رفع الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية !!!
أ. د. هاني الضمور
جو 24 :
في خطوة غير متوقعة، أعلنت الحكومة الأردنية عن قرار رفع الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية، ما أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية. هذا القرار جاء في وقت يعاني فيه المواطن الأردني من ضغوط اقتصادية متزايدة نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة أسعار الوقود، ما جعل السيارات الكهربائية خيارًا جذابًا للبعض لتخفيف الأعباء اليومية. ومع ذلك، يُتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى تداعيات سلبية على المستويات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.
السيارات الكهربائية شهدت نموًا ملحوظًا في شعبيتها خلال السنوات الأخيرة، حيث حققت مبيعاتها ارتفاعًا بنسبة 25% في العام الماضي، وفقًا لتقارير من جمعية وكلاء السيارات. هذا الارتفاع جاء نتيجة اعتبار السيارات الكهربائية وسيلة مستدامة لتقليل استهلاك الوقود، خاصة في ظل الزيادة المستمرة في أسعاره. ولكن مع القرار الجديد بزيادة الرسوم الجمركية بنسبة 20%، يُتوقع أن ترتفع أسعار السيارات الكهربائية بشكل كبير، مما يجعلها خارج متناول العديد من الأردنيين، وخاصة الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود.
نتيجة لذلك، يُتوقع أن يشهد الطلب على السيارات الكهربائية تراجعًا ملحوظًا. الدراسات تشير إلى أن مبيعات السيارات الكهربائية قد تنخفض بنسبة تصل إلى 30% في الأشهر المقبلة. المواطنون الذين كانوا يفكرون في شراء هذه السيارات لتوفير تكاليف الوقود سيواجهون خيارين: إما دفع مبالغ إضافية لاقتناء سيارة كهربائية أو العودة إلى استخدام السيارات التقليدية التي تعتمد على الوقود الأحفوري رغم تكاليف تشغيلها المرتفعة.
من المتوقع أيضًا أن يؤدي هذا القرار إلى زيادة في الطلب على السيارات التقليدية، حيث أن العديد من الأسر قد تجد نفسها غير قادرة على تحمل تكاليف السيارات الكهربائية بعد رفع الرسوم. هذا التحول سيؤدي إلى زيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري، وهو ما يتناقض مع التوجهات السابقة التي شجعت على استخدام السيارات الكهربائية كجزء من استراتيجية الحكومة لتقليل الانبعاثات الكربونية.
من الناحية البيئية، من الواضح أن هذا القرار سيعرقل الجهود السابقة التي بذلتها الحكومة لتعزيز الاستدامة البيئية. السيارات الكهربائية كانت تُعد حلاً مستدامًا لتقليل الانبعاثات الكربونية، حيث ساهمت في خفض نسبة التلوث بنسبة 10% خلال العامين الماضيين، وفقًا لتقارير وزارة البيئة الأردنية. مع التراجع المتوقع في الإقبال على السيارات الكهربائية، يُتوقع أن تزيد معدلات التلوث والانبعاثات الضارة نتيجة العودة إلى السيارات التقليدية، مما يهدد البيئة ويقوض التزامات الأردن بتحسين جودة الهواء والحد من التلوث.
قرار رفع الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية يثير كذلك تساؤلات حول العدالة الضريبية. فمن المعروف أن الطبقات المتوسطة والمحدودة الدخل هي الأكثر تأثرًا بمثل هذه القرارات. وفي ظل الأعباء الاقتصادية المتزايدة، كان من الممكن للحكومة أن تبحث عن طرق بديلة لتحسين الإيرادات دون تحميل المواطنين مزيدًا من الأعباء المالية. من هذه البدائل، تقديم حوافز مالية للسيارات الكهربائية كما هو الحال في العديد من الدول المتقدمة التي نجحت في تعزيز استخدام هذه السيارات من خلال تقديم تخفيضات ضريبية وحوافز لجعلها أكثر جاذبية للمستهلكين.
تجارب الدول الأخرى تقدم دروسًا مهمة في هذا السياق. على سبيل المثال، في النرويج تقدم الحكومة حوافز ضريبية تغطي 50% من تكلفة السيارة الكهربائية، ما ساهم في رفع نسبة مبيعات هذه السيارات لتصل إلى أكثر من 60% من إجمالي المبيعات. هذا النهج يظهر أن دعم السيارات الكهربائية يمكن أن يكون أكثر فاعلية من فرض الرسوم.
بدلاً من فرض رسوم جمركية إضافية، يمكن للحكومة الأردنية أن تنظر في بدائل أخرى لتحقيق أهدافها المالية دون الإضرار بالبيئة أو المواطنين. من بين هذه الحلول، تقديم خصومات ضريبية على السيارات الكهربائية لتشجيع شرائها، توفير قروض بفوائد منخفضة للراغبين في اقتناء هذه السيارات، أو التعاون مع البنوك والشركات الخاصة لتقديم عروض تمويلية وتحفيزية للمواطنين لشراء السيارات الكهربائية.
قرار رفع الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية كان مفاجئًا ويُتوقع أن تكون له تأثيرات سلبية على الطلب مع عودة المواطنين للاعتماد على السيارات التقليدية الأكثر تلويثًا. في الوقت الذي يحتاج فيه الأردن إلى تحقيق التوازن بين تعزيز الإيرادات والحفاظ على البيئة، يبدو أن هذا القرار لا يعكس هذا التوازن. من الضروري أن تعيد الحكومة النظر في استراتيجياتها وتتبنى حلولًا مستدامة تدعم الاقتصاد وتحافظ على البيئة في آنٍ واحد.
* الكاتب أستاذ التسويق الدولي في الجامعة الأردنية