هيومن رايتس ووتش: القصف الإسرائيلي على مؤسسة مالية جريمة حرب
جو 24 :
قالت "هيومن رايتس ووتش"، الأربعاء، إن القصف المتكرر الذي شنه الجيش الإسرائيلي على "جمعية مؤسسة القرض الحسن" المالية التابعة لـ "حزب الله" في لبنان يشير إلى هجمات متعمدة على أعيان مدنية ترقى إلى جرائم حرب.
ووفقا لتقارير إعلامية، طالت الهجمات الإسرائيلية في ليل 20 أكتوبر/تشرين الأول 2024 نحو 30 فرعا تابعا لـ القرض الحسن في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع. ادّعى مسؤولون إسرائيليون أن المؤسسة المالية تموّل حزب الله، الذي يخوض نزاعا مسلحا مع إسرائيل، لكنهم لم يدّعوا أن المجموعة مشاركة بشكل مباشر في الأعمال العدائية. استخدام جماعة مسلحة مؤسسةً مالية أو جمعية أو مصرفا لا يشكل مساهمة فعالة في العمل العسكري، وبالتالي فإن مؤسسة كهذه ليست هدفا عسكريا مشروعا بموجب قوانين الحرب.
وقال رمزي قيس، باحث لبنان في هيومن رايتس ووتش: "تشير الضربات المتكررة التي يشنها الجيش الإسرائيلي على المؤسسات المالية اللبنانية إلى هجوم متعمد وغير قانوني على الجناح المدني لـ حزب الله. تصنيف مؤسسة مدنية هدفا عسكريا بسبب انتمائها بدلا من مساهمتها الفعالة في العمل العسكري يعرّض جميع العمليات التجارية للخطر أثناء الحرب".
وأفادت وسائل إعلام لبنانية عن وقوع ثلاث ضربات على الأقل على مراكز القرض الحسن في الضاحية الجنوبية لبيروت، وفي إحدى الحالات أدت إلى انهيار مبنى شاهق. كما وردت أنباء عن قصف العديد من المراكز الأخرى التابعة للجمعية في جنوب لبنان، وسهل البقاع وبعلبك والهرمل في الشرق.
وقال مسؤول استخباري إسرائيلي كبير لوسائل الإعلام إن "الغرض من هذه الضربات [ضد القرض الحسن] هو استهداف قدرة حزب الله على العمل أثناء الحرب، ولكن أيضا بعد ذلك، [استهداف] إعادة بناء وإعادة تسليح المنظمة في اليوم التالي، والسيطرة التي يتمتع بها حزب الله على أجزاء كبيرة من المجتمع اللبناني". أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت على موقع "إكس" في 22 أكتوبر/تشرين الأول أن "[إضعاف] قدرات حزب الله يتطلب حملة عسكرية واقتصادية على حد سواء".
في فيديو منشور على حسابه في إكس في 20 أكتوبر/تشرين الأول، قال أفيخاي أدرعي، المتحدث العسكري الإسرائيلي باللغة العربية، إن "معظم مصادر التمويل الإيراني ومصادر الدخل المستقلة التابعة لحزب الله تودع وتدار داخل فروع جمعية تدعى مؤسسة جمعية القرض الحسن". قال أدرعي إن الجمعية تشارك في تمويل أنشطة حزب الله ضد إسرائيل، وبالتالي تعتبر هدفا عسكريا. وخلال المساء، أصدر الجيش الإسرائيلي ما لا يقل عن 24 تحذيرا بالإخلاء لمبانٍ مختلفة في جنوب لبنان، والضاحية الجنوبية لبيروت، وسهل البقاع وبعلبك.
تم تحديد الموقع الجغرافي في مقطَعَيْ فيديو من قبل مجموعة المصادر المفتوحة "جيوكونفيرمد" وتحققت منهما هيومن رايتس ووتش، يوضحان لحظة انهيار مبنى شاهق في الشياح في ضاحية بيروت، كان فيه فرع لـ القرض الحسن، نتيجة غارة جوية. يُظهر فيديو ثالث تم التحقق منه، صُوِّر في اليوم التالي، أنقاض المبنى. حللت هيومن رايتس ووتش صورا نشرتها جريدة "النهار" تظهر الأضرار بالمنطقة المحيطة ووثائق تحمل شعار القرض الحسن مبعثرة على الأرض.
يُظهر مقطعا فيديو آخران، حددت جيوكونفيرمد موقعهما أيضا، وتحققت هيومن رايتس ووتش منهما، مقرّين ثانيا وثالثا للجمعية تلتهمها النيران في الضاحية الجنوبية لبيروت، في برج البراجنة والليلكي.
القرض الحسن جمعية لبنانية تابعة لـ حزب الله ومسجلة لدى وزارة الداخلية اللبنانية منذ الثمانينات. بحسب تقارير، لديها مئات آلاف الزبائن الذين يتلقون قروضا مضمونة بدون فوائد، تصل عادة إلى 5 آلاف دولار أميركي. الجمعية، التي لا تملك ترخيصا من البنك المركزي اللبناني للعمل كمؤسسة مالية كما يقتضي "قانون النقد والتسليف" اللبناني، لديها 30 فرعا على الأقل، معظمها في المناطق ذات الأغلبية الشيعية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وجنوب لبنان، والبقاع.
فرضت وزارة الخارجية الأميركية عقوبات على الجمعية عام 2007 لاستخدامها من قبل حزب الله لإدارة "أنشطته المالية والوصول إلى النظام المالي الدولي". وفقا للوزارة، يستخدم حزب الله الجمعية لنقل الأموال "من خلال حسابات وهمية ووسطاء" ويقدم "خدمات مميزة للبنك لدعم حزب الله، مع التهرب من الترخيص والإشراف التنظيمي المناسبين".
منذ الأزمة الاقتصادية اللبنانية عام 2019، أصبح عدد متزايد من اللبنانيين، وكثير منهم من السكان الشيعة وأنصار حزب الله، زبائن للجمعية، التي تُعتبر "أكبر مؤسسة مالية غير مصرفية تقدم قروضا صغيرة" في البلاد، وفقا لوكالة "أسوشيتد برس". عام 2021، صرّح زعيم حزب الله السابق حسن نصر الله أن جمعية القرض الحسن قدمت 3.7 مليار دولار على شكل قروض إلى 1.8 مليون شخص منذ تأسيسها في الثمانينات.
عام 2023، قدم ثلاثة أعضاء في مجلس النواب شكوى إلى النيابة العامة اللبنانية زاعمين أن الجمعية متورطة في غسيل الأموال ومخالفات مالية.
يفرض القانون الإنساني الدولي على جميع أطراف النزاع التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين والأعيان المدنية، واستهداف الأهداف العسكرية فقط. بموجب القانون الدولي العرفي، تقتصر الأهداف العسكرية على الأعيان التي تساهم بطبيعتها أو موقعها أو غرضها أو استخدامها مساهمة فعالة في العمل العسكري، والتي يوفر تدميرها الجزئي أو الكلي أو الاستيلاء عليها أو تحييدها، في الظروف السائدة في ذلك الوقت، ميزة عسكرية محددة.
في حين تبرهن التصريحات الصادرة عن الجيش الإسرائيلي ووزارة الخارجية الأمريكية ونصر الله أن الجمعية لها صلات بـ حزب الله وأنصاره، إلا أنها تظل عينا مدنية. مساهمة القرض الحسن الفعالة في الأعمال العسكرية لـ حزب الله أضعف من أن توفّر ميزة عسكرية محددة لتكون هدفا قانونيا. قالت هيومن رايتس ووتش إن السماح بهذه الهجمات يجعل جميع المؤسسات المالية التي يستخدمها جميع أطراف النزاع أهدافا عسكرية عرضة للهجوم في جميع الأوقات.
يمكن مقاضاة الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب بقصد إجرامي – أي عمدا أو بتهور – بتهمة ارتكاب جرائم حرب. كما يمكن تحميل الأفراد المسؤولية الجنائية عن المساعدة في ارتكاب جريمة حرب، أو تسهيلها، أو المساعدة عليها، أو التحريض عليها. جميع الحكومات الأطراف في نزاع مسلح ملزمة بالتحقيق في جرائم الحرب المزعومة التي يرتكبها أفراد من قواتها المسلحة أو تُرتكب على أراضيها.
في أبريل/نيسان، أصدر مجلس الوزراء اللبناني تعليمات لوزارة الخارجية اللبنانية بتقديم إعلان إلى قلم "المحكمة الجنائية الدولية" بقبول اختصاص المحكمة على الجرائم الخطيرة المرتكبة على الأراضي اللبنانية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. إلا أن الوزارة لم تتابع المسألة، وفي النهاية تراجعت الحكومة عن قرارها. ينبغي للبنان أن يمنح المحكمة الجنائية الدولية بسرعة الاختصاص لتمكين المدعي العام للمحكمة من التحقيق في الجرائم الدولية الخطيرة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على حلفاء إسرائيل تعليق المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة لإسرائيل، نظرا لاستخدامها بشكل متكرر لارتكاب انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب.
قال قيس: "استهداف الجيش الإسرائيلي المؤسسات التي تقدم خدمات إلى مئات آلاف الناس بسبب انتمائها إلى حزب الله لا ينتهك قوانين الحرب فحسب، بل ينطوي أيضا على خطر معاقبة الذين يعتمدون على هذه الخدمات في معيشتهم".