''العرب اليوم''.. الأزمة المالية ليست وحدها المسؤولة
لخص إعلاميون أزمة الإعلام المالية وفساد الإدارات والتدخلات الأمنية بالأحداث المتراكمة والسريعة التي أدت إلى إغلاق صحيفة "العرب اليوم"، لافتين إلى أن الأزمة المالية التي عاشتها الصحيفة والوسط الإعلامي ككل هي جزء من الحالة الاقتصادية العامة للبلاد والعالم، وليست وحدها المسؤولة عن انهيار المؤسسات الإعلامية وتراجعها.
وشددوا على أنه يتوجب على الدولة إدراك حجم الخسارة المترتبة على ضعف الإعلام وسقوط المؤسسات الإعلامية، وهو ما يلزمها بحماية هذه المؤسسات؛ بتطوير البنية التشريعية والقيمية للإعلام، وترسيخ الثقة الشعبية بدوره، وكف يد المربع السياسي الأمني عن العبث في الإعلام، وإيقاف تقويض قيم الأخلاق والحرية في نفوس الإعلاميين والمجتمع.
مدير التحرير السابق لصحيفة العرب اليوم عدنان برية يجد أن المؤسسات الصحفية والإعلامية تخوض أزمة وجود، في ظل تراجع الدور القيادي للإعلام والإعلاميين، عازياً ذلك إلى سببين؛ أولهما: فساد الإدارات المالية والإدارية، وتعاطي هذه الإدارات مع السلطات الحكومية، ونظرتها للصحافة والمنظومة القيمية الأخلاقية الضابطة للعمل الإعلامي.
وأكد برية في تصريح لـ "السبيل" أن ما يواجهه الإعلام من مخاطر ومؤامرات يمكن اختصاره بما حصل في صحيفة العرب اليوم، قائلاً: "العرب اليوم كصحيفة لم تكن تعاني من مشاكل مالية تنذر بالسقوط المدوي الذي حصل لها، بيد أنها وقعت ضحية لمؤامرة كبرى على الإعلام هي جزء من استراتيجية الإعلام في الدولة التي تقضي بتفكيك المؤسسات الإعلامية، وإعادة صياغة الإعلام ببناء مؤسستين كبيرتين لتشكلا قطبين إعلاميين، وتصفية البقية أو إبقائها في مرحلة الموت السريري كي لا تتمكن من المنافسة في صراع الإعلام السياسي الأمني الذي ترعاه الحكومة".
وزاد: "مؤسسات الدولة تتعاطى مع الإعلام وفقاً لنظرية الليمونة باستغلاله حتى آخر نفس، والتخلص منه بعد انتهاء مهمته؛ وهو ما أفقد الصحافة مصداقيتها، وقدرتها على التعاطي مع المجتمع، وهو ما يتلخص بعملية البيع المشبوهة، ونقل الملكية التي تمت في "العرب اليوم"، وما لحقها من محاولات لتكرار التجربة في صحيفة الدستور، غير أن انتفاضة الرأي أسقطت الأقنعة وعلقت الأجراس، فمشكلة الإعلام ليست مالية بحتة، لكنها مرتبطة "بتطوير البنية التشريعية والقيمية للإعلام وترسيخ الثقة الشعبية بدوره".
وحمل برية الحكومات المتعاقبة المسؤولية عما يجري في الوسط الإعلامي، فآخر توقعاتها أن تخرج ثورة الإعلام من أم الصحف الأردنية الرأي والمعروفة بقربها من الدولة؛ لأن أجواء التغيير التي سادت عقب ما جرى في "العرب اليوم"، والتي قام بها الزملاء في الرأي تقول للحكومة "اتق صمت الحليم"، وهو ما يوجب عليها كف يد المربع السياسي الأمني عن العبث في الإعلام، وإيقاف تقويض قيم الأخلاق والحرية في نفوس الإعلاميين والمجتمع، ومتابعة إدارات المؤسسات الصحفية والإعلامية إدارياً ومالياً، ورفع سطوتها عن نقابة الصحفيين لتمثل الصحفيين، وتساند حقوقهم بدلاً من مساندتها رأس المال الإعلامي.
نقيب الصحفيين طارق المومني أكد وجود إشكاليات كبيرة يواجهها الإعلام الأردني، أهمها الرغبة الحكومية في إيجاد مساحة للإعلام المهني الحر البعيد عن التدخل الأمني والسياسي بالقدر الممكن؛ حيث إن دول العالم قاطبة بما فيها الدول الديمقراطية تسعى للسيطرة على الإعلام بشتى الطرق المتاحة؛ لتبقى بمأمن من سهامه في حال كان تحت سيطرة رأس المال الخاص الذي لا يمكن رقابته بالشكل المطلوب.
وشدد في حديثه لـ "السبيل" على أن ما شهدته صحيفة العرب اليوم هو مثال على فساد الإدارة، وفشل الاستثمار في الإعلام؛ لعدم توفر الشروط والضوابط التي تحكم عملية الاستثمار لضمان الاستمرارية وضمان حقوق العاملين، نافياً ما يتداول حول وجود صفقة مشبوهة لبيع "العرب اليوم" وتصفيتها بالشكل الذي تم على الرغم من أنها لم تكن من السوء بالدرجة التي تنذر بإعلان إفلاسها وتصفيتها بهذه السرعة؛ فالصحيفة ملك شخصي لفرد، وهو حر التصرف فيها، وليس هناك ما يجبره على الإبقاء عليها في حال عدم جدوى ذلك مالياً مطالباً بتغيير قوانين الإعلام، وتعديل القوانين الناظمة الاستثمار في القطاع الإعلامي.
وأرجع المومني المشكلات التي يواجهها الإعلام إلى فساد المستثمرين، وسوء الإدارة، وعدم القدرة على تحليل سوق الإعلام، وتراجع حجم الإعلام، وظهور الإعلام الجديد "الإلكتروني" والترهل الإداري الذي تعانيه المؤسسات الإعلامية، وتدخل أذرع الدولة بالطرق المختلفة في المؤسسات الإعلامية، لافتاً إلى أن ما شهدته صحيفة الرأي من احتجاجات كبيرة، كان له صدى مدوٍ في الدولة؛ لارتفاع سقفها، وخروجها من كبرى المؤسسات الصحفية الأردنية المحسوبة على الدولة، وهو ما ينذر ببداية جديدة للإعلام.
يذكر أن صحيفة العرب اليوم هي صحيفة يومية أردنية كانت تصدر عن شركة المجموعة الوطنية للاستثمار الإعلامي، بيعت لرجل الأعمال الياس جريسات، ترأس تحريرها حتى إعلان إفلاسها في 17-7 2013 الصحفي نبيل غيشان.