حضور المرأة في الانتخابات البرلمانية: نزهة ترف أم نتاج فكر سياسي؟
أ. د. هاني الضمور
جو 24 :
في السنوات الأخيرة، شهدت المجتمعات العربية والعالمية مشاركة أكبر للمرأة في العملية السياسية، وخاصة في الانتخابات البرلمانية. يأتي هذا الحضور المتزايد في ظل تطور المفاهيم المجتمعية والدعوات المتكررة لتمكين المرأة وتعزيز دورها في صنع القرار. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل مشاركة المرأة في الانتخابات البرلمانية نزهة ترف، أم أنها نتاج فكر سياسي عميق ومؤهلة حقيقية لخوض هذا الغمار؟
لا شك أن مشاركة المرأة في السياسة لم تعد مجرد شعار أو خطوة تجميلية لتعزيز مظهر ديمقراطي معين. إنما هي نتاج تطور فكري واجتماعي يقف وراءه نضال طويل من أجل حقوق المرأة والمساواة. ولعل أحد أهم الدلائل على ذلك هو الدور الكبير الذي تلعبه النساء في العديد من البرلمانات حول العالم، حيث أثبتت المرأة قدرتها على التأثير في صنع القرار، وقيادة المشاريع الوطنية، والمساهمة في وضع التشريعات والسياسات التي تخدم المجتمع بأسره.
الفكر السياسي ودور المرأة
المرأة اليوم ليست مجرد شخصية إضافية في المشهد السياسي، بل هي نتاج عملية طويلة من التوعية والتعليم والسياسات التي تسعى إلى تعزيز مشاركتها في الحياة العامة. إن حضور المرأة في البرلمان يعكس نضجًا فكريًا ووعيًا بضرورة تمثيل جميع شرائح المجتمع، بما في ذلك النساء. فالفكر السياسي الحديث يعتمد على التنوع والشمولية، ويؤمن بأن المشاركة الفعالة للمرأة في السياسة تسهم في بناء مجتمع أكثر عدالة وتوازنًا.
لقد أظهرت العديد من النساء في البرلمانات حول العالم قدرات فائقة على تحليل المشكلات المجتمعية وتقديم الحلول العملية، سواء في مجالات التعليم أو الصحة أو الاقتصاد. ومع تزايد الأزمات العالمية وتحديات التنمية، أصبح من الضروري أن تكون المرأة شريكًا أساسيًا في صياغة السياسات وتنفيذها.
المؤهلات لخوض الانتخابات
المرأة التي تخوض الانتخابات البرلمانية ليست مجرد مرشحة عادية، بل هي قائدة تمتلك رؤية سياسية وخبرة عملية تؤهلها لخدمة مجتمعها. فالمرأة التي تختار الترشح تكون قد خاضت مسيرة من العمل الاجتماعي أو المهني الذي أهلها لفهم متطلبات العمل السياسي وتشريعاته. وبفضل تطور الأدوار الاجتماعية للمرأة، أصبحت تمتلك الأدوات الفكرية والمعرفية التي تساعدها على خوض معترك الانتخابات بكفاءة وثقة.
علاوة على ذلك، يجب أن ندرك أن ترشيح المرأة وخوضها الانتخابات يأتي نتيجة تطور مجتمعي يعزز دورها في الحياة العامة. فقد أصبح من الطبيعي أن ترى النساء يحتللن مواقع قيادية في مختلف المجالات، مما يعزز ثقة المجتمع بقدراتهن السياسية. كما أن نجاح العديد من النساء في البرلمانات الدولية والعربية أصبح مصدر إلهام للجيل الجديد من النساء اللاتي يتطلعن للمشاركة في صنع القرار.
النزهة أم المسؤولية؟
القول بأن مشاركة المرأة في الانتخابات البرلمانية مجرد "نزهة ترف” هو تقليل من شأنها ومكانتها. فالعملية الانتخابية تتطلب جهدًا كبيرًا وتحديات هائلة، لا سيما في مواجهة الأنظمة السياسية المعقدة والتحديات الاجتماعية. المرأة التي تختار خوض الانتخابات تدرك جيدًا أن هذه المسؤولية تتطلب منها تقديم رؤى وحلول ملموسة، وليست مجرد حضور شكلي.
المرأة التي تترشح وتفوز في الانتخابات تتحمل مسؤولية كبيرة تجاه مجتمعها، فهي مطالبة بالدفاع عن حقوق المواطنين والمساهمة في سن القوانين التي تخدم المصلحة العامة. ومن هنا، يكون حضورها في البرلمان نتيجة فكر سياسي عميق، قائم على الرغبة في تحقيق التغيير والمساهمة في بناء مجتمع أفضل.
الخاتمة
في النهاية، حضور المرأة في الانتخابات البرلمانية ليس نزهة ترف ولا خطوة تجميلية، بل هو نتاج فكر سياسي عميق ومؤهلات حقيقية تجعلها قادرة على خوض غمار السياسة بكفاءة. المرأة اليوم تلعب دورًا محوريًا في صناعة القرار، ولا يمكن تحقيق تقدم حقيقي في أي مجتمع دون مشاركة فعالة وواعية من قبلها. لذا، يجب على المجتمعات دعم المرأة في مسيرتها السياسية، والاعتراف بدورها الحيوي في بناء مستقبل مشرق.