الحلبي: لن نشارك في العمل السياسي ولا مانع من ممارسة حق الانتخاب
جو 24 : الغد - نفى منظِّرُ الدعوة السلفية في الأردن الشيخ علي الحلبي وجودَ نية للتيار السلفي للدخول في العمل السياسي، أو تأسيس حزب سياسي، أو خوض غمار الانتخابات النيابية، مستدركا أنَّ "السلفيين يجيزون حق الانتخاب"، ومع "المطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد بدون المس بالأمن الاجتماعي".
وحرم الحلبي، في لقاء مع "الغد"، المُشاركة في المظاهَرات والاعتصامات والحراكات الشعبية، في وقت دعا فيه الى مساعدة الشعب السوري ضد نظامه، الذي "ما يَزال يضْرب شعبه بالحديد والنار"، معتبرا أيضا أن الجهاد في سبيل الله امر "مُرتبِط بإذن أولياء أُمور البلاد الإسلاميَّة، وترتيبِهم؛ وليس عشوائيا ولا فوضويا".
وأوضح منظر الدعوة السلفية أن السلفيين "متفرِّغون للدعوة"، التي تعتبر بالنسبة لهم "دعوة علمية تربوية منهجية إصلاحية". وقال إن الدعوة السلفية "ليست حركة أو حزبا ولا تنظيما، كما لا يوجد لها رئاسة أو قيادة".
وبالرغم من الاختلاف المنهجي للدعوة السلفية، التي يعتبر الشيخ الحلبي أحد أبرز منظريها، مع التيار السلفي "الجهادي"، الذي يعتبر الشيخ أبو محمد المقدسي منظرها، فإن المنهجين يلتقيان في عدة أمور، من بينها الحث على "الجهاد ودعم الشعب السوري"، واتفاقهما أيضا على "عدم المشاركة في العمل السياسي".
وفيما يلي نص الحوار:
• ثمة خلط بالمفهوم حول التيار السلفي بين عامة الناس؛ فهناك سلفية تقليدية وسلفية جهادية، أين أنتم من هذه المفاهيم وبماذا تعرفون عن أنفسكم؟
- أولاً: سبق التنبيه على تحفظنا، بل عدم موافقتنا، على وصف (الدعوة السلفية) بالتيار، وأضيف هنا تحفظي بل رفضي لوصف (الدعوة السلفية) بالتقليدية، دعوتنا السلفية ترفض التقليد أصلاً؛ فكيف تُنسب إليه فرعاً؟!
نعم؛ دعوتنا قائمة على الأصالة في الفهم، والتصور، والأُسس؛ لكنها تجمع إليها مع ذلك المعاصرة المنضبطة بالشرع الحكيم؛ وهو الكفيل بكل إصلاح حقيقي مهما دقّ أو جَلَّ إذا أدينا حقَّه علينا بالوجه الحق منّا.
ثانياً: نحن لا نرى الأسماء أية أسماء مغيرة للحقائق والمسمَّيات!، فالسلفيَّة الحقة النقية تُعْرف بمنهجها العلمي، وانضِباطها الأخلاقي بفتاوى كبار علمائها وأئمتها كالألباني، وابن باز، والعُثيمين.
أما سائر (التيارات السلفية الحِزبية) الأخرى -كما يقال- وإلا فهو وصف متناقضٌ أصلا: لا تَرْفَعُ لهؤلاء الأئمَّة رأساً، ولا تُقيمُ لهُم وَزْناً، بل بعضُ هؤلاء الحزبيِّين، إن لم يكن أكثرهم، يُضلّل مشايخَنا وعلماءنا، بل بعض مِن هذا البعضِ يكفرهم، فأية سلفية مَزعومة هذه؟!
أمّا بخصوص (السلفية الجهادية)؛ فأنا، ابتداء أيضاً، ضد هذه التسمية، مِن جهتَين:
الأُولَى: هؤلاء – في اعتقادنا وتصورنا- ليسوا سلفيين أَصلا؛ فمنهجهم ليس مِن منهج السلف، وعلماؤهم ليسوا علماءنا -من علماء الدعوة السلفية- بل الأمر كما قدّمت أن عند أكثرهم تضليلاً أو تكفيراً لعلمائنا.
بل أقولها بوضوح: ليس لهم عالِم مُعتبَرٌ أصلاً، بل هُم في أَكثريتهم مجموعة من الشباب الذين لا نشك ولا نشككُ في إخلاصِهم، إذْ لا يعلم حقيقةَ ذلك إلا الله؛ لكن كلامنا كله في انحرافِ منهجهم، واختلال أساليبهم؛ مما لا يخفى على أكثرِ الناس خطرهم بعدَ التطورات الحاصلة من صنائعهم وفعائلهم.
الثانية: نسبتهم إلى "الجهاد" نسبة إعلامية، أكثرَ منها شرعية، إذ الجهاد الشرعي لا يعلنه، فضلا عن أن يقوم به، ويتصدى له أفراد الناس، ولا عامتهم، ولا غوغاؤهم، إنما يعلِنه ويأمر به، ويحض عليه العلماء الربانيون، والأئمة الراسخون، وعليه فإنَّ تطبيقَ حُكْم (الجِهاد) فعليًّا مرتبطٌ بإذن أولياء أمور البلاد الإسلامية، وترتيبهم؛ ليس عشوائيا، ولا فوضويا، وإلا توسعت المفاسد أكثر فأكثر كما هو مشاهدٌ ومحسوس.
وحكم الجهاد عندنا ليس مِن الآن، بل منذ قرون وقرون، كما قدمت، أنه: فرض عيني على عموم الأمة، لكن العبرة في تحقق شروطه علميا، وتوفر موجباته واقعيا، وهو ما قد يختلفُ النظرُ إليه من الناحية التطبيقية باختلاف الزمان، والمكان، والقدرة، والظروف مما قد لا يدرك حقائقه إلا خاصة أهل العلم.
والكلام في الجهاد عندنا علمي برهاني، ليس سياسيا، ولا عاطفيا؛ إذ ليس المرادُ به، كما هو الشأنُ في كثير من الحزبيات المعاصرة، تجميع الشَّباب الحماسيِّ على لا شي، لاستنزاف طاقاتهم إلى لا شيء، أو لتقتيلهم، وذبحِهم بلا أيِّ شيء!
نعم؛ من حصل منه شيء من ذلك وقتل فحسابه عند ربه؛ لا نقطع له بحكم أخروي، مع رجائنا ربنا سبحانه أن يتقبله في الصالحين، كما هو الرجاء لأي مسلم كيفما كان.
ومِن أشدّ العجب في هذا السياق ما نُقل عن بعض مقدمي هؤلاء إعلاميا، الملقّبين بـ "السلفية الجهادية": أنه فسّر الإرجاء الذي يتهمنا به نحن السلفيين (هؤلاء ومن معهم) بالباطل المحض أنه: "تَرْكُ الجهاد"،
فأيُّ تفسيرٍ في أيِّ علمٍ هذا؟! بل أيُّ جهلٍ هذا؟!
إن حكم الجهاد عندنا نحن السلفيين كحكمه عند عموم أهل الإسلام، أنه: "ذروة سنام الإسلام" كما أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام، والمنكر له بعد إقامة الحجة كافر بالإسلام؛ ولكنْ لهذا الجهاد، كأيّةِ فريضة إسلامية، شروط، وأركان، وواجبات، وقد شرحناها مفصلة جميعا في دروسنا العلمية في نحو ثلاثين مجلساً والحمد لله منذ سنوات.
فإذا ربطنا (نحن) الجهاد الشرعيَّ المعتبر بهذه الشروط الشرعية المعتبرة أيضاً حتى تنضبطَ الأحكام؛ لم يعجب هذا هذه الفئةَ هداهم الله، فصاروا يوزعون ألقابَهم من جهةٍ، واتهاماتِهم من جهةٍ أخرى. بل أقول: من هنا خرج تلقيبهم، ثم استرواحهم، بل رضاهم وموافقتُهم لهذا اللقب: "السلفية الجهادية"، والذي باتوا يعرفون به، بل هذا اللقب عندنا لمخالفتهم ضوابط الجهاد الحقِّ العلمية والعملية، هو أقربُ إلى أن يكون لقبَ ذمٍّ، من كونه لقب مدح كما هم يتخيلون.
• أين الحدود التي يقف عندها مفهوم طاعة الوالي الذي تتبنونه، في حال مخالفة الوالي للشرائع الدينية وحدود الله، فما هو موقفكم من ذلك؟
- إذا كان أمر ولي الأمر ضمن طاعة الله ورسوله أو على الأقل: فيما لا يخالفهما؛ فطاعته واجبة لازمة، وأما إذا كان أمره أو حكمه مخالفا للشرع؛ فـ "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، و:"إنما الطاعة في المعروف".
وهذا هو الحق الذي تدل عليه النصوص الشرعية، وتقرره تأصيلات علمائنا؛ كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه "إعلام الموقعين":" الأمراء إنما يطاعون إذا أمروا بمقتضى العلم؛ فطاعتهم تبع لطاعة العلماء؛ فإن الطاعة إنما تكون في المعروف ، وما أوجبه العلم".
فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول؛ فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء.
ولما كان قيام الإسلام بطائفتي العلماء والأمراء، وكان الناس– كلهم لهم تبعا: كان صلاح العالم بصلاح هاتين الطائفتين، وفساده بفسادهما؛ كما قال عبد الله بن المبارك -وغيره من السلف: (صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس، قيل: من هم؟ قال: الملوك والعلماء)".
وهذا كله لا يمنع البتة من مناصحة أولياء الأمور فيما أخطأوا فيه، أو زلوا به؛ ولكن: ضمن الأطر الشرعية المعينة لهذا الحاكم على الخير، والمسددة لمساره ومصيره.
وهو سبيل حق لا يرفضه أحد؛ بل لا يرفضه إلا مبطل، ولكن أيضا المطالبة بإصلاح الحاكم بما يكون أو قد يكون سببا في إفساد الأمن الاجتماعي للبلد؛ فضلا عن الفوضى، والخلل بكافة صوره أو صورها أمر مرفوض عندنا البتة؛ سواء سمي: حراكات أو اعتصامات... إلخ
نعم؛ نحن مع الإصلاح بكافة صوره: سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا..والأهم من ذلك كله عندنا (الإصلاح العقائدي الديني)، والذي لم تتطرق إليه أية مطالبات شعبية كما يقال أو حزبية البتة ضمن حراكاتهم أو حركاتهم.
ولكن حرصنا على الإصلاح بكافة صوره لا يعني أن يعيش البلد في فوضى واضطرابات واختلال أمن وتطاول بذيء شديد جدا على أولياء الأمور تحت مسمى: ارتفاع الأسقف.
وإذ الأمر كذلك؛ فنحن ضد فكرة الخروج على الحاكم المسلم الجائر أصلا؛ بل نرى هذا من علامات فرقة الخوارج الضالة والعياذ بالله.
وعمليا: غيرنا مثلنا في ذلك سواء؛ لكن الظروف السياسية هي التي تبدل المواقف، وتغير الأفكار،
فالآن مثلا قد تولى "حزب النهضة" الحكم في تونس، فهل إذا خرج عليهم "خارج"، هناك الآن يقبلون!؟ وهل سيستسلمون لهؤلاء "الخارجين" بسهولة؟ وهل ستنتهي فتن الأمة التي إذا بدأت فلا مرد لها بتجويز خروج كل خارج على من قبله وهكذا هذا على من بعده، أي عقل يجيز هذا عمليا؟!
• الربيع العربي والثورات في عدة دول عربية، وبالأخص في سورية، هل لكم موقف منها، وهل تؤيدونها او تعارضونها، وما رأيكم بشأن القتال في سورية وفي فلسطين، هل لديكم أية مواقف من ذلك؟
- بغض النظر عن المصطلحات السياسية، ربيع، او خريف، أيا كان مصدرها ومصدرها وأيا كان باعثها ومهيجها؛ فإن منهجنا السلفي العلمي المبارك يلزمنا بحسب الدلائل والبراهين وبصورة مبدئية منهجية شرعية قاطعة دون أدنى شك برفض المظاهرات والثورات وما إلى ذلك من تبعات. وقد بينت حكم هذ القضايا بجلاء في كتابي "الدعوة السلفية الهادية، وموقفها من الفتن العصرية الجارية"، هو مطبوع قبل سنة وشهر. وشأن الذي رزقه الله تعالى فقها سديدا، ومنهجا علميا صحيحا؛ أن يفرق في أحكامه بين المسألة، أية مسألة، قبل وقوعها، والمسألة اية مسألة بعد وقوعها كما هو مقرر في موضعه من كتب العلماء.
فـ "الربيع العربي": ثوّر فكرته أقوام، وقام به أقوام، وامتطى ظهره أقوام، وخسر بسببه أقوام، ومع ذلك؛ فإن واقعه المنظور على كثرة ما أنتج من مفاسد ما تزال بعض البلاد العربية تكتوي بنارها: أثمر بعض (!) إيجابيات لا تنكر؛ لعل أهمها: "الحرية" التي خرج من خرج أساسا في الثورات "الربيعية العربية" من أجلها؛ لا دينا، ولا تدينا، لذلك؛ نالت هذه الحرية على ما اعتورها، أكثر بلدان الربيع العربي، مسلمهم، وكافرهم، صالحهم وفاجرهم كل بقدره.
ودور السلفية العلمية في هذا الخضم، ولا تكون السلفية سلفية إلا إذا كانت علمية..، التوجيه، والتنبيه، والإصلاح بقدر الوسع دون إثارة إعلامية ومن غير تصدر مذموم،
أما موقفنا من أحداث سورية الحالية؛ فقد كتبناه في عدة مقالات، وبيناه في عدة فتاوى مكتوبة، ومسموعة، ومرئية.
وأخيرا: كتبت رسالة خاصة في بيان موقفنا من ذلك، بعنوان: "كلمة حق علمية في أحداث سورية.."؛ أوجبت فيها مستأنسا بفتاوى بعض كبارعلمائنا ومشايخنا على عموم المسلمين مساعدة الشعب السوري ضد النظام الذي ما يزال يضرب بالحديد والنار وبغير هوادة هذا الشعب الأعزل الضعيف المستضعف.
أقول هذا حتى لا تختلط الأوراق مع التوكيد على رفضنا الحكمي الشرعي للمظاهرات والثورات عموما وما نزال؛ ولكننا نرى من عدة نواح أن الجاري في سورية وقد وقع وحدث لا يصلح معه كأقل المفسدتين إلا مضادة هذا النظام، ومقاومته؛ وإلا فالمفسدة أعظم وأجل وأكبر.
أما قضية فلسطين والتي مضى عليها الآن قريب من ثلاثة أرباع القرن؛ فهي كبرى القضايا الإسلامية العصرية، لما لفلسطين من خصوصية دينية، وتاريخية.
ولكن قضية فلسطين اليوم في تصوري واعتقادي أضحت عند الأكثرين كالسلعة التي تستغل أو تحتكر من قبل بعض التجار والإقطاعيين سواء في ذلك أكثر الدول، وأكثر الأحزاب.
وقضية فلسطين شئنا أم أبينا نحن وأنتم أكبر من أن يقول فيها رأيا عمليا أفراد من الناس أي ناس. أما البيانات السياسية، والفذلكات الإعلامية، والمثورات العاطفية؛ فكل ذلك ليس من منهجنا، ولا طريقتنا وغيرنا فيه أقوى بل أمهر منا بكثير.
• الحراكات الشعبية بما فيها من مظاهرات واعتصامات، لم نجد منكم مشاركة فيها، هل هذا يعني موقفا منكم برفضها، وما هي المبررات او الأسباب؟
- أولا: نحن لا نختلف مع ما وافق الحق الشرعي أو المشروع من مطالب ما يسمى بالحراكات الشعبية بما فيها من مظاهرات واعتصامات الواردة في السؤال، ولكننا ثانيا وبالمقابل: لا نوافق على عدد ليس بالقليل من تلكم المطالبات في هاتيك الحراكات؛ كونها كما لا يخفى على المتابع لا تخلو من جهوية، أو فئوية، أو حزبية، قد تزيد الفتنة فتنة، والبلاء بلاء.
والأهم من سائر تلك المطالب جميعا سياستها واقتصادها عندنا: المطالبة بالإصلاح (العقائدي)، (الأخلاقي) كما قدمت وهو أكبر مطلب مغيب وللأسف في أكثر تلكم المطالبات مع أنه أهمها، وأعظمها وأولاها.
وفتاوانا التابعة لفتاوى علمائنا، وأئمتنا من قبل ومن بعد: ثابتة لم تتغير، ولن تتغير إن شاء الله في تحريم المشاركة في المظاهرات، والاعتصامات، والحراكات، وهو ما لا يعارض البتة كما توهم البعض، المطالبة المنضبطة بالإصلاح، وفتح أبوابه، ووأد الفساد، وغلق أسبابه بالضوابط المذكورة في بعض الأجوبة السابقة.
ومن تصور متخيلا، أو تخيل متصورا: أنه لا يوجد لنا موقف من قضايا الحراكات، والمظاهرات وما تتضمنه من مطالبات؛ فهذا غلط صريح؛ بل لنا مواقف كثيرة واضحة: في مقالاتنا، ودروسنا، ومجالسنا، ومؤلفاتنا، بل كنت قد كتبت منذ نحو عام مبادرة (عملية) لإخراج البلد من حالة الشد والجذب التي يعانيها بين طرفي النزاع فيما يسمى بالحراكات هذه وآثارها، وتداعياتها، والتي أرى أنها بمجملها أفسدت على الناس حياتهم، واستقرارهم، وأمنهم والتي هي الظروف الأهم في متطلبات أي إصلاح حقيقي.
بل أقول في آخر جوابي عن هذا السؤال مما هو ذو صلة مباشرة به يكاد يكون الأمن الاجتماعي الأردني على خطر، ولا أقول في خطر؛ ما دمنا نرى ونسمع وما نزال في أكثر المظاهرات والاعتصامات التطاول على أولياء الأمور بصورة قبيحة جدا؛ مما لا يقبل المتطاول نفسه أن يقال أدنى أدناه في شخصه؟
نعم؛ الأمن الاجتماعي "على" خطر، ولا أقول في خطر، بسبب تلكم الأسباب نفسها؛ ما دامت الأجندات الحزبية هي أكثر ما يحرك الشوارع. الأمن الاجتماعي "على" خطر ما دامت السلبية في المواقف بانتظار المجهول هي المسيطرة على الشأن السياسي بشكل عام.
نريد العقلاء العقلاء من الناس لإخراج البلد من حالة "التوقف"، وأخشى أن تؤول إلى اللاعودة الخطيرة.
أقول هذا وأؤكد عليه لأن بلدنا الأردن على ما فيه من نقص، ومن فساد لا يجادل فيه أحد؛ حتى أولياء الأمور أنفسهم؛ هو والحمد لله بلد آمن، مستقر، مطمئن والفضل بيد الله وحده، وهذا في اعتقادنا هو الثروة العظمى لبلدنا الصغير في إمكاناته، العظيم في أمنه، وأمانه والتي هي ثروة أعظم من كل الذهب والفضة، والبترول والمال-لو حافظنا بالحق-عليها، وطلبنا، ودعاؤنا، واجتهادنا أبدا أن يوفق الله تعالى أولياء الأمور لسد النقص، ورد الفساد (العقائدي) أولا، ثم الأخلاقي من بعد وما يلي ذلك كنتيجة من إصلاح اقتصادي، وسياسي، واجتماعي.
• هل لديكم أي نوايا للمشاركة السياسية، أو العزم على خوض الانتخابات النيابية المقبلة باسم التيار، ولماذا لا تسعون للحصول على ترخيص بإنشاء حزب باسم التيار؟
- ليس لنا أية نية البتة لدخول المعترك السياسي، ولا المشاركة فيه، ولا نتطلع إلى ذلك لا في قريب ولا بعيد!، والذي نتطلع له، ونحرص عليه جدا هو: مضاعفة جهودنا الدعوية العلمية لتعريف عامة الناس بدين الله الحق، وأن عبادة الله تعالى هي سبب وجود الخلق أجمعين.
والسياسة أكرر في معناه العصري السائد، في مآلها في أكثر مساراتها منافسة على مناصب رسمية، ومسابقة على مراتب دنيوية، وممارسة مصلحية أو حزبية صرفة؛ إلا من رحم الله.
وهذا التصور نابع من اعتقادنا الجازم أن الدعوة الجادة إلى الكتاب والسنة بوعي مجتمعي أقرب إلى الكمال لإصلاح عموم المسلمين: هو الحضور الأهم والأجدى في المشهد العام للإصلاح الحقيقي اجتماعيا، وسياسيا، واقتصاديا؛ لا بمجرد القيل والقال! والتشبع بما لم نعط تثويرا للعواطف والحماسات حرصا على انتخابات! أو تجميعا لأصوات
نعم ؛ قد لا يكون لنا دور سياسي بالصورة السائدة في أذهان الإعلامين، والساسة العصريين؛ ذلكم لأن نظرتنا إلى السياسة العصرية كيفما كانت سلبية؛ فالسياسة العصرية فيما نرى ونجزم ليس لها ضوابط ولا روابط كما لا يخفى على المرابط.
ومع ذلك من الناحية الفعلية العملية؛ فلا يكاد يخلو ظرف سياسي معاصر ذو شأن من بيان الموقف الشرعي الواضح لنا؛ نعطي فيه الحكم الشرعي الواجب وجوده؛ بغض النظر عن التأثيرات المؤثرات السياسية كيفما كانت.
وفي هذا وما قبله، وما بعده بيان عملي أكيد على كوننا سلفيين، لا سلبيين.
وأما المشاركة في الانتخابات النيابية؛ فهي عندنا مرتبطة فقط بجواز انتخاب الأصلح من المرشحين والأصلح عندنا هو الأنفع للمواطن والوطن؛ وليس شرطا أن يكون حزبيا إسلاميا أو غير إسلامي فإن كان هذا هو الأنفع وهذا نادر فلا مانع من انتخابه وكل ذلك من باب اختيار أقل المفسدتين، وأكبر الخيرين.
ونقطة أخرى: يتداول الآن على ألسنة أو أقلام بعض الناس في بعض المجتمعات أن (الدعوة السلفية) سائرة في مشروع إنشاء حزب أو جبهة للدخول فيما بعد في الانتخابات. فأقول بوضوح ما بني على فاسد فهو فاسد؛ ليس لنا أي مشاركة في أي حزب أو جبهة، لا جديدة، ولا قديمة؛ لا تحت عنوان: "اعتصموا" كما يشاع، ولا: "تفرقوا"، وهذا كله من الدعايات الفارغة التي يقوم عليها ويروج لها بعض من لا "سلامة" لمقاصدهم ومراداتهم. نحن بدءا وانتهاء (دعوة سلفية) نقية، علمية، تربوية؛ قائم منهجنا الإصلاحي فعليا على أصول ثلاثة: 1- التواصي بالحق والصبر 2- التعاون على البر والتقوى 3- الاعتصام بحبل الله جميعا.
ويجمع ذلك كله قاعدة "التكامل؛ لا التآكل"، بين أفراد المجتمع كله من جهة، وبين أولياء الأمور من جهة أخرى؛ ليؤدي كل دوره بتقوى الله. لا سبيل للإصلاح الحق فيما نرى جازمين إلا على وفق هذا الطريق الحق..والله تعالى يقول: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
والحزبية كما هو اعتقادنا الجازم ضد هذا كله، فرعا وأصلا. والواقع بل التاريخ شاهد لا يكذب!
• تلتقون مع تيارات أسلامية قريبة منكم فكريا هل هناك خطة للتحالف معها؟
- "التيارات الاسلامية" بمجملها حزبية، وهو ما لا نقبله، ولا نرتضيه البتة، ولكن هذا لا يمنع من التعاون المنضبط معها فيما نعتقده من الحق الذي قد نرى أنه لا يمكن لمجموع الأمة تحقيقه إلا من خلال مثل هذا التعاون، أما "التحالف"، فلا؛ وليس ذلك من جهتنا فقط لا، ولكن لأن الحزبية من حيث هي منغلقة على نفسها، منحصرة على أتباعها؛ وحرصها الأول والأخير حقيقة هو بقاء حزبيتها واستمرار مسيرتها، ولو على حساب المصلحة الأعم والأهم مصلحة الشعب والوطن.
وما قد يحدث من تحالفات بين بعض تلكم الأحزاب وبين غيرها، من أحزاب أو أفراد؛ فلا يعدو أن يكون مؤقتا أولا، وضمن أطرهم الحزبية ثانيا، وما تجربة "حزب النور" الذي أعلن نفسه سلفيا في مصر ببعيدة عن المتابع الفطن الذكي؛ فالذي نراه أنها تجربة أقرب إلى الفشل؛ حيث أدت هذه التجربة كيفما كان الأمر إلى تقهقر الدعوة السلفية، وضعف انتشارها أولا وإلى تشكيك عموم الناس بمصداقيتها، ومواقفها ثانيا. وكنا قد نصحناهم في مقال مطول قبلا بعدم الانخراط في العمل السياسي، أو الحزبي، ولكن إن الدعوة السلفية دعوة فطرية علمية، تربوية، منهجية؛ تريد للناس كل شيء من الخير؛ ولا تريد منهم أي شيء إلا التجاوب مع الحق؛ ما يجعلها علميا وعمليا تغاير طرائق الأحزاب جميعا إسلامية وغير إسلامية.
وعموم الأمة والحمد لله أمة مسلمة؛ تريد فقط من يذكرها، وتحتاج الى من يعلمها، وينبهها. وليس في منهجية الدعوة السلفية، إضافة إلى ما سبق منثورا، أكثر من هذه الأهداف المسددة العالية.
• التيارات الإسلامية الاخرى تتهمكم أنكم مقربون من السلطة، ما ردكم على هذه الاتهامات؟
- باب الاتهامات كبير كثير فينا وفي غيرنا؛ وبخاصة في عصر الإعلام الفضائي، وزمن الإنترنت العنكبوتي، وكوننا مقربين من النظام أو غير مقربين: ليس هو المشكلة؛ بل البحث الذي ينبغي أن يكون؛ هو: هل في مواقفنا العامة أو الخاصة ما يخالف منهجنا، أو ما يناقض دعوتنا؟!
هنا البحث، وإلا: فلا فائدة، مع التنبيه إلى أن دعوى أننا (مقربون من النظام) دعوى باطلة؛ بل يكاد يكون عكسها هو الصواب إذ إن أكثر رؤساء الحزبيين كانوا وبعضهم ما يزال جزءا من (النظام) كما يقولون، وليس فقط مقربا من النظام.
وما نحن كيفما كان الأمر إلا مواطنون عاديون في بلد تحكمه قوانين، وظروف، وحقوق متبادلة، ليس غيرنا بأولى فيها منا، كما أننا لسنا بأولى من غيرنا فيها، والله تعالى يقول ردا لكل الاتهامات في كافة الاتجاهات: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}.
الغد
وحرم الحلبي، في لقاء مع "الغد"، المُشاركة في المظاهَرات والاعتصامات والحراكات الشعبية، في وقت دعا فيه الى مساعدة الشعب السوري ضد نظامه، الذي "ما يَزال يضْرب شعبه بالحديد والنار"، معتبرا أيضا أن الجهاد في سبيل الله امر "مُرتبِط بإذن أولياء أُمور البلاد الإسلاميَّة، وترتيبِهم؛ وليس عشوائيا ولا فوضويا".
وأوضح منظر الدعوة السلفية أن السلفيين "متفرِّغون للدعوة"، التي تعتبر بالنسبة لهم "دعوة علمية تربوية منهجية إصلاحية". وقال إن الدعوة السلفية "ليست حركة أو حزبا ولا تنظيما، كما لا يوجد لها رئاسة أو قيادة".
وبالرغم من الاختلاف المنهجي للدعوة السلفية، التي يعتبر الشيخ الحلبي أحد أبرز منظريها، مع التيار السلفي "الجهادي"، الذي يعتبر الشيخ أبو محمد المقدسي منظرها، فإن المنهجين يلتقيان في عدة أمور، من بينها الحث على "الجهاد ودعم الشعب السوري"، واتفاقهما أيضا على "عدم المشاركة في العمل السياسي".
وفيما يلي نص الحوار:
• ثمة خلط بالمفهوم حول التيار السلفي بين عامة الناس؛ فهناك سلفية تقليدية وسلفية جهادية، أين أنتم من هذه المفاهيم وبماذا تعرفون عن أنفسكم؟
- أولاً: سبق التنبيه على تحفظنا، بل عدم موافقتنا، على وصف (الدعوة السلفية) بالتيار، وأضيف هنا تحفظي بل رفضي لوصف (الدعوة السلفية) بالتقليدية، دعوتنا السلفية ترفض التقليد أصلاً؛ فكيف تُنسب إليه فرعاً؟!
نعم؛ دعوتنا قائمة على الأصالة في الفهم، والتصور، والأُسس؛ لكنها تجمع إليها مع ذلك المعاصرة المنضبطة بالشرع الحكيم؛ وهو الكفيل بكل إصلاح حقيقي مهما دقّ أو جَلَّ إذا أدينا حقَّه علينا بالوجه الحق منّا.
ثانياً: نحن لا نرى الأسماء أية أسماء مغيرة للحقائق والمسمَّيات!، فالسلفيَّة الحقة النقية تُعْرف بمنهجها العلمي، وانضِباطها الأخلاقي بفتاوى كبار علمائها وأئمتها كالألباني، وابن باز، والعُثيمين.
أما سائر (التيارات السلفية الحِزبية) الأخرى -كما يقال- وإلا فهو وصف متناقضٌ أصلا: لا تَرْفَعُ لهؤلاء الأئمَّة رأساً، ولا تُقيمُ لهُم وَزْناً، بل بعضُ هؤلاء الحزبيِّين، إن لم يكن أكثرهم، يُضلّل مشايخَنا وعلماءنا، بل بعض مِن هذا البعضِ يكفرهم، فأية سلفية مَزعومة هذه؟!
أمّا بخصوص (السلفية الجهادية)؛ فأنا، ابتداء أيضاً، ضد هذه التسمية، مِن جهتَين:
الأُولَى: هؤلاء – في اعتقادنا وتصورنا- ليسوا سلفيين أَصلا؛ فمنهجهم ليس مِن منهج السلف، وعلماؤهم ليسوا علماءنا -من علماء الدعوة السلفية- بل الأمر كما قدّمت أن عند أكثرهم تضليلاً أو تكفيراً لعلمائنا.
بل أقولها بوضوح: ليس لهم عالِم مُعتبَرٌ أصلاً، بل هُم في أَكثريتهم مجموعة من الشباب الذين لا نشك ولا نشككُ في إخلاصِهم، إذْ لا يعلم حقيقةَ ذلك إلا الله؛ لكن كلامنا كله في انحرافِ منهجهم، واختلال أساليبهم؛ مما لا يخفى على أكثرِ الناس خطرهم بعدَ التطورات الحاصلة من صنائعهم وفعائلهم.
الثانية: نسبتهم إلى "الجهاد" نسبة إعلامية، أكثرَ منها شرعية، إذ الجهاد الشرعي لا يعلنه، فضلا عن أن يقوم به، ويتصدى له أفراد الناس، ولا عامتهم، ولا غوغاؤهم، إنما يعلِنه ويأمر به، ويحض عليه العلماء الربانيون، والأئمة الراسخون، وعليه فإنَّ تطبيقَ حُكْم (الجِهاد) فعليًّا مرتبطٌ بإذن أولياء أمور البلاد الإسلامية، وترتيبهم؛ ليس عشوائيا، ولا فوضويا، وإلا توسعت المفاسد أكثر فأكثر كما هو مشاهدٌ ومحسوس.
وحكم الجهاد عندنا ليس مِن الآن، بل منذ قرون وقرون، كما قدمت، أنه: فرض عيني على عموم الأمة، لكن العبرة في تحقق شروطه علميا، وتوفر موجباته واقعيا، وهو ما قد يختلفُ النظرُ إليه من الناحية التطبيقية باختلاف الزمان، والمكان، والقدرة، والظروف مما قد لا يدرك حقائقه إلا خاصة أهل العلم.
والكلام في الجهاد عندنا علمي برهاني، ليس سياسيا، ولا عاطفيا؛ إذ ليس المرادُ به، كما هو الشأنُ في كثير من الحزبيات المعاصرة، تجميع الشَّباب الحماسيِّ على لا شي، لاستنزاف طاقاتهم إلى لا شيء، أو لتقتيلهم، وذبحِهم بلا أيِّ شيء!
نعم؛ من حصل منه شيء من ذلك وقتل فحسابه عند ربه؛ لا نقطع له بحكم أخروي، مع رجائنا ربنا سبحانه أن يتقبله في الصالحين، كما هو الرجاء لأي مسلم كيفما كان.
ومِن أشدّ العجب في هذا السياق ما نُقل عن بعض مقدمي هؤلاء إعلاميا، الملقّبين بـ "السلفية الجهادية": أنه فسّر الإرجاء الذي يتهمنا به نحن السلفيين (هؤلاء ومن معهم) بالباطل المحض أنه: "تَرْكُ الجهاد"،
فأيُّ تفسيرٍ في أيِّ علمٍ هذا؟! بل أيُّ جهلٍ هذا؟!
إن حكم الجهاد عندنا نحن السلفيين كحكمه عند عموم أهل الإسلام، أنه: "ذروة سنام الإسلام" كما أخبر نبينا عليه الصلاة والسلام، والمنكر له بعد إقامة الحجة كافر بالإسلام؛ ولكنْ لهذا الجهاد، كأيّةِ فريضة إسلامية، شروط، وأركان، وواجبات، وقد شرحناها مفصلة جميعا في دروسنا العلمية في نحو ثلاثين مجلساً والحمد لله منذ سنوات.
فإذا ربطنا (نحن) الجهاد الشرعيَّ المعتبر بهذه الشروط الشرعية المعتبرة أيضاً حتى تنضبطَ الأحكام؛ لم يعجب هذا هذه الفئةَ هداهم الله، فصاروا يوزعون ألقابَهم من جهةٍ، واتهاماتِهم من جهةٍ أخرى. بل أقول: من هنا خرج تلقيبهم، ثم استرواحهم، بل رضاهم وموافقتُهم لهذا اللقب: "السلفية الجهادية"، والذي باتوا يعرفون به، بل هذا اللقب عندنا لمخالفتهم ضوابط الجهاد الحقِّ العلمية والعملية، هو أقربُ إلى أن يكون لقبَ ذمٍّ، من كونه لقب مدح كما هم يتخيلون.
• أين الحدود التي يقف عندها مفهوم طاعة الوالي الذي تتبنونه، في حال مخالفة الوالي للشرائع الدينية وحدود الله، فما هو موقفكم من ذلك؟
- إذا كان أمر ولي الأمر ضمن طاعة الله ورسوله أو على الأقل: فيما لا يخالفهما؛ فطاعته واجبة لازمة، وأما إذا كان أمره أو حكمه مخالفا للشرع؛ فـ "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، و:"إنما الطاعة في المعروف".
وهذا هو الحق الذي تدل عليه النصوص الشرعية، وتقرره تأصيلات علمائنا؛ كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه "إعلام الموقعين":" الأمراء إنما يطاعون إذا أمروا بمقتضى العلم؛ فطاعتهم تبع لطاعة العلماء؛ فإن الطاعة إنما تكون في المعروف ، وما أوجبه العلم".
فكما أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول؛ فطاعة الأمراء تبع لطاعة العلماء.
ولما كان قيام الإسلام بطائفتي العلماء والأمراء، وكان الناس– كلهم لهم تبعا: كان صلاح العالم بصلاح هاتين الطائفتين، وفساده بفسادهما؛ كما قال عبد الله بن المبارك -وغيره من السلف: (صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس، قيل: من هم؟ قال: الملوك والعلماء)".
وهذا كله لا يمنع البتة من مناصحة أولياء الأمور فيما أخطأوا فيه، أو زلوا به؛ ولكن: ضمن الأطر الشرعية المعينة لهذا الحاكم على الخير، والمسددة لمساره ومصيره.
وهو سبيل حق لا يرفضه أحد؛ بل لا يرفضه إلا مبطل، ولكن أيضا المطالبة بإصلاح الحاكم بما يكون أو قد يكون سببا في إفساد الأمن الاجتماعي للبلد؛ فضلا عن الفوضى، والخلل بكافة صوره أو صورها أمر مرفوض عندنا البتة؛ سواء سمي: حراكات أو اعتصامات... إلخ
نعم؛ نحن مع الإصلاح بكافة صوره: سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا..والأهم من ذلك كله عندنا (الإصلاح العقائدي الديني)، والذي لم تتطرق إليه أية مطالبات شعبية كما يقال أو حزبية البتة ضمن حراكاتهم أو حركاتهم.
ولكن حرصنا على الإصلاح بكافة صوره لا يعني أن يعيش البلد في فوضى واضطرابات واختلال أمن وتطاول بذيء شديد جدا على أولياء الأمور تحت مسمى: ارتفاع الأسقف.
وإذ الأمر كذلك؛ فنحن ضد فكرة الخروج على الحاكم المسلم الجائر أصلا؛ بل نرى هذا من علامات فرقة الخوارج الضالة والعياذ بالله.
وعمليا: غيرنا مثلنا في ذلك سواء؛ لكن الظروف السياسية هي التي تبدل المواقف، وتغير الأفكار،
فالآن مثلا قد تولى "حزب النهضة" الحكم في تونس، فهل إذا خرج عليهم "خارج"، هناك الآن يقبلون!؟ وهل سيستسلمون لهؤلاء "الخارجين" بسهولة؟ وهل ستنتهي فتن الأمة التي إذا بدأت فلا مرد لها بتجويز خروج كل خارج على من قبله وهكذا هذا على من بعده، أي عقل يجيز هذا عمليا؟!
• الربيع العربي والثورات في عدة دول عربية، وبالأخص في سورية، هل لكم موقف منها، وهل تؤيدونها او تعارضونها، وما رأيكم بشأن القتال في سورية وفي فلسطين، هل لديكم أية مواقف من ذلك؟
- بغض النظر عن المصطلحات السياسية، ربيع، او خريف، أيا كان مصدرها ومصدرها وأيا كان باعثها ومهيجها؛ فإن منهجنا السلفي العلمي المبارك يلزمنا بحسب الدلائل والبراهين وبصورة مبدئية منهجية شرعية قاطعة دون أدنى شك برفض المظاهرات والثورات وما إلى ذلك من تبعات. وقد بينت حكم هذ القضايا بجلاء في كتابي "الدعوة السلفية الهادية، وموقفها من الفتن العصرية الجارية"، هو مطبوع قبل سنة وشهر. وشأن الذي رزقه الله تعالى فقها سديدا، ومنهجا علميا صحيحا؛ أن يفرق في أحكامه بين المسألة، أية مسألة، قبل وقوعها، والمسألة اية مسألة بعد وقوعها كما هو مقرر في موضعه من كتب العلماء.
فـ "الربيع العربي": ثوّر فكرته أقوام، وقام به أقوام، وامتطى ظهره أقوام، وخسر بسببه أقوام، ومع ذلك؛ فإن واقعه المنظور على كثرة ما أنتج من مفاسد ما تزال بعض البلاد العربية تكتوي بنارها: أثمر بعض (!) إيجابيات لا تنكر؛ لعل أهمها: "الحرية" التي خرج من خرج أساسا في الثورات "الربيعية العربية" من أجلها؛ لا دينا، ولا تدينا، لذلك؛ نالت هذه الحرية على ما اعتورها، أكثر بلدان الربيع العربي، مسلمهم، وكافرهم، صالحهم وفاجرهم كل بقدره.
ودور السلفية العلمية في هذا الخضم، ولا تكون السلفية سلفية إلا إذا كانت علمية..، التوجيه، والتنبيه، والإصلاح بقدر الوسع دون إثارة إعلامية ومن غير تصدر مذموم،
أما موقفنا من أحداث سورية الحالية؛ فقد كتبناه في عدة مقالات، وبيناه في عدة فتاوى مكتوبة، ومسموعة، ومرئية.
وأخيرا: كتبت رسالة خاصة في بيان موقفنا من ذلك، بعنوان: "كلمة حق علمية في أحداث سورية.."؛ أوجبت فيها مستأنسا بفتاوى بعض كبارعلمائنا ومشايخنا على عموم المسلمين مساعدة الشعب السوري ضد النظام الذي ما يزال يضرب بالحديد والنار وبغير هوادة هذا الشعب الأعزل الضعيف المستضعف.
أقول هذا حتى لا تختلط الأوراق مع التوكيد على رفضنا الحكمي الشرعي للمظاهرات والثورات عموما وما نزال؛ ولكننا نرى من عدة نواح أن الجاري في سورية وقد وقع وحدث لا يصلح معه كأقل المفسدتين إلا مضادة هذا النظام، ومقاومته؛ وإلا فالمفسدة أعظم وأجل وأكبر.
أما قضية فلسطين والتي مضى عليها الآن قريب من ثلاثة أرباع القرن؛ فهي كبرى القضايا الإسلامية العصرية، لما لفلسطين من خصوصية دينية، وتاريخية.
ولكن قضية فلسطين اليوم في تصوري واعتقادي أضحت عند الأكثرين كالسلعة التي تستغل أو تحتكر من قبل بعض التجار والإقطاعيين سواء في ذلك أكثر الدول، وأكثر الأحزاب.
وقضية فلسطين شئنا أم أبينا نحن وأنتم أكبر من أن يقول فيها رأيا عمليا أفراد من الناس أي ناس. أما البيانات السياسية، والفذلكات الإعلامية، والمثورات العاطفية؛ فكل ذلك ليس من منهجنا، ولا طريقتنا وغيرنا فيه أقوى بل أمهر منا بكثير.
• الحراكات الشعبية بما فيها من مظاهرات واعتصامات، لم نجد منكم مشاركة فيها، هل هذا يعني موقفا منكم برفضها، وما هي المبررات او الأسباب؟
- أولا: نحن لا نختلف مع ما وافق الحق الشرعي أو المشروع من مطالب ما يسمى بالحراكات الشعبية بما فيها من مظاهرات واعتصامات الواردة في السؤال، ولكننا ثانيا وبالمقابل: لا نوافق على عدد ليس بالقليل من تلكم المطالبات في هاتيك الحراكات؛ كونها كما لا يخفى على المتابع لا تخلو من جهوية، أو فئوية، أو حزبية، قد تزيد الفتنة فتنة، والبلاء بلاء.
والأهم من سائر تلك المطالب جميعا سياستها واقتصادها عندنا: المطالبة بالإصلاح (العقائدي)، (الأخلاقي) كما قدمت وهو أكبر مطلب مغيب وللأسف في أكثر تلكم المطالبات مع أنه أهمها، وأعظمها وأولاها.
وفتاوانا التابعة لفتاوى علمائنا، وأئمتنا من قبل ومن بعد: ثابتة لم تتغير، ولن تتغير إن شاء الله في تحريم المشاركة في المظاهرات، والاعتصامات، والحراكات، وهو ما لا يعارض البتة كما توهم البعض، المطالبة المنضبطة بالإصلاح، وفتح أبوابه، ووأد الفساد، وغلق أسبابه بالضوابط المذكورة في بعض الأجوبة السابقة.
ومن تصور متخيلا، أو تخيل متصورا: أنه لا يوجد لنا موقف من قضايا الحراكات، والمظاهرات وما تتضمنه من مطالبات؛ فهذا غلط صريح؛ بل لنا مواقف كثيرة واضحة: في مقالاتنا، ودروسنا، ومجالسنا، ومؤلفاتنا، بل كنت قد كتبت منذ نحو عام مبادرة (عملية) لإخراج البلد من حالة الشد والجذب التي يعانيها بين طرفي النزاع فيما يسمى بالحراكات هذه وآثارها، وتداعياتها، والتي أرى أنها بمجملها أفسدت على الناس حياتهم، واستقرارهم، وأمنهم والتي هي الظروف الأهم في متطلبات أي إصلاح حقيقي.
بل أقول في آخر جوابي عن هذا السؤال مما هو ذو صلة مباشرة به يكاد يكون الأمن الاجتماعي الأردني على خطر، ولا أقول في خطر؛ ما دمنا نرى ونسمع وما نزال في أكثر المظاهرات والاعتصامات التطاول على أولياء الأمور بصورة قبيحة جدا؛ مما لا يقبل المتطاول نفسه أن يقال أدنى أدناه في شخصه؟
نعم؛ الأمن الاجتماعي "على" خطر، ولا أقول في خطر، بسبب تلكم الأسباب نفسها؛ ما دامت الأجندات الحزبية هي أكثر ما يحرك الشوارع. الأمن الاجتماعي "على" خطر ما دامت السلبية في المواقف بانتظار المجهول هي المسيطرة على الشأن السياسي بشكل عام.
نريد العقلاء العقلاء من الناس لإخراج البلد من حالة "التوقف"، وأخشى أن تؤول إلى اللاعودة الخطيرة.
أقول هذا وأؤكد عليه لأن بلدنا الأردن على ما فيه من نقص، ومن فساد لا يجادل فيه أحد؛ حتى أولياء الأمور أنفسهم؛ هو والحمد لله بلد آمن، مستقر، مطمئن والفضل بيد الله وحده، وهذا في اعتقادنا هو الثروة العظمى لبلدنا الصغير في إمكاناته، العظيم في أمنه، وأمانه والتي هي ثروة أعظم من كل الذهب والفضة، والبترول والمال-لو حافظنا بالحق-عليها، وطلبنا، ودعاؤنا، واجتهادنا أبدا أن يوفق الله تعالى أولياء الأمور لسد النقص، ورد الفساد (العقائدي) أولا، ثم الأخلاقي من بعد وما يلي ذلك كنتيجة من إصلاح اقتصادي، وسياسي، واجتماعي.
• هل لديكم أي نوايا للمشاركة السياسية، أو العزم على خوض الانتخابات النيابية المقبلة باسم التيار، ولماذا لا تسعون للحصول على ترخيص بإنشاء حزب باسم التيار؟
- ليس لنا أية نية البتة لدخول المعترك السياسي، ولا المشاركة فيه، ولا نتطلع إلى ذلك لا في قريب ولا بعيد!، والذي نتطلع له، ونحرص عليه جدا هو: مضاعفة جهودنا الدعوية العلمية لتعريف عامة الناس بدين الله الحق، وأن عبادة الله تعالى هي سبب وجود الخلق أجمعين.
والسياسة أكرر في معناه العصري السائد، في مآلها في أكثر مساراتها منافسة على مناصب رسمية، ومسابقة على مراتب دنيوية، وممارسة مصلحية أو حزبية صرفة؛ إلا من رحم الله.
وهذا التصور نابع من اعتقادنا الجازم أن الدعوة الجادة إلى الكتاب والسنة بوعي مجتمعي أقرب إلى الكمال لإصلاح عموم المسلمين: هو الحضور الأهم والأجدى في المشهد العام للإصلاح الحقيقي اجتماعيا، وسياسيا، واقتصاديا؛ لا بمجرد القيل والقال! والتشبع بما لم نعط تثويرا للعواطف والحماسات حرصا على انتخابات! أو تجميعا لأصوات
نعم ؛ قد لا يكون لنا دور سياسي بالصورة السائدة في أذهان الإعلامين، والساسة العصريين؛ ذلكم لأن نظرتنا إلى السياسة العصرية كيفما كانت سلبية؛ فالسياسة العصرية فيما نرى ونجزم ليس لها ضوابط ولا روابط كما لا يخفى على المرابط.
ومع ذلك من الناحية الفعلية العملية؛ فلا يكاد يخلو ظرف سياسي معاصر ذو شأن من بيان الموقف الشرعي الواضح لنا؛ نعطي فيه الحكم الشرعي الواجب وجوده؛ بغض النظر عن التأثيرات المؤثرات السياسية كيفما كانت.
وفي هذا وما قبله، وما بعده بيان عملي أكيد على كوننا سلفيين، لا سلبيين.
وأما المشاركة في الانتخابات النيابية؛ فهي عندنا مرتبطة فقط بجواز انتخاب الأصلح من المرشحين والأصلح عندنا هو الأنفع للمواطن والوطن؛ وليس شرطا أن يكون حزبيا إسلاميا أو غير إسلامي فإن كان هذا هو الأنفع وهذا نادر فلا مانع من انتخابه وكل ذلك من باب اختيار أقل المفسدتين، وأكبر الخيرين.
ونقطة أخرى: يتداول الآن على ألسنة أو أقلام بعض الناس في بعض المجتمعات أن (الدعوة السلفية) سائرة في مشروع إنشاء حزب أو جبهة للدخول فيما بعد في الانتخابات. فأقول بوضوح ما بني على فاسد فهو فاسد؛ ليس لنا أي مشاركة في أي حزب أو جبهة، لا جديدة، ولا قديمة؛ لا تحت عنوان: "اعتصموا" كما يشاع، ولا: "تفرقوا"، وهذا كله من الدعايات الفارغة التي يقوم عليها ويروج لها بعض من لا "سلامة" لمقاصدهم ومراداتهم. نحن بدءا وانتهاء (دعوة سلفية) نقية، علمية، تربوية؛ قائم منهجنا الإصلاحي فعليا على أصول ثلاثة: 1- التواصي بالحق والصبر 2- التعاون على البر والتقوى 3- الاعتصام بحبل الله جميعا.
ويجمع ذلك كله قاعدة "التكامل؛ لا التآكل"، بين أفراد المجتمع كله من جهة، وبين أولياء الأمور من جهة أخرى؛ ليؤدي كل دوره بتقوى الله. لا سبيل للإصلاح الحق فيما نرى جازمين إلا على وفق هذا الطريق الحق..والله تعالى يقول: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
والحزبية كما هو اعتقادنا الجازم ضد هذا كله، فرعا وأصلا. والواقع بل التاريخ شاهد لا يكذب!
• تلتقون مع تيارات أسلامية قريبة منكم فكريا هل هناك خطة للتحالف معها؟
- "التيارات الاسلامية" بمجملها حزبية، وهو ما لا نقبله، ولا نرتضيه البتة، ولكن هذا لا يمنع من التعاون المنضبط معها فيما نعتقده من الحق الذي قد نرى أنه لا يمكن لمجموع الأمة تحقيقه إلا من خلال مثل هذا التعاون، أما "التحالف"، فلا؛ وليس ذلك من جهتنا فقط لا، ولكن لأن الحزبية من حيث هي منغلقة على نفسها، منحصرة على أتباعها؛ وحرصها الأول والأخير حقيقة هو بقاء حزبيتها واستمرار مسيرتها، ولو على حساب المصلحة الأعم والأهم مصلحة الشعب والوطن.
وما قد يحدث من تحالفات بين بعض تلكم الأحزاب وبين غيرها، من أحزاب أو أفراد؛ فلا يعدو أن يكون مؤقتا أولا، وضمن أطرهم الحزبية ثانيا، وما تجربة "حزب النور" الذي أعلن نفسه سلفيا في مصر ببعيدة عن المتابع الفطن الذكي؛ فالذي نراه أنها تجربة أقرب إلى الفشل؛ حيث أدت هذه التجربة كيفما كان الأمر إلى تقهقر الدعوة السلفية، وضعف انتشارها أولا وإلى تشكيك عموم الناس بمصداقيتها، ومواقفها ثانيا. وكنا قد نصحناهم في مقال مطول قبلا بعدم الانخراط في العمل السياسي، أو الحزبي، ولكن إن الدعوة السلفية دعوة فطرية علمية، تربوية، منهجية؛ تريد للناس كل شيء من الخير؛ ولا تريد منهم أي شيء إلا التجاوب مع الحق؛ ما يجعلها علميا وعمليا تغاير طرائق الأحزاب جميعا إسلامية وغير إسلامية.
وعموم الأمة والحمد لله أمة مسلمة؛ تريد فقط من يذكرها، وتحتاج الى من يعلمها، وينبهها. وليس في منهجية الدعوة السلفية، إضافة إلى ما سبق منثورا، أكثر من هذه الأهداف المسددة العالية.
• التيارات الإسلامية الاخرى تتهمكم أنكم مقربون من السلطة، ما ردكم على هذه الاتهامات؟
- باب الاتهامات كبير كثير فينا وفي غيرنا؛ وبخاصة في عصر الإعلام الفضائي، وزمن الإنترنت العنكبوتي، وكوننا مقربين من النظام أو غير مقربين: ليس هو المشكلة؛ بل البحث الذي ينبغي أن يكون؛ هو: هل في مواقفنا العامة أو الخاصة ما يخالف منهجنا، أو ما يناقض دعوتنا؟!
هنا البحث، وإلا: فلا فائدة، مع التنبيه إلى أن دعوى أننا (مقربون من النظام) دعوى باطلة؛ بل يكاد يكون عكسها هو الصواب إذ إن أكثر رؤساء الحزبيين كانوا وبعضهم ما يزال جزءا من (النظام) كما يقولون، وليس فقط مقربا من النظام.
وما نحن كيفما كان الأمر إلا مواطنون عاديون في بلد تحكمه قوانين، وظروف، وحقوق متبادلة، ليس غيرنا بأولى فيها منا، كما أننا لسنا بأولى من غيرنا فيها، والله تعالى يقول ردا لكل الاتهامات في كافة الاتجاهات: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}.
الغد