قانون نقابي مجحف وشروط انتساب قاسية، ما الذي يواجه الصحفيين في الأردن؟
جو 24 :
فرح راضي الدرعاوي -
بعد مضي أكثر من 20 سنة في العمل الصحفي تجد هيام نفسها منفية من هذا العالم تحت مسمى منتحلة لصفة الصحفي، وتجتمع عدة أسباب لنعتها بذلك "الجرم"، إذ أنها غير منتسبة إلى نقابة الصحفيين الأردنيين، عدا عن امتلاكها شهادة في تخصص مغاير للصِحافة، ليست هيام الوحيدة إذ أن عشرات العاملين في مهنة الصحافة لا يحقّ لهم الانضمام للنقابة رغم عملهم لسنوات عدة في مؤسسات صحفية وإعلامية مرموقة في الأردن، عدا عن خريجي الصحافة الذين يقفون عاجزين أمام شروط الانتساب لعضوية النقابة.
في الأردن، هناك 996 صحفياً مسجلاً وممارساً للعمل الصحفي، و250 صحفياً مسجلين غير ممارسين وفق إحصائيات نقابة الصحفيين الأردنيين، ويبلغ عدد الصحفيين المسجلين غير الممارسين 250 صحفي، فيما يبين الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين نضال منصور أن هنالك ما يقارب 1400 صحفي أردني مسجلين لدى الهيئة العامة لنقابة الصحفيين منقسمين ما بين ممارسين وغير ممارسين، ولا يتعلق هذا التصنيف بممارسة المهنة من عدمه، بل يتعلق بتسديد الرسوم المالية للنقابة.
يُعرّف قانون نقابة الصحفيين الأردنيين الصحفي على أنه "عضو النقابة المسجل في سجل الصحفيين واتخذ الصِحافة مهنة له"، وبذلك ينفي القانون صفة "صحفي" عن كلّ من يمارس المهنة دون الانتساب للنقابة، بما فيهم خريجي كليات الإعلام من الجامعات الحكومية والخاصة، والصِحافيين المستقلين.
يجد الصِحافيون في الأردن معاناة كبيرة في التسجيل لدى النقابة، إذ تتعارض نصوص قانون النقابة -على حد قولهم- مع التعليمات والأنظمة الداخلية في النقابة، مؤكدين على أن الخلل يقع في فلسفة القانون الذي يُفترض أنه صيغ بهدف تنظيم المهنة لا أكثر.
وتتعد شروط الانتساب للنقابة فمنها ما يتعلق بالاسم الوظيفي وأخرى بالتخصص الأكاديمي والدرجة العلمية ومدة التدريب المقترنة بها، عدا عن متطلب التفرغ بشكل كامل للعمل الصحفي ودفع الرسوم المحددة، وشرط ارتباطه بمؤسسة مسجلة في الضمان الاجتماعي.
تخالف الكثير من شروط النقابة المواثيق الدولية التي يصادق عليها الأردن والتي نصت على عدم جواز فرض أي قيود تحد ممارسة العمل الصِحافي، ومنها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والذي ينص على حرية الرأي والتعبير، واللجنة المعنية بحقوق الإنسان والعهد الأممي للحقوق المدنية والسياسية، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان 2010.
ويؤكد نضال منصور على أن التعريف القانوني للصحفي يتعارض مع جميع المعايير الدولية التي جاء فيها أن الانتساب للنقابات أمر طوعي لا إلزامي، كما وأكدت على ضرورة التعددية النقابية.
يقول الصِحافي وعضو نقابة الصحفيين الأردنيين خالد القضاة أن هنالك صعوبات كثيرة أمام انتساب الصحفي للنقابة، حيث أن القانون الحالي عقيم ولم يستشرف المستقبل، ولا يصلح للفترة الحالية ولا يمكن أن يخدم المهنة ومنتسبيها بالمستقبل القريب، مشيراً إلى أن نقابة الصحفيين أقيمت على أساس الممارسة للمهنة وليست على أساس التخصص كما في باقي التخصصات.
الإعلام المرئي والرقمي خارج التصنيف
تحصر نقابة الصحفيين الأردنيين العمل الصِحافي في أسماء وظيفية محددة، وتستثني الكثيرين ممن يعملون تحت أسماء وظيفية أخرى لم ترد في القانون، وأغلب هؤلاء صِحافيون يعملون في مجال الإعلام المرئي والرقمي، صادفت خلال إعدادي لهذه المادة ما يقارب 70 صحفياً وصحفية يعملون في مؤسسات إعلامية لمدة تزيد عن (15) عاماً غير منتسبين للنقابة، وتنحصر مشكلتهم في اسمهم الوظيفي، إذ لا تضم نقابة الصحفيين الصحافيين العاملين في المجال المرئي كمعد البرامج والمذيع والمختص في الإعلام الرقمي ضمن مؤسسته، والذين قد يحمل بعضهم درجة الماجستير في الصحافة والإعلام فيما يملك آخرون شهادات مختلفة بتخصصات متعددة.
تبين المادة (8) من قانون نقابة الصحفيين أنه يعتبر الصحفي المسجل والذي يعمل في أي من الأعمال التالية: (رئيس التحرير أو مدير التحرير أو المدير العام لمؤسسة صحفية أو اعلامية أردنية أو سكرتير التحرير أو المحرر أو المصور الصحفي أو رسام الكاريكاتير أو الكاتب الصحفي أو المحرر المذيع لنشرات الأخبار أو المراسل الصحفي أو المندوب الصحفي لها داخل المملكة أو خارجها، أو المحرر أو المندوب الصحفي أو المراسل الصحفي لمؤسسة صحفية أو إعلامية معتمدة بصورة قانونية في المملكة، وكذلك عضو هيئة التدريس لمادتي الصحافة أو الإعلام في جامعة أردنية أو من عمل في أي وظيفة إعلامية في أي مؤسسة إعلامية) ممارساً لمهنة الصحافة
وبالنظر لتصنيف القانون وتحديده لمسمى الصحفي فإن كل من يعمل خارج هذا التصنيف لا يعد صحفياً ومنهم معدو البرامج ومقدميها، وكذلك الصحفيين الميدانيين أو الاستقصائيين والمستقلين والعاملين في قطاع الإعلام الرقمي وصانعي الأفلام الوثائقية والتحقيقات المصورة، والمراسلين الأردنيين في القنوات العربية والعالمية المقيمين في الأردن وخارجها.
يبين عدة صحافيون يعملون في مؤسسات إعلامية أن المؤسسة الصحفية قادرة على تنسيب الصحفي ورفع سجله إلى نقابة الصحفيين لضمه للنقابة مهما كان مسماه الوظيفي، ودرجته العلمية وشهادته الأكاديمية وينطبق ذلك على العاملين في القنوات التلفزيونية والصحف والمواقع الإلكترونية وغيرها.
تشير عبير أبو طوق إحدى الصحفيات العاملات في مجال الصحافة والتي تخصصت فيما بعد بالصحافة الرقمية أنها حاولت التقدم منذ تخرجها من جامعة اليرموك بطلب انتساب لنقابة الصحفيين الأردنيين ولكن الشروط! تقول عبير: " النقابة لا تضم في عضويتها من يعمل في الإعلام المرئي، … لا يوجد مرونة أبدًا في شروط العضوية ويبدو أنها مقيدة بحيث لا تتيح المجال لمن يعملون في قطاعات صحفية متعددة فرضتها تطورات العالم الرقمي والإعلام الجديد".
يبين القضاة أن المشكلة لا تكمن في المسميات فقط، إنما هنالك حاجة لقانون بمسميات حقيقية تستطيع المؤسسات الإعلامية من خلاله أن تُعيد هيكلها الداخلي دون أن تستنسخ مسميات أجنبية مشوهة للصحفيين. منوهاً على ضرورة وضع مسميات تصف حقيقة العمل الصحفي داخل المؤسسات في ظل الثورة الرقمية الحالية، وأن تنسجم المؤسسات مع القانون وتعديلاته وان تتناسب مسمياتها مع القانون.
ويشير القضاة أن شبكات التواصل هي شبكة للوصول للجماهير وليست وسيلة اعلامية وكل ما يمارس فيها لا يمكن تسميته بالصحافة، إذ أنها وسيلة تستعين بها المؤسسة والصحفي للوصول للجماهير وعرض المحتوى ولا تحل محل المؤسسات الصحفية ولا النشطاء محل الصحفيين والعكس.
شروط حماية يتم استغلالها
يشترط القانون ضمن المادة (5) منه أن يكون الصِحافي ُّمتفرغاً لممارسة العمل الصحفي ممارسة فعلية، فيما وتؤكد المادة (6) على ضرورة الخضوع للتدريب.
يرى البعض من الصحافيين وأصحاب المؤسسات الصحفية وأعضاء النقابة أن التدريب هو أمر ضروري لكل صحفي كما هو مهم للكثير من التخصصات الأخرى ومنها القانون، ويخضع الصحفي للتدريب ضمن مؤسسته التي يعمل بها ولمدة تتراوح من 6 أشهر إلى 4 سنوات ويكون ذلك تبعاً لشهادته الأكاديمية.
تقول زينة التي تخرجت من كلية الإعلام في جامعة اليرموك عام 2014 أنها للآن لم تحظى بفرصة الانضمام لنقابة الصحفيين رغم عملها في الصحافة وحصولها على درجة الماجستير فيه إذ أنها عملت في مواقع إلكترونية ومؤسسات صحفية متعددة بشكل جزئي ومستقل ولفترات متقطعة ولم تتمكن من الالتحاق بالتدريب أو العمل ضمن مؤسسة بشكل منتظم ولفترة طويلة تمكنها من التسجيل في الضمان الاجتماعي.
يبين الصحفي محمد عثامنة والذي يعمل محرراً ومعداً للبرامج في غخدى المؤسسات الإعلامية أن العديد من المؤسسات الإعلامية تمتنع عن تسجيل الصحفي في الضمان الاجتماعي ويرجع ذلك لعدة أسباب أبرزها جشع صاحب المنشأة ورغبته بالاستفادة من التمويل لمصلحته الشخصية وإخلال المؤسسة بالشروط القانونية اللازمة، إضافة إلى أن أغلب الصحافيين باتوا يعملون من منازلهم دون الحاجة لتواجدهم في مكان العمل.
يرى محمد قطيشات مستشار رئيس الوزراء القانوني السابق ومدير هيئة الإعلام سابقاً أن المرونة وعدم الاتزان في بعض المصطلحات القانونية في شروط العضوية والانتساب للنقابة، ربما خلقت بعض المشكلات في التطبيقات العملية، مؤكداً على أن الضمان الاجتماعي هو الوسيلة الوحيدة أمام نقابة الصحفيين للتثبت من أن هذه المؤسسة الإعلامية موجودة على أرض الواقع وأن هذا الصحفي منتسب لهذه المؤسسة الاعلامية.
يؤكد القضاة على ماجاء على لسان القطيشات قائلاً: أن شرط التدريب والضمان الاجتماعي هي شروط حماية للصحافيين ودليل على أن الصحفي يمارس المهنة ومتفرغ لها ولا يتخذ منها هواية، كما يدل ذلك على أن المؤسسة التي يعمل بها هي مؤسسة تطبق القوانين العادلة للعاملين بها ولا تستغل خريجي الصحافة بمنحهم أدنى الأجور.
منتحلو المهنة
لا يقف قانون النقابة وتعقيداته وشروطه المجحفة على حد وصف الصحافيين ووضعهم ضمن قالب محدد، إذ يلصق القانون صفة "الانتحال" بكل صحفي يمارس المهنة وغير منتسب للنقابة، حيث تنص المادة رقم (12) في قانون النقابة المعدل لسنة 2014 أنه: "يمتنع على الشخص الذي قبل انتسابه للنقابة أن يمارس المهنة إلا بعد أن يقسم اليمين المقررة وأن يدفع الرسوم المقررة للنقابة وأن يسجل اسمه في سجل الصحفيين الممارسين في النقابة"، فيما جاء في المادة المادة (18) منه "يحظر على غير الصحفيين الممارسين أو الصحفيين المنصوص عليهم في المادة (9) من هذا القانون مراسلة الصحف الأجنبية والإعلان عن أنفسهم بصفة صحفي أو بأي عبارة تعطي هذا المعنى، كما يحظر على مكاتب الدعاية والإعلان والنشر والتوزيع إضافة أي كلمة أو عبارة إلى عنوانها أو نشراتها أو إعلاناتها تفيد هذا المعنى، ما لم تكن مرخصة بإصدار المطبوعات الصحفية" و يعاقب بغرامة لا تقل عن مائتي دينار ولا تزيد على خمسمائة دينار أو بالحبس لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاثة أشهر، أو بكلتا العقوبتين مع الحكم بإزالة المخالفة ، وتتضاعف العقوبة في حالة التكرار. ووفقاً للتعريف القانوني فإن أكثر من نصف الصحفيين في الأردن يمارسون المهنة بشكل غير قانوني.
ويؤكد القضاة على ضرورة إعادة النظر في هذا الشأن بحيث تكون نقابة الصحفيين المظلة الحقيقية للصحفي وليست اليد المتسلطة عليه وبما يتناسب والثورة الرقمية في عالم الاتصال والإعلام، بحيث يشمل تعديل القانون ضم كل الاردنيين الذين يراسلون مؤسسات إعلامية رسمية ودولية معروفة وهم ممارسين للعمل الصحفي ومتفرغين له، وكذلك الاردنيين الذين يعملون في مؤسسات اعلامية.خارج الأردن
من جانبه يتساءل نضال منصور عن المقياس الذي على أساسه نريد أن نتحدث عن صحفي منتحل للمهنة، هل هي عضوية النقابة؟ هل العضوية كافية للقول بأن كل أعضاء النقابة يمتلكون المهارات والمعرفة الضرورية للعمل الصحفي وغير الاعضاء لا يمتلكون هذه المهارات؟
ويرى منصور أن التصنيف المتبع غير صحيح وغير دقيق، حيث نجد بعض اللذين يمارسون العمل الصحفي وليسوا أعضاء محترفين، فيما يوجد من يمتهن الصحافة وعضو لدى النقابة ولا يمتلك الإحتراف المهني.
لقد كفلت المواثيق الدولية حرية الصحافة وعليه فإن كل من يمارس العمل الصحفي بشكل محترف ويحترم أخلاقيات المهنة ومعاييرها ويقدم المعلومات للجماهير بشكل منتظم، وتعد هذه المهنة مصدر رزقٍ له، هو صحفي لا منتحل لمهنة الصحافة.