استدراج أطفال واغتصابهم.. قصة اصطياد عصابة مؤثرين “تيك توك” في لبنان
جو 24 :
ينشغل اللبنانيون بقصة صادمة فاقمت الخوف على أمنهم وسلامة أطفالهم، و"أبطالها" أفرد عصابة منظمة، بعضهم من مشاهير تطبيق تيك توك، استدراج عشرات الأطفال إلى صالون حلاقة وشاليهات، ليجدوا أنفسهم ضحايا اغتصاب واعتداءات جنسية وعمليات تخدير.
وتمكن مكتب جرائم المعلوماتية في لبنان، من تتبع بعض أفراد العصابة، وتم توقيف 6 من أصل نحو 30 فردا. ومن بين الموقوفين 3 من مؤثري تيك توك، أبرزهم صاحب محل للحلاقة، يملك صفحة على التطبيق الشهير ويتابعه عليها عشرات الآلاف من المتابعين.
ويعمد هذا المؤثر عادة، وفق أقوال عدد من المدعين، إلى تصوير ضحاياه من الصبيان الصغار والمراهقين، أثناء الحلاقة، في فيديوهات ساخرة ومع تصفيفات غير مألوفة، ينشرها لجذب المزيد من الشبان إلى محله، ولديه قدرة عالية على خداعهم.
وسبق أن استضافته محطة تلفزيونية محلية في إحدى برامجها، وقدمته كمؤثر ينشر "البهجة" في صفوف متابعيه. وحينها وضع عدد من قطع الفلفل الحار على رأس أحد الشبان، كـ"ستايل" جديد لتصفيف شعره، وقد اشتهر بعبارة "حبيبي بتشرب شي؟".
وأصدرت قوى الأمن الداخلي في لبنان، الأربعاء الماضي بيانا أكدت فيه "توافر معلومات لدى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية (…) وادعاء عدد من القاصرين لدى النيابة العامة حول تعرضهم لاعتداءات جنسية، وتصوير، من قبل أفراد إحدى العصابات المنظمة، بالإضافة إلى إجبارهم على تعاطي المخدرات في فنادق عدة".
وقالت قوى الأمن أيضا، إن الأشخاص الستة الذين تم توقيفهم، هم من بيروت وجبل لبنان والشمال، من بينهم 3 قصر ذائعو الصيت على تطبيق تيك توك، وهم من جنسيات لبنانية وسورية وتركية.
شهادات تتوالى
وقال مصدر قضائي متابع للملف، إن عدد أفراد العصابة يتراوح بين 20 و30 فردا، وهي تنشط منذ سنوات في لبنان، ولديها ارتباطات خارجية، وأقر بعض الموقوفين بوجود أفراد لها في دولة الإمارات.
وتندرج عمليات هذه العصابة، قضائيا، في إطار الاعتداء على القصر والاتجار بالبشر، ويتم استكمال التحقيقات والملاحقات للقبض على كافة أفرادها الموجودين في لبنان.
وتفيد المعلومات أيضا بأن عشرات الأطفال وقعوا في مصيدة العصابة، إلى أن قام أحد المراهقين بتبليغ عائلته عما حصل معه، بسبب نزيف حاد تعرض له بعد اغتصابه، ومن بعدها توالت الشهادات في النيابة العامة.
لكن، كيف يتم استدراج الأطفال والمراهقين؟ انتشرت شهادات على منصات التواصل الاجتماعي، تتحدث عن قيام مصفف الشعر، بالتواصل مع الأطفال ودعوتهم إلى محله لتصوير فيديو ونشره على تيك توك. ولاحقا، يدعوهم إلى فنادق وشاليهات بين بيروت وجبل لبنان، وهناك يتم الاعتداء عليهم جنسيا، وابتزازهم بالفيديو، إضافة إلى إجبارهم على تعاطي المخدرات.
وهو ما يطرح السؤال، عن المسؤولية القانونية لأصحاب هذه الفنادق والشاليهات، التي تحولت إلى مسرح لجرائم مروعة بحق الأطفال، من الجنسيتين اللبنانية والسورية.
هشاشة الأمن الاستباقي
وبما أن معظم جرائم هذه العصابة ارتكبت في جبل لبنان، تتولى النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضية غادة عون، متابعة القضية، مع مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار، بالتنسيق مع مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية.
يقول الصحفي المتخصص بالشأن القضائي، يوسف دياب، وهو متابع للملف، للجزيرة نت، إن التحقيقات لا بد أن تصل إلى خواتيمها، والقضاء يتعاطى معها بمنتهى الجدية، لأنها تمس بمحرّمين: الاعتداء على الأطفال، والعمل على تفكيك المجتمع اللبناني وضربه، باصطياد الحلقة الأضعف فيه، الأطفال والمراهقين.
ومنذ نحو عامين، تتصاعد وتيرة الجرائم المرتكبة بحق الأطفال والمراهقين من الذكور والإناث، سواء بواسطة منصات التواصل الاجتماعي، أو في المدارس ودور الحضانة، أو داخل الأسرة نفسها، وبلغت بعضها درجة الاغتصاب والقتل والاتجار بأجسادهم.
في هذه الأثناء، يدعو كثير من اللبنانيين إلى ضرورة تبليغ السلطات الأمنية اللبنانية لمنصة تيك توك من أجل إغلاق حسابات هؤلاء.
في حين، يعتبر آخرون بأن الأزمة هو بوجود المنصة نفسها، التي تتفلت من أية ضوابط ورقابة، وتستقطب المراهقين والأطفال حول العالم، وعززت ثقافة الكسب المالي السهل، حتى صارت من أهم الأدوات لعمليات تبييض الأموال والاعتداءات والجرائم.
ويقول يوسف دياب إن الأزمة مضاعفة في لبنان، مع ترهل الدولة وهشاشة الأمن الاستباقي، لمنع وقوع مثل هذه الجرائم، بعدما بات لبنان بيئة حاضنة لهذا النوع من العصابات.
تداعيات خطيرة
ويُحمّل كثيرون الدولة اللبنانية مسؤولية هذا الانفلات الأمني، إضافة إلى مسؤوليتها في حماية الأطفال وتوفير الرعاية الاجتماعية لهم.
في المقابل، تعتبر الباحثة والأكاديمية في مجال علم الاجتماع، أديبة حمدان، أن المجتمع اليوم، يواجه مخاطر ظاهرة تعلق الأطفال والمراهقين بتطبيق تيك توك، الذي يعد أكثر منصة تنشر محتوى خطيرا ومتاحا للجميع.
وتقول للجزيرة نت إن الأزمة قائمة لأن كل ما هو إلكتروني وتقني ما زال من دون ضوابط قانونية صارمة، عالميا ومحليا، وتصف الجرائم التي ارتكبها أفراد عصابة التيك توك بالمروعة، التي تشكل تهديدا لكل طفل ومراهق موجود على المنصة، مشيرة إلى أن هناك المئات من العصابات التي لم تكشف بعد.
وتجد الباحثة بأن ثمة استسهالا في اصطياد المراهقين والأطفال، خصوصا مع تراجع قدرة الأهل على ممارسة رقابتهم على هواتف وتحركات أبنائهم. والمخيف برأيها، هو حماسة بعض الأهل إلى انخراط أبنائهم بعالم التيك توك من أجل الكسب المالي إذا تحولوا إلى مشاهير، وهو ما شكل عامل إغراء أكبر للأطفال والمراهقين.
وتدعو حمدان الأهالي لتأخير سن اقتناء أطفالهم للهواتف، مع ضرورة تعزيز الحوار مع الأطفال حول مخاطر المنصات الإلكترونية، ومنحهم الأدوات لمواجهتها.
وتقول: "على الأهل أن يكونوا نموذجا أمام أبنائهم في التعامل مع التكنولوجيا، خصوصا أن الأطفال صاروا عرضة لمزيد من الجرائم والاعتداءات بعد الثورة الإلكترونية".
أما المشكلة الأكبر، وفقا لها، فـ"تبقى بمناهج تعليم متأخرة في لبنان، لم تواكب بعد الثورة الإلكترونية، ولا تلعب دورا توعويا عن مخاطر منصات التواصل الاجتماعي".
(الجزيرة)