“أهلا بكم في جهنم”.. منظمة إسرائيلية تنشر “شهادات مروعة” لأسرى فلسطينيين تعرضوا للتعذيب
جو 24 :
"أهلا بكم في جهنم: تحول السجون الإسرائيلية إلى شبكة من معسكرات التعذيب”، هذا هو عنوان تقرير حقوقي إسرائيلي عن واقع التعذيب والتنكيل بالأسرى الفلسطينيين داخل المنشآت العسكرية والسجون، ويتضمّن شهادات بشعة عن التعذيب والتنكيل والتجويع والحرمان، ما يذكّر بواقع سجن غوانتنامو.
وطبقا لمنظمة "بتسيلم”، تدلّل الشهادات على وجود سياسات منهجية إسرائيلية هدفها التعذيب والتنكيل المتواصل، بعدما تحوّلت منشآت الاعتقال لمعسكرات تعذيب طبقا لسياسات الوزير المدان بالإرهاب إيتمار بن غفير، المسؤول عن السجون.
واختارت المنظمة عنوان التقرير الموسّع بعدة لغات من شهادة فؤاد حسن، أحد الضحايا الذي قال: "نقلونا إلى سجن مجدو بين حيفا وجنين، وعندما نزلنا من الحافلة، قال لنا أحد السجّانين: أهلا بكم في جهنم”.
يستند التقرير الحقوقي المروّع على 55 شهادة فلسطينية، 30 منها لأسرى من الضفة الغربية، و21 من غزة، وأربعة من عرب الداخل.
ويوضح التقرير أن هناك 60 حالة موت لأسرى فلسطينيين داخل السجون الإسرئيلية منذ بداية الحرب، 48 منهم من غزة في منشآت اعتقال الجيش، والبقية في سجون شرطة الاحتلال. وقسم من الشهادات تثير شبهات ثقيلة بأن الموت نتيجة التعذيب والحرمان من العلاج، وفق "بتسيلم”.
وتوضح المنظمة أن عمليات التعذيب التي تصل حد الموت، تتم على يد عناصر قوة "كتار” -قوة الرد السريع التي تعمل في السجون بغية فرض السيطرة- وحسب الشهادات، يرتدي هؤلاء الزي الأسود دون أسمائهم على ثيابهم مع وجوه مقنّعة بخلاف القانون.
معسكرات تعذيب
قالت "بتسيلم”: "يتناول تقرير أهلا بكم في جهنم، معاملة الأسرى الفلسطينيين وحبسهم في ظروف لا إنسانيّة بالسجون الإسرائيلية منذ 7 تشرين الأول 2023”. وأضافت: "في إطار البحث والإعداد لهذا التقرير، تم تسجيل إفادات أدلى بها 55 فلسطينيا وفلسطينية، ممّن احتُجزوا في السجون ومرافق الاعتقال الإسرائيلية خلال هذه الفترة”. مؤكدة أن "الغالبية الساحقة من الشهود لم يُحاكموا”.
تبيّن إفادات الأسرى نتائج عملية سريعة، تحوّل في إطارها أكثر من اثني عشر من مرافق الاعتقال الإسرائيليّة -مدنية وعسكرية- إلى شبكة معسكرات هدفها الأساسي التنكيل بالأسرى الفلسطينيين المحتجزين داخلها، بحسب كما توضح "بتسيلم” مشيرة إلى أن "كل من يدخل أبواب هذا الحيّز، محكوم بأشدّ الألم والمُعاناة المتعمّدين وبلا توقّف، وهو حيز يشغل عمليا وظيفة مُعسكر تعذيب”.
وأشارت "بتسيلم” إلى أنه استنادا إلى الإفادات التي أوردها التقرير "يتضح واقع تحكمه سياسة هيكلية وممنهجة قوامها التنكيل والتعذيب المستمرين لكافة الأسرى الفلسطينيين، بما يشمل العنف المتكرر القاسي والتعسفي والاعتداء الجنسي والإهانة والتحقير والتجويع المتعمد وفرض ظروف نظافة صحية متردية، والحرمان من النوم ومنع ممارسة العبادة، وفرض عقوبات على ممارستها، ومصادرة جميع الأغراض المشتركة والشخصية ومنع العلاج الطبي المناسب”.
لا عدل في محكمة العدل
يوضّح التقرير أنه "في الأيام الأولى بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، اعتقلت إسرائيل على نحو مخالف للقانون، آلاف العمال الفلسطينيين الغزّيين الذين كانوا في تلك الأثناء داخل إسرائيل ويحملون تصاريح عمل قانونية”. ونقلت سلطات الاحتلال مئات من المعتقلين إلى مكان مجهول، وبعضهم لا يزال محتجزا حتى اليوم دون إبلاغ عائلاتهم، وأية جهة أخرى من طرفهم عن اعتقالهم أو مكان احتجازهم.
ويضيف التقرير: "حاولات العائلات ومحامون من طرفها ومنظمات حقوق إنسان أن تستفسر عمّن تشملهم قوائم أو سجلات المعتقلين، وعن أماكن احتجازهم، لكن جميع هذه المحاولات قد صدّت ورفض التعامل معها. كذلك رفضت المحكمة الإسرائيلية العليا الالتماسات التي طالبت بالحصول على معلومات، حيث تبنّت المحكمة موقف الدولة حين قالت إنه لا يوجد ما يلزمها بتقديم هذه المعلومات”.
ويتابع: "كان إخفاء السكان الغزيين من الفضاء العام وحبسهم، مقدمةً لسلسة من الأفعال والممارسات، بما يشمل التنكيل والتعذيب اللذين تمارسهما إسرائيل منذ بدء الحرب على نحو منهجي ومثابر في كل ما يتعلق بالمعتقلين والأسرى الفلسطينيين”.
11 أسيرا في زنزانة تتسع لأربعة فقط
يقول أحد الأسرى ضحايا التعذيب: "حشرونا 11 أسيرا داخل زنزانة تتسع لأربعة أسرى فقط ولم تحتو الزنزانة على أي شيء سوى فرشات وبطانية واحدة لكل أسير. كان أربعة أسرى ينامون على أسرّة والسبعة الباقون ينامون على الأرض. لم يكن في الزنزانة أي شيء مما كان في حوزتنا من قبل: بلاطة تسخين، سكر، قهوة، سجائر، مواد تنظيف، شامبو، محارم ورق، معجون أسنان، ماء ساخن. كل هذا لم يعد متوّفرا”.
وأضاف: "كذلك أغلقوا الكانتين، فلم يكن بإمكاننا شراء ي شيء. كما أغلقوا أيضا غرفة الغسيل وغرفة الطعام. بقينا بلا شيء تماما. وبعد مضي أسبوع، جلبوا لنا شامبو، نصف كأس صغيرة لكل زنزانة. كان كل أسير منّا يستحمّ بنقطة واحدة من الشامبو.
وتابع موضحا: "كانت النوافذ دون زجاج. فقد أزالتها إدارة السجن، ولم يكن ممكنا إغلاق النوافذ. كان البرد شديدا لدرجة لم أشعر بها من قبل طيلة حياتي. لقد حدثت حروق برد في أصابع يدي ورجلي. كانت أصابعي صلبة كالحجر ومشققة وزرقاء. لكن وضعها تحسّن كثيرا منذ إطلاق سراحي”.
في شهادة أخرى، يقول أسير ثانٍ إن طريقة العدد أيضا تغيرّت: "صاروا يجبروننا على أن نركع ورأسنا منحن، ومن يرفع رأسه يعرّض نفسه للضرب. كانوا يجرون العدد ثلاث مرات، وكان على الأسرى أن يقفوا ووجوههم نحو الحائط، وفي عدّ المغرب، كان علينا أن نقف ووجوهنا تقابل السجّانين، كان يقتحم الزنازين في كل عدّ نحو 30 من عناصر وحدة "كتار” التابعة لسلطة السجون. كنا جميعا بحالة نفسية سيئة. كان همنّا الوحيد البقاء وسلامة أجسادنا. لم يشغلنا سوى التوق لسماع أخبار عن انتهاء الحرب والتوصّل لصفقة تبادل أسرى، ولكن لم نحصل على أي معلومة، فقد كنا بدون هاتف أو راديو أو أي مصدر معلومات. عندما كنا نسأل السجّانين، كان الردّ مزيدا من الضرب والإهانة والتنكيل. لقد أطلقوا سراحي وبقي آلاف من الأسرى في جهنم الإسرائيلية”.
مشروع السجن الخاص بنظام الأبرتهايد الإسرائيلي
تنبّه "بتسيلم” أن قصة السجن الإسرائيلي لم تبدأ في السابع من أكتوبر، أو بتعيين بن غفير وزيرا للأمن القومي، بل إن جذوره أعمق بكثير.
وتتابع: "لأجل فهم تام للوضع الحالي، مهما بلغت فظاعته، يجب أن نفحص موقع مشروع السجن الذي أنشأته إسرائيل، والدور المركزي الذي يلعبه في قمع الشعب الفلسطيني اجتماعيا وسياسيا على مرّ السنين”.
وطبقا لـ”بتسيلم” يشكّل نظام السجن الإسرائيلي إحدى آليات الدولة السياسة التي تسخّرها إسرائيل لأجل حفظ التفّوق اليهودي في المساحة الممتدة بين النهر والبحر، وعلى وجه التعيين هو أكثرها عنفا وقمعا.
وتضيف: "طوال عقود، لجأت إسرائيل لسجن مئات آلاف الفلسطينيين بشتى طبقاتهم وشرائحهم السكانية كي تضعف وتمزّق النسيج الاجتماعي والسياسي الفلسطيني. ويكفي كي نفهم ذلك، أن نتمعن بحجم ونطاق مشروع السجن الإسرائييلي على مر الزمن: وفقا لتقديرات مختلفة، سجنت إسرائيل منذ 1967 نحو 800 ألف فلسطيني وفلسطينية من الضفة الغربية وغزة، أي نحو 20% من مجمل السكان، ونحو 40% من الرجال الفلسطينيين”.