف: "لم يسبق لنا أن شهدنا مثل ذلك حتى في حرب أفغانستان".
نحو مزيد من التطرف
وشبّه رضوان زياده هجرة الجهاد الى سوريا بما حصل خلال حرب البوسنة والهرسك، عازيا ذلك في المرتين الى عجز المجتمع الدولي عن وضع حد للانتهاكات التي ترتكب في حق السكان، ومحذرا من أنه كلما طالت الازمة ستتزايد حماسة الشباب الذين يتأثرون بالصور والفيديوات المروعة التي تخرج من سوريا. والى التلكؤ الدولي، يعزو تزايد عدد الجهاديين الى خطاب عدد من كتائب"الجيش السوري الحر" ذات التوجه الاسلامي واعتماد نظام الاسد على "حزب الله" والميليشيات العراقية، الامر الذي يؤدي الى تأجيج النزعة الطائفية. كذلك، ثمة عوامل في رأيه تساهم في الحركة الجهادية، منها سهولة الوصول عبر تركيا وعدم الحاجة الى تأشيرات للتنقل بين البلدين. مع ذلك، يقول إن الارقام عن جهاديين أجانب مبالغ فيه، وهم يمثلون نسبة تراوح بين 5 و8 في المئة فقط من المقاتلين. وبالنسبة اليه، تمثل "داعش"التهديد الاكبر، وعلى المدى البعيد سيتفاقم خطرها ليتجاوز سوريا الى دول المنطقة كلها.
ليست هذه الظواهر الشاذة التي تشهدها الساحة السورية في نظر زيادة سوى نتيجة لانهيار مؤسسات الدولة في المناطق التي يسيطر عليها الثوار وعجز المعارضة السياسية عن بسط سلطتها والسماح للمحاكم الشرعية و"داعش" بملء هذا الفراغ. وهو يتوقع ظواهر أخرى في المستقبل ومجتمعا أكثر تطرفا وتدينا اذا استمر المجتمع الدولي في تردده حيال سوريا. ولا يستبعد أن يتحول المجتمع السوري كله الى "القاعدة" بمفهوم المعاداة للغرب الذي سمح بارتكاب هذه المجازر.
(النهار اللبنانية)