من مؤتة إلى طوفان الأقصى: صمودٌ مستمدٌ من الإيمان وكسرٌ لجبروت العدوان
أ. د. هاني الضمور
جو 24 :
في صفحات التاريخ الإسلامي، تألق صمود المسلمين في غزوة مؤتة كنموذج خالد للشجاعة، حينما واجه المسلمون جيش الروم المتفوق عدداً وعتاداً، متسلحين بالتوكل على الله وواثقين بوعده سبحانه بالنصر للمؤمنين. وفي هذا الزمن، تعود روح مؤتة في غزة، حيث يقف أهلها اليوم في وجه قوة الاحتلال الصهيوني، مستلهمين نفس الصبر والعزيمة، وموقنين بأن الله هو النصير والقادر على أن يُبدل ضعفهم قوة، كما قال تعالى: "إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ” (آل عمران: 160).
من الدروس البارزة التي تجمع بين مؤتة وغزة هي أن النصر لا يُقاس بالعدد والعدة، بل بالإيمان وعدالة القضية. فغزوة مؤتة، التي قادها المسلمون بقيادة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، كانت رمزاً للتضحية واليقين بنصر الله، رغم الفارق الكبير في القوة. وهذا ما نراه اليوم في عملية "طوفان الأقصى”، حيث أثبتت المقاومة أن القوة الحقيقية هي تلك التي تأتي من القلب المؤمن والروح المتوكلة، تماماً كما قال الله تعالى: "كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ” (البقرة: 249).
إن مشاهد المقاومة في غزة تحمل ذات الدلالات التاريخية من الإيمان والتحدي، حيث يتقدم أبناء غزة للدفاع عن أرضهم ومقدساتهم ضد عدوٍ يمتلك القوة العسكرية، مؤكدين أن الروح المتوكلة على الله قادرة على كسر جبروت أي عدوان. ففي كل قذيفة ومواجهة، يتجدد لديهم اليقين بوعد الله، حيث قال سبحانه: "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” (الحج: 40).
وقد أثبتت الدراسات التاريخية والنفسية أن الإرادة المستمدة من عقيدة قوية وإيمان عميق يمكنها أن تتغلب على الظروف الصعبة والتفوق المادي. فقد أظهرت الأبحاث أن الجيوش والمقاومات التي تحفزها قضايا عادلة، وتستلهم قوتها من معتقدات راسخة، تكون أكثر قدرة على الصمود وتحقيق النتائج، مهما كانت التحديات.
ما يحدث اليوم في غزة هو تجسيد عملي لكلمات الله في محكم التنزيل، والتي تربط النصر بالإيمان والصبر، حيث قال تعالى: "فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ” (الروم: 60). هذا الصمود في وجه العدو لا يبعث فقط الأمل في قلوب الفلسطينيين، بل يحيي في الأمة بأسرها الشعور بالعزة والإيمان بأن النصر يأتي من عند الله، مهما اشتدت الصعوبات وتعاظمت التحديات.