مؤسّسة المدرسة تحت المِجهَر
-هل فعلا نعرف الأبعاد الرئيسة التي تكوّن مؤسّسة المدرسة؟
-وهل سبق لنا أن وقفنا على العوامل التي تقف وراء ما يرفع نسبة تعلم الطلبة، وما يهبط بها ؟
-ولماذا نعتقد أن بيئات المدارس الفندقية (5 نجوم) هي الأفضل لتعلم الطلبة، وأن بيئات التعلم الفقيرة طلبتها أقل تعلّمًا؟
-وهل نستطيع أن نضع اليد على ما يرفع نسب تعلم الطلبة، إذا ما تيَقنّا أن مؤهل المعلم، وثراء بيئات التعلم، وارتفاع قيم الإنفاق المالي، ليست ذات أهمية كبرى في تحقيق أهداف المدرسة، وارتفاع نسبة تعلم الطلبة على حساب خفض نسبة تعليمهم؟
المدرسة عموما كبُر حجمها، أم صغُر تتكوّن من أربعة أبعاد رئيسة، وهي:
1-بُعد البنية التحتية، وتتكون من البناء والمَرافق، والمختبرات، والساحات، والطلبة، والكوار التدريسية والإدارية، ومجتمع المدرسة.
2-بُعد الكفايات والأدوار والتشريعات، والمتطلبات التنظيمية.
3-بُعد العمليات التعليمية والإدارية، والإشرافية، والإرشادية، والرصد، والتقويم...
4-بُعد السيطرة والتحكم.
عندما تكتفي المدرسة ببُعدَيها الأول والثاني، فتغدو المدرسة صامته لا حياة تعليمية فيها، أي كأنها مصنع توقف عن العمل، أو لم يعمل بعد. وعندما يبدأ التشغيل وتدور العجلة تبدأ عمليات التفاعل والتداخل والتكامل بين هذين البُعدَين: الأول والثاني؛ أي بين المعلمين والطلبة والإدارة في غرف الصفوف وخارجها ومختبراتها……. لينشأ جراء ذلك بُعد العمليات، وهو البُعد الثالت، ويتطور هذا البُعد بين الهادئ، والعادي الممِلّ ،إلى النشِط القويّ، ثم إلى ذروة التفاعل التي يندمج بها أطراف الفعل عمقا وتوسّعا،على قاعدة التفكير المتصاعد، والتعلم المتسم بالانخراط والغمر. وهنا فقط، تتحقق الأهداف، ويتم الاكتساب، ويشعر الجميع بالمتعة وحبّ المدرسة.
ويبقى البُعد الرابع الذي يتميز بحكمة الإدارة كونها عملية؛ بغض النظر عمّن قام بها، مدير، أو معلم، أو مشرف، أو زائر، وهو بُعد يعني القدرة والتفوق، والتحكم بكل خيوط اللعبة الإدارية؛ وصولا إلى حالة القيادة والإنجاز الأرفع.
وقد بات من الواضح أن هناك أبعادا مدرسية ضرورية في حدّها الأدنى كما في البُعدين الأول والثاني، فهناك عمليات تُحدث الفارق لصالح ذروة التعلم كما في البُعدين الثالث والرابع، والتي لا يُقبل منها إلا الحد الأعلى من أجل تحقيق التميز.
إذن؛ لا بدّ من أن نستنتج الآتي:
· يحتاج بُعد العمليات إلى قدرات ومهارات يتطلبها أداء الدّور بفاعلية، وهذا لا يكون إلا عندما يمتزج أداء الدّور بالاهتمام والرغبة، والحب، والحرص.
· الاعتبارية للموارد البشرية من معلمين، وإداريّين ومشرفين، ومرشدين وعاملين، وخاصة عندما تأتي من طرفين: الأول من الذات، عن طريق الإحساس بمتعة الإنجاز وحِرَفية الأداء، والآخر من الطلبة وأولياء الأمور. وقد يعزّز ذلك ويدعمه المسؤولون إن لم يكن ذلك سبباً للنقمة والإبعاد.
وبعكس هذا الاتجاه، نجد التوجه نحو الإعاقة، وتكثير العثرات، والتفرد بالرأي الغبي، ومضايقة الكوادر وتهميشها، وتهشيمها، بقصد وتوجيه!! من خلال تعيين مسؤول جاهل وغير مؤهل، قفز بمظلة النفاق والوساطة المنبوذة، - وما أكثر هذه الفئة -!! أو بضعف الخبرة التربوية في ترتيب الأولويات، والاستعراض غير القائم على أساس صحيح. وعندها تصبح المدرسة، وأهدافها في مهب الريح، وتتراجع جميع قطاعات الدولة نتيجة وقوعها في فخ مؤامرات النفخ بالتافهين.
ولا أريد أن أذكّر بأمراض مؤسّساتنا المدرسية المزمنة، مثل: الأبنية المستأجرة التي لا تصلح في معظمها لتحقيق أهداف التعليم في حدّه الأدنى، ومدارس الفترتين التي لا تسمح بتوفير تعليم جيد من حيث الإدارة والوقت ومشكلات المَرافق والأدوات. والتعليم الإضافي الذي حوّل معلمي هذا النظام إلى مراقبين للطلبة من دون تحمّل أي مسؤولية تعليمية.
ومع أن التعليم الأردني يأخذ من الموازنة نسبة لا بأس بها، قد تصل إلى ما يزيد عن 12 % من موازنة الدولة، إلا أنها ليست بالرقم الكافي بحسب حجم الموازنة الضئيل، وموجات الهجرة المتتالية التي ترفع عند كل هجرة نسب هذه المشكلات المزمنة لحدود تعدّت 30%، وهذه القيم المالية عمليّا لا تلبي ما يصل إلى ثلث الاحتياجات المطلوبة سنويا من المباني المدرسية، مع كل الدعم المالي الكسول الداخلي والخارجي.
وبنظرة تفاؤل إلى المستقبل لا بدّ من:
ü توعية المجتمع بضرورة أخذ زمام المبادرة؛ عن طريق دعم خطط الأبنية المدرسية بوصف أن المدرسة والمسجد سِيّانِ في الأجر، وإعداد أجيال الأمة، وعلى الأقل العودة إلى سالف السنين التي كانت هذه الأبنية المدرسية مسؤولية البلديات.
ü التوجه نحو إنشاء مدن تعليم عام خارج قصبات المدن الرئيسة، حيث أن كُلَفَ ثمن الأراضي والإنشاءات أقل بكثير، مقابل بيع منشآت المدارس وأراضيها في مراكز المدن غير الصالحة للتعليم، مع توفير نقل عام مناسب بأسعار الكلفه.
ü تعزيز استثمار القطاع الخاص في التعليم وتسهيله ودعمه، وخاصة في مدن الأطراف وريفها وبواديها.
حمى الله بلدَنا الأردنّ من كل جاهل، وجهل، وتجاهل، وتجهيل!! إنه نعم المولى، ونعم النصير.