- الـحـقـيـقـة الـكـامـنـة وراء إقالـة غالانت ومخاطرها - ترجمات
كتب - عاموس يادلين عن «N12»
لكن التأثير هنا في الأمن أعمق كثيراً. لكي ندرك سبب الإقالة، يكفينا الاستماع إلى يوآف غالانت، الذي أظهر نزاهة استثنائية منذ 7 تشرين الأول: ابتداء من معارضته محاولات نتنياهو تمرير قانون تمويل التهرب من التجنيد لأسباب سياسية بحتة، مروراً بإصراره على التوصل إلى صفقة لتحرير الأسرى، ووصولاً إلى دعوته إلى تشكيل لجنة تحقيق حكومية في أحداث السابع من تشرين الأول. هذه ثلاث قضايا لا يمكن التقليل من أهميتها الحاسمة لأمن إسرائيل وتماسُكها الداخلي في العقود القادمة.
استطاع وزير الدفاع غالانت العمل بشكل جيد مع المؤسسة الأمنية، ومع الجيش الإسرائيلي، وأظهر قوة وصلابة، وقاد الأجهزة الأمنية بنجاح نحو تحقيق سلسلة من الإنجازات غير المسبوقة في مواجهة جميع أعداء إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة. حتى إنه حظيَ بثقة الإدارة الأميركية التي هرعت لمساعدة إسرائيل في اللحظات الحرجة.
أمّا الحكومة الإسرائيلية فهي تعاني من نقص حاد في الثقة، سواء من شعبها، أو على الساحة الدولية، خصوصاً في واشنطن، فعلى الرغم من فوز دونالد ترامب، فإن الرئيس جو بايدن سيستمر في منصبه حتى 20 كانون الثاني. في هذه الظروف، ومع شعور بايدن وفريقه بالإحباط إزاء كل أكاذيب نتنياهو وبهلوانياته، كان الوزير غالانت الشخص الوحيد الذي نال ثقة الإدارة الأميركية.
بفضل غالانت هبّت الولايات المتحدة إلى دعم إسرائيل من الجوانب العسكرية والدفاعية والهجومية، في الحرب التي «فُرضت» علينا. فعلى مَن سيعتمد وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الآن، بعد أن نسج مع غالانت علاقات من الثقة والفهم المتبادل على مدار عام من الحرب الشديدة؟ ومن ضمن أعضاء الفريق المقرب من رئيس الوزراء، لديه خلفية أمنية عسكرية عميقة، وهي أمر بالغ الأهمية لاتخاذ القرارات في هذه المرحلة؟
هل توجد شخصية أمنية قادرة على إدارة حوار مهني وصريح مع وزير الدفاع الأميركي الحالي، ومع مَن سيخلفه في الإدارة القادمة، بشأن قضايا مصيرية، مثل تحركات إيران في الشرق الأوسط وبرنامجها النووي الآخذ في التوسع، في وقت يميل ترامب إلى إنهاء الحروب وتجنُّب التدخل العسكري في الشرق الأوسط، بل حتى شطب هذه القضايا من جدول الأعمال؟ يسرائيل كاتس ليس على دراية بالشبكة المعقدة للعلاقات الأمنية بين إسرائيل والولايات المتحدة، ولا بالوضع المعقد في ساحات القتال المختلفة، وهو لا يملك حتى خبرة أمنية أساسية سوى الجلوس في «الكابينيت». هل هذه الفترة الحاسمة التي نعيشها هي الوقت المناسب لوزير دفاع يحمل على صدره شارة «مبتدئ» ليبدأ باكتساب أسرار المهنة؟
عاد نتنياهو إلى الكذب، بوقاحة، في بثّ موجّه إلى الشعب الإسرائيلي، عبر استغلاله تركيز الولايات المتحدة على الانتخابات، ولصرف الانتباه عن التحقيقات في الشبهات الجنائية المحتملة في مكتبه، والتي تتعلق بأمن الدولة. طبعاً، لم تكن هناك صفقة سيئة ومشينة لحشد أغلبية في الائتلاف لتمويل وتشجيع التهرب من التجنيد، بينما يُقتل جنود الاحتياط والجنود النظاميون يومياً، ويُثقل كاهل زملائهم بالأعباء، بل كان هناك ادعاء واهٍ وزائف بشأن «سوء علاقات العمل مع غالانت». وماذا بعد؟ إقالة رئيس «الشاباك» والمستشارة القضائية للحكومة بهدف إجهاض التحقيقات ضد نتنياهو، والمضيّ قدماً في الانقلاب الدستوري؟ إقالة رئيس الأركان من أجل الاستمرار في إغفال قضية الأسرى، واستمرار الحرب بلا نهاية، في ظل ترسيم أهداف وهمية لها؟ وكل ذلك بعد أن كان الجيش ووزير الدفاع المُقال يضغطان من أجل إنهاء الحرب لتحويل المكاسب الميدانية إلى تسويات سياسية تحسّن وضعنا الإستراتيجي، وصفقة أسرى تفي بالتزاماتنا الأخلاقية؟
ينكر نتنياهو أنه يعتزم إقالة رئيس هيئة الأركان، ورئيس جهاز «الشاباك»، والمستشارة القضائية للحكومة، حسبما تشير مصادر مقربة منه إلى وسائل الإعلام، لكن لم يعد في الإمكان الوثوق بأيّ كلمة تصدر عن هذا الرجل، ما دامت مسألة تشبّثه بكرسي الحكم هي أولويته القصوى، حتى لو أدى ذلك إلى أضرار جسيمة بمصالح الدولة وأمنها. إن إقالة وزير الدفاع ليست أمراً شخصياً، بل هي حدث وطني. إنها تتلخص في الاختيار ما بين غالانت ووجود دولة مسؤولة قائمة على التضامن المتبادل، وبين دولة تفرّط بمواطنيها وجنودها وأسراها وقيَمها، ومؤسساتها الديمقراطية.
لا يمكن لشعب إسرائيل أن يسمح لنفسه بأن يظل غير مبالٍ، في وقت يقوم رئيس الوزراء بإقالة وزير دفاع ناجح في ذروة الحرب، ويسعى لتمرير قانون للتهرب الجماعي من التجنيد، بينما يعاني الجيش نقصاً بالآلاف من الجنود في مواجهة التهديدات، والأعباء تثقل كاهل قواته النظامية والاحتياطية. لا يمكن لشعب إسرائيل أن يتجاهل أفعال رئيس وزراء تصدر عن مكتبه توجيهات خادعة تهدف إلى إفشال صفقة الأسرى، مع التلاعب بمواد استخباراتية حساسة جرى تسريبها بشكل غير قانوني من الجيش وتعريض المصادر الاستخباراتية للخطر، والتلاعب بمحاضر الاجتماعات في الأيام التي تلت السابع من تشرين الأول، بينما جثامين أبنائنا ممددة أمامنا، ودولة إسرائيل ومواطنوها يكافحون من أجل البقاء.
إسرائيل بحاجة إلى قيادة ذات بوصلة أخلاقية وإستراتيجية، لا إلى قيادة تركز على ضمان بقائها السياسي وتدمير ما تبقى من أنظمة الضوابط والتوازنات التي تفصل بين تحوّل نظام الحكم في إسرائيل إلى نظام دكتاتوري. إن الجيش الإسرائيلي، بكل قادته وجنوده، مطالَب بحماية إسرائيل من التهديدات الخارجية. أمّا نحن كمواطنين، فتقع على عاتقنا مسؤولية التصدي للتهديد الداخلي، الذي قد يتعزز بفوز ترامب في الولايات المتحدة ونزعاته المعادية للديمقراطية. نحن نعيش في أيام مصيرية تتطلب الوقوف، ووقف هذه الاتجاهات الخطِرة. إن مصيرنا في أيدينا.