أثر فوز ترامب والجمهوريين على ملفات المنطقة والعلاقات الإقليمية والدولية - تقدير موقف
جو 24 :
كتب: عريب الرنتاوي -
أولاً؛ قضايا وعوامل لا بد من أخذها بنظر الاعتبار:
1. فوز ترامب جاء كاسحاً، بخلاف المتوقع، وبعكس تقدير مراكز قياس الرأي والاستطلاعات، وبالضد من حملات "الإعلام الرئيس – main stream media"، واعتماداً على وسائل الإعلام البديل، ووسائط التواصل الاجتماعي (درس للاستفادة في كثير من الموضوعات، وليس الانتخابات الأمريكية)
2. الرجل اكتسح بفارق كبير "التصويت الشعبي" وأصوات "المجمع الانتخابي"، ومجلس الشيوخ ويتقدم في مجلس النواب، هذا لا يحصل كثيراً في التاريخ، هذا يجعله رئيساً قوياً بلا منازع، قادر على تمرير سياساته وبرامجه، دون عقبات، أقله لعامين، إلى حين إجراء الانتخابات النصفية.
3. يدرك الرجل أنه مدين – بدرجة ما – لأصوات العرب والمسلمين وأصدقائهم – التي عاقبوا كامالا هريس بتصويتهم له، وأخذوا وعوده لهم، بوقف حرب لبنان وغزة، على محمل الجد، وهو أقر بذلك، ولأول مرة يعترف بالمكون العربي والمسلم، في النسيج الاجتماعي الأمريكي، كان ذلك في خطاب الفوز مباشرة.
4. الرجل لا شك تعلم بعضاً من دروس وأخطاء ولايته الأولى، إن في السياسات أو في انتقاء الأشخاص في مواقع المسؤولية، ولا ندري ما إن كان سيكررها أو سيعمل على تجاوزها، ربما نكون أمام "ترامب مختلف" هذه المرة، وفي كل الأحوال، فالرجل من الصنف الذي لا يمكن التنبؤ بمواقفه وسياساته – unpredictable –
5. للرجل شخصية قوية حادة، بخلاف كلي مع شخصية بايدن الضعيفة والمترددة، وهذا أمر، يخشاه حلفاؤه أكثر من أصدقائه، لأنه لن يغفر لهم مماطلتهم وأكاذيبهم وتضليلهم له، وقد يتصرف بردود أفعال قوية حال اكتشاف ذلك (هنا ينصب الجدل في إسرائيل عند الحديث عن علاقة نتنياهو بترامب)، لكنه سيكون على الأرجح "سخياً معهم، خصوصاً إن كان عليه أن يسدد الفاتورة من جيوب آخرين (أوكرانيا، الضفة الغربية)
6. عالم اليوم، حيث يتسلم ترامب مقاليد البيت الأبيض، ليس كعالم 2016، أقطاب ناشئة، أزمات دولية، حروب في الشرق الأوسط وأوراسيا، وكل ذلك لا بد أن يترك أثراً على سلوكه وسياساته، لكن كيف ومتى، هذا أمر، من المبكر التنبؤ به
7. الرجل لديه ولاية واحدة، وهو أقل اكتراثاُ بمستقبل الحزب الجمهوري، ولا يقيم وزناً كبيراً للمؤسسات، وسيعمل على "تخليد" اسمه وإرثه بالطريقة التي يراها مناسبة، من دون اعتبار كثير للمؤثرات التي تحكم عادة سلوك الرؤساء الأمريكيين.
8. الكثير سيعتمد على نوعية الأشخاص الذين سيلجأ لتعيينهم في إدارته، خصوصاً في الدفاع والخارجية والأمن القومي والمبعوثين الخاصين لقضايا المنطقة: لبنان، فلسطين، الصحراء الغربية، وغيرها...الرجل سيكون منغمساً في الأجندة الداخلية، وسيترك هوامش أوسع، لمساعديه لإدارة ملف السياسات الخارجية والدفاعية وحل الأزمات.
9. سينشغل ترامب بالأجندة الأمريكية الداخلية: الاقتصاد، الطاقة، الحدود والمهاجرين غير الشرعيين، والأرجح أنه سيعتمد على المساعدين في تتبع ملفات السياسة الخارجية
10. حديثه عن استعادة الدور الأمريكي القائد والمهيمن في العالم، لا ينسجم مع نزعاته الانكفائية للداخل، ويتعين عليها مراقبة الكيفية التي سيحل بها هذه المعادلة.
ثانياً؛ التداعيات على أزمات الإقليم والعالم:
• الصراع الفلسطيني (العربي) الإسرائيلي:
يرغب ترامب في وقف إطلاق نار وتهدئة قبل وصوله إلى البيت الأبيض، من المرجح أن يدفع بهذا الاتجاه، وأن يترك لإدارة بايدن، إتمام ما بدأته بعد السابع من أكتوبر، لكنه سيكون أكثر سخاءً مع حكومة اليمين في إسرائيل، لجهة تمكينها من تحقيق أطماعها في الضفة الغربية على وجه الخصوص
الرجل لم يتحدث عن "حل الدولتين"، ولم يقطع أي وعود بهذا الخصوص، وقد يعمل على إحياء "صفقة القرن"، وربما توسيعها لأخذ التطورات في فلسطين وإسرائيل بعين الاعتبار ولنصل إلى "صفقة القرن 2" أو "صفقة القرن بلس"، وأعني بذلك – ربما – زيادة مساحة الأراضي التي يمكن لإسرائيل أن تقتطعها من الضفة وتضمها إليها (المنطقة ج) التي تعادل مساحتها ضعف المساحة التي منحها لإسرائيل في صفقة القرن الأولى (كانت 30 بالمئة، وقد تصل إلى 60 بالمئة)
سيواصل الرجل حربه على الأونروا واللاجئين، واليونيسكو ولجنة حقوق الانسان، وكافة المنظمات التي تدعم الحقوق والمطالب الفلسطينية المشروعة
الرجل لا يحترم السلطة ولا الرئيس عباس، وليس من الذين يعولون على تمكينها وتوسيع ولايتها، وسيكون أكثر ميلاً لتعزيز الدور العربي في المسألة الفلسطينية على حسابها، وبالذات الدورين السعودي والإماراتي، كما فعل في ولايته الأولى
لدى الرجل ميل لتقليص الدورين الأردني والمصري في الشأن الفلسطيني لصالح إطار إقليمي إبراهيمي، سعودي – إماراتي، بيد أنه لن يتخطى عمان والقاهرة كلية، فالحلول، أياً كانت، تمر بهما بفعل الجغرافيا والتاريخ.
السلطة والأردن، استقبلا ترامب بكثير من القلق والترقب، هذا ليس خبراً ساراً لعمان ورام الله، ولكن "من نكد الدنيا على المرء أن ترى عدواً ما من صداقته بدُّ"
مصر ينتابها إحساس "مزدوج" على حد تعبير مصدر مصري مطّلع من جهة، ثمة ارتياح لمواقف ترامب مع الخلاف مع أثيوبيا حول سد النهضة، بخلاف الحال مع إدارة بايدن هاريس، ومن جهة ثانية، ثمة قلق من تصعيد الدور السعودي والإماراتي على حساب الدور التركي.
لبنان، يعوّل على إنجاز ملف التهدئة والقرار 1701 مع إسرائيل في ولاية بايدن، على أن المفاوضات لحسم القضايا الخلافية الأبعد والأعمق: ترسيم الحدود، مستقبل سلاح حزب الله، سيجري بحثها في ظل إدارة ترامب، وثمة رهان على دور لصهره اللبناني، مسعد بولس، للقيام بدور شبيه إلى حد ما، بالدور الذي لعبه الصهر الأكبر في صفقة القرن، جاريد كوشنر، ولكن على المسار اللبناني، وثمة تسريبات لبنانية بأنه سيُكلف بدور ما من قبل ترامب.
لا يمانع ترامب في ترك سوريا، مجالاً للنفوذ الروسي، لكنه يعارض تحويلها لقاعدة للحرس الثوري، وليس لديه أية مشاريع أو مبادرات حيال الأزمة السورية، حتى الآن على الأقل، وسبق له أن قرر سحب قواتها من شماليها الشرقي، بيد أنه تراجع تحت ضغط البنتاغون والسي آي إيه.
ثمة ارتياح سعودي – إماراتي ظاهر، تأسيساً على العلاقات الوطيدة التي بناها الرجل مع البلدين في ولايته الأولى، وإشاراته المتكررة لولي العهد السعودي بشكل خاص، واستعداداته للعمل معه عن قرب، وفي كل الملفات ... ترامب سيواصل توسيع المسار الإبراهيمي، وسيحاول بشدة ضم السعودية إليه، فهو صاحب هذا المسار، وباسمه ارتبطت مسيرة التطبيع العربي – الإسرائيلي في موجتها الأخيرة.
ثمة قلق جزائري، يقابله ارتياح مغربي، لمجيء ترامب بهذه القوة، لأنه اعتراف بسيادة المغرب على الصحراء لتشجيع الرباط عل التطبيع مع إسرائيل، وهو اعتراف لم تسقطه إدارة باين، ولكنها لم تترجمه إلى سياسات وإجراءات عملية، وظلت تتحدث بلغة مزدوجة، تارة بـ"مغربية الصحراء" وأخرى بدعم الموفد الأممي ديمستورا ومبادراتها والوساطة الأممية.
من موقعه وخلفيته، كرجل أعمال وتجارة، من المعتقد أن يكون أكثر حزماً ضد محاولات "عرقلة الملاحة" في البحر الأحمر، وهذا سينعكس علاقاته باليمن والحوثيين بشكل خاص، وسيقرر شكل مواقفه وإجراءات إدارته.
إيران وتركيا
غني عن القول، أن الرجل الذي سارع للانسحاب من الاتفاق النووي، وفرض أقصى العقوبات على إيران، لن يكون ودوداً معها، طهران تدرك ذلك تتحسب له، وقد بدأت "تبني على الشيء مقتضاه"، كما في تصريحات لاريجاني وبوزشكيان الأخيرة.
ترامب يؤثر سلاح العقوبات والخنق الاقتصادي، ولديه خط أحمر حاسم في وجه برنامج إيران النووي، وهو صاحب القرار بقتل قاسم سليماني، وستشهد علاقاته مع طهران فصلاً تصعيدياً جديداً، ما لم تقدم رئاسة الإصلاحيين "بزشكيان" وفريقه، على تقديم عروض للرجل المعروف بإدارته للسياسة الخارجية بعقلية رجل الأعمال، والميل للصفقات و"المقايضات"، ثمة حديث عن احتمال تنشيط القناة العُمانية بين البلدين.
من غير المتوقع أن تكون لديه ميول حربية ضد إيران، وهو سيحاول تفادي هذا السيناريو، إلا في حال داهمه لأسباب خارجة عن إرادته، وربما قبل توليه مقاليد السلطة.
تركيا، في وضع أفضل مع ترامب مما كانت عليه مع إدارة بايدن هاريس، فقد تخلصت من ملف "حقوق الانسان" وغيره من الملاحظات "السمجة" التي اعتاد منتهكو حرمة الانسان في غزة، على توجيهها لدول أخرى، مختلفة معهم سياسياً
أحد أهم مصادر الارتياح التركي، تخلص أنقرة من عبء "المسألة الكردية" وروابط بايدن الشخصية وتعاطفه التاريخي مع الحركة الكردية في العراق وسوريا وتركيا وإيران ... لا مشاعر خاصة تربط ترامب بالأكراد.
تركيا ما زالت تذكر أن ترامب كان ينوي سحب الجيش الأمريكي من شمال غرب سوريا، وترك "قسد" لمصيرها مع الأتراك والنظام السوري والمليشيات الإيرانية، لولا تدخل البنتاغون والسي آي إيه، لمنع حدوث الانسحاب
o فوز ترامب، خفف من قلق تركيا الناجم عن النجاحات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، وتهديد نتنياهو بخلق شرق أوسط جديد، ذلك أن "فائض القوة" الإسرائيلية، من شأنه تشجيع النزعات الانفصالية للكرد، بمن فيهم أكراد تركيا، ولهذا بدا القلق التركي كبيراً في الآونة الأخيرة من الحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة، واهتمام أنقرة بملف المصالحة مع دمشق وتحريكها للوساطة الروسية، ولهذا أيضاً رأينا زعيم الحركة القومية، حليف أردوغان، بهتشلي، يدعو لمصالحة تاريخية بين كرد تركيا وأتراكها، بما في ذلك حديثه عن الحاجة لدعوة عبد الله أوجلان لمخاطبة البرلمان التركي، إن تعهد بإلقاء السلاح.
• الأزمة الأوكرانية والعلاقة مع موسكو وكييف.
ستكف أوكرانيا عن البحث في سيناريو "ما بعد هزيمة روسيا"، هذا ليس احتمالاً، و"الواقعية السياسية" ستفرض نفسها على زيلينسكي، الذي قد يكون أول الخاسرين في الانتخابات الأمريكية بعد كامالا هاريس...الأوكرانيون سيجبرون على خفض سقف تطلعاتهم وأهدافهم، والتفكير بمسار سياسي لحل الأزمة الأوكرانية، لأن أوكرانيا والأوكرانيين، هم وقود الحرب...لن تنفعهم أوروبا ولا بريطانيا.
صبيحة اليوم التالي للانتخابات، تغيرت نبرة الخطاب الأوكراني، فجاءت أحاديث قادة كييف، متسمة بقدر مفاجئ من الواقعية والعقلانية، لم ينضج أو يتبلور بعد، ولكنه في الطريق إلى ذلك.
ثمة قناعة بأن الأزمة الأوكرانية، ستضع أوزارها مع ترامب، وغالباً على حساب زيلينسكي وأكرانيا، لكن السؤال، ينصب حول متى وكيف وبأي ثمن؟، وسينعكس الموقف الأمريكي على مواقف الدول الأوروبية المتحمسة لتحجيم روسيا واستنزافها
لهذا السبب، ثمة ارتياح في الكرملين لنتائج الانتخابات، موسكو لم تخفِ تفضيلها لترامب والجمهوريين، على هاريس والديمقراطيين.
ترامب سيسعى لإبعاد روسيا عن الصين، للتفرع لمواجهة الأخيرة، بوصفها التهديد الأكبر لتفوق أمريكا وزعامتها للعالم، وليس روسيا.
• العلاقات الدولية
من المنتظر أن تشتعل حروب تجارية وجمركية واقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، سيتولى ترامب هذا الملف شخصياً، وسيشرف عليه بنفسه
من المتوقع أن تشهد العلاقات مع الصين، قدر أعلى من التوتر في بحر الصين وفي الأسواق العالمية، وسيكون هناك سيعي حثيث لمنع بكين من الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية، ومنع البضائع الصينية من التسلل إلى الأسواق الأمريكية، وإعادة نظر شاملة في سلاسل التوريد.
ستشهد العلاقات بين ضفتي الأطلسي قدراً كبيراً من الارتباك وعدم الارتياح وغياب عنصر الثقة.
حلف الناتو، سيكون بدوره عرضة لمشكلات بين الدول الأعضاء، ترامب ليس سعيداً بالحلف، وينظر إليه كعبء على الخزينة الأمريكية، ومشاريع إحيائه وتوسعته، لن تحظى بأولوية لديه.
سيُعطي ترامب أولوية أكبر لتحالف الدول الناطقة بالإنجليزية والانجلو-سكسونية، على الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو (بريطانيا التي شجعها على البريكسيت، استراليا، كندا، نيوزيلندا)
ستتعرض الأمم المتحدة ومنظماتها الأممية ومحاكم لاهاي، للتهميش، وستكون هدفاً لانتقادات وربما "عقوبات"، وقد تنسحب واشنطن من عدد منها، وقد تخفض تمويلها.
لن تحظى قضايا "التغيير المناخي" ومصادر الطاقة البديلة (الخضراء) باهتمام من قبل إدارته، وسيعزز الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية والهيدروكربون، وسيحارب الصين في سياراتها الكهربائية، كما سيحد من انتقال الشركات الأمريكية لمصادر الطاقة النظيفة، وسيحاول ضمان أسعار نفط رخيصة للمستهلك الأمريكي.