يديعوت تكشف عن خلافات حول "اليوم التالي للحرب"
جو 24 :
ترجمة -
عن صحيفة "يديعوت" *
المقاتلون الأربعة، الذين سقطوا، أول من أمس، في بيت حانون، ضحّوا بحياتهم من أجل المخطوفين. المعارك التي يخوضها الجيش، الآن، في القطاع، هي قبل أيّ شيء، من أجل الضغط على "حماس" لكي تبدي مرونة إزاء عقد صفقة تبادُل المخطوفين، والوصول إلى وضع يتوقف فيه القتال، ولا يبقى لدى "حماس" مخطوفون أحياء، أو أموات.
وفي الواقع، عندما بدأ الجيش بسلسلة توغلاته في شمال قطاع غزة، بدايةً في جباليا، ثم في بيت لاهيا وبيت حانون، كان لديه هدفان حددهما المستوى السياسي: الأول، منع إعادة تمركُز "حماس" كقوة تخوض حرب عصابات في شمال القطاع، على مسافة كيلومترين تقريباً من سديروت ومستوطنات الغلاف؛ والهدف الثاني، كان الضغط على "حماس" من خلال الضربات المتتالية لعناصرها وناشطيها، وتدمير منظومتها التحت أرضية في شمال القطاع، والضغط عسكرياً من أجل إطلاق المخطوفين.
وبعكس الآراء المختلفة السائدة وسط الجمهور يسود طاقم كبار المسؤولين، الذين يعالجون مسألة المخطوفين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، تقدير مفاده أن الضغط العسكري هو، فعلاً، الأداة الوحيدة التي ستدفع ورَثة السنوار، شقيقه محمد، قائد "حماس" في جنوب القطاع، وعز الدين حداد، قائد شمال القطاع، إلى التوصل إلى وقف إطلاق النار، لأن "حماس" تتخوف من أن يكون القتال في شمال القطاع، محاولة لفصل شمال القطاع عن سائر أجزاء قطاع غزة، وضمّه إلى إسرائيل.
ويدّعون في "حماس" أن التدمير الهائل الذي يُلحقه القتال بالمباني التي لا تزال قائمة في شمال مدينة غزة يعكس في الواقع جهداً إسرائيلياً لمنع السكان من العودة إلى منازلهم. وبحسب معرفتي فإن هذا ليس ما تنويه إسرائيل، لكن خوف مفاوضي "حماس" من خسارة شمال القطاع هو خوف حقيقي، وهو الدافع الأساسي الذي يدفعهم إلى التوصل إلى اتفاقات بشأن إطلاق المخطوفين.
خلافات حول "اليوم التالي"
تنوي إسرائيل الإبقاء على هذا التهديد إلى أن توافق "حماس" على الصفقة، التي سيتوقف القتال في نهايتها، وسيعود كل المخطوفين إلى إسرائيل. تريد "حماس" الحصول على صورة انتصار، وتأمل بأن تحققها من خلال إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية. وصورة النصر هذه يحتاج إليها التنظيم الإسلامي من أجل تعبئة التأييد الدولي لترميم قوته في غزة في "اليوم التالي". لا تسعى "حماس" للبقاء في غزة فحسب، بل تريد ترميم قوتها من جديد، ولهذه الغاية هي بحاجة إلى أمرين: وقف القتال، وتحرير أسرى فلسطينيين، مع تغطية إعلامية من السجون الإسرائيلية.
يُدرك صنّاع القرار في القدس ورؤساء المنظومة الأمنية أن لا مفرّ من التعهد بوقف القتال، مع علمهم الواضح بأنه إذا جرى ذلك في الظروف الحالية، فمعناه أن إسرائيل ستحقق إطلاق المخطوفين، و"حماس" لا تُعد جيشاً لها، لكنها لن تحقق الهدف الثالث للحرب، أي القضاء على سلطة "حماس". لذلك، إذا جرى التوصل إلى صفقة في الأيام المقبلة، فإن التركيز سينتقل فوراً إلى ترتيبات "اليوم التالي".
وفي الواقع، تناقش الأطراف المشارِكة في المفاوضات في الدوحة هذه المسألة التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من المفاوضات بشأن صفقة المخطوفين. ومن وراء الكواليس، يجري تداوُل مخطط توافق عليه مصر وقطر والأميركيون والإمارات. يحتوي هذا المخطط على خطوط عامة بشأن حُكم مدني في غزة قادر على فرض القانون، ويكون خاضعاً لحكومة فلسطينية مؤقتة، نوع من لجنة، يكون أعضاؤها من التكنوقراط المدنيين من سكان القطاع، ومن دون انتماء سياسي واضح.
يوجد عدد غير قليل من هؤلاء في قطاع غزة، قسم منهم من عناصر السلطة الفلسطينية السابقين، وجزء آخر من الذين خدموا مع "حماس"، لكن في وظائف مدنية، ومن دون أن يكون لهم دور سياسي في صفوف الحركة. تعمل هذه الحكومة المؤقتة تحت إشراف لجنة عليا للرقابة، يشارك فيها أميركيون وإماراتيون وربما غيرهم. وتقوم هذه اللجنة بالمراقبة والإشراف على الحكومة المؤقتة، كما تقدم المليارات المطلوبة من أجل إعادة إعمار القطاع. هناك توزيع عمل حقيقي في اللجنة، فمصر هي التي تقود، حالياً، المساعي المتعلقة بتأليف الحكومة الفلسطينية المؤقتة في القطاع، بينما يعمل كلٌّ من الإمارات والولايات المتحدة على تشكيل اللجنة العليا للرقابة والإشراف.
يسمّي المصريون هذه الحكومة "لجنة دعم غزة"، وأعلنت "حماس"، بوساطة ممثليها في القاهرة، أنها لا تريد إدارة القطاع، وتوافق على أن تستمد الحكومة المؤقتة صلاحياتها من السلطة الفلسطينية، برئاسة أبو مازن، لكن لن يديرها رجال أبو مازن، بل الغزّيون فقط، وربما محمد دحلان. لقد أعلنت إسرائيل، رسمياً، عدم موافقتها على أن تكون قطر عضواً في اللجنة العليا، كما أوضح نتنياهو، أكثر من مرة، أنه يرفض أن تكون السلطة الفلسطينية هي الجهة التي تستمد منها الحكومة المؤقتة في غزة صلاحياتها.
في المقابل، لا تصرّ مصر والإمارات والأردن والسعودية على إشراك قطر في المؤسسات التي ستنشأ بعد الحرب في القطاع، لكن تطالب هذه الدول بأن تكون السلطة الفلسطينية الكيان الموجّه، والبدء بعملية تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية في المستقبل.
"جهنم" ترامب
تؤثر النقاشات المتعلقة بهذا المخطط في المفاوضات بشأن تحرير المخطوفين، وكذلك إعلان الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، أنه يريد اتفاقاً لوقف النار وإعادة المخطوفين قبل حفل تنصيبه رئيساً، بعد أيام فقط.
هدد ترامب "بجهنم" إذا لم يُستجب لطلبه. هناك مَن يسخر من هذا التهديد، لكن ترامب قادر على إلحاق الأذى بـ"حماس" من خلال الاتفاق مع إسرائيل على تقليص المساعدات الإنسانية لغزة... كذلك في استطاعة ترامب وقف تدفّق المال والتمويل الضخم من أجل إعادة إعمار القطاع، وهذا أيضاً بمثابة سيف مسلط فوق رأس "حماس".
لكن ترامب غير قادر على إحداث تغيير جذري في الجانب الإسرائيلي، وسيطلب من نتنياهو أن يفعل شيئاً رفض حتى الآن أن يقوم به، وهو يعارضه، انطلاقاً من ذرائع سياسية وأيديولوجية. بإمكان ترامب أن يطلب من نتنياهو، وربما طلب منه، الموافقة على أن يكون للسلطة الفلسطينية دور في "اليوم التالي" في قطاع غزة عموماً، وأن يشغّل عناصر السلطة معبر رفح من الجانب الغزّي عندما يُعاد فتحه. وهناك مؤشرات واضحة تدل على أن موفد الرئيس الأميركي المنتخب تحدّث مع نتنياهو بشأن هذه المسائل.
والخلاصة هي أن صفقة تبادُل المخطوفين ومسألة "اليوم التالي" في القطاع مرتبطتان ببعضهما. ويجب أن يكون هناك اتفاق مبدئي على هذين الموضوعين من أجل الخروج من المراوحة في غزة. يفكرون في الجيش، وفي المؤسسة، وبتوجيهات من وزير الدفاع، في عملية للسيطرة على كل أراضي القطاع، إذا انتهت المفاوضات بشأن المخطوفين من دون التوصل إلى النتيجة المقبولة من وجهة النظر الإسرائيلية. حتى الآن، امتنع الجيش من القيام بمثل هذه العملية، خوفاً على حياة المخطوفين، لكن إذا اتضح أنه لا يمكن تحريرهم عبر صفقة فإن سيطرة الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة ستكون هي الخطوة المقبلة.
* رون بن يشاي