إجراءات ضبط العنف الجامعي شكلية وقادة التعليم عاجزون
جو 24 : قبل أشهر من الان حدثت «مجازر» في جامعات، وليست مشاجرات، وراح ضحيتها طلبة، وتصدرت تلك الاحداث المشهد السياسي والاكاديمي والشعبي في البلاد، وتم التعاطي مع الاحداث على اساس ان ما حدث غريب عن واقع الجامعات.
الغريب في الامر ان ما حدث قبل أشهر، سبقه في فترات سابقة، ليست بعيدة، احداث مماثلة وراح ضحيتها «طلبة» ولاقت هذه الاحداث انذاك نفس الاهتمام والتصدر،للاسباب والموجبات ذاتها.
الاهتمام والمتابعة، انخفضت وتيرتها مع مرور الايام تدريجيا ولكن دون تقديم اي علاج لهذه المظاهر والظواهر، وتم الاكتفاء بمعالجات انية وعقابية، أقتصرت على قرارات فصل وانذارات واجتماعات تنظيرية بين المسؤولين، لم يتم تفريغ مضامينها في تقارير او حتى في جدول اعمال الجلسات.
بعد ذلك رجع القائمون على قطاع التعليم العالي للاهتمام موضوعات تقليدية ذات بعد اكاديمي واداري بحت ، بعيدا عن القضايا الرئيسية وعلى رأسها «العنف الجامعي»، الذي لم يبق كما يدعي البعض بأنه مصطلح لا يرتقي لمستوى ما يحدث في الجامعات.
ليعود الاهتمام والتصدر لذات المشكلة، على اصداء ما يشبه «المعارك» التي دارت رحاها في جامعة البلقاء التطبيقية قبل ايام، والتي تم التعامل معها في البدايات من قبل الجامعة ذاتها وفق سياسة «وضع الرأس بالرمل» وعلى اساس «غيمة صيف» وستذهب.
ومع اشتداد حدة العنف، على مدار ايام، اخذت الاجتماعات والاتصالات بين المسؤولين في قطاع التعليم العالي تشتد وبدأت التوجيهات تصدر من المسؤولين الى المرؤسين وكأن ما يحدث سيتم معالجته وتجاوزه بقرار او اجتماع او بتعليق دراسة.
ورغم خطورة ما يحدث في الجامعات، الذي يزداد مع مرور الوقت بسبب تجاهل تجفيف منابعه والاكتفاء بإجراءات «تخديرية» سرعان ما ينتهي مفعولها، فما تزال مؤسسات التعليم العالي بمفكريها ومسؤوليها عاجزين عن البدء في ايجاد حلول لهذه الظواهر، ولعل مضامين البيان الذي اصدر عقب الاجتماع التشاوري بين رؤساء الجامعات ورئيس مجلس التعليم العالي الخميس الماضي، تأكيد لهذا الاستنتاج.
الخطأ الذي ما يزال اصحاب القرار في قطاع التعليم العالي مصرين على ارتكابه، هو تحميل «الطلبة» السبب الرئيسي في ما يحدث بالجامعات من اعمال عنف ومشاجرات، في حين ان السبب الرئيسي هو الاهمال في الذي يمارسه القائمون على مؤسسات التعليم العالي تجاه هؤلاء الطلبة، بحيث تكون نتيجته مثل هذه السلوكيات.
ولم تأت سياسة «اهمال الطلبة» من فراغ، ولم تكن ايضا دارجة في أعراف مؤسساتنا قبل (15) سنة على الاكثر في الجامعات، بل انها نتاج سياسة وقرارات استراتيجية خاطئة اتخذت في الفترات السابقة.
تلك السياسات والقرارات،التي اتخذت من منظور سياسي بحت، بعيد كل البعد عن خصوصية تلك المؤسسات، وبعيد عن الاكاديمية والتعليم والبحث العلمي، باتت نهجا واسلوب إدارة، غيرت اتجاهات الاهتمامات الى غير محلها.
وحل مكان المهام والواجبات الملاقاة على عاتق القائمين على الجامعات اهتمامات «شكلية» لتحقيق مصالح نفعية مؤطرة بطابع ذي منفعة عامة، يقوم على اساس نيل «الرضى» للمسؤول وبحسب التدرج الوظيفي، الى حد ان الهرم الوظيفي لمؤسسات التعليم العالي باتت ذات نهايات متنوعة ومتعددة.
في وقت غيبت تلك الممارسات الشكلية، سياسات التقييم الحقيقية للاداء، وكذلك مرجعيات الحكم على الاداء وغيرها، ليصبح المشهد مجرد إجراءات شكلية تفرضها المتطلبات القانونية، إلا ان تلك الاجراءات التقييمية ذات دلالات شكلية.
قبل أشهر قليلة، اشارت تسريبات مسؤولين عن توجه لتغيير رؤساء جامعات، وعلى اثر ذلك بدأت عملية الاستعراض للمنجز المتحقق تظهر من قبل رؤساء جامعات، كإجراء ودرع وقائي بأن لا تطالهم عاصفة التغيير المنتظرة، وذلك في غياب منهجية التقييم الحقيقية والواقعية، وفي احيان غياب ومبررات التغيير وكذلك التعيين.
ما تضمنه استعراض رؤساء جامعات من منجزات «حقيقي»، إلا أن ذلك لا يعرض المشهد الكامل لواقع الحال، وإنما تم التعامل بطريقة انتقائية تقدم صورة ايجابية.
وبات هذا المسلك، احد اطوقة النجاة، من عاصفة التغيير، بعدما جعلت التعديلات التي أدخلت على التشريعات الناظمة للجامعات رئيس الجامعة في وضعية «الموظف»، في انتقاص واضح وصريح لاستقلالية الجامعات.
فرئيس الجامعة الرسمية يعين ويقال وتنتهي صلاحيته بتنسيب من مجلس التعليم العالي، الذي بعد تعديل تشكيلته، اصبح يضم (7) اشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص في المجال الاكاديمي و التعليم العالي ممن يحملون رتبة الاستاذية، مع التنبيه بأنه يتم تعيينهم بناء على تنسيب من رئيس مجلس التعليم العالي، الذي هو بحكم القانون، وزير التعليم العالي والبحث العلمي.
ما ينطبق على رؤساء الجامعات الرسمية، يحاكي حالة باقي القيادات الادارية والاكاديمية في الجامعات نفسها، إلا ان الارتباط فيما يتعلق بتنسيب رئيس الجامعة مرجعه مجلس الامناء، الذي يعينه رئيس واعضاء بناء على تنسيب من رئيس الوزراء.
فبات اهتمام تلك القيادات، ليس تحقيق المنجز بقدر الحصول على «الرضى» في معرض التهافت والتنافس على المواقع الادارية والاكاديمية، ليكون الاهتمام بالبحث العلمي وتطوير اساليب التدريس والتواصل مع الطلبة «الاستثناء».
ما يجب ان يدركه القائمون على قطاع التعليم العالي ومؤسساته ان «الطالب» في حقيقة الامر هو ضحية، وليس السبب الرئيسي، وان معالجة مثل هذه الظواهر، لا تكون بمعاقبة الطلبة فقط، بل بإتباعها بإجراءات تصحيحية تنفيذية واقعية، بعيدا عن الشكلية واللجان «الاستعراضية» والاستراتيجيات التنظيرية.
(الرأي)
الغريب في الامر ان ما حدث قبل أشهر، سبقه في فترات سابقة، ليست بعيدة، احداث مماثلة وراح ضحيتها «طلبة» ولاقت هذه الاحداث انذاك نفس الاهتمام والتصدر،للاسباب والموجبات ذاتها.
الاهتمام والمتابعة، انخفضت وتيرتها مع مرور الايام تدريجيا ولكن دون تقديم اي علاج لهذه المظاهر والظواهر، وتم الاكتفاء بمعالجات انية وعقابية، أقتصرت على قرارات فصل وانذارات واجتماعات تنظيرية بين المسؤولين، لم يتم تفريغ مضامينها في تقارير او حتى في جدول اعمال الجلسات.
بعد ذلك رجع القائمون على قطاع التعليم العالي للاهتمام موضوعات تقليدية ذات بعد اكاديمي واداري بحت ، بعيدا عن القضايا الرئيسية وعلى رأسها «العنف الجامعي»، الذي لم يبق كما يدعي البعض بأنه مصطلح لا يرتقي لمستوى ما يحدث في الجامعات.
ليعود الاهتمام والتصدر لذات المشكلة، على اصداء ما يشبه «المعارك» التي دارت رحاها في جامعة البلقاء التطبيقية قبل ايام، والتي تم التعامل معها في البدايات من قبل الجامعة ذاتها وفق سياسة «وضع الرأس بالرمل» وعلى اساس «غيمة صيف» وستذهب.
ومع اشتداد حدة العنف، على مدار ايام، اخذت الاجتماعات والاتصالات بين المسؤولين في قطاع التعليم العالي تشتد وبدأت التوجيهات تصدر من المسؤولين الى المرؤسين وكأن ما يحدث سيتم معالجته وتجاوزه بقرار او اجتماع او بتعليق دراسة.
ورغم خطورة ما يحدث في الجامعات، الذي يزداد مع مرور الوقت بسبب تجاهل تجفيف منابعه والاكتفاء بإجراءات «تخديرية» سرعان ما ينتهي مفعولها، فما تزال مؤسسات التعليم العالي بمفكريها ومسؤوليها عاجزين عن البدء في ايجاد حلول لهذه الظواهر، ولعل مضامين البيان الذي اصدر عقب الاجتماع التشاوري بين رؤساء الجامعات ورئيس مجلس التعليم العالي الخميس الماضي، تأكيد لهذا الاستنتاج.
الخطأ الذي ما يزال اصحاب القرار في قطاع التعليم العالي مصرين على ارتكابه، هو تحميل «الطلبة» السبب الرئيسي في ما يحدث بالجامعات من اعمال عنف ومشاجرات، في حين ان السبب الرئيسي هو الاهمال في الذي يمارسه القائمون على مؤسسات التعليم العالي تجاه هؤلاء الطلبة، بحيث تكون نتيجته مثل هذه السلوكيات.
ولم تأت سياسة «اهمال الطلبة» من فراغ، ولم تكن ايضا دارجة في أعراف مؤسساتنا قبل (15) سنة على الاكثر في الجامعات، بل انها نتاج سياسة وقرارات استراتيجية خاطئة اتخذت في الفترات السابقة.
تلك السياسات والقرارات،التي اتخذت من منظور سياسي بحت، بعيد كل البعد عن خصوصية تلك المؤسسات، وبعيد عن الاكاديمية والتعليم والبحث العلمي، باتت نهجا واسلوب إدارة، غيرت اتجاهات الاهتمامات الى غير محلها.
وحل مكان المهام والواجبات الملاقاة على عاتق القائمين على الجامعات اهتمامات «شكلية» لتحقيق مصالح نفعية مؤطرة بطابع ذي منفعة عامة، يقوم على اساس نيل «الرضى» للمسؤول وبحسب التدرج الوظيفي، الى حد ان الهرم الوظيفي لمؤسسات التعليم العالي باتت ذات نهايات متنوعة ومتعددة.
في وقت غيبت تلك الممارسات الشكلية، سياسات التقييم الحقيقية للاداء، وكذلك مرجعيات الحكم على الاداء وغيرها، ليصبح المشهد مجرد إجراءات شكلية تفرضها المتطلبات القانونية، إلا ان تلك الاجراءات التقييمية ذات دلالات شكلية.
قبل أشهر قليلة، اشارت تسريبات مسؤولين عن توجه لتغيير رؤساء جامعات، وعلى اثر ذلك بدأت عملية الاستعراض للمنجز المتحقق تظهر من قبل رؤساء جامعات، كإجراء ودرع وقائي بأن لا تطالهم عاصفة التغيير المنتظرة، وذلك في غياب منهجية التقييم الحقيقية والواقعية، وفي احيان غياب ومبررات التغيير وكذلك التعيين.
ما تضمنه استعراض رؤساء جامعات من منجزات «حقيقي»، إلا أن ذلك لا يعرض المشهد الكامل لواقع الحال، وإنما تم التعامل بطريقة انتقائية تقدم صورة ايجابية.
وبات هذا المسلك، احد اطوقة النجاة، من عاصفة التغيير، بعدما جعلت التعديلات التي أدخلت على التشريعات الناظمة للجامعات رئيس الجامعة في وضعية «الموظف»، في انتقاص واضح وصريح لاستقلالية الجامعات.
فرئيس الجامعة الرسمية يعين ويقال وتنتهي صلاحيته بتنسيب من مجلس التعليم العالي، الذي بعد تعديل تشكيلته، اصبح يضم (7) اشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص في المجال الاكاديمي و التعليم العالي ممن يحملون رتبة الاستاذية، مع التنبيه بأنه يتم تعيينهم بناء على تنسيب من رئيس مجلس التعليم العالي، الذي هو بحكم القانون، وزير التعليم العالي والبحث العلمي.
ما ينطبق على رؤساء الجامعات الرسمية، يحاكي حالة باقي القيادات الادارية والاكاديمية في الجامعات نفسها، إلا ان الارتباط فيما يتعلق بتنسيب رئيس الجامعة مرجعه مجلس الامناء، الذي يعينه رئيس واعضاء بناء على تنسيب من رئيس الوزراء.
فبات اهتمام تلك القيادات، ليس تحقيق المنجز بقدر الحصول على «الرضى» في معرض التهافت والتنافس على المواقع الادارية والاكاديمية، ليكون الاهتمام بالبحث العلمي وتطوير اساليب التدريس والتواصل مع الطلبة «الاستثناء».
ما يجب ان يدركه القائمون على قطاع التعليم العالي ومؤسساته ان «الطالب» في حقيقة الامر هو ضحية، وليس السبب الرئيسي، وان معالجة مثل هذه الظواهر، لا تكون بمعاقبة الطلبة فقط، بل بإتباعها بإجراءات تصحيحية تنفيذية واقعية، بعيدا عن الشكلية واللجان «الاستعراضية» والاستراتيجيات التنظيرية.
(الرأي)