«وقودها الناس والحجارة»
عريب الرنتاوي
جو 24 : على الأرض، تجري أبشع ترجمة دموية لخلافات “المحاور” وصراعاتها، في الحرب الواحدة المحتدمة في دول ثلاث: العراق، سوريا ولبنان، وقودها الناس والحجارة ... وفي رد على “جنيف الكيماوي”، ومن بعده “جنيف النووي”، يبدو أن جبهات القتال الدامي مرشحة للاشتعال والاحتدام... أما الحروب المتنقلة، فستشهد المزيد من الصولات والجولات، إلى أن يقتلع فريقٌ الفريق الآخر، أو يتوصل الفريقان المحتربان إلى القناعة، بأن الحرب ليست خياراً، وأنه لا بد من الجلوس على مائدة المفاوضات.
دول الإقليم المناهضة لجنيف الكيماوي والنووي، ارتأت الرد في ريف دمشق وغوطتها، بعد أسابيع مضنية من عمليات التحشيد وتجميع القوى تحت راية “الجبهة الإسلامية” التي تضم في عضويتها قوى سلفية رئيسة من خارج إطار “داعش” و”النصرة”، مثل لواء التوحيد، حركة أحرار الشام، جيش الإسلام، صقور الشام، لواء الحق، كتائب أنصار الشام، الجبهة الإسلامية الكردية وبعض وحدات الجيش السوري الحر وشخصيات معارضة وفصائل أخرى أقل شأناً، وبحضور نشط لأجهزة استخبارية وفقهاء الظلام والسلاطين، ودائماً بضيافة “أخوية كريمة” من تركيا العدالة والتنمية.
الهدف العملياتي المباشر للتشكيل الجديد الذي لا يُخفي موقفه المناهض للائتلاف الوطني والحل السياسي و”جنيف 2”، هو ملء الفراغ الناجم عن تفكك الجيش السوري الحر وتراجع دوره ونفوذه، والتصدي للتقدم الذي يسجله الجيش النظامي، في مسعى يائس لاستعادة زمام المبادرة، خصوصاً في دمشق وأريافها وغوطتها ... وثمة تقارير متعددة المصادر عن أوسع عمليات تدريب (الباكستان) وتجنيد (معسكرات اللاجئين) وتهريب للمقاتلين عبر أكثر من حدود لسوريا مع جوارها.
أما الهدف السياسي فهو “كسر النفوذ الإيراني في المنطقة في حلقته السورية”، وهو هدف قديم متجدد، لم تيأس القوى الرافعة للوائه من إبقائه على صدارة جداول أعمالها، برغم الضربات الموجعة، ميدانياً وسياسياً، التي تعرضت في سوريا ... وبرغم “الاختراق الاستراتيجي” الذي حققته طهران على مسار علاقاتها بالغرب.
قلنا بالأمس، أن انعكاسات الاتفاق النووي الإيراني – الغربي على الأزمة السورية، ستكون إيجابياً، وقد تفضي إلى تسريع مسارات الحل السياسي، وهذا صحيح طالما تعلق الأمر بالقوى الدولية الأساسية والأطراف المتعاقدة في جنيف حول النووي الإيراني، لكن خصوم “جنيف” الإيراني والسوري، لن يرفعوا الراية البيضاء قبل أن يتبين لهم أن كلفة الاستمرار في حملها أعلى بكثير من كلفة إلقائها في الوحول، وإلى أن يصل هؤلاء إلى النتيجة المرجوّة، فإن دماء سورية وعراقية ولبنانية كثيرة ستسيل في شوارع المنطقة وحواري مدنها وبلداتها.
في هذا السياق، نقرأ التصعيد الذي يشهده العراق ... وفي إطاره أيضاَ نقرأ عملية “بئر حسن” التي استهدفت السفارة الإيرانية في بيروت ... والعمليات على ساحات المجابهة الثلاث، تخطت ردود الأفعال الانتقامية، ودخلت في سياق “تجهيز الميدان” للحسم عسكرياً أو سياسياً ... لكأن أحلك ساعات الأزمة السورية، تلك التي تسبق انبلاج فجر الحلول والتسويات السياسية، وأزعم أن السوريين يمرون في هذه الساعات الدامية.
“داعش” حملت على التشكيل “السلفي” الجديد، بل واعتبرته بمثابة “صحوات جديدة” كتلك التي نشأت في غرب العراق لتحريره من نفوذ القاعدة وسيطرتها قبل ست سنوات أو يزيد ... وثمة في صحف لندن المحسوبة “خليجياً” ما يشف عن سياسة جديدة، هدفها تدعيم “الجهاد” في سوريا ولكن بعيداً عن “داعش”، حتى أن بعض المعلقين المحسوبين على صناع القرار في دول عربية نافذة ، لم يستبعدوا فكرة “التعاون” مع “النصرة” بوصفها مدرسة سلفية معتدلة، وتمييزاً لها عن “داعش” الأكثر غلواً وتطرفاً ... إنهم يستجيرون من الرمضاء بالنار.
إنه التخبط والإحساس العميق بالخذلان والفشل وفقدان البوصلة، هو ما يدفع البعض لخوض غمار هذه المغامرة، لا لأن مصيرها محكومٌ عليه بالفشل الذريع فحسب، بل ولأنها تهدد باستعداء مروحة واسعة من القوى والدول، في الإقليم وخارجه، ممن ينظر للقاعدة ومشتقاتها، وليس للقاعدة وحدها، بوصفها تهديداً للأمن والسلم الدوليين، ولن يرتضي بحال من الأحوال، الاندراج في مشروع يستبدل الأسد ونظامه، بأبي محمد الجولاني وزهران علوش، أياً كانت مبررات الرعاة ومسوّغاتهم.
الذين ساءهم خروج ثمانين مليون إنسان إيراني من شرنقة الحصار والعقوبات، لا يبالون باستمرار تدفق شلال الدم السوري لأشهر وسنوات قادمات، طالما أنهم قرروا المضي في حروبهم المذهبية حتى آخر سوري وعراقي ولبناني، وطالما أن هذا التحشيد المذهبي المؤسف، قد بات وسيلة لإطالة أعمار بعض الأنظمة وإدامة عروشها، وسيستمر الحال على حاله، إلى أن تقترب النار من مشعليها واللاعبين بها، وما ذلك على هذا الإقليم المتقلب بسرعة، ببعيد.
(الدستور)
دول الإقليم المناهضة لجنيف الكيماوي والنووي، ارتأت الرد في ريف دمشق وغوطتها، بعد أسابيع مضنية من عمليات التحشيد وتجميع القوى تحت راية “الجبهة الإسلامية” التي تضم في عضويتها قوى سلفية رئيسة من خارج إطار “داعش” و”النصرة”، مثل لواء التوحيد، حركة أحرار الشام، جيش الإسلام، صقور الشام، لواء الحق، كتائب أنصار الشام، الجبهة الإسلامية الكردية وبعض وحدات الجيش السوري الحر وشخصيات معارضة وفصائل أخرى أقل شأناً، وبحضور نشط لأجهزة استخبارية وفقهاء الظلام والسلاطين، ودائماً بضيافة “أخوية كريمة” من تركيا العدالة والتنمية.
الهدف العملياتي المباشر للتشكيل الجديد الذي لا يُخفي موقفه المناهض للائتلاف الوطني والحل السياسي و”جنيف 2”، هو ملء الفراغ الناجم عن تفكك الجيش السوري الحر وتراجع دوره ونفوذه، والتصدي للتقدم الذي يسجله الجيش النظامي، في مسعى يائس لاستعادة زمام المبادرة، خصوصاً في دمشق وأريافها وغوطتها ... وثمة تقارير متعددة المصادر عن أوسع عمليات تدريب (الباكستان) وتجنيد (معسكرات اللاجئين) وتهريب للمقاتلين عبر أكثر من حدود لسوريا مع جوارها.
أما الهدف السياسي فهو “كسر النفوذ الإيراني في المنطقة في حلقته السورية”، وهو هدف قديم متجدد، لم تيأس القوى الرافعة للوائه من إبقائه على صدارة جداول أعمالها، برغم الضربات الموجعة، ميدانياً وسياسياً، التي تعرضت في سوريا ... وبرغم “الاختراق الاستراتيجي” الذي حققته طهران على مسار علاقاتها بالغرب.
قلنا بالأمس، أن انعكاسات الاتفاق النووي الإيراني – الغربي على الأزمة السورية، ستكون إيجابياً، وقد تفضي إلى تسريع مسارات الحل السياسي، وهذا صحيح طالما تعلق الأمر بالقوى الدولية الأساسية والأطراف المتعاقدة في جنيف حول النووي الإيراني، لكن خصوم “جنيف” الإيراني والسوري، لن يرفعوا الراية البيضاء قبل أن يتبين لهم أن كلفة الاستمرار في حملها أعلى بكثير من كلفة إلقائها في الوحول، وإلى أن يصل هؤلاء إلى النتيجة المرجوّة، فإن دماء سورية وعراقية ولبنانية كثيرة ستسيل في شوارع المنطقة وحواري مدنها وبلداتها.
في هذا السياق، نقرأ التصعيد الذي يشهده العراق ... وفي إطاره أيضاَ نقرأ عملية “بئر حسن” التي استهدفت السفارة الإيرانية في بيروت ... والعمليات على ساحات المجابهة الثلاث، تخطت ردود الأفعال الانتقامية، ودخلت في سياق “تجهيز الميدان” للحسم عسكرياً أو سياسياً ... لكأن أحلك ساعات الأزمة السورية، تلك التي تسبق انبلاج فجر الحلول والتسويات السياسية، وأزعم أن السوريين يمرون في هذه الساعات الدامية.
“داعش” حملت على التشكيل “السلفي” الجديد، بل واعتبرته بمثابة “صحوات جديدة” كتلك التي نشأت في غرب العراق لتحريره من نفوذ القاعدة وسيطرتها قبل ست سنوات أو يزيد ... وثمة في صحف لندن المحسوبة “خليجياً” ما يشف عن سياسة جديدة، هدفها تدعيم “الجهاد” في سوريا ولكن بعيداً عن “داعش”، حتى أن بعض المعلقين المحسوبين على صناع القرار في دول عربية نافذة ، لم يستبعدوا فكرة “التعاون” مع “النصرة” بوصفها مدرسة سلفية معتدلة، وتمييزاً لها عن “داعش” الأكثر غلواً وتطرفاً ... إنهم يستجيرون من الرمضاء بالنار.
إنه التخبط والإحساس العميق بالخذلان والفشل وفقدان البوصلة، هو ما يدفع البعض لخوض غمار هذه المغامرة، لا لأن مصيرها محكومٌ عليه بالفشل الذريع فحسب، بل ولأنها تهدد باستعداء مروحة واسعة من القوى والدول، في الإقليم وخارجه، ممن ينظر للقاعدة ومشتقاتها، وليس للقاعدة وحدها، بوصفها تهديداً للأمن والسلم الدوليين، ولن يرتضي بحال من الأحوال، الاندراج في مشروع يستبدل الأسد ونظامه، بأبي محمد الجولاني وزهران علوش، أياً كانت مبررات الرعاة ومسوّغاتهم.
الذين ساءهم خروج ثمانين مليون إنسان إيراني من شرنقة الحصار والعقوبات، لا يبالون باستمرار تدفق شلال الدم السوري لأشهر وسنوات قادمات، طالما أنهم قرروا المضي في حروبهم المذهبية حتى آخر سوري وعراقي ولبناني، وطالما أن هذا التحشيد المذهبي المؤسف، قد بات وسيلة لإطالة أعمار بعض الأنظمة وإدامة عروشها، وسيستمر الحال على حاله، إلى أن تقترب النار من مشعليها واللاعبين بها، وما ذلك على هذا الإقليم المتقلب بسرعة، ببعيد.
(الدستور)