معتقلون يروون عن الجحيم بالسجون السورية
طأطأت رأسها خجلا، وأشحت بوجهي عن ناظريها لتشجيعها على الاسترسال في الحديث، وبعد تلعثم وتردد، تشجعت أ.ج (20 عاما) لتروي لنا كيف اضطرت لاستخدام ملابس ملطخة بالدماء والقمل والحشرات تعود لمعتقلين آخرين للتعامل مع دورتها الشهرية، وكيف وقفت عارية أمام مسؤول التفتيش في زنازين النظام السوري بدمشق.
لم تعتصر الفتاة السورية ذاكرتها كثيرا لاستعادة تلك المشاهد، فهي حاضرة بذهنها لا تغيب، ويبدو أن التعذيب البدني القاسي ليس إلا جزءا يسيرا مما يتعرض له المعتقلون في سجون النظام.
وتتذكر الشابة أيام اعتقالها. فرغم أنها هي نفسها عذبت بالضرب على الأرجل بأسلاك كهرباء شائكة، وبعمليات الشبح (ربط اليدين والرجلين في السقف) ومن ثم الضرب على الرأس، وحشرت مع 13 فتاة في غرفة طولها متران وعرضها متران، فإن أكثر ما كان يؤلمها -كما تقول- هو أصوات التعذيب القادمة من الغرف المجاورة.
وشرحت لنا كيف أُرغمت في إحدى المرات على مسح دماء معتقلين تغطى إحدى تلك الغرف. كما منعها السجانون بحمص "وأغلبهم من الساحل" -في إشارة للبعد الطائفي للصراع- من أداء الصلاة.
وأضافت أ.ج أنها سجنت بدمشق أيضا، وتذكرت بكثير من الحسرة كيف وقفت عارية أمام المفتش في موقف "ليس هناك أكثر خزيا منه".
وتقول المعتقلة السابقة إن الأكل يقدم في أكياس مملوءة بالشعر والوسخ، وكانت تتلقى تهديدات بنشر صورها عارية على الإنترنت.
أمضت أ.ج 63 يوما موزعة بين الأمن العسكري في دمشق (215) والأمن العسكري بحمص (261) لاتهامات وصفتها بأنها "واهية" كالمشاركة في تفجيرات. لكنها تؤكد أن السبب هو مشاركها في جهود الإغاثة.
عائلة ثائرة
أطلق سراح أ.ج في صفقة تبادل أفرج بموجبها النظام عن ألفي معتقل مقابل 48 إيرانيا في يناير/كانون الثاني الماضي، وهي تعيش الآن بمدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا، حيث التقيناها وحيث تعيش مع أختها التي اعتقلت هي الأخرى ستة أشهر.
وتنتظر الأختان والدهما المعتقل السابق، الذي لا يزال بدمشق ينتظر الإفراج عن ابنه المعتقل منذ بدايات الثورة السورية عام 2011، ولذلك لا تريد ذكر اسمها خوفا من أن يؤثر ذلك على وضع شقيقها في السجن أو يؤخر الإفراج عنه.
أما عماها فقتل أحدهما بهجوم على أحد المنازل، والثاني "قتل تعذيبا لبصقه على صورة المقبور"، في إشارة إلى الرئيس الراحل حافظ الأسد والد الرئيس الحالي بشار الأسد.
روت أ.ج عن حالات مأساوية عديدة التقتها بالسجن من ضمنها امرأة اعتقلت مع زوجها بينما ألقى عناصر الأمن ابنتيها في الشارع ليلا. ورغم أن المرأة التي كانت حاملا أجهضت من التعذيب فإن أكثر ما يؤلمها كان مصير ابنتيها. كانت تلك المرأة تكهرب "من كل مكان" وكان زوجها يرغم على اتهامها بأنها كانت تمارس الفاحشة مع عناصر الجيش الحر.
من ناحيته تحدث مالك جابر (34 عاما) من مخيم "كلس" للاجئين عن صنوف أخرى من العذاب تجرعها في سجن السياسة بحلب كقلع الأظافر ودق مسامير بقدمه على لوح خشبي.
أما خليل إبراهيم (38 عاما) من ريف إدلب فاعتقل 75 يوما على فترتين لرفضه التعاون مع النظام من خلال الهلال الأحمر السوري الذي يتهمه بأنه جزء من المخابرات السورية.
تحدث إبراهيم -وهو معاق ويقيم الآن بمخيم نزب للاجئين- عن صعقه بالكهرباء على عضوه الذكري وعن وضعه داخل كيس من الخيش ثم ربطه عليه وضربه. كان المحققون يسألونه من ربك: الله أم بشار؟ فإذا قال الله، يبدأ الضرب، وفي إحدى المرات ضُرب بآلة حادة على الرأس ففقد جزءا من ذاكرته بعدها لأشهر.
ويقدر محمد أمين مدير المكتب الإعلامي للهيئة العامة للثورة السورية ومقره غازي عنتاب أعداد المعتقلين داخل السجون السورية بنحو 300 ألف "ولكن هذه الأرقام ليست أكيدة حيث إن كل معتقل مشروع شهيد حتى يخرج".
ويقول إن عددا كبيرا من ضحايا التفجيرات التي يقوم بها النظام للصقها بالمعارضة كانوا معتقلين وأحيانا يكونون باللباس الداخلي ومقيدي الأيدي، مما يؤكد أنه "ليست هناك حدود فاصلة ما بين المعتقل والشهيد".
(الجزيرة)