نصف عام من العدوان.. وغزة تقاسي جرائم الإبادة والتجويع
بعد أن كان قطاع غزة الساحلي ينبض بالحياة، أصبح اليوم شبه مدمر يفتقر لأدنى مقومات الحياة؛ بسبب حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من ستة أشهر.
ويعاني أهالي القطاع، ولاسيما محافظتي غزة والشمال، من نقص شديد في المياه والطعام، فيما ينعدم الوقود والكهرباء، وسط تدمير أكثر من نصف المباني السكنية والمساجد والبنية التحتية.
وتسبب منع قوات الاحتلال إدخال الوقود إلى تكدّس آلاف الأطنان من النفايات في الشوارع ومراكز الإيواء، وهو ما أدى لانتشار الأوبئة والأمراض.
نصف عام مر على حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة، وما زال قوات الاحتلال ترتكب مجزرة تلو الأخرى بحق المدنيين، وسط عجز المجتمع الدولي عن توفير الحماية لشعب يُباد على الهواء مباشرة، دون أن يُحرك أحد ساكنًا.
حرب بلا هوادة
ومنذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي، تشن قوات الاحتلال حربًا بلا هوادة على القطاع، طالت كل شيء "الحجر والبشر والشجر"، وأدت إلى تدمير أكثر من 70 ألف وحدة سكنية كليًا، و290 ألف وحدة جزئيًا، و200 موقع أثري، فضلًا عن تدمير المنشآت الحكومية والتعليمية والاقتصادية، والبنى التحتية.
وأسفر العدوان الإسرائيلي المستمر عن استشهاد أكثر من 33500 مواطن بينهم نحو 14500 طفل، 9500 امرأة، وإصابة نحو 76 ألفًا آخرين، وفق وزارة الصحة بغزة.
ما يزيد عن 2941 مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال بحق عائلات فلسطينية، بعضها مُسحت من السجل المدني، فيما بات 17 ألف طفل يعيشون دون كلا والديهم أو أحدهما.
ولم تكتف قوات الاحتلال بارتكاب جرائم القتل والتدمير الواسع، بل عمدت إلى استخدام سياسة التجويع بحق أهالي شمالي القطاع، ومنعت إدخال المساعدات، وقتلت المواطنين الباحثين عن لقمة العيش، ضمن خطة ممنهجة لتنفيذ جريمة التهجير القسري ضدهم.
ومع تشديد الحصار على القطاع، أصبح الحصول على المساعدات مسألة حياة أو موت، إذ قتل جيش الاحتلال، وفقًا للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، 560 مواطنًا وأصاب 1523 آخرين خلال استهداف منتظري المساعدات ومراكز توزيع وعاملين ومسؤولين عن تنظيم وحماية المساعدات وتوزيعها في غزة.
ويعيش نحو 1.5 مليون نازح جنوبي القطاع واقعًا مأساويًا وظروفًا صحية سيئة داخل الخيام ومراكز الإيواء المكتظة بالسكان، وسط مخاوف من شن جيش الاحتلال عملية عسكرية في مدينة رفح، وارتكاب مجازر بشعة بحقهم.
ولم تسلم المؤسسات الصحية والمستشفيات من جرائم الاحتلال، إذ حولتها إلى ساحة للقتل والتدمير، وقتلت 485 من الطواقم الطبية وأخرجت 32 مستشفى عن الخدمة، بما فيها مجمع الشفاء الطبي، أكبر مستشفيات القطاع، الذي شهد في الأيام الماضية عمليات تدمير هائلة وتنكيل وإعدامات ميدانية بحق المرضى والجرحى والنازحين.
ويحرم الاحتلال الآلاف من مرضى السرطان والكلى من العلاج والرعاية الصحية، حيث يواجهون خطر الموت بكل لحظة، بسبب عدم توفر الدواء والأجهزة الطبية.
ووفق مؤسسات حقوقية، ما زالت قوات الاحتلال تُخفي قسرًا آلاف المعتقلين والمعتقلات من قطاع غزة بعدما اعتقلتهم من مناطق التوغل أو خلال محاولتهم النزوح، وتعرضهم لانتهاكات جسيمة وعمليات تعذيب وحشية وهم مكبلي الأيدي والأرجل بالأصفاد الحديدية والبلاستيكية، ما تسبب ببتر أطراف العديد منهم.
ورغم فداحة الفقد وكارثة الوضع الإنساني والبيئي والنفسي؛ إلا أن أهالي القطاع يُصرون على الحياة، ويواجهون بأجسادهم محاولات تهجيرهم، ويحاولون انتزاع لقمة عيشهم من بين أنياب الاحتلال.
وبعد ستة أشهر من العدوان الهمجي، ما زالت المقاومة تدافع عن سعبها ببسالة، وتكبّد قوات الاحتلال- التي فشلت حتى اليوم في تحقيق أي من أهدافها المعلنة- خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
انتقام وتدمير
المحلل السياسي أحمد عوض يرى أن "إسرائيل" فشلت فشلًا ذريعًا خلال ستة أشهر من الحرب، في تحقيق أي من أهدافها العسكرية المعلنة، وعمدت لارتكاب جرائم القتل والتدمير الممنهج في قطاع غزة.
ويقول عوض، في حديث لوكالة "صفا"، إن "الاحتلال عمل على تحويل القطاع إلى مكان غير قابل للحياة عبر تدمير ما نسبته 70٪ من البنية التحتية والمنازل والجامعات والمدارس والأماكن الحيوية، وكل مقومات الحياة".
و"ما حدث في غزة منذ بداية الحرب، كما يضيف الكاتب عوض، كان هدفه الانتقام وقتل أبناء الشعب الفلسطيني وتهجيرهم قسرًا، فالاحتلال لم يحارب حركة حماس وحدها، بل قتل الأطفال والنساء، واستهدف المدنيين من خلال إصراره على تنفيذ جرائم الإبادة الجماعية والتجويع".
ويرى أن المقاومة حطمت خلال ستة أشهر من الحرب، "أسطورة الجيش الذي لا يقهر"، وأثبتت أن "إسرائيل" أضعف من أن تحمي نفسها وجيشها، رغم الدعم الأمريكي والغربي.
صمود لا يلين
ويؤكد أن الفلسطينيين بغزة أوصلوا "إسرائيل" إلى محكمة العدل الدولية، على خلفية جرائم الإبادة التي ارتكبتها ضدهم، كما غيروا نظرة العالم تجاهها وأثبتوا أنها ضد السلام والقانون الدولي.
وفقًا للمحلل السياسي، فإن المقاومة أعادت القضية الفلسطينية وفكرة حلها للمركز الأول في العالم، وأسقطت كثير من الأكاذيب والأخبار الإسرائيلية المضللة التي كانت تُروجها أمام الرأي العام العالمي بشأن الحرب، وكشفت زيفها.
ورغم شدة القصف والقتل والتجويع والتهجير، إلا أن الشعب الفلسطيني بمقاومته لم ينهزم ويرفع الراية البيضاء، بل بقي وما زال صامدًا على أرضه لم يتنازل عن حقوقه ومطالبه.