رفع معدل القبول في تخصص الطب: هل هو الحل الأمثل لمستقبل التعليم الطبي في الأردن؟
جو 24 :
كتب أ. د. هاني الضمور -
أثار قرار مجلس التعليم العالي برفع معدل القبول في تخصصي الطب وطب الأسنان إلى 90% نقاشات واسعة حول تداعياته على مستقبل التعليم الطبي في الأردن. رغم أن الهدف الأساسي لهذا القرار هو تحسين جودة التعليم الطبي، إلا أنه يأتي في وقت يشهد تضخمًا في معدلات الثانوية العامة، مما قد يجعل هذا المعيار أقل مصداقية. من جهة أخرى، قد يحرم القرار العديد من الطلبة الموهوبين من فرصة الالتحاق بهذه التخصصات المهمة، دون معالجة الجذور الأساسية للمشكلة المتعلقة بنظام التقييم الحالي وتضخم النتائج.
إضافة إلى ذلك، تقليص نسبة المقبولين في الجامعات الخاصة بنسبة 20% سيؤدي إلى تقليص فرص التعليم للطلبة الذين لم يتمكنوا من تحقيق المعدلات المرتفعة المطلوبة. لقد كانت الجامعات الخاصة الخيار الأمثل للكثير من الطلبة الذين لم يحصلوا على فرصتهم في الجامعات الحكومية، وبتقليص هذه الفرص، ستزداد الفجوة الاجتماعية، مما سيزيد من الضغوط النفسية على الطلبة وأولياء الأمور على حد سواء. بعض الطلبة قد يلجؤون للخارج للحصول على شهادة الثانوية العامة بأي ثمن، هربًا من هذا الواقع المقيّد.
علاوة على ذلك، فإن هذا القرار يعرض مستقبل القطاع الصحي في الأردن لمخاطر كبيرة. الطلب العالمي على الأطباء في تزايد مستمر، وتقليص عدد المقبولين في تخصصات الطب قد يؤثر على قدرة الأردن في تصدير الكفاءات الطبية التي كانت ولا تزال ركيزة أساسية للنظام الصحي المحلي والدولي. وقد يترتب على ذلك نقص في الخريجين المؤهلين الذين يدعمون المستشفيات والمراكز الطبية داخل المملكة.
المشكلة الحقيقية لا تكمن فقط في معدلات القبول المرتفعة، بل أيضًا في ضرورة تحسين البنية التحتية للجامعات الحكومية وتطوير الأساليب التعليمية والمناهج الطبية. الحلول يجب أن ترتكز على تحسين الكوادر التدريسية، توسيع المرافق الطبية، وتقديم التدريب العملي المتقدم لمواكبة الطلب المتزايد على التعليم الطبي. إن الاستثمار في البنية التحتية الصحية والتقنيات الحديثة سيضمن استمرار الأردن في تقديم خريجين مؤهلين وقادرين على المنافسة عالميًا، بدلاً من الاعتماد فقط على تضييق الفرص التعليمية بناءً على معدلات الثانوية العامة المتضخمة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة ماسة إلى إعادة النظر في نظام الثانوية العامة وأدوات التقييم الحالية. التعليم الطبي لا يعتمد فقط على الامتحانات النظرية؛ فهو يتطلب مزيجًا من المعرفة النظرية، المهارات العملية، والتدريب المكثف. لذا، يجب أن تكون معايير القبول أكثر شمولية وتوازنًا، بحيث تعكس القدرات الحقيقية للطلبة وليس فقط معدلاتهم النظرية.
في الختام، لا شك أن تحسين جودة التعليم الطبي هو هدف نبيل ومهم، ولكن تحقيق هذا الهدف لا ينبغي أن يكون على حساب تقليص الفرص التعليمية وتجاهل الأسباب الجذرية للمشكلة. من الضروري معالجة تضخم نتائج الثانوية العامة وتطوير نظام تعليمي عادل وشفاف، مع تقديم الدعم اللازم للجامعات لضمان تقديم تعليم طبي يتوافق مع تطلعات الأردن كدولة رائدة في المجال الصحي.